قصة نسيان :
هي صغيرة جدا،ساذجة جدا،لا تعرف شيئا عن ذلك الهوس الجميل الذي يهذي به الجميع.
تردد مع فيروز موشحاتها وتحس بها تلامسها .
تحيا الدنيا بكل بساطتها،عقدتها في الحياة أنها تكره القواعد الغبية والتقليدين الحمقى.
تؤمن بانا وجدنا في هذه الحياة لنحياها ،بكل تجاربها ،بكل أبعادها ،بكل تناقضاتها.
لا تدري من أين ظهر لها هو ؟أو كيف أو لماذا ظهر ؟وأي قدر أحمق جمعهما ؟وأي قصة مجنونة تلك التي تواصلها بالسير وراءه؟
كان هو وكانت هي بدون أية تفاصيل...
كان هو صامت جدا ،يقتلها بروده،لا يعتقها ولا يقر بسيادته عليها.
لا تدري كيف تحركه ولا تنوي ذلك،،،لا تستطيع أن تحرضه،كل ما حولها يمنعها، كانت جدا حازمة في عواطفها ،لا تملك التفريط فيها ولا تثق بها .
تخشى اليقين ،تهرب من الإجابات ،ولا تمل المراوغة ،وفي الوقت ذاته تحلم بلحظة يقين واحدة،تخطت الحدود في تناقضاتها التي لا تنتهي.
لم تكن تكفيها اعترافاته المبطنة ولا أنصاف الجمل ،كانت تريد صيغة قاطعة تجبرها على الانحياز والتخلي عن حياديتها .
تلوم نفسها ،"ماالذي يغريني بحب رجل مثله؟"رجل جبان لا يستطيع المخاطرة بجملة تنقذها من شكوكها،جملة تحييها وتبيح لها الحلم بجواره، إن كان قد بخل عليها بهذه الجملة فهي تستكثر عليه كل الوقت الذي هدرته معه،كل الصباحات التي كان هو قهوتها،كل المساءات التي نامت فيها على صوته...هناك من هو مستعد لأن يكون نعالا متهرئة لها مقابل ابتسامة منها لصباح واحد فقط.
كانت جاهلة جدا ،واعني جدا بكل ما تحمله من جدية ومبالغة ،آثرت الرحيل بصمت وبدون جمل وداع ،فهي لا تتقن اللغات التي يتحدث بها الكبار.
لم تكن تعي معنى الفراق،كانت تظن لوهلة أنها بمجرد ان تقرر انه ماعاد موجود سيصبح فعلا كذلك ،أي غباء ذلك الذي كانت تمارسه ؟نست ان ذاكرتها ستكون لها بالمرصاد...لم تكن تدري أي لعبة خطيرة تلك التي كانت تمارسها مع نفسها.
بكت
وهي تدري أن بعض الخسائر أعظم من أن تذرف ولكنها ذرفته.
توسلت ذاكرتها كثيرا أن تعتقها...
تمنت ان تصحو ليوم واحد فقط دون ان يكون هو أول من سيخطر ببالها.
تمنت أن تنام لليلة واحدة دون ان يخونها الشوق إليه،استماتت في البحث عن إجابات ،"كيف لا أشتاق؟"،"متى يموت الحنين؟"،"كيف أنسى؟"
كانت تبث شكواها للورق،تشكو البرد ،تشكو الكآبة ،تشكو الأرق،تشكو الفقد،تذكرت عندما قالت له ذات مساء بارد:"أمتلك حاسة سادسة ،حاسة الفقد ،سأفقدك لا محالة ".
بدأت تبحث عن مخبأ،عن مكان لا يصلها فيه شيء منه،أخذت تمني نفسها بالرحيل،وينطبق عليها قول طلال الرشيد:"تعبت أرحل من وجيه البشر بنساك بالترحال ...ولاأدري وش يجيبك في وجيه الناس واهلِي".
كانت ترجو أن يكون الوقت هو الترياق،وتمر الأيام والشفاء لا يقترب،محمومة هي بالحنين إليه ،والغياب يكويها بقسوة ،عبودية الانتظار تقتلها ،تضجر فتصرخ صمتا:"أعتقني مولاي".
كتبت له الرسائل ،لسيد الدمار داخلها ،لسيد بؤسها وشقائها...ولكنها لاتصل.
إبتسامتها لاتفارق وجهها،يجمع الكل على انها صاحبة الإبتسامة الأجمل ،،،ولا يدري أحد أي جرح تخفي وراءها ؟ ،تبالغ في الابتسام كلما بالغ الحزن في الاستبداد ولا يدركون سر الابتسامة التي تنتحب وأن البعض يبكي بالابتسام ،أمها وحدها من كانت تستطيع فك شفرة تلك الإبتسامة الكاذبة ،لذلك كانت تتعمد الهرب منها و في الوقت نفسه تتمنى لو تستطيع البكاء في حضنها.
رتابة الانتظار حطمت فيها الكثير ،علمها الخذلان الكثير ،عزمت أن تنساه وأن تدخل أشد المعارك شراسة مع ذاكرتها،كانت كلما ظنت أنها ابتعدت عنه وقطعت شوطا في رحلة النسيان ،تأتي أصغر التفاصيل لتتحرش بذاكرتها وتقاصصها بالعودة مجددا لنقطة الصفر .
استسلمت ...
قررت ان تعالج وجعها بالذي هو الداء...
صحيح أنها لم تكن تملك حسن بلقيس ،ولا جيد سعاد،ولكن جمال حضورها كان دوما الأقوى .
كثيرون من حولها ،ولكن لا أحد ينجح في خلق إبتسامة على شفتيها كتلك التي يخلقها هو ،وحده صوته يضيعها ويربك حواسها...
ولكنها ستحب غيره ،ستخرجه من روحها وتملأ الفراغ بسواه...
تذكرت يوسف –ابن خالتها- الذي ينتظر منها إبتسامة رضا
يوسف هو الحل ...
يوسف كن دائي ودوائي ...
كن سوطي وجلادي ...
كن لي ...
وكانت هي ...وكان يوسف وأطفال ثلاثة ...
وكان هو الجرح الغائر ... ولكن" لطالما غير النأي المحبينا ..."

الحرة المقيدة