تمثل الخطط الاستراتيجية أحد أبرز مُمكِّنات الدولة نحو تحقيق مسارات التنمية المستدامة؛ ويعتبر صُنَّاع هذه المسارات أحد أهم الأضلعالرئيسية لتحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وكما درسنا في التخطيط الاستراتيجي أن لكل هدف وغاية مُدخلات تُساهم فيتحقيق النتائج المرجوَّة أو التغذية الراجعة لمعالجة التحديات أو الإخفاقات، وقد شكلت رؤية عمان (2020) أحد أبرز الطموحات التي عوَّلتعليها الدولة ومختلف قطاعتها لتحقيق المستوى الآمن لحياة الناس وانتعاش الاقتصاد، واختصارا لأهدافها فقد سعت إلى تنمية المواردالبشرية الوطنية وتعزيز قدراتها ومهاراتها، وخلق بيئة حاضنة للقطاع الخاص لتمكين الكوادر الوطنية العمانية في الإبداع والقيادة، وتعزيزدور القطاع الخاص في صناعة القرارات الوطنية مع الحكومة، وتحقيق التنويع الاقتصادي عوضا عن النفط والغاز، وتعزيز مستوى معيشةالمواطن وتذويب الفوارق الاقتصادية والفئوية بين أطياف أفراد المجتمع، إلا أن الغريب في الأمر أمام كل ما قدَّمته مؤسسات الدولة لتحقيقهذه الأهداف بأي طريقة كانت لم يصدر تقرير أو بيان أو توضيح رسمي يُظهر مدى نجاح وتحقق هذه الرؤية أو (إخفاقها)، لكننا سنسلِّطالضوء على قراءة مؤشراتها ونتائجها من خلال دراسة نشرها الباحث سعيد بن محمد الصقري والذي تشرَّف بالثقة السَّامية ليكون منذأغسطس (2020) وزيرا للاقتصاد بناء على المرسوم السلطاني رقم (111/2020) وبمعيته في الدراسة الباحثة آن بنت سعيد الكندية وهيمستشارة في الشؤون الاستراتيجية وقد نُشرت دراستهما في مركز الخليج لسياسات التنمية بعنوان “رؤية عمان 2020 بين الواقعوالمأمول” ونختصر نتائجها في الآتي:
– أظهرت المؤشرات والأرقام إخفاقا – كما ورد نصا في الدراسة- حول تحقيق التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط؛ حيث قُدِّرتمساهمة هذا القطاع 46.4% من الناتج المحلي مقارنة بــ38% في العام 1995، وشكَّلت نسبة القطاع النفطي ومشتقاته ما نسبته69.4%، وارتفعت نسبة الاعتماد على المصادر النفطية في 2014 إلى 87% مقارنة بالعام 1995 والتي بلغت 77%.
– لم يتحقق التوازن بين مصروفات ودخل المال العام؛ حيث أن نسبة المصروفات الحكومية في العام 2004 بلغت 3.810 بليون ريالا عمانيا،لتقفز في العام 2014 إلى 15.172 بليون ريالا عمانيا.
– انخفض مستوى دخل الفرد الحقيقي من 6.412 ريالا عمانيا في العام 1996 إلى 6.029 ريالا عمانيا في العام 2014.
– وفيما يتصل بتطوير ودعم القطاع الخاص ليكون حاضنا للتنمية وتطوير الشراكة المجتمعية والمؤسسي؛ أظهرت المؤشرات صعوبة تحقُّقهذا الهدف في ظل تكتله وانكماشه.
انقضت رؤية عمان 2020 بما لها وما عليها، وانطلقت الدولة الحديثة بقيادتها وفلسفتها ومنهاجها المتجددة نحو تحقيق رؤية عمان 2040 بأمل كبير وطموح أكبر، رُسم معالمها، وخُطِّط لمساراتها بحرفية مُطلقة، لتكون النقلة النوعية لعمان المتجدد باثني عشر ركيزة أساسيةيتخللها جملة من الأهداف نوجزها كما هو مدوّن في الإسكوا التابعة للأمم المتحدة من خلال الاهتمام بصورة مباشرة بالتعليم والتعلُّموالبحث العلمي والقُدرات الوطنية، والصحة، والمواطنة والهُوية والتراث الوطني والثقافة، والرفاه والحماية الاجتماعية، والقيادة والإدارةالاقتصاديتان، والتنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، وسوق العمل والتوظيف، والقطاع الخاص والاستثمارات والتعاون الدولي، وتنميةالمحافظات والمُدن المستدامة، والبيئة والموارد الطبيعية، والنُّظم التشريعية والقضائية والرقابية، وإدارة الهيئات والموارد والمشاريع الحكومية.
إن المُتطلِّع للجانب النظري والفلسفي للرؤية ومساراتها ومساقاتها وأدوات تقويمها وتتبع مؤشراتها واهتمام الحكومة يؤكد على الجدِّيةوالاهتمام المُطلق نحو تحقيقها بأي ثمن كان، وهنا نطرح تساؤلات الشارع المشروعة: فهل السَّواد الأعظم من المجتمع على اطلاع بهذهالرؤية؟، وهل الصورة واضح للمؤسسات ذات الصلة لتحقيق أهدافها؟، وهل لدينا مؤشرات قياسية ذات مسار حقيقي وسلس لتقييمها خلالالعشرين عاما القادمة؟، وهل الارهاصات والمؤشرات المحيطة بالرؤية من خلال المستوى المعيشي للناس، ومعالجة مشكلة الباحثين عن عمل،وتقويم واقع التعليم، ومراجعات مستوى دخل الفرد، ودراسة أثر السياسات المالية المؤقتة تخرج بتقارير واضحة للدولة والمجتمع؟
إن هذا الرؤية تمثل مرحلة مفصلية في تحقيق النقلة النوعية لعمان ومواطنيها، وهي رهاننا الذي نعتز به لتقدم عماننا الخالدة لتكون رقماعملاقا ضمن مصاف الأرقام العظيمة، فلابد أن نقف في المربع الصحيح بكل ثبات ومسؤولية ويكون المجتمع على مستوى آمن من الفهموالاستيعاب والقناعة بركائز هذه الرؤية وأهدافها وخارطة طريق تنفيذها وملامسة نتائجها وتقارير تقيمها بكل شفافية ومصداقية لترتقي بطموحاته المشروعة.
د. سلطان بن خميس الخروصي – كاتب وباحث