أنقرة- ما زال العنوان العريض في أفغانستان هو ضبابية المشهد، وسط أحداث متسارعة ومساومات معقدة تشارك تركيا في إدارتها، ويبقى سلوك حركة طالبان وقراراتها في المرحلة الانتقالية العقدة التي تُناقش داخل أروقة الحكومة التركية، فماذا يقلق أنقرة من طالبان؟ وما نقاط الخلاف والالتقاء بين الطرفين؟
بعد أزمة رفض طالبان بقاء القوات التركية في مطار كابل؛ وصف المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين تركيا بأنها شريك رئيسي في إعادة إعمار أفغانستان بعد الحرب، مؤكدا أن الحركة تعوّل على التعاون مع تركيا في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وإعادة إعمار البنى التحتية التي تعرّضت للدمار جراء الحرب.
الاختلاف والالتقاء
ثمة نقاط اختلاف والتقاء بين حركة طالبان وتركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية، وعن الخلافات الجوهرية بين الطرفين يقول الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج للجزيرة نت إن نموذج الحكم الذي قدمه كل منهما مختلف عن الآخر؛ فطالبان تقدم نفسها على أنها إمارة إسلامية، لكن العدالة والتنمية حزب سياسي حداثي تحت سقف الدستور التركي الذي يفرض العلمانية في البلاد.
وأضاف الحاج أنه “بالنسبة لطالبان فتركيا عضو في حلف الناتو الذي غزا أفغانستان، حتى وإن لم تشارك في مهام قتالية، كما أن ثمة علاقة مباشرة لأنقرة مع أطراف وتيارات أفغانية من أوزبك وطاجيك وتركمان ممن تعدهم من أبناء العرق التركي، وبالتالي ترى واجبا عليها الدفاع عن حقوقهم في ظل خصومتهم الميدانية لطالبان”.
ورغم ما سبق من خلافات فكرية وعملية بين الجانبين، فإن هناك 3 أسباب رئيسية تدفعهما للتلاقي والحوار والتعاون، وفق الباحث الحاج، وهي:
الأول: البراغماتية السياسية، فثمة أمر واقع جديد في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، عنوانه سيطرة طالبان على الأراضي الأفغانية وتحولها لفاعل لا يمكن تجاهله وتجنبه.
الثاني: يمثل الاقتصاد أولوية مشتركة للطرفين؛ فطالبان ورثت دولة شبه منهارة باقتصاد ضعيف، وتركيا قوة إقليمية صاعدة وطموحة، واقتصادها يعاني مؤخرا، لا سيما في ظل أزمة وباء كورونا، لذلك فإن العلاقات التاريخية والأخوية بين تركيا وأفغانستان ستدفع نحو شراكات اقتصادية وعلاقات تجارية متقدمة بينهما.
الثالث: ثمة حاجة واضحة لطالبان للقبول الدولي وتجنب الحصار والمقاطعة ومحاولات الإفشال ولمّ الشمل الداخلي، وهي كلها مسارات تمتلك تركيا فيها خبرة وأدوات يمكن أن تستفيد منها الحركة. في المقابل، هناك مصالح واضحة لتركيا في أفغانستان تتعلق بتوازناتها الداخلية والتنافس الإقليمي والأهمية الجيوسياسية والعلاقات مع الولايات المتحدة، وغير ذلك.
قلق أنقرة
وذكر أستاذ القانون الدولي في جامعة “كوجالي” سمير صالحة أن أنقرة لا تريد أن تتحمل مسؤولية فتح الطريق أمام طالبان، وأن يواجهها بعضهم مجددا بمسؤولية ترويج الإسلام السياسي على “الطريقة الطالبانية” هذه المرة، لذلك تريد بداية من طالبان تقديم الضمانات الاجتماعية والسياسية والقانونية الكافية لتسهيل العبور نحو مرحلة جديدة في البلاد.
وقال صالحة للجزيرة نت إن سبب القلق التركي أيضا يعود إلى احتمال وجود لعبة أميركية لإشعال فتيل الانفجار وتوريط الجميع في آسيا، بعدما شعرت واشنطن بأنه لا مصلحة لها بعد الآن في أفغانستان؛ فالتخوف التركي يأتي من احتمال حدوث تفاهمات أميركية مع طالبان لإنشاء إمارة إسلامية توفر الحماية لجماعات وحركات متشددة تلعب ورقتها ضد القوى الصاعدة في منطقة دول الجوار الأفغاني.
وأضاف “لا يمكن لتركيا أن تغامر بالظهور كمن يقود حافلة بناء تحالف جديد مع طالبان في أفغانستان، ويوفر لها الدعم والحماية في ساحة من الرمال المتحركة قبل أن تتأكد من نيات الحركة ومشروعها السياسي في بناء الدولة الجديدة”.
ولفت صالحة إلى أن الطرح التركي هو سلة واحدة تناقش مع طالبان، وتجمع وضوح رؤية المرحلة الانتقالية وتركيبة الحكومة المرتقبة واستعداد الحركة للانفتاح الحقيقي على المجتمع الدولي قبل نقاش أي اعتراف بها.
المزيد من سياسة