الخطأ الشائع عند الجميع أنَّ فنَّ الإتيكيت يتعلَّق فقط بطبيعة الأكل (بالسكِّين والشوكة)، ولكنَّه بالحقيقة هو أكبر بكثير من ذلك؛ فهو يتعلَّق بكاريزما الشخص ومكانته الرَّسميَّة والاجتماعيَّة. فكثير من الأشخاص فقدوا مناصبهم المهمَّة؛ بسبب عدم معرفتهم الكاملة بفنِّ ومفهوم الإتيكيت، وكثير من البنات والنساء فقدن فرص حياتهن بالزواج بسبب قلَّة أو المبالغة بفنِّ الإتيكيت الاجتماعي أو الإتيكيت الحكومي، بالإضافة إلى فقدانهن الوظائف أو المناصب المرشَّحات لشغلها.
وفنُّ الإتيكيت ليس محصورًا في زاوية محدَّدة أو فصل من كتاب أو جزء من عنوان، فهو يشمل كُلَّ جوانب الحياة اليومية، وفي أغلب الدول المتقدِّمة يدرس في المدارس الابتدائية وصولًا إلى الجامعة، ويُعدُّ من دروس المفاضلة عند التقديم إلى الكلِّيات.
تاريخ الإتيكيت يبدأ من حضارة السومريين والبابليين والفراعنة، فكافَّة النقوش التي تمَّ العثور عليها تُدلِّل ببساطة على فنِّ الإتيكيت هناك، خصوصًا مراسم حضور الأنشطة والفعاليَّات التي يُقِيمها الملوك في تلك الحضارات حوْلَ نظام الأسبقيَّة وانحناء الرأس للملك.. وغيرها من الأمور الحياتيَّة البسيطة.
إنَّ أصل كلمة فنِّ الإتيكيت (Etiquett) فرنسي، وتعرف بأنَّها بطاقة الدعوة توضِّح توقيتات ومعلومات برنامج الحفلة أو الفعاليَّة أو النشاط أثناء القرنين الـ(16 ـ 17) بفترة الملك لويس السادس عشر، موضحًا أنواع المناسبات ونوعيَّة الحضور من الأشخاص، أسبقيَّة الدعوات، فنَّ المفاوضات، إدارة الحديث، مستوى نبرة الصوت، اختيار ألوان الملابس، وغيرها من أساسيَّات وبنود الإتيكيت التي يفتخر بها الفرنسيون. وأوَّل من استخدم فنَّ الإتيكيت المعاصر، هو الفلَّاح الموجود في حديقة الملك لويس السادس عشر الذي كان يُشرف على حديقة الملك، وعندما كان يرى مَسير الناس بعدم انتظام في حدائق الملك انزعج كثيرًا وابتكر بطاقة وضع فيها خطوط الدخول والخروج للزائرين وعرضها على الملك، حيث وافق على المقترح المُنظِّم للدخول والخروج والتوقيتات ونوعيَّة ومناصب الحضور، ثمَّ انتقلت الفكرة إلى المدارس الغربيَّة في تلك الفترة وخصوصًا المدرسة البريطانيَّة الناشئة. وتُعدُّ الحضارة الإسلاميَّة منبعًا لهذا الفنِّ الذي تطوَّر في أوروبا بعد عصر النهضة، والقرآن الكريم قد تطرَّق إلى جميع مفردات فنِّ الإتيكيت، سواء في مهارات الاتصال والتواصل، ولغة الجسد وسرِّية المفاوضات، والأكل والمآدب، والتحيَّة والمصافحة، وكثير من مجالات الحياة اليومية، مثال ذلك قوله سبحانه تعالى:(وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلَا تُسرِفُوا..) (الأعراف ـ 31)، وقوله تعالى:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ..) (لقمان ـ 12)، وكذلك السنَّة النبويَّة تطرَّقت إلى مواضيع عديدة منها إرسال المبعوثين والختم النبوي الشريف، وأنَّ سيِّدنا محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم هو أوَّل من استعمل الختم في الرسائل، وكان الختم ـ آنذاك ـ (محمدٌ رسولُ الله) ليضيف الخصوصيَّة والسرِّية بالمخاطبات. وفي التحيَّة والمصافحة قال عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ إنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) قال:(إذا لقِي المسلم أخاه المسلم فأخذ بيدِه فصافحه تناثرتْ خطاياهما من بين أصابعهما كما يتناثرُ ورقُ الشجرِ بالشِّتاء). ويُعرف الإتيكيت بأنَّه هو أرقى أنواع القِيَم والمبادئ والسِّمات والسلوكيَّات الأخلاقيَّة الأصيلة، والسلوك المهذَّب بالتعامل مع الآخرين، والتمتُّع بكاريزما مثقَّفة مستندة إلى الشهادات العلميَّة الرَّصينة والخبرة الحرفيَّة المحنَّكة، والذي يُعدُّ الحجر الأساس لفنِّ الدبلوماسيَّة ومفهوم البروتوكول وهما أعمدة فنِّ الدبلوماسية (البروتوكول والإتيكيت). كما يتنوَّع تعريف كلمة (إتيكيت) في القواميس والمراجع، حيث تتنوَّع أيضًا في مفهومها العامِّ لدى الناس، وفي كلتا الحالتين تَرِدُ الكلمة بمعانٍ كثيرة تكاد تتقارب مع بعضها البعض ومنها:
الذَّوق العامُّ والذَّوق الاجتماعي، قواعد السلوك وآدابه، قواعد التشريفات وآداب الرسميَّات، الأصول واللياقة، فنُّ المجاملة والخصال الحميدة، الكياسة، إتيكيت الهندام والمظهر الخارجي، فنُّ التصرُّف في المواقف الحرجة، لباقة الحديث، فنُّ إدارة واختيار الكلمة، حضور المناسبات الاجتماعيَّة والرسميَّة، إتيكيت الحياة الزوجيَّة، إتيكيت الحياة العامَّة، نظام الأسبقيَّة لاستقبال الضيوف، إتيكيت الصداقة، إتيكيت زيارة المريض، إتيكيت اختيار الزهور والهدايا، إتيكيت أنواع الحفلات والمآدب، إتيكيت العمل الحكومي، إتيكيت استخدام الهاتف أثناء الاجتماعات والدوام الرَّسمي، إتيكيت النقد والنقد الذاتي، إتيكيت المجاملة والبطاقة الشخصيَّة، إتيكيت كاريزما المرأة وحضورها بالمناسبات والحفلات الشخصيَّة والرسميَّة، إتيكيت حضور الدعوات والمؤتمرات الخارجيَّة، إتيكيت المقابلات الصحفيَّة وإلقاء الخطابات الرسميَّة، إتيكيت توقيع المذكّرات الرسميَّة، إتيكيت اختيار ألوان وأنواع الملابس والإكسسوارات للرجال والنساء بالداخل والخارج، إتيكيت فنِّ الإنصات ومهارات الاتصال والتواصل، إتيكيت التصميم الداخلي للمنزل ومكاتب العمل، إتيكيت تربية الأطفال، إتيكيت تربية الأطفال ذوي الإعاقة، إتيكيت تربية المراهقين، إتيكيت التعامل مع كبار السِّن.. وغيرها من مجالات وتنوُّع فنِّ الإتيكيت التي لا مجال لذكرها في هذا المقال.
د. سعدون بن حسين الحمداني
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت