شهدت السلطنة هذا الأسبوع عودة الطلبة إلى مدارسهم بعد إنقطاع قارب السنتين ولا تخفى البهجة التي عشناها ليلة الإنطلاقة وكأن كوكب الشرق تنشدها (يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا) ويتردد عبر الوسائط بيت الشعر الذي يصف المعلم بفخر بأنه يبني وينشئ أنفسا وعقولا.
بناء النفس والعقل يحدد مقدار الوعي الذي يتسم به صاحبه في مواجهة الحياة بكل مباهجها ومنغصاتها ولكن ما نراه الآن من ردات فعل إنفعالية لبعض الشباب تجاه قضاياهم العامة والخاصة تؤكد على أن بناء الشخصية التي نريدها يحتاج إلى أكثر من مجرد إدراك معادلات البناء الضوئي الكيميائية وحفظ قواعد سيبويه النحوية وهندسة (فيثاغورث) المثلثية وغيرها التي نراها للأسف غالبة في مدارسنا ولا أقول ذلك لأحمل المدارس وحدها مسؤولية اختلال التوازن الشخصي لبعض الشباب الذين ينجرون بسهولة وراء المؤثرات التي يختلط فيها السم بالعسل دون تحكيم عميق في المسببات والأحوال فإنسكاب اللبن لا يعني قلة تدبير حامله وإنفلات العقد لا يعني استهتار في ربط وصلتيه فلكل شيء مظهر واحد ومسببات متعددة وذلك قانون ينطبق على حياتنا الشخصية والمجتمعية.
على شبابنا اليوم تعزيز مقادير الوعي لديهم وإدراك الأمور بمراميها ولتكن نظرتهم للأمور بزواية ٣٦٠° وعلى من حولهم من أصحاب الرأي والفكر والإدراك أن يكونوا شركاء في تحمل مسؤولية بناء الأفراد والقيادات التي ستأخذ مكانها في هذا الوطن عبر قادم السنوات وإلا فما فائدة السمو والرقي إذا أعقبه إنحدار ونزول.
إن المسؤولية عظيمة على الكبراء في معالجة أي اختلالات للناشئة والأمر ليس قضية شخصية سهله بل هي قضية تتطلب فهما في التعامل مع (السيكولوجيا) البشرية التي تراكمت عليها المؤثرات اللامرئية ولا نرى منها إلا ظواهرها وليكن مبدأ التاثير فيها بالنصح والإرشاد بالكلمة الحسنة وهذا مبدأ يقره ديننا الإسلامي الحنيف مالم تصل نتائج الأمور إلى إخلال بالكيان الثابت للفرد والمجتمع فهناك ساعتها لا صوت يعلو فوق صوت الحفاظ على الأصل.
لندرك أيضا أننا لا نعيش وحدنا في هذا العالم فنحن نؤثر ونتأثر وليس كل من أتى إلى موضع الحريق يبغي إطفاءه وليس كل قول حق والمدلسون بقصد وبغير قصد كثر في ظهرانينا ومن حولنا وليس لنا إلا أن نتعامل مع ذلك لأن سياسة (روح بعيد وتعال سالم) لا تجدي نفعا وما كان اليوم شأن شخصي سيتحول غدا إلى شعار جماعي وهو خير إذا أريد به ذلك وشر إذا حورت مقاصده في غير ذلك.
وعودة إلى عرس عودة الطلبة (المعاريس) في مدارسهم فإننا أمام مسؤولية كبيرة في صناعة ذات جودة لشخصيات الناشئة التي نريدها أن ترى في قيم المواطنة منهجا أساسيا للعيش تحت ظلال هذا الوطن وعليها تبنى الممارسات التي يراد بها البناء والتعمير والقول الطيب والسنة الحسنة وساعتها سنفخر فعلا بهم إذ صنعنا فيهم – فعلا وليس قولا – أنفسا وعقولا.
محمد بن عبدالله سيفان الشحي
٢١ سبتمبر ٢٠٢١ م