هل كانت حقوق الإنسان مجرد “هراء منمق، وجعجعة فارغة” حقاً كما ادعى الفيلسوف جيرمي بنتام؟ إن الفجوة الزمنية الطويلة في تاريخ حقوق الإنسان، التي تفصل بين نشأتها الأولى مع الثورتين الأمريكية والفرنسية وبين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨، تجبر أي إنسان على التوقف للتأمل وإنعام النظر.
لم تختفِ الحقوق سواء على مستوى الفكر أو الفعل، غير أن المناقشات والمراسيم تكاد تجرى الآن على نحو حصري ضمن أطر قومية محددة، ظلت فكرة الحقوق التي يكفلها الدستور على اختلاف أنواعها، كالحقوق السياسية للعمال، والأقليات الدينية، والمرأة مثلاً، تلقى المزيد من القبول في القرنين التاسع عشر والعشرين، غير أن الحديث عن حقوق طبيعية قابلة للتطبيق على صعيد عالمي خبا بريقه؛ فالعمال على سبيل المثال نالوا حقوقهم بصفتهم عمالاً بريطانيين، أو فرنسيين، أو ألماناً، أو أمريكيين، وليس بصفتهم عمالاً فحسب.
عبَّر القومي الإيطالي جوسيبي ماتزيني، الذي عاش في القرن التاسع عشر، عن التركيز الجديد على فكرة الوطن عندما طرح السؤال البلاغي: “ما الوطن، سوى المكان الذي تُكفل فيه حقوقنا الفردية بأكبر قدر من الأمان؟” تطلب الأمر حربين عالميتين مدمرتين لتحطيم هذه الثقة في معنى الوطن.
بالتالي، تأخذنا الكاتبة في رحلة تشريع الحقوق التي دامت مائتين وخمسين عاماً، مغطية إعلان الاستقلال وإعلان الثورة الفرنسية، والوسائل المتعددة لمناهضة التعذيب، وحملات التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان في القرن العشرين، وغيرها.
وعلى الرغم من الخلفية الأكاديمية الواضحة لهذا العمل المبهر، فإنه يستهدف جمهوراً واسعاً من القراء، وسوف يستهوي معظم القراء المهتمين بتاريخ حقوق الإنسان أو بتاريخ أوروبا أو أمريكا.
عن المؤلف، لين هانت: تشغل كرسي البروفسور “يوجين ويبر” لدراسة التاريخ الأوروبي الحديث بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس. لها العديد من المؤلفات عن الثورة الفرنسية وشاركت في تأليف كتاب “كشف حقيقة التاريخ”.
عبدالعزيز بن بدر القطان