انطلاقًا من التوجيهات السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ للجهاز الإداري للدولة باتِّخاذ الإجراءات اللازمة لتهيئة البيئة المناسبة التي تساعد المواطنين على الالتحاق بكافَّة الأعمال، وتوعية الشَّباب بفلسفة العمل وثقافته السَّائدة عالميًّا، وتشجيعه على خوض مجالات الأعمال الحرة؛ وتأكيدًا على دَوْر التعليم في إنتاج المتعلِّم اقتصاديًّا من خلال تأسيس البناء الفكري والمفاهيمي والتسويقي، والتأصيل الفلسفي والتطبيقي لثقافة العمل الحُر في بيئات التعلُّم ومؤسَّسات التعليم ومراكز التدريب؛ وإيمانًا بما يُمثِّله موسم خريف ظفار من تظاهرة سياحيَّة اقتصاديَّة، في ظلِّ ما يحتضنه من أعداد كبيرة من السيَّاح، حيث بلغت المؤشِّرات الأوَّليَّة لأعداد زوَّار خريف ظفار لعام 2023 من داخل سلطنة عُمان وخارجها خلال الفترة من 21 يونيو حتى 31 يوليو 2023 نَحْوَ 396 ألفًا و108 زوَّار، بارتفاع بلغت نسبته 12.8 بالمائة مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2022 والتي بلغ العدد فيها 351 ألفًا و198 زائرًا، وفق ما جاء في الملخَّص التنفيذي لتقديرات أعداد زوَّار خريف ظفار الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
وبالتَّالي ما تطرحه هذه المؤشِّرات من فرص نجاح قادمة في ظلِّ ما يُمكِن أن تُشكِّلَه بيئة الخريف من قِيَمة اقتصاديَّة مضافة وميزة تنافسيَّة للمحافظة في هذه الفترة الحيويَّة التي يتصدر فيها السَّفر والسِّياحة المشهد العالَمي، وحجم الفرص الاقتصاديَّة والتسويقيَّة والسِّياحيَّة التي يُقدِّمها الخريف من منطلق تعزيز القدرات الوطنيَّة السَّاعية نَحْوَ تأصيل مهارات العمل الحُر وثقافته وفلسفته وأُطُره واستراتيجيَّاته وبرامجه وخياراته في شخصيَّة المتعلِّم، والانتقال بهذه التوجُّهات الوطنيَّة إلى مرحلة التطبيق، والنزول بها إلى ميدان الممارسة، وعَبْرَ تبنِّي البرامج والخطط التعليميَّة والتدريبيَّة الداعمة لحضور طلبة مؤسَّسات التعليم العالي والمدرسي ممَّن هم في مقاعد الدراسة، ومخرجاتها من الباحثين عن عمل في أنشطة الخريف وفعاليَّاته ومواقعه. ذلك أنَّ ما يُشكِّله خريف ظفار من وجهة سياحيَّة فريده بالمنطقة يجعل مِنْه محطَّة أنظار المستثمرين العالَميين والهواة والمغامرين وغيرهم ممَّن يجدون في هذه الفترة مساحة لهم للسَّفر والسِّياحة، الأمْرُ الذي سيُعزِّز من تحقيق أولويَّة السِّياحة العُمانيَّة في رؤية «عُمان 2040» في استقطاب أكثر من (11) مليون سائح بحلول عام 2040، ومعنى ذلك أنَّ الرهان اليوم على ما يُحقِّقه الخريف من فرص كبيرة في الاستيعاب السِّياحي والاقتصادي والاستثماري سيُعزِّز من قدرة السِّياحة العُمانيَّة على تحقيق هذا الهدف ويوفِّر لها إطارًا تسويقيًّا مُهمًّا في هذا الشأن.
عليه، يطرح واقع خريف ظفار والفرص الاقتصاديَّة والسِّياحيَّة التي يُحقِّقها على مختلف المستويات، والحضور الكثيف للأيدي الوافدة في هذه الفعاليَّات، وفرص الكسب المادي المُتحقِّقة لها، الكثير من وجهات النظر وعلامات الاستفهام حَوْلَ موقع الشَّباب العُماني من مخرجات التعليم المدرسي والعالي من الباحثين عن عمل، أو غيرهم من الطلبة ممَّن هو في مقاعد الدراسة، في استثمار هذا الموسم اقتصاديًّا، فمن جهة يُعزِّز من الفرص الاقتصاديَّة لدَيْهم نظرًا لفرص الكسب المادِّي والمالي المُتحقِّقة مِنْه، في ظلِّ الحركة الشرائيَّة الكبيرة المرتبطة بارتفاع أعداد الزوَّار بما يحتاجه زوَّار الخريف من خدمات سياحيَّة ووفرة في المواد التموينيَّة والاستهلاكيَّة، ومن جهة أخرى استغلال نوعي للإجازة الصَّيفيَّة لطلبة المدارس ومؤسَّسات التعليم العالي التي عادةً ما ترافق انطلاقة موسم خريف ظفار، ومن جهة أخرى فإنَّ ما يرافق هذا الموسم من إقامة الفعاليَّات واللقاءات والأنشطة والبرامج العالَميَّة والمؤتمرات الدوليَّة في مختلف المجالات يُمثِّل فرصة سياحيَّة وميزة تنافسيَّة لمحافظة ظفار في استقطاب السيَّاح، بالإضافة إلى أنَّ وجود الشَّباب العُماني في إدارة البنية الاقتصاديَّة والشرائيَّة سوف يقلِّل من حالة الجشع والاستغلال السَّلبي للمواطن والزائر من قِبل الأيدي الوافدة ومن جنسيَّات مختلفة بما لا يعكس السَّمت العُماني والأخلاق والقِيَم العُمانيَّة، واستمرار هذا السلوك سيكُونُ له تداعياته على السِّياحة في المحافظة، الأمْرُ الذي يؤكِّد في الوقت نَفْسه على أنَّ تشغيل الشَّباب العُماني سوف يُعِيد الوازنات إلى البُعد الاقتصادي للخريف، كما يُعِيد إنتاج الثقافة والأخلاق العُمانيَّة لتتجلَّى في السُّلوك السِّياحي الممارس في خريف ظفار؛ ويجعل من وجود الشَّباب العُماني في هذه المواقع والمواقف قِيمة مضافة وميزة تنافسيَّة تتَّجه نَحْوَ تعظيم جهود سلطنة عُمان في بناء القدرات الوطنيَّة، والتوجُّهات السَّاعية نَحْوَ التمكين الاقتصادي للشَّباب، وتوطين الوظائف وتعزيز البناء الاقتصادي للمواطن في إطار أولويَّات وأهداف رؤية «عُمان 2040».
وبالتَّالي ما يُمكِن أن يقرأَ من هذه المؤشِّرات من فرص اقتصاديَّة متنوِّعة، ونشاط نوعي كبير للأنشطة الاقتصاديَّة المختلفة المُعزِّزة للتمكين السِّياحي، وتوفير بيئة سياحيَّة حاضنة مُحقِّقة للطموحات متفاعلة مع أولويَّات السَّائح وقادرة على تغيير قناعاته، سواء في جانب الألعاب والفعاليَّات الترفيهيَّة أو في التسويق والترويج أو في قِطاعات خدمات النَّقل والاتِّصالات، وقِطاعات المنتجات المحلِّيَّة والتموين الغذائي والاستهلاكي، أو في رياضة المغامرات الجبليَّة والشاطئيَّة، أو في الابتكارات والمشاريع الطلابيَّة أو في قِطاع فعاليَّات الحدائق والمتنزهات أو في إعداد الوجبات السريعة وتقديم الوجبات الغذائيَّة (المضابي) وفي الأنشطة الترفيهيَّة المرتبطة بالقوارب والخيام والإرشاد السِّياحي والتسويق، وغيرها كثير ممَّا لا مجال لحصره. ولو تحدَّثنا عن القوارب في وادي دربات وغيره من الأودية والعيون والشلَّالات المائيَّة الأخرى التي تنتشر فيها هذه الخدمة الترفيهيَّة، التي تُقدِّم للسَّائح مساحة من الترويح والترفيه والبهجة والفرح والاستمتاع برفقة الأُسرة والعائلة والأصدقاء أو كذلك الحديقة المائيَّة أو التلفريك ومزاولة نشاط «الأكشاك» بيع النارجيل وجوز الهند والفواكه الموسميَّة، وعربات الطعام المتنقلة أو بيع المضابي والآيسكريمات، وإدارة الفعاليَّات والألعاب في مواقع تنفيذ الفعاليَّات؛ كونها أنشطة في متناول اليد ولا تتطلب جهدًا عضليًّا، ومزاولة الشَّباب من مخرجات التعليم والباحثين عن عمل فيها كنشاط مؤقت يُمنح من قِبل جهات الاختصاص سوف يَعُودُ عليهم بالنَّفع والفائدة، أو غيرهم من الشَّباب من روَّاد ورائدات الأعمال بالمؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة والشَّباب المنخرطين في العمل الحُر، وغيرهم من الراغبين في الاستفادة من مشاريعهم الاقتصاديَّة، إذ إنَّ أعداد الوافدين التي باتت تسيطر على المشهد الاقتصادي في الخريف تطرح اليوم تساؤلات كبيرة حَوْلَ موقع المواطن فيه وبشكلٍ خاصٍّ طلبة الجامعات ومؤسَّسات التعليم العالي وغيرهم من مؤسَّسات التعليم المدرسي في أن يكُونَ لهم بصمة حضور في فعاليَّات وبرامج الخريف.
إنَّ موسم خريف ظفار موسم اقتصادي زاخر بفُرَصِه المتنوِّعة التي يُقدِّمها لمختلف فئات المُجتمع في تعزيز قدراتهم الماليَّة وفتح آفاق رحبة لهم في الكسب الشريف والعمل المنتج والروح المتجدِّدة التي تفتخر بعطائها وكَدِّ يمينها وعَرَق جبينها، ويمنح الخبرة الوطنيَّة المزيد من القدرة على الإدارة الماليَّة وريادة الأعمال، ويؤسِّس في الشَّباب حُب العمل الحُر، والتسويق وبناء الشراكات وإتاحة الفرصة لهم للتغيير وإنتاج ذواتهم اقتصاديًّا ويضْمن رفع مستوى الحركة الشرائيَّة التي يقُودُها الشَّباب العُماني ويقوم عليها المواطن، مدركًا أهمِّية الاستثمار في هذه النِّعم العظيمة والمحافظة عليها بحُسْن استغلالها وبناء الروح العالية التي تصنع مِنْها محطَّات نجاح قادمة، وشواهد إثبات على همَّة العطاء وحُب العمل، وشغف الإنجاز وحُسْن المسؤوليَّة والريادة التي يمتلكها الشَّباب العُماني. إنَّ إعادة إنتاج المواطن اقتصاديًّا وإتاحة الفرصة له في إثبات وجوده في خريف ظفار، سوف يضْمَن انطلاقة جادَّة للشَّباب في إدارة هذه الفرص ونُمو هذا المسار الاقتصادي والريادي لدَيْه، فإنَّ المتوقَّع من تشجيع الشَّباب العُماني وحَفْزِه على إدارة الحالة الماليَّة والتسويق لفعاليَّات الخريف فأن يُعزِّز فيه الثِّقة، وأن يصنعَ في ذاته التغيير في المبادرة بأن يكُونَ حضوره في المواسم القادمة أكثر وأوسع، الأمْرُ الذي سيحدُّ من سيطرة الأيدي الوافدة، المستفيد الأكبر من خريف ظفار.
وعليه، فإنَّ تمكين الشَّباب العُماني من مخرجات التعليم، الباحثين عن عمل أو ممَّن هم في مقاعد الدراسة من استغلال فترة الإجازة الصَّيفيَّة بالانخراط في ممارسة الأنشطة الاقتصاديَّة في موسم خريف ظفار، سوف يكُونُ له عوائده المباشرة وغير المباشرة. فعوائدُه المباشرة تظهر من خلال المكاسب الماليَّة للخريف التي ستُعِيد إنتاج الفرص في حياة الشَّباب ويدرك خلالها قِيمة العمل الحُر المصحوب بالإرادة وحُسْن الإدارة في بناء الفرص، وعوائده غير المباشرة تظهر في بناء المتعلمين اقتصاديًّا وتنشيط حضورهم في هذا المجال. ولعلَّ الفرص التي يُمكِن أن تتحقَّقَ من هذا الجانب سوف تنعكس على التنوُّع في الخيارات، والتوسُّع في الأنشطة الاقتصاديَّة، فلا يقتصر دَوْر الشَّباب فيه على مسألة البيع فقط، بل عَبْرَ خيارات أوسع، حيث يُمكِن أن تتعاملَ مع مهارات أخرى وقدرات واستعدادات تختلف باختلاف هذه الفعاليَّات والمواقع ونوعيَّة الأنشطة، خصوصًا مع توجُّه فعاليَّات الخريف نَحْوَ حضور للأنشطة الإلكترونيَّة وأنشطة الذَّكاء الاصطناعي والمناشط والفعاليَّات المرتبطة بالتسويق للمنتجات الوطنيَّة أو بعض الفرص الاقتصاديَّة، والأنشطة الابتكاريَّة للجامعات ومؤسَّسات التعليم العالي والمدارس، والتي سيكُونُ لها حضور كبير في إثراء فعاليَّات وأنشطة الخريف اقتصاديًّا، ويكُونُ على أثرها توقيع اتفاقيَّات شراكة مع شركات طلابيَّة ومنتجات وطنيَّة وبراءات اختراع مع شركات في الداخل والخارج، كما يُمكِن أن تُشكِّلَ المعارض المهنيَّة فرصة لاستقطاب الشركات العالَميَّة والمحلِّيَّة للكفاءات العُمانيَّة، في ظلِّ التوجُّهات السَّاعية إلى تعزيز فرص التعريف بالاستثمارات الاقتصاديَّة والتقنيَّة وغيرها في سلطنة عُمان في المناطق الاقتصاديَّة، ومِنْها المنطقة الاقتصاديَّة الخاصَّة في الدقم، بما يصنع من الخريف فرصة أكبر في استقطاب السيَّاح العالَميِّين والمستثمرين الكبار لزيارة محافظة ظفار والاستمتاع بأجواء الخريف.
أخيرًا، نعتقد بأهمِّية طرح هذا الموضوع على المستوى الوطني، تعكس أولويَّة التعليم، وفق مبادرة تعليميَّة وتدريبيَّة سياحيَّة واقتصاديَّة وتسويقيَّة ترتبط بأولويَّات رؤية «عُمان 2040»، وتستهدف تعزيز الفرص المتاحة للطلبة من مؤسَّسات التعليم العالي والمدرسي ممَّن هم في مقاعد الدراسة أو الباحثين عن عمل في إعادة إنتاج اقتصاديًّا، فإنَّ هذا التوجُّه يتناغم مع التوجُّهات الوطنيَّة بشأن العمل الحُر، وفي الوقت نفسه يُعزِّز من مفهوم إنتاج المتعلِّم اقتصاديًّا بحيث يربط المعلومات والمعارف التي تكوَّنت لدى الطالب في بيئة التعليم والصفوف الدراسيَّة لِيترجمَها إلى الواقع، في قدرته على إدارة مشروعه الاقتصادي والمنافسة والاحترافيَّة فيه، كما يتمُّ وضع الطلبة وفق برنامج تدريبي يُعزِّز فيهم مهارات التسويق والبيع والشراء والخدمات السِّياحيَّة، وبحيث يتمُّ توزيع الطلبة بحسب مجموعات وفقًا لنوعيَّة المهام وطبيعة الفعاليَّات المُنفَّذة، كما توفِّر لمَن هم من خارج المحافظة أماكن الإقامة والسَّكنات التي تحافظ على وجودهم المستمرِّ في أيَّام الخريف، وفق خطَّة متكاملة تتبنَّاها مؤسَّسات التعليم بالتنسيق مع محافظة ظفار والجهات ذات الصِّلة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وغرفة تجارة وصناعة عُمان وزارة التراث والسِّياحة ووزارة العمل وغيرها من المؤسَّسات ذات الصِّلة، يتمُّ فيها حصر المهام والأدوار والوظائف التي يقوم بها الشَّباب من الجنسَيْنِ، والمواقع التي يتمُّ فيها تنفيذ الفعاليَّات، والإدارة الماليَّة وتفعيل منح التراخيص المؤقَّتة بِدُونِ رسوم لطلبة المدارس والجامعات في انخراطهم في العمل الحُر، إذ من شأن ذلك أن يرغِّبَ الطلبة ويُشجِّعَهم على الانخراط في هذا المجال في موسم خريف ظفار القادم، كما يُشجِّع أولياء الأمور على السَّماح لأبنائهم في الانخراط في العمل في هذه الفترة من الإجازة الصَّيفيَّة؛ كونهم يستفيدون مادِّيًّا وماليًّا، ويُحقِّقون رغباتهم الشخصيَّة نَحْوَ إدارة مشاريعهم وبناء قدراتهم ومهاراتهم، الأمْرُ الذي سيُضيف إلى رصيدهم الدراسي فرص نجاح خبراتي متواصل.
د.رجب بن علي العويسي