في مفاهيمنا القديمة الراسخة أن الخلافات السياسية هي التي تفرق بين الشعوب وتزيد من خلافاتهم وتباعدهم ، وتأتي الرياضة من خلال المباريات الودية أو حتى البطولات الرسمية لتلطف الاجواء بين الساسة والشعوب تمهيدا لتكون القوة الناعمة لحل الخلافات السياسية والدبلوماسية بعد ذلك ، وقد حصل ذلك في مناسبات كثيرة في اقامة المباريات الودية بين الولايات الأمريكية وايران أو بين كوريا الشمالية والجنوبية أو بين الصين والولايات المتحدة أو الصين واليابان ، وهناك شواهد تاريخية كثيرة على استخدام الرياضة كقوة ناعمة فعالة تستخدم كلما تتطلب الأمر لذلك.
المفرح هذه الأيام والتي من خلالها استطاعت الشاشات ان تجمع العائلات العربية والخليجية على وجه الخصوص لمتابعة بطولة كأس آسيا المقامة في دولة الإمارات العربية المتحدة خاصة أن بعض الدول العربية مشاركة فيها كمملكة البحرين والعراق وسلطنة عمان ودولة الإمارات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وغيرها من الدول الإسلامية، ومن باب التحيز المشروع فإن كل شعب يشجع منتخب بلاده أو يشجع من يميل إليه قلبه أو عقله ، ولكن ما أن لبث أن تحول الفرح إلى حزن واسى وإحقاد بين بعض الرياضيين والجماهير وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي ، وتلاحظ ذلك من خلال وسائل الإعلام التقليدية من تلفزيون وإذاعة وصحف ، أو من وسائل التواصل الاجتماعي الحديث من خلال بعض المغردين أو من يسمون انفسهم مشاهير أو نشطاء “السوشل ميديا” ، وإطلاق بعضهم لعبارات وكلمات وجملا لا تليق أو غير مقبولة أن تطلق في فترات الحروب ، فكيف بمجرد مباريات كرة قدم وبطولة رياضية يفترض أنها تجمع متنافسين يعشيون في بقعة جغرافية وقارة تجمعهم هدفها التنافس الشريف فيما بينهم ، وبعدها يمكن أن تتطور مجالات التعاون فيما بينهم ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وباقي مناحي الحياة.
ما يستفز النفس ويزيد من الحزن احزانا أن هذه الخلافات والمناكشات واطلاق عنان السب والتصيد وتهويل وتحوير وتصيد الكلام بشكل يخدم أهواء من يطلقها لزيادة حرارة الخلافات وتعميق الكراهية فيما بين الجماهير ، المحزن هو ان تكون بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي يفترض لتعدد الاسباب أن يكون شعبا وعائلة واحدة لتشابه عوامل الدين واللغة والعادات والتقاليد والاعراف والموقع الجغرافي واختلاط العائلات والقبائل بعضها ببعض وتشابه أنماط الحياة فيما بينهم.
استبشر الكثير من محبي وحدة الخليج في أن هذه البطولة الكروية القارية أن تجمع بين أبناء الخليج لا أن تفرقهم وتزيد من خلافاتهم ، توقع الحكماء منهم ان تغلق صفحة الخلافات الخليجية الخليجية إلى غير رجعة، خاصة انهم شاهدوا بأم أعينهم الأخلاق الرفيعة والتسامح والاعتذار والابتسامات المتبادلة فيما بينهم التي تحلى بها لاعبي المنتخبات الخليجية في المربع الاخضر الذي كان يجمعهم بالرغم من الضغط النفسي والاعلامي والإرهاق الجسدي الذي تعرضوا إليه داخل وخارج الملعب قبل وأثناء وبعد كل مباراة.
عليه، ليكون شعار الحكماء من اهل الخليج هو ان العمق الخليجي ووحدته وتكامله وتعاونه اهم بكثير من مباراة قدم بها فائز أو خاسر ، وعلى هؤلاء الحكماء توجيه الرأي العام ، وأن لا تترك الساحة خالية لبعض المراهقين فكريا أن تتحكم في الشاشات أو الصحف أو الاذاعات أو قنوات “السوشل ميديا” بسبب انهم من المشاهير ويملكون قاعدة من المتابعين وإتاحة الفرصة لهم لبث رسائل مسمومة بغيضة هدفها تغير مفاهيم راسخة وعميقة تضعف وتهزم العمق الخليجي ووحدة المصير المشترك ، فالحذر من هؤلاء البسطاء الذين يعتقدون أنهم مؤثرين، فليعلم هؤلاء أنه ليس كل مشهور مؤثر، فليعلموا أن أفكارهم قابلة للجدال والنقاش العقلاني والمنطقي والمحاسبة، فليتقوا ربهم فيما يقولون، وليراعوا دينهم وأخلاقهم وتربيتهم قبل المحطات التي يعلمون فيها، وليراعوا ثقة ومصداقية الناس التي تتابعهم، والتاريخ الذي سوف يسجل سقطاتهم التاريخية التي لن تغتفر، فليقولوا خيرا أو ليصمتوا، وما على حكماء الخليج إلا أن يتدخلوا للتوعية، ويجعلوا من الرياضة أداة تجمعنا ولا تفرقنا.