يُعبِّر السَّمْت العُماني عن جملة القِيَم والعادات والتَّقاليد والأُطر والاستراتيجيَّات والموجِّهات الَّتي عُرف بها مُجتمع سلطنة عُمان وأصبحتْ جزءًا من الحركة اليوميَّة لأفراده ومنطوق الحياة الاجتماعيَّة، وبالتَّالي فهو في شموليَّته وعُمقه واتِّساعه ومنطلقاته يتجاوز الممارسة الفرديَّة إلى المُجتمعيَّة ثمَّ المؤسَّسيَّة؛ كونه يُعبِّر عن سُلوك الشَّخصيَّة العُمانيَّة في كُلِّ مواقع العمل والمسؤوليَّة، في الدَّاخل والخارج وأينما حلَّ وارتحل؛ فهو بذلك إطار وطني شامل ومدوَّنة للسُّلوك الاجتماعي والمؤسَّسي العام، يضمُّ في طيَّاته كُلَّ هذه التَّفاصيل ويستحضر هذه المرتكزات ويعيد إنتاجها وفق ممارسة نوعيَّة تلتزم منهج السَّمْت العُماني وتؤصَّل أخلاقيَّات الإنسان وتبرز الثَّقافة العُمانيَّة في أجمل صوَرها وأعظم تجليَّاتها وأدقِّ تفاصيلها، وبالتَّالي لم يكُنِ السَّمْت العُماني مفردة مرتبطة بالسُّلوك الاجتماعي فحسب، أو في تعاملات الأفراد الاجتماعيَّة، بل هو ممارسة سياسيَّة مارسه سلاطين عُمان العظام وأئمَّتها الكرام وعُلماؤها في كُلِّ محفلٍ، وكان السَّمْت دليلهم في واقع ممارساتهم وطبيعة مهامهم.
لقَدْ حمل العُمانيون السَّمْت العُماني عقيدة ومنهجًا وسِيرة حسَنة بَيْنَ النَّاس؛ كونه نابعًا من قِيَم الإسلام العظيمة ونهجه القويم، فكان التَّعايش والوئام، والسَّلام والحوار، والتَّنمية والتَّطوير والأخوَّة والوحدة الوطنيَّة، والانتماء العربي والإسلامي والعالمي، وإصلاح ذات البَيْن ونبذ الشِّقاق والفرقة وتغليب منطق الحوار وتعظيم المشتركات مع الآخر وصون المكتسبات مرتكزات عبَّرت عن السَّمْت العُماني، أتقنَ استخدامها وابتكرَ أدواتها وأطَّر أبجديَّاتها وآليَّات عملِها سلاطين عُمان وأئمَّتها وعلماؤها في استنطاق القِيَم واستنهاض الرُّوح الإيجابيَّة والعزَّة والشُّموخ والصَّبر والحلم والفراسة والحدس في ممارساتهم السياسيَّة وعلاقاتهم الخارجيَّة وفي نفوذ الإمبراطوريَّة العُمانيَّة، عَبْرَ شواهد إثبات حيَّة ومواقف عظيمة ومحطَّات اختبار أكَّدت سلامة النَّهج العُماني واستقامته وتوازن الشَّخصيَّة العُمانيَّة في قراءة الأحداث ومعالجة القضايا، مدركةً بأنَّ أصالة هذا الفكر ورصانة هذه الثَّقافة والانتصار للقِيَم والمبادئ والأخلاق ثوابت عُمانيَّة لا تختصُّ بها فئة دُونَ أخرى والتزام وطني يتجلَّى في كُلِّ مناحي الحياة بل يزداد قوَّة كُلَّما زادتِ المسؤوليَّة وتعاظمتِ المُهمَّة، وهل أعظم مُهمَّة ممَّن ائتمنهم الوطن والسُّلطان على مواطنيه من المسؤولين والموَظَّفِين العاملين في ميادين العمل ومواقف الإنتاج بمختلف منظومات الجهاز الإداري للدَّولة.
واتَّخذتْ جهود الدَّولة مسارات واضحة في تثبيت هذا الاستحقاق الوطني، والمحافظة على استدامته في السُّلوك والممارسات والخِطاب والقرار، في إطار موجِّهات قائمة على التَّنويع والتَّشاركيَّة والحوار والتَّجانس والتَّناغم، انعكس ذلك في شكلِ الخِطاب الرَّسمي وبرامج التَّنمية الَّتي شملتْ مختلف الولايات والقُرى والمُدُن، بل سعَتْ بكُلِّ مرونةٍ ويُسر إلى احتواء المواقف وإدارة المعطيات المرتبطة بهذا الجانب والعمل على حلِّها بصورةٍ جذريَّة في وفاق متكافئ واحترام لحقِّ الآخر، ووقفت وعَبْرَ منظوماتها الأمنيَّة والدِّينيَّة والتَّربويَّة والاجتماعيَّة بحَزمٍ أمام مجرَّد التَّفكير في استغلال هذا التَّنوُّع في مُجتمع سلطنة عُمان في التَّأثير على البناء الفكري والدِّيني للمُجتمع؛ بل صنعتْ من هذا الاختلاف الفطري مساحة للتَّكامل وصناعة القوَّة وإعادة إنتاج الممارسة المُجتمعيَّة بما يتناغم مع مبادئ الدَّولة وثوابتها، وفق نهج وطني قائم على الوفاء للإنسان وتقدير وجوده ومكانته الوطنيَّة، فهو شريك الحكومة وهدف التَّنمية وغايتها ووسيلة تطوُّرها وتقدُّمها، وهو نتاجها الَّذي تصبُّ خلاله كُلُّ الجهود، لذلك ترجمتْ نهضة عُمان هذا السُّلوك منذُ بداياتها، سواء في استراتيجيَّات التَّنمية الَّتي وسعتْ الأرض العُمانيَّة في السَّهل والجبل والسُّهول والوديان والبراري والقفار والمُدُن والقُرى، وركَّزتْ في أولويَّتها على أمْنِ الإنسان وتعليمه وصحَّته ووصول كُلِّ الاحتياجات الغذائيَّة والتَّموينيَّة له عَبْرَ مؤسَّسات الدَّولة المَدَنيَّة والعسكريَّة، كما أثبتتِ الأزمات والحالات الطَّارئة الَّتي مرَّتْ بها سلطنة عُمان حجم الوفاء للإنسان والسَّعي لتوفيرِ مظلَّة الأمن والأمان له وحمايته من المخاطر، بما يصنع مِنْه قِيمة مضافة في حياته الشَّخصيَّة وكفاءة حضوره وعظم مسؤوليَّاته في وطن يحبُّه وقيادة تسهر من أجْله.
وبالتَّالي شموليَّة واتِّساع وعُمق مفهوم السَّمْت العُماني وارتباطه بسياسات الدَّولة وخططها التَّنمويَّة وبنيتها التَّنظيميَّة والتَّشريعيَّة والمؤسَّسيَّة، لذلك باتَ الحديث عن تجسيد السَّمْت العُماني في سُلوك مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة أحَد أهمِّ المسارات الَّتي سعَتِ الحكومة إلى تعظيمها في إطار تأكيدها جملة من المرتكزات القائمة على التَّكامليَّة المؤسَّسيَّة والشَّراكة المُجتمعيَّة وتفعيل قنوات التَّواصُل المؤسَّسي مع المواطن واللامركزيَّة والتَّمكين والتَّحوُّل الرَّقمي الإلكتروني وتعظيم مفهوم الحوار الاجتماعي المؤصِّل لفرصِ الاستدامة، والابتكاريَّة في الأداء، والأوامر السَّامية لجلالة السُّلطان المُعظَّم، لمجلس الوزراء بتبسيط الإجراءات والتَّيسير على المواطنين، والشَّراكة العمليَّة بَيْنَ المؤسَّسات والمواطنين وحضور الشَّباب في منظومة العمل الوطني وقضاياه المختلفة وتأكيد جلالته على ضرورة قيام رؤساء الوحدات الحكوميَّة بتلمُّس احتياجات المواطنين، وما يقدِّمه ملتقى «معًا نتقدَّم» في مَسيرة الحوار الوطني والشَّفافيَّة المؤسَّسيَّة من فرص نوعيَّة في تقريب المسؤول الحكومي من المواطن وفتحِ آفاقٍ أوسع للحوار المباشر معه، موجِّهات نَوعيَّة ترتكز على مبدأ السَّمْت العُماني في إطار عمل المؤسَّسات من حيث تعميق حوار المؤسَّسات مع ذاتها والمُجتمع، وضبط مساراته وتوجيهه نَحْوَ خلق تحوُّل إيجابي في حياة المؤسَّسة. فإنَّ قوَّة المؤسَّسة في قدرة منتسبيها على استيعاب جهود التَّطوير بها، وتبنِّيهم لتوجُّهاتها، واعترافهم بما يقدّم من جهود نَوعيَّة تستهدف تحقيق الجودة، وعِندَما تدرك المؤسَّسات أنَّ قدرتها على التَّأثير ترتبط بحجم التَّقدير الاجتماعي الَّتي أوجدته في المُجتمع عامَّة، عِندَها سيتحوَّل الحوار إلى طريق تحقيق المنافسة وبناء الذَّات المؤسَّسيَّة الرَّاقية.
من هنا فإنَّ قدرة المؤسَّسات على تأصيل السَّمْت العُماني وتمكينه من النُّمو، وتأكيد حضوره في ثقافة العمل والتَّكامليَّة في المهام والتَّرابط في مُقوِّمات وأدوات الإنتاج، يعني فرصًا أكبر لتعمُّق روح الشَّراكة وفَهْم الجميع لمسؤوليَّاته، وصناعة التَّكامل مع المُجتمع في ظلِّ القناعة بأنَّ الاختلاف في الرَّأي لا يفسد للودِّ قضيَّة، وبالتَّالي النَّظر إلى الاختلاف الفكري وتعدُّد وجهات النَّظر ووجود الرَّأي المختلف وثورة الأقلام المضادَّة، فرصة أرحب للحوار البنَّاء والأداء المنتج في تناول قضايا المؤسَّسة والمشاركة في حلِّها، فتعمل على احتضان هذه الأقلام، وتعرّف أفكارهم، وطرحها في ظلِّ رؤية مشتركة وعمل يسعَى الجميع لتحقيقه، فتتناغم القناعات وتذوب الاختلافات وتبرز في السَّطح قِيمة التَّكامل ووحدة الهدف، فيتقاسم الجميع مسؤوليَّته نَحْوَ اكتمال العمل، وفتح أبواب الأمل والإيجاب، والمزيد من الجهد في رسم مسلك الحوار الرَّشيد الَّذي يأخذ شكل الاستدامة وصناعة الأثر وتوظيف كُلِّ الفرص، في ظلِّ اعتراف بالجهود وتقدير للإنجاز ودعمًا للمبادرة ودفعًا للتَّميُّز، فلا قِيمة إذًا لِمَا يضعه البعض من عراقيل في انتفاء بناء أرضيَّات لحوار مستدام، في ظلِّ مساحة الحُريَّة الَّتي أوجدتها الفضاءات المفتوحة لوجهات نظر مُتعدِّدة.
أخيرًا، فإنَّ استحضار السَّمْت العُماني بكُلِّ تفاصيله ومبادئه وموجِّهاته في منظومة عمل الجهاز الإداري للدَّولة وممارسات المسؤول الحكومي والموظف وكُلِّ القائمين على شؤون المؤسَّسات؛ خيار استراتيجي يجسِّد في منطلقاته قِيمة مضافة في تحقيق الإنتاجيَّة، ورفع سقف التوقُّعات المُجتمعيَّة في عمل المؤسَّسات، ووضع المؤسَّسات في إطار المتابعة والتَّقييم لمنجزاتها واستشعار موقع المواطن في مهامها واستحضاره في برامجها بالشَّكل الَّذي يَضْمن تحقيق اعتراف جمعي ووعي مُجتمعي بما تقدِّمه هذه المؤسَّسات في إطار بناء منظومة الدَّولة وما تستهدفه في إطارها التَّنموي والاقتصادي، فتتَّجه الممارسة الوظيفيَّة إلى تعميق السَّمْت العُماني باعتباره مفردة شاملة عميقة تنتقل مع المواطن من المجالس الاجتماعيَّة إلى أروقة المؤسَّسات وأداء المهام الوظيفيَّة، فإنَّ التزام هذا المسار وتعظيم حضوره وتعميق أثره وتقديم الاستراتيجيَّات والممكنات الدَّاعمة له في بيئة العمل والقرار المؤسَّسي ومنصَّات خدمة المراجعين، إذ تنتقل الرُّوح الإيجابيَّة والابتسامة وخدمة الآخرين والتَّسامح والعفو والرُّقي في التَّعامل وذوق الكلمة والإخلاص والتَّرحيب بالضَّيف ورعاية شؤون الآخرين والتَّكافل الاجتماعي معه إلى بيئة العمل في الاهتمام بالمستفيد ورعاية الحقوق والتزام الواجبات والمسؤوليَّات وإخلاص المهام والشَّفافيَّة والوضوح مع المواطن والتزام جوهر القِيَم والخلق في الخِطاب معه واحتوائه وتيسير السُّبل من أجْل استفادة أفضل من خدمات المؤسَّسات، ليصبحَ السَّمْت العُماني خيار قوَّة وثقافة عمل يتَّجه بالأداء الحكومي والمؤسَّسي نَحْوَ الجودة والاستدامة.
د.رجب بن علي العويسي