ينطلق طرحنا للموضوع من فرضيَّة ما يُشكِّله الشَّباب من قِيمة مضافة وثروة حضاريَّة واعدة في مَسيرة التَّنمية الوطنيَّة المستدامة، حيثُ تُشير إحصائيَّات عام 2020 إلى أن الشَّباب في الفئة العمريَّة (18-29) يُمثِّل ما نسبته (20%)، وأنَّ نسبة توزيع الشَّباب في هذه المرحلة، (19.0%) من نسبة الذُّكور و(18.7%) من نسبة الإناث العُمانيِّين، وأنَّ الفئة العمريَّة (0-17) تُمثِّل (43.9%) للذُّكور و(43.0%) للإناث العُمانيِّين، لتضيفَ إلى الميزة التَّنافسيَّة للمحافظات أبعادًا نَوعيَّة، تضع الرِّهان اليوم على الشَّباب باعتباره الحلقة الأقوى في رسم معالم التَّغيير، وتوجيه بوصلة الأداء، وصناعة نموذج حضاري تنموي يجسِّد فيه تطلُّعاته واهتماماته ويصنع لهذا الطُّموح الوطني ـ اللامركزيَّة والإدارة المحليَّة ـ، حضورًا نَوعيًّا في عمل المحافظات، فإرادة الشَّباب وعزيمته، وشغفه وعطاؤه وتجدُّد أفكاره، وحضوره الواسع في عالَم العطاء غير المتناهي والإنجاز غير المحدود، والتزامه مسار الحركة والتَّنوُّع والمرونة والتَّجديد، مكنات تصنع من حضور الشَّباب في ميدان العمل بالمحافظات قوَّة نَحْوَ التَّطبيق الفاعل للامركزيَّة.
وبالتَّالي ما يعنيه ذلك من دَوْر محوري يَجِبُ على المحافظات أن تعملَ على تحقيقه لضمان إدماج الشَّباب في منظومة العمل ومنصَّات الإنتاج وميادين المنافسة فمن جهة تستوعب الرأسمال البَشَري الاجتماعي مهاراته واتِّجاهاته، والتَّوَسُّع في مائدة الخيارات المقدَّمة للشَّباب والبرامج الدَّاعمة والشَّراكات والخبرات النَّوعيَّة والتَّجارب المؤصلة لروح الابتكار والرِّيادة والقيادة لدَيْه، وتعميق الفهم الاستراتيجي في طرحها لقضاياه وتحدِّياته ورغباته بلُغة الشَّباب وطريقة تفكيره، ومن جهة أخرى تعظيم القِيمة التَّنافسيَّة لموارد المحافظات وتوظيفها، والاستثمار الأمثل في الفرص والممكنات والأدوات، وتنشيط الحراك المُجتمعي المتَّجه لصالح استدامة التَّطوير النّوعي والتَّحديث الموجّه، وإعادة هندسة الواقع الاقتصادي وتقييمه وتعزيز ابتكاريَّة المشروعات الإنمائيَّة والخدميَّة والإنتاجيَّة بالمحافظات، بالشَّكل الَّذي يَضْمن احتواء الشَّباب وتعزيز حضوره في صياغة واقع العمل وبناء النّموذج الَّذي تعمل المحافظات جاهدة نَحْوَ الوصول إِلَيْه، مستحضرةً في ذلك التَّفاعل النَّوعي مع الثَّوابت الوطنيَّة والمعزّزات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، وتأصيل القِيَم واستنطاقها لضمانِ الوصول إلى قواسم مشتركة في العمل الملهم والأداء النَّوعي، وتحقيق تناغم أكبر في الرُّؤى والأفكار، وتوسيع قاعدة المشاركة وتعزيز حضور كُلِّ فئات المُجتمع من (مثقَّفين ورجال أعمال وأكاديميِّين وباحثين وكتَّاب؛ ورفد هذا التَّمازج الحاصل مع المكوِّن الإداري للمحافظات ممثلًا في: المحافظ والولاة والمساعدين والمجالس البلديَّة والمؤسَّسات الحكوميَّة والقِطاع الخاصِّ، بالخبرات والتَّجارب وأفضل الممارسات، وعَبْرَ تبادل الأفكار الإيجابيَّة، واستمطار الأفكار واستنطاق الفرص وإنتاجها بطريقة احترافيَّة قابلة للتَّنفيذ، تَضْمن فاعليَّتها وقدرتها على التَّكيُّف مع الواقع التَّنموي المُتجدِّد، في رسم نموذج ريادي نهضوي ينطلق بالمحافظات إلى أرحب الآفاق وأسمى الغايات وأنبل المنجزات.
من هنا تؤسِّس هذه العلاقة إلى تعظيم إنتاجيَّة حوار الشَّباب بالمحافظات، والتَّوَسُّع في المنابر الحواريَّة وإشراك الشَّباب في توجُّهات المحافظة، عَبْرَ حوكمة الحوار الاجتماعي التَّنموي وترقية اللِّقاءات المنتِجة في تدارس جوانب القوَّة وفرص النَّجاح الَّتي تتميَّز بها المحافظة مع مختلف الشُّركاء، أو كذلك التَّحدِّيات والصُّعوبات الَّتي ينبغي الوقوف عَلَيْها، والمقترحات والبدائل الَّتي تقدِّم صورة تكامليَّة للعمل القادم الموجَّه نَحْوَ التَّنمية الاقتصاديَّة الَّتي تتَّجه إِلَيْها المحافظات، ودَوْر الشَّباب في استمطار الأفكار واستنطاق الفرص وإنتاجها بطريقة مبتكرة وتفعيلها وإعادة تدويرها لاحتواء كفاءة العمليَّات الدَّاخليَّة وقدرتها على التَّكيُّف مع الواقع التَّنموي المُتجدِّدة وتعاظم قِيمتها المضافة الَّتي ستصنع الفارق في نواتج العمل، إذ من شأن ذلك أن يقدِّمَ بدائل أوسع وخيارات أنضج ويفتح الآفاق من أجْلِ الوصول إلى مشتركات في العمل الجمعي المعزَّز بالبرامج والإجراءات، الأمْر الَّذي سينعكس إيجابًا على كُلِّ ما تقوم به المحافظة على مستوى الخدمات والمشروعات التَّنمويَّة الاقتصاديَّة والسياحيَّة والاستثماريَّة والخدميَّة والإنتاجيَّة، بل سيُسهم بدَوْر كبير في التَّقليل من الهواجس المُجتمعيَّة النَّاتجة عن ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل والمُسرَّحِين من القِطاع الخاصِّ، وعَبْرَ التَّفكير الجادِّ في البرامج والمشروعات الاقتصاديَّة الَّتي تتَّجه نَحْوَ القِيمة المضافة للمشروعات، وتوفير فرص عمل للمواطنين، بالإضافة إلى ذلك أن تتَّجه أنشطة المحافظات وبرامجها التَّنمويَّة نَحْوَ رفع سقف الاستثمار الدَّاخلي وتمكين مؤسَّسات المُجتمع الأهلي من صناعة الأثر، وتقوية الرَّوابط التَّنمويَّة المُجتمعيَّة المؤصِّلة للسَّمت العُماني وعَبْرَ تنشيط العمل الخيري والمسؤوليَّة الاجتماعيَّة والعمل الاجتماعي التَّطوُّعي والجمعيَّات الأهليَّة وغيرها.
ومع ذلك يبقى البُعد الاقتصادي والاستثماري الهاجس الأكبر في معادلة تطوير المحافظات، وأحَد أهمِّ المرتكزات الَّتي تضع الشَّباب في مقدِّمة الفاعلين، في ظلِّ سُلوك المغامرة الذكيَّة، وشغف الابتكار والتَّجديد والتَّواصُل؛ الَّذي يصنعه الشَّباب في ظلِّ إتقانه لأدوات التَّسويق وبرامجه، وشغف التَّعلُّم واكتساب المعرفة والتَّجريب لدَيْه، الأمْر الَّذي يَضْمن من خلاله إيجاد قاعدة اقتصاديَّة وتسويقيَّة وتواصليَّة لدَيْه في المُجتمع في ظلِّ حكمة الإدارة، وفِقه التَّرويج، ومستويات الشفافيَّة والثِّقة الَّتي يكسبها للمُجتمع، والاستباقيَّة في البحث عن متطلَّبات السُّوق، والرَّصد المستمرّ لاحتياجات الشَّباب، والحدس بنَوعيَّة السِّلع الاستهلاكيَّة، بالإضافة إلى امتلاكه فرصًا تسويقيَّة مبتكرة في التَّرويج للمنتج الوطني، وتعظيم حضوره الاستثماري في اللِّقاءات والمشاركات في المحافل الدّوليَّة، فإنَّ من شأن حضور هذه الممكنات أن تُعزِّزَ في الشَّباب ريادة الأعمال وامتلاك الأنشطة الاقتصاديَّة والمؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة واهتمامه بالعمل الحُر الَّذي يصبح الشَّباب خلاله قوَّة منتِجة في أداء المحافظات؛ فإنَّ نجاح هذا التَّمكين والوصول إلى درجة التَّمكُّن مرهون بحجم الاحتواء والحافز والدَّعم المقدَّم للشَّباب في ظلِّ استراتيجيَّات التَّدريب والتَّأهيل وصقل المهارات في مجالات القيادة والتَّمكين والتَّنافسيَّة، والتَّسويق ودراسات الجدوى، وإدماج الشَّباب في إدارة المشاريع الاحترافيَّة، وفهم قواعد السُّوق والعَرض والطَّلب وسلاسل التَّوريد وغيرها، وتأسيس مراكز التَّدريب والبحث والابتكار والاستكشاف وبناء الموهبة والشَّركات الطلابيَّة والشَّركات النَّاشئة؛ فإنَّ هذا التَّناغم والاندماج مع طموح الشَّباب، سوف يولِّد فرصًا أكبر للتَّوافق في إدارة العمليَّات الموجَّهة نَحْوَه، وبناء منظومة الوعي لدَيْه والثِّقة في قدراته، وتوليد ثقافة المشترك بهدف التَّكامل، بما يَضْمن للجهود الحاصلة الاستدامة، وقدرتها على تعميق حضور أكبر لمساحات الابتكار في المنتج الشَّبابي؛ باعتباره معيارًا أصيلًا للتَّنافسيَّة، في سبيل بناء مشاريع اقتصاديَّة وأخرى ذات نفع عام تقدِّم للمُجتمع خدمات نَوعيَّة ترفع من سقف توقُّعات المواطن وتُسهم في بناء فرص تنمويَّة مُتجدِّدة، في ظلِّ مرونة التَّشريعات، وتنوُّع الحوافز وإنتاجيَّتها وقدرتها على تقديم منجز يعتمد على نَفْسه ويقف على رِجلَيْه، أو البرامج الإثرائيَّة والتَّطويريَّة الدَّاعمة له في إدارة سُلوك التَّحوُّل في أنشطته الاستثماريَّة، وتسهيل عقْدِ الشَّراكات واتفاقيَّات التَّوريد مع شركات ومؤسَّسات عالَمي، هذا الأمْر يتَّجه أيضًا إلى تشجيع الشَّباب في المحافظات نَحْوَ الاهتمام بالبرامج والأنشطة الاقتصاديَّة ذات القِيَمة المضافة، وعَبْرَ إعادة هيكلة مفهوم الدَّعم والاحتواء لمشاريع الشَّباب وتشجيع الأنشطة الاقتصاديَّة الواعدة والاستراتيجيَّة، وتمكين المؤسَّسات الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة المحليَّة من المنافسة فيها، في مجالات الأمن الغذائي والتَّسويق للمنتَجات الزراعيَّة، أو كذلك المبادرات السياحيَّة والتراثيَّة والصِّناعات التّقليديَّة كالفخاريَّات وإعادة تدوير المواد الخام الزراعيَّة والصِّناعيَّة أو في الصِّناعات التَّحويليَّة والأنشطة الاقتصاديَّة التَّخصُّصيَّة في مجالات الطَّاقة واللوجستيَّات وغيرها.
أخيرًا، ومع التَّأكيد على دَوْر الكبار في مَسيرة البناء الوطني، ومن منطلق أنَّ الجميع شركاء في المسؤوليَّة وشركاء في الإنجاز، إلَّا أنَّ رؤية العمل بالمحافظات ينبغي أن تتَّجهَ القوَّة فيها للشَّباب في رسم ملامح التَّحوُّل وتوجيه بوصلة العمل، فإنَّ ما أثمرتْ عَنْه السَّنوات القليلة الماضية منذُ انطلاقة برنامج المحافظات من تجارب نَوعيَّة ونماذج سياحيَّة منافسة تجلَّت خلالها ولايتا نزوى والحمراء بمحافظة الدَّاخليَّة، شواهد نَوعيَّة تعكس شغف الشَّباب وحسَّ الطُّموح لدَيْهم في إعادة إنتاج الحارات القديمة والمواقع التُّراثيَّة والتَّاريخيَّة والبيوت الأثريَّة، وتوجيه استثمارات الشَّباب فيها عَبْرَ فتح الأنشطة الاقتصاديَّة ذات الصبغة العالَميَّة الَّتي تستهوي الشَّباب وتتفاعل معها مختلف فئات المُجتمع، لِتكونَ فرص جذب سياحي المحافظة في تقديم أنشطة سياحيَّة نَوعيَّة قادرة على تلبية أذواقهم وتحقيق رغباتهم؛ نماذج واعدة تضع الشَّباب خيار القوَّة في تطوير المحافظات، وإكسابهم الثِّقة والتَّمكين والدَّعم والاحتواء لصناعة الأثَر.
د.رجب بن علي العويسي