(العمر بخلص وهالشارع ما بخلص) بتلك العبارة اختتم محمد جلسته معنا ونحن على شط بحر دبا (نتفاكر) في المشروع الذي يروج له أنه أولوية تنفيذية في محافظة مسندم ليربط شمالها بجنوبها والأمل في ذلك متردد بين أن يكون حلما جميلا طال إنتظاره أو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
قد أتفهم امتعاض البعض من تأخر تنفيذ المشروع لكونه ليس بدعا جديدا بل قضية وطنية منذ قيام النهضة المباركة في السبعين وتجدد الأمر به في أواخر سنوات المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد يرحمه الله وعليه صمم المشروع بين جسور وأنفاق وارتدادات عالمية (فايف ستار) ليرفع من سقف التوقعات لدى أبناء محافظة راس الخنجر العماني (على قولتهم) وأخذ ذلك التصميم حقه من الدراسات الإستشارية والإكتوارية والميدانية وغيرها ولكن أمر الله كان مفعولا.
مشروع طريق (خصب – ليما – دبا ) جاءت الأوامر السامية بالمضي فيه قدما من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في مطلع العام قبل الماضي وتتابعت التصريحات بشأن إجراءاته التنفيذية خلال ما مضى من عامين ليكون آخرها ما صرح به معالي وزير النقل والإتصالات وتقنية المعلومات مؤخرا بأنه من المتوقع أن تسند المناقصة الخاصة بالمشروع خلال شهر مارس أو أبريل القادم وإن غدا لناظره قريب.
سأقف في صف المترقبين لبداية تنفيذ المشروع خلال الأشهر القادمة مرتديا قبعة الإيجابية متأملا لما يمكن أن يحققه تنفيذ هذا المشروع ولن أكرر (كلام الجرايد) الذي تم سماعه وتمت مشاهدته وتغنى به البعض بمناسبة وبدونها مرتديا بذلك (بشت) الوطنية الواهمة وبلا شك أن التأمل في قادم أي عمل يحقق فيه ما يسمونه خبراء التسويق بالقيمة المضافة وهنا أطرح السؤال البريء : ماذا بعد ؟
من النظرة القاصرة أن نفكر أثناء التخطيط لمشروع ما بالأموال التي سنصرفها عليه فالأمر ليس بتلك السذاجة المقنعة وعلينا أن تغيير رؤيتنا من التفكير في كم ما سيصرف على إقامة المشروع إلى كم ما سيصرف على استثمار ذلك المشروع والفرق كبير بين السؤالين لأن الأول مرهون بالنظر تحت القدم بينما الآخر مرتبط بنظرة بعيدة واضحة المعالم والأهداف والجميل أن لدينا رؤية عمان ٢٠٤٠ م نستطيع الإرتكاز عليها بشرط جدوى الأهداف وأساليب التنفيذ ووسائل التقييم والرقابة والمحاسبة وإستدراك أوجه القصور وحتى لا أسهب في ذلك سأعود إلى لب الموضوع طارحا ذات السؤال البريء المرتبط بمشروع طريق (خصب – ليما- دبا ) : ما هي القيمة المضافة بعد إقامة هذا المشروع ؟!
محافظة مسندم ذات طبيعة بكر في الجبل والبحر وهي قبلة لمن يريد الإستجمام والهدوء فتفعيل مسارات التنقل البري والبحري عبر ولايات المحافظة وقراها الجبلية والبحرية إرتكازا على مسار مشروع طريق (خصب – ليما – دبا ) سيولد فرصا إستثمارية يستفيد منها أبناء المحافظة من خلال مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة وخصوصا خلال موسم #شتاء_مسندم والأمثلة في ذلك كثيرة منها ظاهر للعيان مثل منتجع الحواس الست بدبا الذي سيستفيد جدا من الطريق المنتظر وقس على ذلك المواقع السياحية الأخرى في مختلف قرى المحافظة وخلجانها القائم منها والمخطط له في قادم الوقت.
الإستفادة من سهولة الوصول إلى القرى الجبلية والبحرية عبر مسار طريق (خصب – ليما – دبا ) سيفتح باب فتح باب الإستفادة لأبناء المحافظة بالإستثمار في أنشطة الحياة الخلوية والمسير الجبلي وسيكون في ذلك إستفادة متبادلة وتماشيا مع المرسوم السامي المعني بجعل محافظة مسندم محمية بيئية وعليه من الأهمية بمكان التخطيط في تفعيل تلك المحمية إرتكازا على نتائج تنفيذ مشروع ذلك الطريق المنتظر .
القطاع السياحي أمام فرصة عظيمة بعد إقامة المشروع من خلال الإستفادة من الوصول إلى جل المناطق البكر في المحافظة ومن الجميل التعامل معها كوحدات متكاملة صغيرة وهنأ اركز على منجم الذهب الذي لم يستثمر حتى الآن وهو جبل حارم الذي يعد بيئة جاهزة للإستثمار بما يتميز به من موقع يتوسط الطريق بين خصب ودبا وبما يميزه من جو رائع طوال السنة وحركة الأهالي والسواح عليه ذهابا وإيابا سينعش المحافظة إقتصاديا وسينقل السياحة من أطراف المحافظة إلى قلبها الذي سيكون نابضا منتعشا ومن يشكك في ذلك فعليه الوقوف على جبل حارم والنظر إلى ما وراء السور!
الإستدامة لمشروع طريق (خصب – ليما – دبا ) لابد أن تكون حاضرة خصوصا مع الضخ المالي الكبير للمشروع ومن أهم أدوات تلك الإستدامة إشراك أهالي محافظة مسندم في ولاياتها الأربع ومختلف قراها الجبلية والبحرية في كل ما يقام على الطريق المنتظر من مشاريع صغيرة ومتوسطة دون إحتكار الشركة السياحية الأم لكل صغيرة وكبيرة فيه بل من الإجحاف أن نرى مستثمرين من خارج المحافظة في ظل تواجد الشركات الأهلية ذات رؤوس الأموال الكبيرة وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أهالي المحافظة والتجارب تعلمنا ولنحذر حتى لا نلدغ من الجحر مرتين.
إن نجاح أي مشروع حكومي أو خاص أو أهلي لا ينحصر بمجرد إقامة ذلك المشروع بل بالتفكير العميق لما بعد ذلك إعتمادا على نقاط القوة المتاحة والفرص المتوفرة بل أيضا لابد أن نفكر بالتحديات القائمة التي سنقلب الطاولة عليها وما ذاك إلا بذات السؤال البريء : وماذا بعد !
محمد بن عبدالله بن علي الشحي
٦ فبراير ٢٠٢٣ م