في خضم تركيزي يهتز هاتفي بإشعار من تطبيق (الواتس آب) يحمل رسالة مفادها دعوة لجلسة حوارية حول مشاركة الشباب في الحراك السياسي الوطني وكعادتي في أصطحاب من لديه ذات الأهتمام قمت بتحويل الدعوة لأحدهم ليأتيني رده المقتضب الذي مفاده : وهل لنا حقوق سياسية أصلا!
استرجعت نفسي لاحقا بعد وجبة (الشوا) الدسمة في تأمل لما حدث ورجعت إلى مفهوم السياسة البسيط الذي يأتي من الفعل ساس وتتحدد معالم ذلك الفعل بما يأتي بعده فنقول ساس الخيل أي روضها وأعتنى بها ونقول ساس الأمور بمعنى أدارها ونظمها ونقول فلان ساس الجماعة بمعنى تولاها وقادها وعليه فإن السياسة ليست من المحرمات التي يصورها البعض وأن خرافة (اليونية) التي سيحملون فيها من يتحدث في السياسة هي هراء محض.
التعبير عن الرأي سلوك حضاري مارسه العمانيون منذ القدم وتجلى في تجربة سياسية من خلال إختيار الإمام الجلندى بن مسعود الأزدي عام ٧٥٢ م كأول حاكم عماني منتخب وربما كان هناك من سبقه ولم ينل حقه توثيقا وتأكيدا وبلا شك أن تلك الممارسة لم تصل لذلك النضج إلا بممارسات تسبقها وتتزامن معها من عموم الناس وأهل الحل والعقد ويظهر فيها الإختلاف والوفاق وتشكيل التحالفات قبل وأثناء وبعد العملية السياسية وفق المصلحة العامة للوطن والمصالح القطبية وتلك ديموقراطية حميدة لا تذم.
تعيش عمان الآن أجواء إنتخابات المجالس البلدية في نسختها الثالثة وذلك مناخ عهدناه وليس بالجديد علينا والمتابع للتجارب السابقة في إنتخابات مجلس الشورى والمجالس البلدية يجد أن وسائل التأثير وأدواته تركز على أختيار الكفاءات وذلك تحدي كبير لا زال يراوح مكانه في ظل غالب الأختيارات التي تقوم على الإستقطابات القبلية وتبادل المنافع وفق الأسباب والمسببات التي تعلمونها وفي تقديري الشخصي المتواضع أرى أن أصل المشكلة يكمن في ثقافة ممارسة العملية الانتخابية كنشاط سياسي يبيحه القانون ويشجع عليه وتلك هي الممارسة التي يراد تحويلها إلى سلوك مستدام لا يمارس فقط أبان التصويت في الصندوق أو عبر التطبيق الإلكتروني وإنما كواقع تتداخل فيه الآراء والرؤى وتظهر كسلوكيات مستمرة وفق قيم اختلاف الآراء واحترام الرأي والرأي الآخر والسؤال الذي أراه في عينيك عزيزي القارئ : كيف نحقق ذلك؟
أولا يجب علينا أن نقر أن ممارسة العمل السياسي وفق قراءات لتجارب سياسية خارجية لا تصلح للأخذ بها بالكلية فنرى بعض المتحمسين يروح لتجربة سياسية معينة وذلك مسلك الكثير ممن تأثر بتيارات فكرية سياسية خلال سنوات الدراسة الجامعية أو ما بعد ذلك في ظل الفضاء المفتوح الذي لا يمكن مقاومته وثانيا يجب أن نعتقد أن ممارسة العمل السياسي متاح لجميع المواطنين بشرط أن يقوم به بشكل صحيح وذروة تلك الممارسة السياسية تظهر في إنتخابات مجلس الشورى والمجالس البلدية ومن الخطأ أن نحصر ممارسة العمل السياسي خلالها فقط فقبل الإنتخاب المجال متاح – وفق النظم والتشريعات المنظمة لذلك – للترويج للخطط والإجراءات التي من الممكن أن يقدمها العضو المنتخب وفق الصلاحية الممنوحة له -والتي نؤكد دائما بأنها لا تنال بالتمني ولكنها تؤخذ غلابا – وبعد ذلك يأتي فعل الإنتخاب كنشاط معبر عن روح المواطنة الحقيقية يهدف إلى المشاركة في صنع القرار في بلادنا وبعد الإنتخاب تأتي أهمية الإلتفاف حول الأعضاء الفائزين بالعضوية والمتابعة معهم في كل ما من شأنه تفعيل الصلاحيات الممنوحة في المجلس المتخب إلى أن تبدأ دورة إنتخاب جديدة.
أيضا من الأهمية بمكان أن نسعى لتفعيل مشاركة فئة الشباب في العمل السياسي الإيجابي فالشباب هم المحرك الأساسي في أي نشاط مجتمعي وهم لهم الدور الفاعل في تشكيل الوعي السياسي المتوائم مع التغيرات الاجتماعية والإقتصادية وغيرها والحقيقة أن العزوف الذي يبديه البعض في ممارسة حقه الإنتخابي يعد تحديا كبير في السعي من أجل تطوير الممارسة السياسية عندنا ويحدث فراغا ليس بالبسيط وكل الأحوال ذلك الفراغ سيتم شغره شئنا أم أبينا والمسؤولية تقع أولا على المرشحين أصحاب الأصوات وعليه علينا التفكير مليا في هذا الشأن من أجل ترسيخ سلوك ممارسة العمل السياسي وذلك في العموم يأتي من الأسرة أولا التي يجب أن يسود فيها مناخ الإحترام للأراء والأطروحات وتعزيز الصائب منها وتصويب غير ذلك وتأتي المدرسة التي أراها بيئة خصبة غير مستغلة لترسيخ ممارسة العمل السياسي من خلال المجالس الطلابية ومجالس الفصول لتغيير النممط المطبق حاليا في أغلب مدارسنا للأسف فالطالب ليس هدفنا حشوه بكم المعارف والمهارات بل يجب أن ننظر لأبعد من ذلك بأن نسعى إلى خلق مواطن صالح ومن ممارسات تلك المواطنة الإيجابية ان نغرس فيه بذرة العمل السياسي الحقيقي الذي يرفع من جودة العمل المؤسسي والذي يطبقه الطالب أولا في مدرسته كمؤسسة ينتمي لها ويسعى إلى رفعة شأنها.
الحديث عن الممارسة السياسية حديث ذو شجون وهي عملية ديناميكية تشاركية بين الشعب والحكومة ومن الخطأ عدم النظر بإستمرار إلى تحديث الشرائع المنظمة للعمل السياسي مع الحفاظ على خصوصية الهوية العمانية التي تملك إرثا عظيما تركته مختلف الأنظمة التي تولت الحكم في عمان منذ القدم حتى الإن وعلينا أن ندرك أن المبادرة بالمشاركة السياسية من خلال العملية الإنتخابية عمل وطني له نتائجه وتبعاته ولو بعد حين وهي الخطوة الأولى قبل أن نطرح السؤال الدارج : أين حقوقنا السياسية .
محمد بن عبدالله سيفان الشحي
٢٤ ديسمبر ٢٠٢٢ م