إن المصادر الغربية التي أوقفت تمويل المشروعات في روسيا يمكن استبدالها بالاستثمارات الإسلامية، خاصة وأن أن روسيا لديها ما يكفي من أموالها الخاصة، لكن هناك حاجة إلى استثمارات خارجية، إذ تسيطر المصادر الإسلامية على 1.5٪ من أصول العالم، أي 5 تريليون دولار.
ومن المعروف أن الاستثمارات من الدول الصديقة في روسيا، بما في ذلك الدول الإسلامية، يمكن أن تحل جزئياً محل الاستثمارات من دول الغرب المشروط، مع الإشارة إلى أن هناك علاقة أكثر من وطيدة تجمع دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، مع روسيا، تترجمت بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات إلى روسيا.
ومن المعروف أيضاً، أنه في عام 2019، كانت دول الاتحاد الأوروبي أكبر مستثمر في روسيا، حيث بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر المتراكم من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا 311.4 مليار يورو، وقدر الاستثمار الروسي المتراكم في الاتحاد الأوروبي بنحو 136 مليار يورو.
كان الاتحاد الأوروبي حتى عام 2022 الشريك التجاري الرئيسي لروسيا، لذلك، في عام 2021، بلغت التجارة مع الاتحاد الأوروبي 282 مليار دولار، أو 36٪ من حجم التجارة الروسية، كما بلغت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2021 38.3٪، والواردات – 32٪. إذا كانت كمية السيولة المفرطة للمستثمرين الإسلاميين من الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا تبلغ بالفعل حوالي 500 مليار دولار، فمن الممكن نظرياً استبدالها، ومع ذلك، من الضروري مراعاة خصوصيات التمويل الإسلامي، على سبيل المثال، في إطار التمويل الإسلامي، يحظر الاستثمار في إنتاج المشروبات الكحولية والتبغ ولحم الخنزير، ولا يُسمح أيضاً ببعض أنواع المنتجات المالية، مثل القروض بفائدة، وهذا نظام ثابت في المجتمعات الإسلامية.
وجدير بالذكر أن كبار قادة الاقتصاد الإسلامي هم ماليزيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا والأردن والبحرين وإيران وباكستان والكويت وقطر.
بالتالي، من المحتمل أن تنجذب الاستثمارات في المقام الأول إلى القطاعات التي كانت الصادرات فيها تعتمد إلى حد كبير على الاتحاد الأوروبي، حيث تشمل هذه، بالإضافة إلى قطاع النفط والغاز، قطاع المعادن والصناعات الكيماوية والمنتجات الزراعية، لتكون القضية الأبرز، هي استعداد النظام القانوني الروسي لإنشاء منتجات في إطار العمل المصرفي الإسلامي.
الميزة التاريخية والجغرافية
روسيا جذابة لبلدان العالم الإسلامي – كجزء من الاتحاد الروسي، هناك العديد من المناطق المسلمة، حيث يعيش أكثر من 15 مليون مسلم في روسيا، أي أكثر من 10٪ من الروس.
فإن أرادت روسيا على سبيل المثال توسيع التعاون مع العالم الإسلامي من المهم ألا يتم ذلك في موسكو أو سانت بطرسبرغ بل في الأقاليم المسلمة، وذلك ليس من ناحية عنصرية، بل من ناحية اجتماعية لأنهم سيفهمون بعض بشكل أفضل، كما أنه من الأسهل عليهم التغلب على القيود النموذجية للعالم الإسلامي (تفاصيل البنوك، مناطق الإنتاج، إلخ). وهذا أمر مواتٍ بشكل عام لتحقيق اللامركزية في الاقتصاد الروسي، وسوف يساهم في تنمية المناطق لديهم.
لنجاح هذه الأفكار، من الضروري فصل الاستثمارات في مجال الصيرفة الإسلامية والاستثمارات عن البلدان الإسلامية، لأن الخيار الأول يحتوي على عدد من القيود ذات الطابع الديني، كما يتطلب ذلك اعتماد مشروع قانون الخدمات المصرفية الشريكة.
على سبيل المثال، الفائدة في الاستثمار “الأخضر”، إذا تم تطوير الحوار بنجاح وتم إنشاء بنية تحتية مناسبة لقبول الاستثمارات الإسلامية من دول الخليج العربي، على وجه الخصوص، يمكن للاتحاد الروسي تحييد (وإن لم يكن تماماً) التأثير السلبي للعقوبات الغربية وجذب استثمارات عربية كبيرة.
من ناحية أخرى، قد يكون للمستثمرين المسلمين وروسيا قيم متشابهة، حيث أن المبادئ الإسلامية والثقافة الروسية لها سمات مشتركة، كما يمكن للاحترام والثقة المتبادلين أن يسهما في نجاح التعاون الاستثماري.
بالتالي، من المهم ملاحظة أنه يمكن توجيه الاستثمارات الإسلامية إلى مختلف قطاعات الاقتصاد، حيث قطاعات مثل الفنادق والسياحة، ومشاريع البنية التحتية، وصناعة النفط والغاز، والزراعة، وإنتاج الغذاء وفقاً لمعايير الحلال، فضلاً عن التقنيات المبتكرة وقطاع تكنولوجيا المعلومات، بأهمية خاصة للمستثمرين المسلمين.
لا يقتصر الأمر على الاقتصاد فقط، ففي السياسة أيضاً لعب العالم الإسلامي في حل أزمات كبيرة للغرب، وعلى مستوى عالمي، فكان للرياض وأبو ظبي دوراً بارزاً فيما يتعلق بملف الأسرى بين الجانبين الروسي والأوكراني، كما أن فنلندا ما كانت لتحظى بعضويتها في حلف شمال الأطلسي – الناتو لولا تركيا الدولة الإسلامية الأقوى في محيطها، لدينا أيضاً اتحاد الدول المصدرة للنفط – أوبك، ودور المملكة العربية السعودية البارز فيه أيضاً، ناهيكم عن الكثير من الأمثلة الأخرى، لذا يشكل العالم الإسلامي أرض خصبة للغرب وهذا معروف.
بالنسبة للشرق الأوسط تحديداً، تلهث جميع القوى العظمى عليه، إن كان من خلال جذبه باستثمارات لبسط اليد، أو من خلال افتعال حروب، أو حتى من بوابة الثقافة والتبادل الثقافي وغير ذلك، وهذا ما يضع المنطقة أمام أخطار محدقة لأن الدخول وفق هذه السيناريوهات، لا شك بأنه أمر مثمر للغرب كما تفعل الصين مؤخراً، وأصبحت القواعد الأجنبية في عالمنا العربي والإسلامي كثيرة جداً، وهذا برأيي أقرب للاختراقات من أن يكون مفيد لدولنا وبلداننا.
ودائماً ما أقول عملاً بحكمتي المفضلة، إن لم نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، فحتماً نحن أمام مشكلة حقيقية لأننا سمحنا بأنفسنا لتغلغل الغرب في عالمنا، والعالم الإسلامي يتحكم بالاقتصاد مثله مثل الاقتصادات الرائدة، لكن لا تتوفر الإرادة الحقيقية لدولنا بالاعتراف بأهميتها، فالبضائع الأجنبية مهما كانت الصناعة المحلية قوية ومزدهرة، تبقى الرائجة، لكن مع جنوح العالم الغربي نحونا، أصبح من الأهمية بمكان ما أن نعترف بأننا قوة وفي اتحادنا زلزال مدمر لأي طامع فينا، فلو يتم الاستثمار في دولنا وأن يعود النفع على أمتنا لكنا أفضل حالاً، ولكنا قوة لا يُستهان بها، ولكن يبقى الأمر مرتبطاً بأمل ربما مفقود، لكن سنجده في يوم من الأيام.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.