إن خوض غمار الآداب بشكلٍ عام، ليس ترفاً بل هو حاجة وفضول في أغلب الأحيان، حاجة لأنه يبين لنا كيف عاشت تلك الحضارات، ماذا تحب وماذا تكره، كم أطلقت لخيالها وكم عملت على نفسها لتخرج لنا آداباً خلّدها التاريخ والعصور، واليوم نتطرف إلى الأدب الانكليزي كأحد أعمدة الأدب العالمي، بما له وما عليه.
وللغوص في تاريخ هذا الأدب، لا بد من معرفة تاريخ بريطانيا العظمى وظروفها التي أنتجت عظماء في الأدب، هناك حادثة تفجرت القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد وقبل الفتح النورماندي، حيث دخل إلى انكلترا قبائل ألمانية كان دورها تخريبياً وكانوا من عبدة الأوثان، هذا الأمر كان الأمر الأول في تاريخ الأدب الانكليزي، أما الأمر الآخر اعتناق الانكليز المسيحية، وقد سجل الأدب في الفترة الأنغلو – سكسونية بخط اليد، وأقدم المخطوطات الانكليزية تعود للعام 700 ميلادي فقط، وأقدم عمل أدبي إنكليزي هو قصيدة بيوولف، ولا يمكن عند الحديث عن تاريخ الأدب الإنكليزي أن نغفل ذكر الكتاب المقدس بنسخته الإنكليزية، والكتاب المقدس مؤلف من قسمين هما العهد القديم و العهد الجديد فالعهد القديم قد ترجم إلى اللغة الإنكليزية من اللغة العبرية أما العهد الجديد فقد ترجم إلى اللغة الإنكليزية من اللغة اليونانية، بالتالي، يعود تاريخ الأدب الإنكليزي القديم إلى الفترة من 450 م -1066 م، وقد تم كتابته في فترة الحكم الأنغلو – سكسوني، حيث تعتبر اللغة الإنكليزية القديمة أو الأنجلو ساكسونية هي من أقدم أشكال اللغة الإنكليزية، ونجد أن قصائد تلك الفترة كانت وثنية وخاصة قصائد فيديث وأيضاً بيوولف كما أشرنا أعلاه.
على مر العصور استطاع الأدباء أن يحفظوا معظم الأدب الإنكليزي القديم في أربع مخطوطات وذلك من أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر تحديداً، ومن هذه المخطوطات: مخطوطة بيوولف والتي سميت بالمكتبة البريطانية، واحتوت على بيوولف، جوديث وثلاثة مسارات النثر، أما المخطوطة الثانية هي كتاب إكستر وهو عبارة عن مجموعة متنوعة من القصائد اللغوية والتعليمية والألغاز وعدد لا بأس به من الروايات الدينية، تأتي مخطوطة جونيوس لكي تكون المخطوطة الثالثة وتحتوي على عبارات توراتية، أما عن كتاب فرشيلي الموجود في مكتبة الكاتدرائية في فرشيلي بإيطاليا فهو يعتبر المخطوطة الرابعة التي تتحدث عن بعض القصائد الدينية وحياة القديسين وبالطبع يوجد بها مواعظ نثرية، بالتالي، إن الأدب الإنكليزي من أنواع الأدب التي أعطت الكثير من الأعمال المكتوبة الهامة التي قام بإنتاجها سكان الجزر البريطانية الذين يسكنون أيرلندا الآن، وبدأ الأدب الإنكليزي من القرن السابع وهو مستمر حتى يومنا هذا، واستطاع أن يكون له شكل منفصل ومميز عن أي نوع أدب أخر.
ضم الأدب الانكليزي فنوناً شعرية وأخرى نثرية، أشهر من كتب في ميدان الشعر كان الكاتب والمؤلف وليام شكسبير وقد استطاع أن يتميّز في عدد من السونيتات التي لاقت رواجاً كبيراً وما زالت تُتداول حتى الآن، وقد قام عدد من المترجمين بترجمة أعماله الشعرية بطريقة أدبية وتجد في معظم أشعار الأوروبيين أنّها مُستقاة من الفنّ العربي في الموشّحات الأندلسيّة، وبعد أن علمنا بداية تشكل هذا الأدب، جاء عصر النهضة والذي ابتدأ بعهد آل ثيودور في عام 1500 وانتهاءً بعهد الكومونلث عام 1660، مروراً بالحقبة الإليزابيثية واليعقوبة والكارولينية، ثم عصر الإتباعية الجديدة ويُقسّم إلى ثلاثِ مراحل “1660-1798” وهي: مرحلة إعادة الملكية والمرحلة الأغسطية ومرحلة التمهيد للإبداعية وهي ما تسمى بمرحلة جونسون، وأما العصر الحديث: من عام 1798 إلى الوقت الحاضر، وينقسم إلى خمسِ مراحل أساسيّة وهي: المرحلة الإبداعية والعصر الفكتوري والمرحلة الادواردية ومرحلة الحداثة والمرحلة المعاصرة.
من هنا، القصة هي أكثر أنواع الأدب انتشاراً والملحمة والقصة الشعرية الشائعة وكذلك القصة الشعبية الفكاهية والرومانسية كل هذه القصص والروايات كما نعرفها اليوم هي تطور أخير وقالب خاص عبارة عن سرد قصة، ففي انكلترا يحدد البعض فترتها في القرن الثامن عشر مع رواية “رتشاردسون” لكن لا يمكن تحديدها بشكل قاطع ما قبل القرن السادس عشر بظهور رواية “أركاديا” للكاتب “السير فيليب سيدني”، ودعي القرن الثامن عشر في إنكلترا بالعصر الأوغستيني وذلك نسبةً إلى الحقبة التي حكم فيها الإمبراطور أوغستوس الإمبراطورية الرومانية حيث كانت تلك الإمبراطورية في أوج قوتها و ازدهارها، وقد ساد المذهب الأدبي الكلاسيكي الاتباعي في العهود الماضية والذي يقوم على اتباع القدماء وتقبل الواقع كما هو ويقول بأن العقل أهم من العاطفة والشكل أهم من المضمون، فإن القرن الثامن عشر شهد ظهور تيار أدبي معاكس تماماً للتيار الكلاسيكي وهو التيار الرومانسي، وفي العصر الفيكتوري أي أثناء تولي الملكة فيكتوريا العرش ظهرت أعمال أدبية حققت شهرة عالمية واسعة مثل روايات “تشارلز ديكنيز” كان ديكنز من أوائل و أهم الروائيين الذين كتبوا روايات عن الطفولة، وقد انتشر أدب الأطفال بشكل واضح في العصر الفيكتوري فظهرت قصص نعرفها جميعاً كقصة “أليس في بلاد العجائب” لمؤلفها “لويس كارول”.
ومن أهم رواد الأدب الانكليزي، وليام شكسبير: يتضح دور شكسبير في أنه ابتكر حوالي 3000 كلمة لا تزال مستخدمة في اللغة الإنكليزية المعاصرة في يومنا هذا، وقد كتب العديد من المسرحيات والتي منها عطيل، حلم منتصف الصيف وتاجر البندقية، وكان شكسبير من أكثر الكتاب إنتاج وقوة في كل العصور، كذلك جين أوستن: ما زالت حداثة و قوة الرسائل التي قامت بكتابتها جين أوستن صحيحة وقد فعلتها منذ نهاية القرن الثامن عشر، وقد كانت رائدة في الأدب الإنكليزي بسبب أسلوبها الجديد في الكتابة مع حوارات سريعة وجذابة تنقل القراء بشكل مباشر إلى أذهان الشخصيات، يأتي أيضاً أوسكار وايلد: يعتبر وصف أوسكار وايلد من الأمور الصعبة مثل تعلم لغة جديدة في ثلاثة أيام، حيث أنها تعتبر صعبة ومعقدة، وقد كانت حياته على ذلك النحو وأكثر من ذلك أيضاً حيث قال أحدهم ذات مرة إن ثقل شخصيته قد طغى على أهمية أعماله، وعلى الرغم من ذلك قد يكون ذلك حكم سطحي على حياته، تشارلز ديكنز: من خلال أسلوب كتابة شاعري متطابق مع لمسة كوميدية قوية، يقوم تشارلز ديكنز بوعي كبير بتصوير المشاكل والإحساس بالظلم الاجتماعي لشعب الطبقة العاملة الفيكتوري، وذلك بقصد الكشف عن الجانب السئ السمعة من العصر، وتركز أعماله على النفاق والتمييز والفقر في النظام الطبقي البريطاني وتضاؤل أفكار الحضارة والتقدم، إلى جانب رواياته عن الطفولة كما أشرنا. أيضاً، روبرت براونينغ: يعتبر من أشهر الشعراء وكتاب المسرح في إنكلترا، ومن أشهر قصائده دوقتي الأخيرة، وقد بدأ كتابة الشعر وهو عمره خمس سنوات.
من هنا، إن التعمق في الأدب الانكليزي يبني مهارات التفكير النقدي حيث يتعلم القارئ الكثير من خلال دراسة الأدب الإنكليزي التعرف على الشخصيات والعثور على السمات، كما يبدأ في النظر إلى الجملة بإحساس أكبر بالتفاصيل والعمق ويدرك أهمية المعاني الخفية حتى نقوم بالوصول إلى نتيجة معينة إلى جانب أن هذا الأدب يربط بينه وبين التاريخ حيث يعتبر الأدب والتاريخ متشابكان مع بعضهما البعض بشكل كبير، حيث أن التاريخ لا يقتصر فقط على صراعات القوى والحروب والأسماء والتواريخ، فهو يتعلق بالأشخاص الذين هم نتاج وقتهم وحياتهم الخاصة، والأهم من كل ذلك الآداب تجعلنا نقدر الثقافات والمعتقدات الأخرى، بحيث توفر القراءة عن التاريخ أو الأنثروبولوجيا أو الدراسات الدينية طريقة للتعلم عن الثقافات والمعتقدات غير ثقافتنا ومعتقداتنا.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان