تعتبر الشورى أحد المبادئ التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف ولأهميتها البالغة فقد سميت إحدى سور القرآن الكريم بالشورى، ونحن في سلطنة عًمان مقبلون على إنتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة.
إن أهمية الشورى كممارسة كانت متبعة عند الأمم السابقة ولكن لم تكن بهذا الإطار الذي جاء بها الإسلام، ولنا في تاريخ تلك الأمم أمثلة عديدة كما جاء ذكرها في القرآن الكريم، حيث أن ذاك الطاغية فرعون كان قد إستشار قومه في أمر نبي الله موسى عليه السلام يقول الله تعالى {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)} (الشعراء)، ومن أرض الجوار لنا كذلك مثالاً آخر يتمثـّل في قصة ملكة سبأ بلقيس عندما أرسل لها نبي الله الملك سليمان بن داود عليه السلام برسالة يدعوها وقومها للتوحيد، فاستشارت قومها ويقول الله تعالى {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ } (النمل:32) ولنا في حياة نبي الأمة محمد صل الله عليه وسلم مواطن كثيرة إستشار فيها أصحابه رضي الله عنهم وكذلك فعل الخلفاء الراشدين من بعده ولنا في إستشارة النبي صل الله عليه وسلم أصحابه في إختيار موقع غزوة بدرٍ مثال، وكذلك الحال في غزوة أحد عندما أشار بعض الصحابة بالتحصّن في المدينة المنورة والدفاع عنها وفريق آخر أشار بالخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة، ولنا كذلك مثال عندما استشار أصحابه في غزوة الخندق وأخذ برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق والقصة معروفة لديكم، وكذلك حال الخلفاء الراشدين الذي ساروا على نهج نبي الأمة، وأخذ المسلمون في الحفاظ على هذا المبدأ الراسخ جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا.
يتبين لدينا مما سبق أهمية الشورى في الإسلام كمبدأ عام للحاكم والمحكوم شاملاً جامعًا لمختلف شؤون الحياة، لذلك لا بد لجميع أبناء الشعب العُماني ممن يحق لهم الإنتخاب المشاركة في إختيار ممثليهم لعضوية مجلس الشورى فقد كفلت المادة (2) من قانون انتخابات أعضاء مجلس الشورى الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (58/2013) والتي نصت على أن {الإنتخاب حق شخصي للناخب، ولا يجوز الإنابة أو التوكيل فيه، ويدلي بصوته في الولاية المقيد في القائمة النهائية لناخبيها لمرة واحدة في الإنتخاب الواحد}، بالإضافة إلى ذلك فإن المادة (23) من ذات القانون حددت بأنه يحق لكل مواطن أن يطلب قيده في السجل الإنتخابي إذا توافرت لديه الشروط الآتية:
- أن يكون قد أتم واحدًا وعشرين عامًا ميلاديًا في الأول من شهر يناير من سنة الإنتخاب ويعتمد في ذلك بيانات البطاقة الشخصية.
- أن يكون من أبناء الولاية أو المقيمين فيها.
- ألا يكون منتسبًا لجهة أمنية أو عسكرية.
ولأن المناسبة وطنية ولأن الوطن ينادينا، هنا تصبح تلبية نداء الوطن واجبة على كل من مواطن ومواطنة مؤهلاً للإنتخاب، وأما الإمتناع عن الإنتخاب لا يجوز مهما تعددت المبررات فقد نجد شخصًا لا يرى الكفاءة من وجهة نظره في المترشحين عن ولايته أو أنه ليس مقتنعاً بقدراتهم أو أنه يُشكك في أداء الأعضاء لمهامهم والقيام بأدوارهم وفقاً لإختصاصات المجلس التشريعية والرقابية، ولذلك فهو قد يمتنع عن الإدلاء بصوته، ولكن مثل هكذا تفكير لا يجوز والأولى أن نتوسّم الخير في الناس وكذلك لا بد لنا من إختيار الأكفاء دائمًا، وخلال فترة الدعاية الانتخابية علينا كناخبين الحضور لدى هذا المترشح وذاك للإستماع لبرنامجه الإنتخابي والإنصات له ومناقشته في مختلف المواضيع للتعرف على إمكانياته والتعرف على مهاراته وقدراته ولنتبيّن بأن من سنختارهُ سيكون أهلاً لهذه المهمة الوطنية، وبالتالي فيما لو إمتنع أيًا منا عن التصويت سنكون مشاركين في إيصال من هو ليس أهلاً للعضوية المجلس، وقد شاهدنا خلال الفترة الماضية من عمر المجلس الحالية عدد مشاريع القوانين المحولة لمجلس عُمان بجناحية (الشورى – المنتخب، والدولة – المُعيّن) وهذا يمثل أهمية أن يكون العضو يتمتع بكفاءة ومطّلع على القوانين وواعٍ لأهمية مشاريع القوانين المحولة من جانب الحكومة لأنها بإختصار إما أن تمس معيشة المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر وأما مشاريع قوانين ستساهم في نهضة البلاد، ولنا في مشروع قانون الحماية الاجتماعية أكبر مثال والجميع يتذكر وقفة أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى وكذلك المكرمين أعضاء مجلس الدولة، وكذلك مشروع قانون العمل العُماني، وهنالك مشاريع قوانين قادمة ستأخذ دورتها البرلمانية.
وبلا شك فإن مساهمة الجميع ومشاركتهم في الانتخابات المقبلة سيكون لها بالغ الأهمية والتي ستـُساهم بشكل مباشر في رفد المجلس بكفاءات وطنية تمثل الشعب وتمارس إختصاصاتها التي نص عليها دستور البلاد لأجل المساهمة في نهضتها خلال العهد الجديد تحت ظل القيادة الحكيمة لمجدد النهضة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم يحفظه الله.
تأتي أهمية الشورى كمبدأ عززهُ ديننا الإسلامي الحنيف وتعتبر تجربة بلادنا من التجارب الناضجة وتعدّ مساهمتنا في إنتخاب ممثلينا من الكفاءات هي إحدى الأولويات الواجب علينا كمواطنين القيام بها تجاه ديننا ووطننا وسلطاننا.
أحمد بن خلفان الزعابي