حدث مر عليه أكثر من أربعين عاماً، فقد عاد عهدك يا عراق، عاد العراق الذي نحب ونعرف، وأين في البصرة، المدينة التاريخية العريقة،الحاضرة والتي مرّ فيها وجال كل علماء الإسلام بمختلف أطيافهم، هذا عشقي الأزلي، أن أجد العرب مجموعين معاً، لا أعلام هجينة ولاولاءات، فقط قلب واحد وصوت واحد.
لست من الأشخاص المهتمين بمتابعة الأخبار الرياضية عموماً، باستثناء الألعاب العربية، وتحديداً تلك التي تشارك فيها فِرق خليجية وبلديالكويت، وفي افتتاح كأس خليجي 25 في البصرة، سمع الجميع ما حدث، وغالباً ما يحدث سوء تنظيم في الفعاليات الكبيرة، لكن التدافعالجماهيري الكبير ناجم عن محبة وفق اعتقادي، لا عن محاولة أذية أي وفد حاضر، بمن فيهم الوفد الكويتي، الذي شرّف الكويت بحضوركبار شخصياته، وبموجب التصريحات من الطرفين، جاء انسحاب ممثل سمو أمير البلاد، نواف الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه،ورئيس اللجنة الأولمبية الكويتية، الشيخ فهد ناصر صباح الأحمد من ملعب جذع النخلة في مدينة البصرة أثناء حفل الافتتاح.
السلبيات في هذا الموضوع، التنظيم غير المدروس إن صح التعبير، والذي خرج عن سيطرة السلطات، بمن فيهم، وزير الرياضة ومحافظالبصرة، وهذا أمر على الرغم من سلبيته لكنه يحدث في أي دولة في العالم، مع الإشارة إلى أن العراق بلد يتوق إلى مثل هذه النشاطات بعدأن عانى الكثير من ويلات الحروب، وما دخول هذه الجموع الغفيرة من الجماهير إلا دليل على ذلك، وحرصاً على سلامة الوفود من المعنيين،كان لا بد من إخراج الشخصيات المهمة حفظاً لأمنها وسلامتها.
أما الإيجابيات، فهي أنه لأول مرة منذ زمن طويل، نجد العلم العربي بلون واحد، وأن الحلم العربي قد يتحقق، وأن الأشقاء لا يمكن أنيضمروا الشرور لبعضهم، فنحن إخوة وأقارب وأهل وبيت واحد والعراق شقيق الكويت وكل دول الخليج العربي، سعيد لأن البصرة الجميلةاحتضنت هذا الحدث، وسعيد بتعليقات الشعب العراقي التي تؤكد أن الإخوة لا يمكن لأحد أن يفرقهم، وأن الصائدين في الماء العكر لم يثنواأحد عن هذا الحدث.
سعيد لأن العرب معاً، فإن فرقتنا السياسة لتكن الرياضة والفنون هي من تجمعنا، ولتكن مقدمات لعودة إحياء العلاقات بقوة، بعد أن فرقتناالأجندات الخارجية التي دخلت في قلب البيت العربي وزرعت ما زرعت لتفريقنا كشعوب عربية، لكن من هذا المشهد يبدو أن كل ما حدثويحدث لم يستطع أن يلغي أننا عرب وأننا عائلة واحدة، وهنا لا بد من شكر أهل البصرة فرداً فرداً، على هذه الحفاوة وعلى هذا الاستقبالوعلى هذا الحب، وأنا خير من يعرفهم بحكم علاقاتي المقربة من أهل البصرة وأعرف طيبتهم وكرمهم.
وأخيراً، عاد العراق للحضن العربي، رغم أن البعض الكثير لا يروق له ذلك، فكما نعلم أن أغلب العراقيين هم هجرات من المملكة العربيةالسعودية، من نجد والحجاز ومن اليمن، فكل القبائل العربية في المنطقة أي العراق وشبه الجزيرة العربية هم أولاد عمومة، بالتالي هذاالاحتضان العربي – العربي هو الصورة الأجمل في كل هذا الحدث.
وهنا أوجه شكر خاص للسيد أسعد العيداني، محافظ البصرة على حسن الاستقبال والضيافة والتنظيم وفق الإمكانات، وهنا أتمنى علىإخوتي الكويتيين ألا يكونوا حساسين وينظرون إلى النصف الممتلئ من الكأس لا الفارغ، لأن الجماهير التي أتت تفوق قدرة الملعب الذيسعته فقط لـ 65 ألف متفرج، ومن قدم أضعاف هذا الرقم، وطلب وزير الرياضة العراقي من الوفد الكويتي المغادرة، حرصاً على سلامته لاالعكس وهذا موقف يشكر عليه.
بالتالي، ما حدث هو مقدمة لنا لأن نحتضن العراق وأن نحتضن اليمن، وكل البلاد العربية، يجب أن نلملم الجراحات العربية، العراق يحتاجإلى الفرح والبسمة والحب، وشخصياً أتمنى أن يتعافى العراق، وهذا لا يتحقق إلا بعودته إلى الحضن العربي، فنحن أشقاء في النهاية،وبالذات أبناء الخليج العربي الواحد.
وأوجه شكر خاص للمعنيين من منظمين وفنانين وقائمين على هذا الحدث، الافتتاح كان مبهر وكان على مستوى عالي جداً، وراقي يرفعالرأس لكل عربي، وأنا شخصياً عاشق للحضارات، وأحب تاريخ بلاد الرافدين، الآشوري والكلداني والبابلي والسومري، وتاريخ حمورابي،واللغة العربية وعلماء الحديث، لقد تجسد كل ذلك في الافتتاح عندما ذكروا الدولة العباسية وبغداد المنصور وتقديم شخصية سندبادالأسطورية، هذه الأمور هي مصدر فخرنا وعزتنا كعرب.
العراق بلدنا وهو بلد جميل يستحق الحياة، يستحق الفرح، لأنه بلد الحضارات وبلد السلام، بلد الكرم والضيافة، لقد أثبت هذا الحدث أن مافرقته السياسة من عفن وحقد طائفي، جمعته الرياضة لأنها نبذت كل تلك الصور، فنحن شعب عربي واحد، ورأينا أن رغبة الشعوب هيالتعايش الحقيقي.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.