إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أداب الدراسة والمدرسة ...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    البحث الاول (الشاعر ابو العلاء المعري)

    من هو أبو العلاء المعري :

    هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي , عربي النسب من قبيلة تنوخ إحدى قبائل اليمن ، ولد في معرة النعمان بين حماة وحلب في يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة للهجرة (973م) وكان أبوه عالما بارزا ، وجده قاضيا معروفا.

    جدر في الرابعة من عمره فكفت عينه اليسرى وابيضت اليمنى فعاش ضريرا لا يرى من الألوان إلا الحمرة.

    تلقى على أبيه مبادئ علوم اللسان العربي ، ثم تتلمذ على بعض علماء بلدته ، وكان حاد الذكاء قوي الذاكرة ، يحفظ كل ما يسمع من مرة واحدة ، وجميع من كتبوا عن أبي العلاء المعري قالوا فيه أنه مرهف الحس ، دقيق الوصف، مفرط الذكاء ، سليم الحافظة ، مولعاً بالبحث والتمحيص ، عميق التفكير .

    اعتكف في بيته حتى بلغ العشرين من عمره ، منكبا على درس اللغة و الأدب ، حتى أدرك من دقائق التعبير وخواص التركيب مالا يطمع بعده لغوي أو أديب ، وقد بدأ ينظم الشعر وهو في الحادية عشر من عمره .

    وفي سنة ثلاثمائة واثنين وتسعين هجرية ، غادر قريته قاصدا بلاد الشام ، فزار مكتبة طرابلس التي كانت في حوزة آل عامر ، وانقطع إليها فترة طويلة ، فانتفع بما فيها من أسفار جمة ، ثم زار الّلاذقية وعاج على دير بها ، وأقام فترة بين رهبانه ، فدرس عندهم أصول المسيحية واليهودية ، وناقشهم في شتى شؤون الأديان ، وبدأ حينئذ شكه وزيغه في الدين .

    قصد أبو العلاء المعري بعد ذلك ، وهي مستقر العلم ومثابة العلماء فاحتفى به البغداديون وأقبلوا عليه ، فأقام بينهم فترة طويلة يدرس مع علمائهم الأحرار الفلسفة اليونانية والحكمة الهندية ، ويذيع آرائه ومبادئه على جمع من التلاميذ لازموه وتعيشوا له .

    وكان قد فقد أباه وهو في الرابعة عشر من عمره ، فلما فقد أمه كذلك وهو في بغداد حزن عليها حزنا شديدا ، وأحس الخطوب الداهمة والمصائب تترى عليه دون ذنب جناه ، فبدأ ينظر إلى الحياة والعالم نظرة سخط ومقت وازدراء وتشاؤم ، و رأى أن من الخير أن يعتزل الناس والحياة ويزهد في ملذاتها ووصلت درجة زهد أبو العلاء المعري إلى أنه ظل خمسة و أربعين عاما لا يأكل لحم الحيوان ولا لبنه وبيضه قانعا من الطعام بالعدس ومن الحلوى بالطين ومن المال بثلاثين دينارا يستغلها من عقار له ، عاد إلى بلدته سنة أربعمائة هجرية ، وكانت آراء المعري شاهد على ما نقول عنه من نظرة تشاؤمية للحياة فهو يرى أنه ليس في الدنيا ما يستحق أن نضحي من أجله وأن كل ما فيها شر وشرور ، بل هناك من الباحثين في حياته من يقولوا أنه كان ينظر إلى أن كل من يسعى لملذات الدنيا فهو شر ، كما أنه ينضر إلى المرأة نظرة قريبة إلى نظرته إلى الحياة ، فهي كما يرى من الملذات ومن أقواله في المرأة :

    بدء السعادة إن لم تخلق امرأة

    ولم يكن أبو العلاء ناضب الفكر تجاه المرأة كما يبدو من بيت الشعر السابق لكن كل ما في الأمر أن أبو العلاء كان يخاف من فتنة المرأة وجمالها ، كما أن هناك نظرة أبي العلاء للولادة و الموت يدرك حجم تشاؤمه فهو يرع أن العدم خير من الوجود ، كما أنه يرى أن الإنسان معذب ما دام حيا , وأن متى ما مات استراح و له بيتان شعر قال فيهما :

    قضـى الله أن الآدمـي مـعذب حتـى يقـول العالمـون بـــه قضـــى
    فهنئ ولاة الموت يوم رحيــله أصابوا تراثا و استراح الذي مضــــى

    كما أن له بيت قريبا من البيتبن السابقين يقول فيه :

    فليت وليدا مات ساعة وضعه ولم يرتضع من أمه النفساء

    وهناك أيضا من حياته ما يدل على تشاؤمه فلقد احتجز نفسه في داره ، وسمى نفسه رهين المحبسين يقصد بذلك العمى والمنزل .

    وظل معتقلا عن الناس ما عدا تلاميذه ، دائبا على البحث والتعليم والكتابة ، فأخرج مجموعة ضخمة من التواليف والكتب ذهبت أكثرها بفعل الحروب الصليبية ، ومن أهم وأبرز كتبه :

    1. ديوان سقط الزند، ويشمل ما نظمه من الشعر أيام شبابه.
    2. ديوان اللزوميات، ويشمل ما نظمه من الشعر أيام كهولته.
    3. رسالة الغفران، وهي قصة خيالية فريدة في الأدب العربي.
    4. ديوان رسائله، ورسالة الملائكة والدرعيات.
    5. كتاب الفصول والغايات.

    كان للمعري كما هو شأن أي شاعر ومؤلف آخر خصائص في شعره ونثره وكتاباته بفعل البيئة التي عاش فيها وغير ذلك من العوامل الأخرى ، من أهم خصائص شعر وكتابات المعري الاشتمال على الأمثال والحكم والحكمة ، و خصوبة الخيال ، تكلمه عن التاريخ والحوادث التاريخية ورجال العرب الذين اشتهروا بفعل حوادث تاريخية مشهورة وله بيت شعر طريف يتكلـم فيه عن معرفته برجـال العرب والحوادث التاريخية يقول فيه :

    ما كان في هذه الدنيا بنو رمن إلا وعندي من أخبارهم طرف

    كما أن كتاباته تميزت بالأسلوب الساخر والمتهكم، ولا يفوتنا أن نقول أن أبرز ملامح وخصائص ما شعر و كتب أبو العلاء المعري النظرة التشاؤمية التي يحملها شعره أو نثره.

    أما عن أهم أهداف مؤلفاته من رسائل ودواوين فهو الوصف و كان من أكثر الشعراء إجادة له ، وفد قيل عنه أنه ليس أقل إجادة في الوصف لغير المحسوس من المحسوس ، وأيضا من أهدافه في مؤلفاته النقد ، ومن أمعن النظر في شعره تبين أن له طريقتان في النقد ، الأولى نقد المسائل العلمية ، والثانية نقد الأخلاق والعادات والمزاعم ، وفي كلتا الطريقتين لا يخلو كلامه من التهكم والسخرية والاستخفاف فهو أسلوب يكاد أن يقترن به دائما .

    وقد شرح كتب ودواوين ومؤلفات عدة مثل ديوان معجز أحمد لأبي الطيب المتنبي ، وديوان ذكرى حبيب لأبي تمام ، وديوان عبث الوليد لأبي عبادة البحتري .

    أما عقيدته فقد اختلف فيها الكثيرون فمنهم من زعم أنه من المتصوفين لكلامه ظاهر وباطن , ومنهم من زعم أنه كافرا ملحدا ، ومنهم من قال أنه كان مشككا متحيرا ففي شعره ما يدل على الإيمان وفيه ما يدل على الكفر , ولعل من أبرز شعره الذي يدل على إيمانه قوله :

    إنما ينقلون من دار أعمال إلى دار شقوة أو رشاد

    أما أبرز ما يدل على كفره قوله :

    قلتم لنا صانع قديـم قلنا صدقتم كذا نقــول
    ثم زعمتم بلا مكـان ولا زمان، ألا فقولـــــوا
    هذا كـــلام له خبئ معناه ليست لنا عقول

    رفض أبو العلاء المعري الزواج – من مظاهر زهده في ملذات الدنيا والحياة ونظرته لها – لكي لا يجني على ابنه ما جناه عليه أبوه ، مات سنة أربعمائة وتسعة وأربعون هجرية ، تحديدا يوم الجمعة الثالث عشر من ربيع الأول ، وكان حينئذ في السادسة والثمانين من عمره، وقف على قبره مائة وثمانون شاعرا منهم الفقهاء والعلماء والمتحدثون والمتصوفون ، وقد أوصى أن يكتب على قبره :
    هذا جناه أبي علي و ما جنيت على أحد
    ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
    ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
    ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
    وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
    اللهم آميــــن

    تعليق


    • #32
      المتنبي



      نشأته وحياته :

      المتنبي هو أبو الطيب أحمد بن الحسين ، الكوفي الكندي ، ولد بمحلَّةِ كِنْدة بالكوفة سنة ( 203 هـ ـ 915 م ) ، ولهذا نسب إليها .
      وقد اعتنى والده بتربيته منذ الصغر ، فأدخله مدرسة بالكوفة ، تعلم فيها مذهب الشيعة ، وشيئاً من العلوم والفلسفة ، ثم انتقل إلى الشام ، وعلمه في مكاتبها ، وطاف به على القبائل بالبادية ، فأخذ عنهم الفصاحة ، وبرع في نظم الشعر ، ولم تثنه وفاة أبيه عن متابعة التحصيل ، والأخذ عن اشهر اللغويين والأدباء ، حتى صار غزير العلم ، كثير الرواية عظيم الاطلاع .
      ودفعه طموحه إلى الدعوة لنفسه بين القبائل في بادية الشام ، ولما عَلِمَ لُؤْلُؤُ أمير حمص بهذه الدعوة عجَّل بتفريق أصحابه عنه ، وأسره مدة ، كاد يموت فيها لولا أنه استعطفه فرَّق له ، وأطلق سراحه .
      ويقال أنه ادَّعى النبوة ، ولكنه يتنصل من ذلك . وأخذ المتنبي يتكسب بشعره ، ووصلته الأقدار بسيف الدولة بن حمدان فصار من خاصة شعرائه المقربين ، وقد مدحه بمدائح صافية رائعة ، ولازمه في حلِّه وترحاله ، وتلقى عنه فنون الفروسية ، وخاض معه المعارك ضد الروم .
      وظل مقيماً لدى سيف الدولة ، كريم المنزلة عنده ، حتى نَفسَ عليه مكانته منافسوه من الشعراء وبعض حاشية الأمير ، فدسوا له عنده ؛ حتى أسخطوا عليه .
      قصدَ المتنبي إلى كافور الإِخشيدي ، متطلعاً أن ينال الحُظوة لديه ، وأن يظفر عنده بما لم يظفر به في رحاب سيف الدولة ، ومدحه بقصائد كثيرة ، ولكنه لم يظفر بأمنيته .
      واستأْذن المتنبي كافوراً في الخروج من مصر فأًبى ، فانتهز فرصة ليلة عيد النحر سنة 370هـ وخرج إلى الكوفة ، ومنها إلى عضد الدولة بين بويه بفارس ، فمدحه ، ومدح وزيره ابن العميد ، وعاد إلى العراق ، فخرج عليه بعض الأعراب وفيهم فاتكُ ابن أبي جهل ـ وكان المتنبي هجاه ـ فقاتلهم قتالا شديداً ، حتى قتل هو وابن
      وغلامه بمكان يسمى (( دير العقول )) ، على بعد خمسة عشر فرسخاً من بغداد ، سنة ( 354 هـ ـ 965 م ) .

      شعره وخصائصه الفنية :

      شعر المتنبي صورة صادقة لعصره ، وحياته ، فهو يحدثك عما كان في عصره من ثورات ، واضطرابات ، ويدلك على ما كان به من مذاهب ، وآراء ، ونضج العلم والفلسفة .
      ويمثل شعره حياته المضطربة : ففيه يتجلى طموحه وعلمه ، وعقله وشجاعته ، وسخطه ورضاه ، وحرصه على المال ، كما تتجلى القوة في معانيه ، وأخيلته ، وألفاظه ، وعباراته .
      وترى فيه شخصية واضحة ، حتى لتكاد تتبينها في كل بيت ، وفي كل لحظة ، بل هي تُضفي طابعاً خاصاً يميز شعره عن غيره .
      فبناءُ القصيدة بناء محكم منطقي متسلسل ، وهو يتناول موضوعه مباشرة أن يقدم له بحكم تناسبه ، وقد ظهرت قصائده الموحَّدة الموضوع ، أو المتماسكة الموضوعات في كهولته ، حين كان في صحبة سيف الدولة ، وكافور ، وأما قصائده الأخرى فيسير فيها على نمط الشعر القديم ، ويمزج فيها بين فنون وأغراض مختلفة .
      والمعاني تمتاز بقوتها وفخامتها ، وسموها غالباً ، وكثيراً ما يركزها في صورة حقائق عامة ، ويصوغها في قوالب حكمة بارعة .
      وتختلف الأخيلة في شعره تبعاً لمراحل حياته ، ويمتاز خياله بالقوة والخصب : وألفاظه جزلة ، وعباراته رصينة ، تلائم قوة روحه ، وقوة معانيه ، وخصب أخيلته ، وهو ينطلق في عباراته انطلاقاً ولا يعنى فيها كثيراً بالمحسنات والصناعة .

      أغراضه الشعرية :

      اتسع شعر المتنبي لأكثر الأغراض ، ولكن كثُر فيه المدح ، الوصف ، والحكمة ، وإليك كلمة عن أغراضه :

      المدح :

      أكثر الشاعر في المدح ، وأشهر من مدحهم سيف الدولة الحمداني وكافور الإخشيدي ، ومدائحه في الأول تبلغ ثلث شعره ، وقد استكبر عن مدح كثير من الولاة والقواد حتى في حداثته ، وكان في مدحه حيّ الشعور ، غزير المعاني ، يكسب في مدائحه روحه الطامحة السامية حتى نراها مزيجاً بين المدح ، والحكمة ، وكان يبدؤها بالمدح تارة وبالحكمة ، وبالغزل ، وشكوى الدهر تارة أخرى ، وما سيق منها في سيف الدولة أصدق عاطفة ، وأفخم نسجاً ، لأنه كان يراه المثل الأعلى له ، وتبدو مدائحه متقاربة الأفكار ، ولكن له إلى جانب ذلك صوراً بديعية ، تبعث في نفس قارئها السمو والحماسة . وقد اخترنا لكم من القصيدة التي مدح فيها سيف الدولة :

      وقفت وما في الموت شكٌّ لواقف كأنك في جفن الرَّدى وهو نائم
      تمـر بك الأبطال كَلْمَى هزيمـةً ووجهك وضاحٌ ، وثغرُكَ باسم
      تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالم

      الوصف :
      أجاد المتنبي في وصف المعارك والحروب البارزة التي دارت في عصره ، فجاء شعره سجلاً تاريخياً خلدها وخلد أصحابها ، وإلى جانب ذلك وصف الطبيعة ، وأخلاق الناس ، ونوازعهم النفسية ، كما صور نفسه وطموحه أروع تصوير ، كانت القوة واضحة في كل أوصافه ، وهو فيها واقعي إلى حد كبير .
      وقد قال يصف شِعب بوَّان ، وهو منتزه بالقرب من شيراز :

      لها ثمر تشـير إليك منـه بأَشربـةٍ وقفن بـلا أوان
      وأمواهٌ يصِلُّ بها حصاهـا صليل الحَلى في أيدي الغواني
      إذا غنى الحمام الوُرْقُ فيها أجابتـه أغـانيُّ القيـان

      الفخر :
      المتنبي من شعراء الفخر ، وفخره يأتي غالباً في قصائده في سائر فنونه الشعرية ، فهو لا ينسى نفسه ، حين يمدح ، أو يهجو ، أ, يرثى ، ولهذا نرى روح الفخر شائعةً في شعره .
      وإني لمـن قـوم كـأَن نفـوسهـم
      بهـا أنَـفٌ أن تـسكـن اللحـم والعظمـا

      الهجاء :
      لم يكثر الشاعر من الهجاء لأنه لا يتلاءم مع نفسه المترفعة ، ولم ينظم فيه قصائد مستقلة إلا قليلاً ، وهو في هجائه يأتي بحكم يجعلها قواعد عامة ، تخضع لمبدأ أو خلق ، وكثيراً ما يلجأ إلى التهكم ، أو استعمال ألقاب تحمل في موسيقاها معناها ، وتشيع حولها جو السخرية بمجرد الفظ بها ، كما أن السخط يدفعه إلى الهجاء اللاذع في بعض الأحيان .
      وقال يهجو طائفة من الشعراء الذين كانوا ينفسون عليه مكانته :

      أفي كل يوم تحت ضِبني شُوَيْعرٌ ضعيف يقاويني ، قصير يطاول
      لساني بنطقي صامت عنه عادل وقلبي بصمتي ضاحكُ منه هازل
      وأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكل
      وما التِّيهُ طِبِّى فيهم ، غير أنني بغيـضٌ إِلىَّ الجاهـل المتعاقِـل

      الرثاء :
      للشاعر رثاء غلب فيه على عاطفته ، ورثاء سكب فيه دموعه صادقة ، وقد كثرت الحكمة في تضاعيف مراثية ، وانبعثت بعض النظرات الفلسفية فيها ، وقصائده العاطفية في الرثاء قوية مؤثرة تهز الشعور . وقال يرثى جدته :

      أحِنُ إلى الكأس التي شربت بها وأهوى لمثواها التراب وما ضمَّا
      بكيتُ عليها خِيفة في حياتهـا وذاق كلانا ثُكْلَ صاحبه قِدما
      أتاها كتابي بعد يأس وتَرْحَـة فماتت سروراً بي ، ومِتُ بها غمَّا
      حرامٌ على قلبي السرور ، فإنني أَعُدُّ الذي ماتت به بعدها سُمَّا

      الحكمة :
      اشتهر المتنبي بالحكمة وذهب كثير من أقواله مجرى الأمثال لأنه يتصل بالنفس الإنسانية ، ويردد نوازعها وآلامها . ومن حكمه ونظراته في الحياة :

      ومراد النفوس أصغر من أن نتعادى فيـه وأن نتـفانى
      غير أن الفتى يُلاقي المنايـا كالحات ، ويلاقي الهـوانا
      ولـو أن الحياة تبقـى لحيٍّ لعددنا أضلـنا الشجـعانا
      وإذا لم يكن من الموت بُـدٌّ فمن العجز أن تكون جبانا

      منزلته الشعرية :
      لأبي الطيب المتنبي مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية ، فقد كان نادرة زمانه ، وأعجوبة عصره ، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء ،يجدون فيه القوة ، والتدفق ، والشاعرية المرتكزة على الحس والتجربة الصادقة.



      المراجع


      1. مع المتنبي : للدكتور طه حسين .
      2. ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام : للدكتور عبد الوهاب عزام .
      3. المتنبي : للدكتور زكي المحاسني .
      ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
      ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
      ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
      وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
      اللهم آميــــن

      تعليق


      • #33
        كعب بن زهير


        كعب بن زهير بن أبي سلمى ، شاعر مخضرم ، لا نعرف الكثير عن حياته في الجاهلية ، إلا أنه شاعر ، سلك مسالك الشعراء الجاهليين ، ونهج منهج أبيه زهير في النظم . ولا نكاد نعرف عنه بعد الإسلام إلا حادثته الشهيرة مع النبي ، ونجهل تاريخ ميلاده وموته . فلم يحفل المؤرخون بمثل ذلك .
        لما انتشرت الدعوة الإسلامية ، أرسل كعب أخاه بجيراً ليستطلع مبادئ الإسلام ويعود إليه بالخبر اليقين . ولكن بجيراً أسلم وبقي في المدينة قرب النبي ، فاستاء كعب وأرسل إليه أبياتاً يلومه فيها على ما فعل ، وعلى ترك دين الآباء . فأقرأها النبي فأهدر دمه .

        فأرسل بجير رسولاً إلى كعب ينذره ، ويدعوه إلى الإسلام ، أو اللجوء إلى مكان آمن . لم تلجأه قبيلته ، وتخلى عنه أصدقاؤه ؛ فسار إلى المدينة متخفياً ، ولزم بيت صديق له حيناً ، ثم قدم على النبي وهو في مجلس المؤمنين ، ووضع يده بيده ، وقال : (( إنْ كعب بن زهير أتاك تائباً مسلماً فهل أنت قابل منه ؟ قال : نعم . قال : فأنا كعب )) . فوثب أحد رجل من الأنصار يريد قتله فمنعه النبي .

        نوع النص الذي ألقاه على الرسول تائباً :

        الأبيات من الشعر الغنائي ، يعبر فيه الشاعر عن انفعالات الخوف والرهبة والأمل والإيمان ، وعن عواطف الثناء نحو النبي والمهاجرين . فكعب في موقف يخشى معه أن يقتص منه النبي ، ولكنه آمل في العفو ، تسيطر عليه مهابة النبي ، وما يلقي من حديث جديد على إسماعه ، يملأ نفسه ؛ ومنتظر الكلمة الفصل . وإذ يحدوه الرجاء ، تحفزه النفس على مديح النبي ومن آزروه في أحلك أيامه .


        مناسبة النص :

        الأبيات جزء من قصيدة طويلة أعدها لإلقائها بين يدي النبي حين عزم على القدوم عليه ، وقد أنشدها حين قبل النبي توبته وإسلامه ومطلعها :
        بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيمٌ إثرها ، لم يفد مكبول
        يبدأ القصيدة بالوقوف على الأطلال ، ويصف ناقته . ويذكر ما قال الوشاة ن ويتبرأ منه ، ثم يمدح النبي والمهاجرين .

        المضمون :

        يخاطب كعب النبي ، فيقول إنه علم بوعيده ؛ ولكنه رغم رهبته كبير الأمل في عفوه . يرجوه أن يتمهل في حكمه عليه ، وهو الذي أرسله الله إلى البشر هادياً ومبشراً ؛ ويتبرأ من أقوال الوشاة ، ويزعم أنه يرتكب ذنباً ، وأن الأقاويل فيه كاذبة .
        ويصف موقفه بين يدي النبي 0ص) ، فإذا هو في رهبة مما يرى ويسمع ، ولو كان الفيل في موضعه ـ وهو أضخم الحيوانات جثة ـ لأصابته الرعدة من خوف وهيبة ، ولم ترتح نفسه إلا إذا أمنه الرسول على حياته .
        ويروي ما كان بينه وبين النبي ن فقد وضع كفه بكفه ، وكلمه في توبته وإسلامه ، فقبلهما وعفا عنه .
        ويمدح النبي ، فإذا مهابته أشد وقعاً في النفوس من مهابة أشد الأسود ضراوة ، فهو سيف الله المسلول على أعدائه ، في سبيل الحق والهداية .
        ويثني على المهاجرين الذين نزحوا من مكة مع النبي لا خائفين ولا متهيبين ، فهم من أشد المحاربين دراية بالحرب ، وأكثرهم إباءً وشمماً ، وأسرعهم إلى القنال ، فإذا انتصروا فالنصر من عاداتهم ، فلا يثير فيهم فرحاً ، وإذا غلبوا فلا يبتئسون لثقتهم بالنصر في المعارك المقبلة . ويستقبلون الموت بصدورهم لأن الموت في سبيل معتقدهم نعمة .


        مميزات المضمون :

        · أول ما يبادرنا من النص أنه جاهلي ، في شكله وأسلوبه ، ومعظم معانيه . والواقع أن كعباً كان ما يزال على جاهليته ، في عيشه وعقله وقلبه . ولم يكن من السهل أن يتبدل فجأة بعد لقاء النبي ، مع العلم أنه نظم قصيدته قبل قدومه عليه .
        · أنه متأثر باعتذاريات النابغة ن حتى في الصيغة ، فهذا النابغ يخاطب أبا قابوس ( كنية ملك الحيرة ) :
        نُبئتُ أن أبا قابوس أوعدني ولا قرار على زأرٍ من الأسد .
        الشطر الأول مأخوذ برمته ، مع تبديل ( أبا قابوس ) ب ( رسول الله ) . كذلك بدء البيت الثاني ( مهلاً ) ، والثالث : ((لا تأخذني ) . وهذا تأكيد واضح على شعر الآخرين في التعبير .
        كذلك تشبيه النبي بالأسد ، مأخوذ من تشبيه النابغة . ومثله الحديث عن الوشاة ، على أن النابغة كان أبلغ .

        مثل هذا الأخذ ، بل النقل ، يوحي بالتكلف والصناعة ، أكثر مما يوحي بالطبيعة .
        · معظم المعاني مأخوذ من الجاهلية ، ومثلها الصفات التي أطلقها الشاعر على النبي والمهاجرين ، ولم يجدد في الكنايات . ولولا رواية ما حدث له بين يدي النبي 0ص) ، وما كان من أمر هجرة المهاجرين ، لما انطوت الأبيات على معنى واحد جديد . فتشبيه النبي بسيف الله والأسد ، قديم ، فكثيراً ما شبه البطل بالسيف والأسد. كذلك نعت المهاجرين بأنهم غير أنكاس ولا كشف ولا ميل ولا معازيل ، والكناية عنهم ، بشم العرانين ، ولبس دروع من نسج داود ، وعدم فرحهم بالنصر ، وثقتهم بالنصر إذا غلبوا ، ومواجهة الموت بصدورهم ، كل ذلك مبتذل لكثرة ما ردده الشعراء في الجاهلية .

        · ويتجلى جفاف فطرية كعب في تشبيه نفسه بالفيل . فقد أراد أن يعظم من أمر رهبته ، فلم يجد غير الفيل يجعله في مكانه ، فيرعد جزعاً . ذلك أن كعباً ما يزال في النص ينتسب إلى جاهليته وعفويتها التي تبلغ هذا الجفاف .
        · وليس في النص أي معنى إسلامي ن إلا قوله : ( من سيوف الله ) فهو تعبير استحدث في الإسلام ، ونعتت به أكثر من شخصية إسلامية . وقوله ( هداك الذي أعطاك نافلة القرآن ) وهذا نعت لما ضم القرآن ، لا معانٍ يشير إليها .

        · ولو جعل الشاعر الرعدة من سماعه حديث النبي (ص9 ورؤية مهابته ، دون الخوف من غضبه ، لكان المعنى أوقع في النفس . لا ريب أن الشاعر صادق في هذا الموقف ، فهو خائف من أ، يقتل بعد أن أهدر دمه ، ولكن بلاغة الصيغة ، والتعبير عن الإيمان الصادق ، على النحو الأول ، أفصل .
        · وإعلان إيمانه في كلمة ( لا أنازعه ) يشوبه الخوف ، لا الاطمئنان النفسي بفعل الإيمان ، فهو خائف من تنفيذ الوعيد لأن ( قيله القيل ) آمل في العفو ، راهب من أن يؤخذ بما نسب إليه : ( منسوب ومسؤول ) .

        · والشاعر مضطرب ، لا يعرف من أية طريق ينفذ إلى رضى النبي ، فهو حيناً ينفي قول الوشاة ، وحيناً يقص ما حدث له ، وتارة يمدح النبي والمهاجرين ، ولعله ارتجل بعض الأبيات ، بعد لقاء النبي ، فهو يروي قصة هذا اللقاء ، وما كان من أمره مع النبي . فإذا صح ذلك ، يكون كعب قد أضاف اضطراباً جديد إلى بناء القصيدة .

        · الواقع أن القصيدة لا تشكل وحدة تامة ، فكعب من أنصار وحدة البيت ، التي ظلت القياس حتى أواخر العهد الأموي . ومع ذلك ، فبين البيتين الرابع والخامس وصل ، فجواب : لو يسمع الفيل ، في مطلع البيت الخامس : لظل ، هو مستنكر في عرف الجاهلي . ومثل ذلك في البيتين السابع والثامن فلقد علق الجار والمجرور : من خادر ، بأهيب , ولا نعني هنا بالصياغة فذاك من شأن الأسلوب ، وإنما القصد ربط معنى بيت بمعنى آخر .

        · وكعب جاهلي في إيجاز المعاني : وصف القرآن وصفاً عاماً ، دون الإشارة إلى معاني ( المواعظ والتفصيل ) . ونفي الأقاويل ، وزعم البراءة ، وسأل النبي 0ص) ألا يأخذه بقول الوشاة ، في بيت واحد ، دون أن يشرح شيئاً من تلك ، فهي لديه تحصيل حاصل . وعبر عن إيمانه وتوبته بقوله : لا أنازعه .

        مميزات الأسلوب :
        · لا يشعر المطلع على الشعر الجاهلي أن أسلوب كعب ذاتي ، فقد أخذ أكثر من صيغة وتركيب عن النابغة الذبياني . نقل حيناً نقلاً حرفياً ، وحيناً بدل بعض الكلمات ، أو قدم وأخر ، فالبيتان الأول والثالث مأخوذان أخذاً حرفياً تقريباً .
        · واستعان بمعظم صيغ الكنايات المعروفة في العصر الجاهلي : ( كشف عن اللقاء ، لبوسهم سرابيل ، شم العرانين ، لا يقطع الطعن إلا في نحورهم .. ) كذلك تشبيه النبي بالأسد ، فمشهور في الجاهلية . وهكذا فإن كعباً غير مجدد ، لا في المعاني ولا في الأسلوب ، بل سارق أدبي .
        ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
        ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
        ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
        وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
        اللهم آميــــن

        تعليق


        • #34
          توفيق الحكيم

          المقدمة
          في تاريخ حياة الأفراد بل والأمم منحنيات تتخذ فيها شخصياتها أوضاعا جديدة إثر اختبارات مصيرية حادة. ولا شك أن لقاء الشرق بالغرب, أو لقاء الحضارة الإسلامية العربية بالحضارة الغربية كان احد تلك الاختبارات المهمة في التاريخ المشرق العربي, وقد انعكس هذا الاختبار أوضح انعكاس في سير حياة المفكرين وأهل الثقافة, وخير مثال على ذلك "توفيق الحكيم".

          حياة الحكيم ونشأته
          بين الإسكندرية والقاهرة-1902م-1924م.

          ولد توفيق الحكيم بالإسكندرية سنة 1902م ويذكر احد الباحثين أن ولادته كانت سنه 1898م، ولكنوالدته تؤكدانه ولد عام1902م0كان والده على حظ وافر من الثراء، وأما أمه فتركية الأصل، يذكر الحكيم انهاكانت عنيفة الطباع، ذات كبرياء واعتداد بأصلها، ومما قاله عنها في "سجن العمر" أن علاقته بها لم تكن سوية مشبعة, فقد تميزت بشخصية أشبه بالبركان الثائر, وبقدر غير قليل من الأثرة والعناد, والاهتمام بالمظاهر, مع حب التفاخر والتعالي, كلها صفات لا تتيح لابنها الصغيران يتقرب منها، بل تركت في نفسه صفات الخجل والانطواء، والميل الىالعزلة، وما حدثنا الحكيم عن حرمان والدته إياه ممارسة أشياء حبيبة إلى نفسه، كالعزف على العود والتردد على دور السينما ! وأشار إلى أن لها النفوذ نفسه والسلطان الصارم على من في البيت، بمن فيهم والده0 هذه الجوانب تؤكد إلى أي مدى اتسعت الهوة بين الابن وأمه من الناحية العاطفية، وقد زادت هذه الهوة اتساعا بمولد أخيه الصغير زهير, ومع ذلك فقد ارتبطت في ذهنه ذكريات طيبة عن والدته, تتمثل في تلك القصص التي كانت تقصها عليه في أثناء مرضها, مما كان له أثره في تكوين خياله في سن مبكرة. التحق الحكيم عند بلوغة السابعة من عمره بالمدرسة الابتدائية في (دمنهور) ثم سافر إلى القاهرة لمتابعة دراسته الثانوية, حيث استقر في منزل أعمامه, وانضم إلى مدرسة محمد علي الثانوية وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة التحق بكلية الحقوق تلبية لرغبة والده الذي كان يحلم بأن يرى ابنه محاميا كبيرا أو قاضيا شهيرا, وتلك كانت مهنة (الأرستقراطيين) وفعلا تخرج سنة 1924م في الكلية بشهادة الإجازة. وكان الحكيم في هذه الفترة ميالا إلى التمثيل, فقدم إلى بعض الفرق بالقاهرة أولى محاولاته في المسرح الاجتماعي (الضيف الثقيل) و (المرأة الجديدة).



          عودة الحكيم إلى مصر

          1928م0

          عاد الحكيم إلى مصر بزاد فكي خصب وذخيرة فنية متميزة، إلا انه لم يعد الدكتوراه التي سافر من اجلها، وفي مصر تقلد عدة مناصب حكومية، فقد عين وكيلا للنائب العام في أرياف مدينة طنطا بين 1930و1934م، وكانت ثمرة هذه التجربة(يوميات نائب في الأرياف) ثم عين رئيسا لقسم التحقيقات بوزارة المعارف إلى أن اعتزل الوظائف الحكومية ليفرغ للصحافة والإنتاج الأدبي.اختير مديرا لدار الكتب المصرية, فعضوا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية, ثم مندوبا في منظمة (اليونسكو) بباريس عام 1959م, إلا أنه عاد عام 1960م ليواصل عمله السابق في مجلس الأعلى للفنون والآداب. واستمر الحكيم في كتاباته الأدبية والصحفية إلى أن أوى إلى السكينة, وارتحل يشير الحكيم في مقدمة مسرحيته عن هذا العالم. تاركا تراثا ضخما وإنتاجا غزيرا سيبقى خالد مع
          (أويب) إلى أن الأدب التمثيلي باب لم يفتح في اللغة العربية إلا في العصر الحاضر, وقد تردد الأدب العربي في قبول هذا اللون الغريب عليه, فتركه زمنا خارج جدرانه, يسمع بأمره من أفواه النظارة الكبيرة, دون أن يحفل بالالتفات إليه أو الخوض فيه وذلك لان الأدب العربي كغيره من الآداب العريقة لا يقبل العبث من دون بحث وتمحيص وحذر واحتياط, ولم يكن في ذلك ملوما ولا متجنيا, فان الطريق التي ظهره بها المسرح في الشرق العربي لم تكن على أساس يمكن تسويغه في نظر ذلك الأدب العريق. وكل ما جد في بعض البلاد العربية (كسوريا) و (لبنان و مصر) من أنواع المسارح, وما كان جاريا في تلك الأيام على خشبة المسرح وما كتبه شوقي بعدئذ من روايات شعرية, ومع كل هذه الأعمال لم يجرؤ أحد على أن يسمى ما انتجة منها أدبا تمثيليا؛ فالأدب المسرحي بمفهومه الصحيح لم يبرز إلا في كتابات توفيق الحكيم0


          آثار الحكيم ومنابعها

          من يستقص آثار الحكيم يجد أن هذا الفنان الكبير لم يلتزم بمصدر واحد يستمد منه فكره، او بمذهب فني واحد يسير عليه في إنتاجه؛ ففي كثير من آثاره استمد مسرحياته من التراث الإسلامي والشرقي عموما, فمسرحية (أهل الكهف) وهي أولى مسرحياته الذهنية وقد صدرت عام 1933م – استمد موضوعها من قصة أهل الكهف في القرآن الكريم, والتي طرح فيها قضية الإنسان والزمان, والصراع بين القلب والزمن, ولعله بذلك أراد أن يناقش مشكلة اجتماعية, هي عدم القدرة على مواجهة الحاضر بتلك العقلية الغارقة في الأفكار القديمة. وقد قال عنها طه حسينإنها حدث في تاريخ الأدب العربي، وأنها تضاهي أعمال فطاحل أدباء الغرب) ثم كانت مسرحيته(شهر زاد) التي استمدها من قصص ألف ليلة وليلة0
          وصدرت عام 1934م والتي يصور فيها فكرة الصراع العنيف بين (المادة والروح ) ثم كتب مسرحية(سليمان الحكيم) وهي أيضا مستقاة من التراث الشرقي الديني. والحكيم في هذه الأعمال الفنية يحاول التوفيق بين العنصر العربي الإسلامي. وبين العنصر الغربي في ثقافته.
          وهو في هذه الأعمال الفنية لم يكن مجرد ناقل, ينتقل بالقصة من الكتب الدينية إلى العمل المسرحي من دون تغيير، بل كان يضيف إلى المادة الأصلية من فكره وجدانه، ما يجعلها مطبوعة بشخصية الحكيم ونظرته الشرقية إلى الإنسان0

          يقول صلاح عبد الصبور في هذا الصدد (وقد استلهم توفيق الحكيم تراثه العربي والإسلامي في أعمال عدة، يأتي على رأسها (شهرزاد) و(أهل الكهف) و(محمد) و(أشعب) و(شمس النهار) و(السلطان الحائر) وغيرها، وهو حين استلهم هذا التراث حاول أن يوفق بين مادته القديمة وبين الشكل المعماري الذي اكتسبه من الحضارة الأوروبية )0 ولم يستقر الحكيم في كتاباته على شكل فني واحد، ولم يكتف بمصدر واحد لاستقاء مادة مسرحياته، ولكنه تعرض لتقلبات فكرية؛ فمن يقرا مسرحياتها الأولى يتراء له انه يريد أن يعيد صياغة الحضارة العربية والاسلامية. بعامة صياغة عصرية جديدة بإحياء ما فيها من قضايا وقصص في صورة تلائم العصر وتطوراته, ولكنه لا يواصل التحرك في هذا الاتجاه, بل يعود إلى الحضارة اليونانية يتخذ من أساطيرها ومآسيها (خامات) فنيه وفكرية لكتاباته, فتظهر مسرحية (الملك أوديب) التي تطرح صراع الإنسان مع القدر والمصير الإنساني في الوجود, ومسرحيته (بجماليون) التي تناقش مشكلة الفن والحياة. والمسرحيتان تدوران في إطار يوناني, تعتمدان الأساطير الإغريقية اعتمادا كاملا, وقد حافظ الحكيم على الأصل اليوناني للأسطورة ولم يخرج عن دائرة نصها, ولم يحطم الأسوار اليونانية بل التزم بها, وإن أضاف بعض الإضافات الذاتية النابعة من ثقافته الإسلامية وتكوينه الشخصي, كما يتجلى في مسرحية ( بجماليون). ومن الطبيعي أن يهتم توفيق الحكيم, وهو رائد الفن المسرحي في الأدب العربي باليونانيات, فالمسرح اليوناني هو أنضج الأشكال المسرحية التي وصلت إلينا من التراث القديم.
          وإذا تابعنا خطى الحكيم المسرحية, سواء من الناحية الفنية أم الفكرية نجده _بعد أن اتجه إلى القصص الديني والشعبي والأصول اليونانية_يتجه إلى الحضارة الفرعونية ليستمد منها خامات جديدة لبعض مسرحياته المشهورة مثل (إيزيس). صحيح أن الحكيم قد عرف الحضارة الفرعونية منذ بداية حياته الفنية, واستمد منها بعض ما كتبه في رواياته الأولى, (كعودة الروح) 1928م, ولكنه لم يكتب عملا مسرحيا كاملا مستمدا من تراث الفراعنة إلا عام 1955م, حيث صدرت مسرحيه (إيزيس) التي تعالج فكرة الحكم وعلاقة الشعب بالحاكم.
          ونفاجأ بعد صدور مسرحية (إيزيس) بصدور مسرحية(الصفقة) وهي مسرحي اجتماعية تناقش مشكلات الفلاحين، وبعدها تظهر مسرحية(السلطان الحائر) وهي مسرحية ذات طابع فكري تعالج مسؤوليةالانسان في الكون و إرادة الاختيار عنده متأثرا فيها بالفكر الوجودي الغربي، ثم يفاجئنا الحكيم بعدها بمسرحية (يا طالع الشجرة)وهي تنتمي إلى مسرح (اللامعقول) فهي بعيدة من ناحية الشكل الفني عن كل ما سبقها من نتائج توفيق الحكيم المسرحي, وإن كان هناك ربط بين بعض الأفكار هذه المسرحية وبين القضايا الذهبية التي طرحها في مسرحياته السابقة, كالعبث و الخلود, والمادة والروح, ولكن الشكل الفني جديد تماما, لم يلجأ إليه الحكيم من قبل, هذا التقلب الفكري والفني, هذا وراءه ؟ وما سره عند الحكيم.
          لعل سر هذا التقلب يعود إلى شخصية الحكيم الحساسة التي تتأثر بالأفكار تأثرا سريعا, وتلتقط التأثيرات بسرعة مذهلة, فتثمر فيه هذه التأثيرات. فعندما اتجه إلى الإسلاميات كما في (أهل الكهف) كان هناك جو ثقافي عام يهتم بإعادة التفكير في التراث الإسلامي وبإحيائه, وقد امتدت هذه الحركة طيلة الثلاثينيات إلى ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية, ومن رواد هذه الحركة, العقاد, وطه حسين, والزيات....
          هكذا عاش الحكيم في هذا الجو الفكري وتأثر به, ولكن عندما ظهر الاهتمام بالتراث الفرعوني في الخمسينيات ممثلا في كتابات لويس عوض عن مصر الفرعونية ومعرفتها بالمسرح, كتب توفيق الحكيم مسرحية (إيزيس). ومن تأثراته بما حوله ما أثير من ضجة فنية حول مسرح (اللامعقول) في (الستسنيات), فقد أصدر إلى العيون المتطلعة إلى مسـرح اللامعـقول مسـرحية (يا طالع الشجرة), و(الطعام لكل فم). كل هذه نماذج على تقلبات الحكيم الفكرية, وشدة تأثره بالجو الثقافي الذي يحيط به.

          منزلة الحكيم الفكرية والفنية

          كان الحكيم في جيل القرن العشرين علامة بارزة في الثقافة العربية والفكر العربي, كتب عن المجتمع المصري وريفه بشكل خاص, وصور ما من فيه ملامح التخلف من خلال, (حمار الحكيم) و(يوميات نائب في الأرياف), وعاد في(عودة الروح) ينقض ما قاله ويعلل ويبرر كل مظاهر التخلف التي ذكرها, وفي كثير من مسرحياته تناول قضايا الإنسان: المادية والروحية, وحاول أن يجد لها حلولا في إطار نظرة شرقية للإنسان ومنزلته في الوجود.
          وتوفيق الحكيم مجدد الأسلوب الفني في الأدب العربي الحديث, أدخل علي فن الحوار الذي استقر على يديه, وأدخل قوالب تعبيرية أخرى, مثل: اليوميات, والاعتراف والرسائل, كما أن (زهرة العمر, والرباط المقدس ). و كلها ألوان لم يعرفها الأدب العربي من قبل على هذا الوضع الفني الذي عرضه الحكيم., كما أن له رأيا في اللغة وأسلوب الكتابة؛ فهو من دعاة اللغة الثالثة, وهي لغة وسط بين الفصيحة والعامية, وهو من دعاة التخلي عن الزخرف اللفظي وغريب اللغة, ليسهل على القارئ الاتصال بفكره وأدبه., وهو أيضا من دعاة ارتباط الأدب بالمجتمع, وعدم الاهتمام بالشكل.
          والحكيم يؤمن بوحدة الحضارة الإنسانسة, إلا أنه يحاول داخل إطارها أن يثير وعيا خاصا بقيام حضارة شرقية مميزة, و أن يقضى على عقدة النقص التي تطالع الشرقيين حين يقرنون أنفسهم بالغربيين, وان ينفض عنهم ذلك الغبار الكثيف الذي ران عليهم, وهو ينقد جوانب الحضارة الغربية التي غرقت في المادية, فتناست الروح التي لا تزال خميرتها كامنة في الشرق العظيم.
          لقد أغنى الحكيم المكتبة العربية بعشرات المسرحيات والمؤلفات, وحظي فكرة وأدبه بكثير من التقدير في الوطن العربي والعالم الغربي, فترجم العديد من مؤلفاته إلى لغات أجنبية كالفرنسية والإنجليزية والإيطالية والأسبانية والألمانية والروسية, مثل: (يوميات نائب في الأرياف ) و(أل الكهف), و(عصفور من الشرق). فهو رجل المسرح والأدب والفن
          ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
          ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
          ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
          وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
          اللهم آميــــن

          تعليق


          • #35
            طه حسين

            وُلد في الرابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1889، في "عزبة الكيلو" قرب مغاغة، بالصّعيد المصري الأوسط، ونشأ في الريف ضعيف البنية كأنّه "الثُّمامة"، لا يستطيع ما يستطيعه النّاس، ولا ينهض من الأمر لما ينهض له النّاس، ترأف به أمّه دائما وتهمله أحيانا، ويلين له أبوه تارة ويزور عنه طورا، ويشفق عليه إخوته إشفاقا يشوبه احتياط في معاملتهم إيّاه، وشيء من الازدراء.
            توفّي في الثّامن والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1973 بالقاهرة، وقد استطاع ما لم يستطعه كثير من المبصرين، فتناقلت خبر وفاته العواصم وحزن لفقدانه الأدباء والباحثون والعلماء.
            "أخذ العلم بأُذُنَيْه لا بأصابعه" فقهر عاهته قهرا، محروما يكره أن يشعر بالحرمان وأن يُرَى شاكيا متبرّما، جادّا متجلّدا مبتسما للحياة والدّرس والبحث، حتّى انتهى غلى حال العلماء المبَرَّزِينَ ومراتب الأدباء المفكّرين، فشغل النّاس ولن يزال.
            فقد بصره طفلا : "اصابه الرّمد فأُهمل أيّاما، ثمّ دُعي الحلاّق فعالجه علاجا ذهب بعينيه". وحفظ القرآن في كُتّاب القرية وهو في التّاسعة، فأصبح "شيخا"، كذا كان أبوه يدعوه، وأمّه، "وسيّدنا" مؤدّب الصّبيان.
            وقدم القاهرة سنة 1902 للتعلم في الأزهر، فدخله والقلبُ ممتلئ خشوعا والنّفس ممتلئة إجلالا. وأنفق فيه ثماني سنين لم يظفر في نهايتها بشهادة "العالميّة"، لأن "القوم كانوا مؤتمرين به ليسقطوه" ! نبأ عجيب حمله غليه شيخه سيّد المرصفي ليلة الامتحان، بعد أن صُلِّيَتِ العِشَاءُ... وفارق الأزهر وقد ارابه منه أمر، شديد الضّيق به وبأهله. وخاب أمل أبيه، فلن يرى ابنه من بين علماء الأزهر ولا "صاحب عمود في الأزهر ومن حوله حلقة واسعة بعيدة المدى" وأُتيحتْ للفتى حياة أخرى...
            فما إن أُنشئت الجامعة المصريّة (الأهلية) سنة 1908 حتّى انتسب إليها الطّالب الأزهري، ولكنّه ظلّ مقيّدا في سجلاّت الأزهر : وقضى سنتين (1908-1910) يحيا حياة مشتركة، يختلف إلى دروس الازهر مصبحا وإلى دروس الجامعة مُمْسِيًا. وما لبث أن وجد في الجامعة روحا للعلم والبحث جديدة و"طعما للحياة جديدا" فشغف بالدّرس والتّحصيل حتّى نال درجة "العالميّة" (الدكتوراه) سنة 1914 برسالة موضوعها "ذكرى أبي العلاء"، فكانت "أوّل كتاب قُدّم إلى الجامعة، وأوّل كتاب امتُحِنَ بين يدي الجمهور، وأول كتاب نال صاحبه إجازة علميّة منها".
            ثمّ سافر الفتى إلى فرنسا لمواصلة التّعلّم، فانتسب إلى جامعة مونبيليى حيث قضّى سنة دراسيّة (1914-1915) ذهب بعدها إلى باريس، وانتسب إلى جامعة السّوربون حيث قضى أربع سنوات (1915-1919). وما كاد يختلف إلى دروس التاريخ والأدب فيها "حتّى أحسّ أنّه لم يكن قد هيّئ لها... وأنّ درسه الطويل في الأزهر وفي الجامعة (المصريّة) لم يهيّئه للانتفاع بهذه الدّروس". فأقبل على قراءة الكتب المقرّرة في المدارس الثانويّة، ولم يجد بدّا من أن يكون "تلميذا ثانويا في بيته وطالبا في السّوربون".
            أرسل ليدرس التّاريخ في السّوربون، فما لبث أن أيقن بأنّ الدرجات العلميّة لا تعني شيئا إن هي لم تقم على أساس متين من الثقافة. وليس غلى ذلك من سبيل سوى إعداد "الليسانس". وقد صرّح بذلك في الجزء الثالث من كتاب الأيّام، قال : "كان (الفتى" قد أزمع أن يظفر قبل كل شيء بدرجة "الليسانس" ثم يتقدّم لدرجة الدكتوراه بعد ذلك. ولم يكن الطلاّب المصريون - إلى ذلك الوقت - يحاولون الظفر بدرجة الليسانس هذه، لأنّها كانت تكلّف الذين يطلبونها عناء ثقيلا".
            وأحرز طه حسين درجة "الليسانس في التّاريخ" سنة 1917، فكان أوّل طالب مصرين ظفر بهذه الشهادة من كليّة الآداب بالجامعة الفرنسيّة.
            إنّ أمر هذا الفتى عَجَبٌ ! فهو قد كان يتهيّأ لامتحان الليسانس ويعدّ في المدّة نفسها رسالة "دكتورا جامعة" باللّغة الفرنسيّة موضوعها : "دراسة تحليليّة نقديّة لفلسفة ابن خلدون الاجتماعيّة" (Etude analytique et critique de la philosophie sociale d'Ibn Khaldoun).
            إنّ أمر هذا الفتى عجب ! فهو لم يكد يفرغ من امتحان الدكتورا حتّى نشط لإعداد رسالة أخرى، فقد صحّ منه العزم على الظفر "بدبلوم الدّراسات العليا" (Diplôme d'Etudes Superieures) وهو شهادة يتهيّأ بها أصحابها للانتساب إلى دروس "التبريز في الآداب". وما هي إلاّ أن أشار عليه أُستاذه بموضوع عسير مُمْتع مرير، وهو : "القضايا التي أقيمت في روما على حكّام الأقاليم الذين أهانوا جلال الشّعب الرّوماني، في عهد تباريوس، كما صوّرها المؤرّخ تاسيت" (La loi de lèse-majesté, sous Tibère, d'après Tacite) فقبله الطالب "طائعا قلقا مستخذيا"، ومارسه بالصّبر على مشقّة البحث وبالمثابرة على الفهم حتّى ناقشه ونجح فيه نُجْحًا حسنا سنة 1919.
            عاد طه حسين إلى وطنه، فلم تُمهله الجامعة المصريّة وعيّنته مباشرة أستاذا للتاريخ القديم (اليوناني والرّوماني)، فظلّ يُدرّسه طيلة ستّ سنوات كاملات (1919-1925).

            بعد اكثر من قرن كامل على ميلاده، و27 عاما على وفاته، ما زال عميد الادب العربي الدكتور طه حسين احد الاركان الاساسية في تكوين العقل العربي المعاصر، وصياغة الحياة الفكرية في العالم العربي، وملمحاً أساسياً من ملامح الادب العربي الحديث... بل ان الاجيال الجديدة من ابناء الامة العربية لا تزال تكتشف جوانب جديدة من القيمة الفكرية والانسانية لاحد رواد حركة التنوير في الفكر العربي... وما زالت اعمال طه حسين ومعاركه الادبية والفكرية من أجل التقدم والتخلي عن الخرافات والخزعبلات التي حاصرت وقيدت العقل العربي لعدة قرون، من اهم الروافد التي يتسلح بها المفكرون العرب في مواجهة الحملات الارتدادية التي تطل برأسها في عصرنا.
            وما زالت السيرة الذاتية لطه حسين وما تجسده من كفاح انساني وفكري مدرسة هامة ما اشد حاجة الاجيال الجديدة للتعلم منها والتأمل فيها.
            من عزبة صغيرة (اصغر من القرية) في صعيد مصر بدأت رحلة طه حسين، فقد ولد عميد الادب العربي في تلك البقعة الصغيرة التي تقع على بعد كيلو متر واحد من مغاغة بمحافظة المنيا في وسط صعيد مصر... كان ذلك في الرابع عشر من نوفمبر عام 1889م، وكان والده حسين علي موظفاً في شركة السكر وانجب ثلاثة عشر ولداً كان سابعهم في الترتيب "طه" الذي اصابه رمد فعالجه الحلاق علاجاً ذهب بعينيه (كما يقول هو عن نفسه في كتاب "الايام").
            وفي عام 1898 وبينما لم يكن قد اكمل السنوات العشر كان طه حسين قد اتم حفظ القرآن الكريم... وبعد ذلك بأربع سنوات بدأت رحلته الكبرى عندما غادر القاهرة متوجها الى الازهر طلباً للعلم. في عام 1908 بدأت ملامح شخصية طه حسين المتمردة في الظهور حيث بدأ يتبرم بمحاضرات معظم شيوخ الازهر فاقتصر على حضور بعضها فقط مثل درس الشيخ بخيت ودروس الادب... وفي العام ذاته انشئت الجامعة المصرية، فالتحق بها طه حسين وسمع دروس احمد زكي (باشا) في الحضارة الاسلامية واحمد كمال (باشا) في الحضارة المصرية القديمة ودروس الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والفلك والادب والفلسفة على اساتذة مصريين واجانب.
            في تلك الفترة اعد طه حسين رسالته للدكتوراه نوقشت في 15 أيار 1914م. هذه الرسالة (وكانت عن ذكرى ابي العلاء) اول كتاب قدم الى الجامعة واول رسالة دكتوراه منحتها الجامعة المصرية، واول موضوع امتحن بين ايدي الجمهور.
            ومثلما كانت حياته كلها جرأة وشجاعة واثارة للجدل فقد احدث نشر هذه الرسالة في كتاب ضجة هائلة ومواقف متعارضة وصلت الى حد طلب احد نواب البرلمان حرمان طه حسين من حقوق الجامعيين "لأنه الف كتابا فيه الحاد وكفر"!، ولكن سعد زغلول رئيس الجمعية التشريعية آنذاك اقنع النائب بالعدول عن مطالبه.

            الرحلة الثانية
            اذا كانت الرحلة الاولى ذات الاثر العميق في حياة طه حسين وفكره هي انتقاله من قريته في الصعيد الى القاهرة... فإن الرحلة الاخرى الاكثر تأثيراً كانت الى فرنسا في عام 1914 حيث التحق بجامعة مونبلييه لكي يبعد عن باريس احد ميادين الحرب العالمية الاولى... وهناك درس اللغة الفرنسية وعلم النفس والادب والتاريخ. ولاسباب مالية اعادت الجامعة المصرية مبعوثيها في العام التالي 1915 لكن في نهاية العام عاد طه حسين الى بعثته ولكن الى باريس هذه المرة حيث التحق بكلية الاداب بجامعة باريس وتلقى دروسه في التاريخ ثم في الاجتماع حيث اعد رسالة اخرى على يد عالم الاجتماع الشهير "اميل دوركايم" وكانت عن موضوع "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون" حيث اكملها مع "بوجليه" بعد وفاة دوركايم وناقشها وحصل بها على درجة الدكتوراه في عام 1919م ثم حصل في العام ذاته على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية، وكان قد اقترن في 9 اغسطس 1917 بالسيدة سوزان التي سيكون لها اثر ضخم في حياته بعد ذلك.
            في عام 1919 عاد طه حسين الى مصر فعين استاذاً للتاريخ اليوناني والروماني واستمر كذلك حتى عام 1925 حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام الى جامعة حكومية وعين طه حسين استاذاً لتاريخ الادب العربي بكلية الآداب.

            أولى المعارك
            رغم تمرده على الكثير من اراء اساتذته الا ان معركة طه حسين الاولى والكبرى من اجل التنوير واحترام العقل تفجرت في عام 1926 عندما اصدر كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي احدث ضجة هائلة بدأت سياسية قبل ان تكون ادبية. كما رفعت دعوى قضائية ضد طه حسين فأمرت النيابة بسحب الكتاب من منافذ البيع واوقفت توزيعه... ونشبت معارك حامية الوطيس على صفحات الصحف بين مؤيدين ومعارضين لهذا الكتاب.
            وفي عام 1928 وقبل ان تهدأ ضجة كتاب الشعر الجاهلي بشكل نهائي تفجرت الضجة الثانية بتعيينه عميداً لكلية الآداب الامر الذي اثار ازمة سياسية اخرى انتهت بالاتفاق مع طه حسين على الاستقالة فاشترط ان يعين اولاً. وبالفعل عين ليوم واحد ثم قدم الاستقالة في المساء وأعيد "ميشو" الفرنسي عميداً لكلية الآداب، ولكن مع انتهاء عمادة ميشو عام 1930 اختارت الكلية طه حسين عميداً لها ووافق على ذلك وزير المعارف الذي لم يستمر في منصبه سوى يومين بعد هذه الموافقة وطلب منه الاستقالة.

            الازمة الكبرى
            وفي عام 1932 حدثت الازمة الكبرى في مجرى حياة طه حسين... ففي شباط 1932 كانت الحكومة ترغب في منح الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب لبعض السياسيين... فرفض طه حسين حفاظاً على مكانة الدرجة العلمية، مما اضطر الحكومة الى اللجوء لكلية الحقوق...
            ورداً على ذلك قرر وزير المعارف نقل طه حسين الى ديوان الوزارة فرفض العمل وتابع الحملة في الصحف والجامعة كما رفض تسوية الازمة الا بعد اعادته الى عمله وتدخل رئيس الوزراء فأحاله الى التقاعد في 29 آذار 1932 فلزم بيته ومارس الكتابة في بعض الصحف الى ان اشترى امتياز جريدة "الوادي" وتولى الاشراف على تحريرها، ثم عاد الى الجامعة في نهاية عام 1934 وبعدها بعامين عاد عميداً لكلية الاداب واستمر حتى عام 1939 عندما انتدب مراقباً للثقافة في وزارة المعارف حتى عام .1942
            ولأن حياته الوظيفية كانت دائماً جزءاً من الحياة السياسية في مصر صعوداً وهبوطاً فقد كان تسلم حزب الوفد للحكم في 4 شباط 1942 ايذاناً بتغير آخر في حياته الوظيفية حيث انتدبه نجيب الهلالي وزير المعارف آنذاك مستشاراً فنياً له ثم مديراً لجامعة الاسكندرية حتى احيل على التقاعد في 16 تشرين الاول 1944 واستمر كذلك حتى 13 حزيران 1950 عندما عين لاول مرة وزيراً للمعارف في الحكومة الوفدية التي استمرت حتى 26 حزيران 1952 وهو يوم احراق القاهرة حيث تم حل الحكومة.
            وكانت تلك آخر المهام الحكومية التي تولاها طه حسين حيث انصرف بعد ذلك وحتى وفاته عام 1973 الى الانتاج الفكري والنشاط في العديد من المجامع العلمية التي كان عضواً بها داخل مصر وخارجها.
            ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
            ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
            ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
            وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
            اللهم آميــــن

            تعليق


            • #36
              الشاعر ابو القاسم الشابي

              الشاعر الرائع أبو قاسم الشابي

              المقـدمـة:

              لم يكن الشابي ومضة في حياة الشعر العربي وإنما كان بحياته القصيرة الطويلة نقطة تحول في الشعر العربي فقد كان من كبار المجددين الذين رأوا في الشعر العربي القديم تراثا يجب احترامه وليس منهجا يجب اتخاذه. فكان رأيه هذا سببا في نفور الناس منه لأنهم لم يفهموه لأنه سبق عصره أم اليوم فنحن فهمناه فاستوعبنا أراه.

              لقد كان الشابي بشعره يقف في مصاف كبار جنود وسياسيي العالم الثالث(المستعمر) فقد كان حربا لا هوادة فيها ضد الاستعمار، وأخذ على عاتقه محاربة الرجعية و الجهل وظلام التخلف.
              كما أنه لم يظهر نجمه بعد موته لأن بعد موته بفترة بسيطة أشتعل العالم بنيران الحرب العالمية الثانية، وتلتها ثورات التحرير في الوطن العربي، فكاد العالم أن ينسى الشابي إلى أن نشر زميله وأخوه آثاره وبعض النقاد كذلك.

              لهذه الأسباب وغيرها رأينا أن نقدم تقرير نعرض فيه نبذة عن حياته وشعر هذا (الشاعر البلسم) بلسم الشعوب المستعمرة بالجهل والمكبلة بالرجعية، ثم نتحدث حول الإطار الاجتماعي الذي عاش فيه، ونختم ذلك بذكر بعض المعاني في شعره.
              حياة الشابي.

              ولد في مارس 1909 في بلدة (الشابة) على مقربة من توزر، وعين أبوه قاضيا في نفس عام ولادته وراح يتنقل من بلد لبلد، وتلقى تعليمه الأول في المدارس القرآنية وكان ذكيا قوي الحافظة فقد حفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره، بعد ذلك أرسله والده لجامع الزيتونة وحصل على شهادة التطويع 1927 وهو في سن الثامنة عشرة، ولم يكتف أبوه بذلك فأدخله كلية الحقوق وتخرج منها سنة 1930 .

              وكانت نقطة التحول في حياة شاعرنا موت حبيبته وهي مازلت شابة، ثم تبعه بعد ذلك الموت وأختطف أبوه، فتسبب هذين الحادثين في اعتلال صحته وأصيب بانتفاخ في القلب فأدى ذلك لموته وهو صغير السن في عام 1934 بمدينة تونس، ونقل جثمانه لمسقط رأسه قرية الشابة.

              ثقافته وشخصيته:

              نشير في هذا المحور لشيء من ثقافته، نشأ في أسرة دينية فقد تربى على يدي أبوه وتلقن روح الصوفية التي كانت سائدة في المغرب العربي، وسددتها دراسته الدينية، وساعده مكوثه في مدينة تونس

              لدراسة الحقوق أن ينضم (للنادي الأدبي) وأخذت مواهبه الأدبية تبرز و تعبر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاصرات، أعلن فيها عن نفسه وهو دون العشرين. ونلمح في عجالة لتجربته الكبرى التي بآت بالفشل لأن طائر الموت أختطف حبيبته وأعقبه بفترة أن أختطف أبوه مثله الأعلى ومربيه ومثقفه.

              والآن نبين شخصية الشابي التي وجدت الرومانسية الملاذ الوحيد له ليعبر عن ما في نفسه وقد كان الطابع المميز لشبان عصره وهو سر الذيوع. وقد كان مؤمنا بقضيته السياسة وكان من الذين حاربوا الاستعمار، وأبرز عاطفته الصادقة في عدة مواضع.


              * بعض المعاني في شعره:

              الوطنية:

              نلاحظ أن ما أثار وطنية الشابي بالدرجة الأولى هي اصطدامه بالرجعية، ووطنيته وطنية جد صارخة ذات هجمات نارية عاتية مدمرة، ولكن لم تكن موجهة للاستعمار بقدر ما هي موجهة لسلاحه الرجعية التي حبست أنفاس الشعب والتي تقيد طموح الشعب فمنعه من التحرر والانطلاق أرجعته بقوة للماضي البالي الذي فقد معناه في نفوس الشباب المتفهم لرسالته في الحياة.

              الطبيعة:

              حين نتأمل شعر الشابي في ذكره للطبيعة نستطيع وصف حالته بأنه يصفها وصف المعبود وينظر إليها بعاطفة رفيعة تنبعث من مشاركته لظواهرها والاندماج معها. وتصل به هذه العبادة إلى حد الموت الفاني في جمالها وهنا ندرك مدى شدة تركيب شعوره، لأنه لم يتذوقها إلا بعميق إحساسه حتى أنه يبعث من الطبيعة دفئا وحنانا، وهو يظهرها أمامك في كامل بهائها بما تملكه عباراته من قدرة على الإحياء.

              الـمـرأة:

              من خلال شعر الشابي الذي يتشوق فيه إلى المثالية المرضية لطموحه ويشبع روحه و الشعر الذي قاله في المرأة لا نستطيع أن نجد فيه على أمراه معينة، لها شخصيتها و طبائعها و مزاياها التي تتفرد بها، ونحن نلاحظ أن شعر الشابي صادر عن نفسه المحرومة وكان يتغنى في المرأة كمثل أعلى.


              أسلوبه:

              نجد أن شعر الشابي منبثق من قوة إحساسه، أنه أسلوب محسوس لأن الروح التي تسري فيه تسد عليك طريقك وتحاصرك فلا تعرف تحديد موضع القوة فيه، وقوة الإحساس هي كل شيء في فنه وشعره، وقد وجهته هذه القوة توجيها خطابيا فلم يستطع التحرر من تلك الصفة التي أخذها على الشعر العربي وهناك أمثلة كثيرة من شعره التي يشعرك فيها بأنه واقف بين قومه يلقنهم تعاليمه أو يصب عليهم جام غضبه ونقمته.

              أيها الشعب! ليتني كنت حطا با فأهوي على الجذوع بفأسي!
              أنت روح غبية، تكره النو ر،وتقضي الدهور في ليل ملس

              الخاتمة:

              قدمنا في هذا التقرير نبذة قصيرة عن سيرة شخصية للشابي وأدبية لشعره وقد استخلصنا منها ثلاث نقاط وهي:

              1. أوضحنا نظرة الشابي للشعر العربي القديم بأنه تراث يجب احترامه، وأنه يجب أن يبدأ مرحلة جديدة من الشعر الذي يشخص الجمادات فيعمق في وصفها.
              2. رأينا أن وطنية الشابي نابعة من الظروف التي دعت كل شخص التعلق بها جراء الاستعمار، فصدق تعبيره عنها.
              3. عاطفة الشابي صادقة فهو ذا حس مرهف فقد تأثر بموت حبيبته وأبوه، وأدى ذلك لموته.
              نتمنى أن نكون قد بين حياة أحد كبار المجددين في الشعر الذي وهب حياته وشعره لدينه ووطنه وحبه.

              رأيي في شخصية أبو القاسم الشابي:

              يعجبني,, لان أشعاره تدخل في السياسة , وأيضا يعايش الأمة آلامها , اتصف في شعره بالرومانسية , اعتقاده بالعبودية وغلى حد أكبر له في أشعاره يذكر عبوديته لله والخوف من الموت , كان يمدح في المرأة وليس مقصده الغزل ولكن جعلها له مثالية.



              المصادر:
              1. الشابي: د. عبد اللطيف شرارة
              2. الشابي وجبران: خليفة محمد التليمي
              ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
              ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
              ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
              وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
              اللهم آميــــن

              تعليق


              • #37
                جميل بثينة جــمــيــل بــثــيــنــة

                نســـبه:

                هو جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث بن ظبيان وينتهي نسبه إلي قضاعة.

                ملامــح من حـياته وشـــعره:

                شاعر صادق الصبابة والعشق،إذا احب هام فمات قلبه كقلب الطير دائم الخفقان اشتهر بهيامه وبحبه لبثينة وكان ينسب بأم الجسير أخت بثينة قبل أن يلتقي ببثينةأسرته كانت على جانب مرموق من الجاه والثروة،وقد كان هو غصن الشباب وسيم الطلعة فنشأ موفور العيش ، يزهو بشبابه، ينعم بالرخاء، راعيا يرعى أغنام قومه لقي بثينة في وادي بغيض فكان ذلك اليوم يوما مشهورا في حياته ة، وبداية الحب العذري القوي الذي انشد فيه شعره وافنى عمره وشبابه، جاء قومها يخطبها ، ولكنهم رفضوه وذلك بسبب ما ذكره عنها في شعره ولكثرة ماردد اسمها على لسانه،واستحكم العداء بينه وبين قومها وراح يهجوهم ويمعن في إثارة حقدهم و أكد عزمه على الالتقاء بها سرا أو جهرا شكوا أمرهم إلى مروان حاكم المدينة فأهدر دمه ولم يجد جميل وسيلة للنجاة إلا الهرب فسارع بالفرار إلى اليمن وظل تائها عن دياره،يشكو لوعة فؤاده ثم عاد من جديد لدياره بعد عزل مروان.

                وتقول رواية بأن بثينة بأنها أحبت رجلا يدعى حجنة الهلالي وتقول رواية أخرى بان أهلها أرغموها على الزواج من رجل لا تحبه يدعى نبيه بن الأسود وفي سائر الأحوال ظل جميل على وفائه يلوم بثينة تارة، ويعاتبها تارة فلجأ قوم بثينة إلى أهله لمنعه عنها وقيل أنهم أهدروا دمه فاضطر إلى الارتحال إلى مصر ولبث هناك حتى مات.


                رجل عاش لقلبه، وعاشق أخلص لهواه وحبه، وشاعر صادق في عواطفه فاستحق عن جدارة زعامة الحب العذري،وفاز عند الأدباء بالمكانة الأسمى بين الشعراء. من غزلي البادية وممن اتسم غزلهم بالصدق وبالعفة وبالبعد عن المادية لا يكاد يظهر فيه اثر النوازع الحسية التي نجدها في الغزل الحضري الصريح كما أننا لا نلمس في شعره الميل إلى شهوات اللقاء بين الجنسين فهو غزل عاطفي وجداني يحرص فيه المتحابان على العفة.

                ووحدانية الحب،والقناعة بالمحبوب الواحد ولذته في التضحية وتحمل الألم ولوعة الفراق وتحمل العاذلين والوشاة لذا يتقبل العذري الرفض والخيبة ويقتنع تماما بالنظرة السريعة الخاطفة العاجلة وكل ذلك أحب إلى نفسه من انقطاع حبل الود.


                مميزات شعره:

                الرقة، التناغم الموسيقي، الوضوح في المضامين، الانسياب في الأداء.

                ذكرت أيامي

                إن المنازل هيجت أطرابي
                واتعجمت آياتها بجوابي
                قفرا تلوح بذي اللجين ، كأنها
                انضاء رسم ، أو سطور كتاب
                لما وقفت القلوص ، تبادرت
                مني الدموع ن لفرقة الأحباب
                وذكرت عصرا ، يا بثينة شاقني
                وذكرت أيامي ، وشرخ شبابي

                ***


                أنتي طبي

                ارحميني ، فقد بليت ، فحسبي
                بعض ذا الداء ، يا بثينة حسبي
                لامني فيك ، يا بثينة ، صحبي
                لا تلوموا ن قد أقرح الحب قلبي
                زعم الناس أن دائي طبي
                أنت والله ، يا بثينة طبي

                ***

                الحب تسوقه الأقدار

                لاحت ، لعينك من بثينة نار
                فدموع عينك درة وغزار
                والحب ، أول ما يكون لجاجة
                تأتي به وتسوقه الأقدار
                حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى
                جاءت أمور لا تطاق كبار
                ما من قرين آلف لقرينها
                إلا لحبل قرينها اقصار
                وإذا أردت، ولن يخونك كاتم
                حتى يشيع حديثك الإظهار
                كتمان سرك ، يا بثين ، فإنما
                عند الأمين ، تغيب الأسرار


                رأيي في شخصية جميل بثينة:

                يعجبني ,, وذلك لوضوح مضامينه الشعرية ,و تحمل أذى الفراق ولوعتها وآلامها , و غزله عاطفي ووجداني يبين فيه أن المتحابان على العفة.
                ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                اللهم آميــــن

                تعليق


                • #38
                  فدوى طوقان
                  الشاعرة الفلسطينية فدوى


                  - فدوى عبد الفتاح آغا طوقان (الأردن) .
                  - ولدت عام 1917 بفلسطين، وتحمل الجنسية الأردنية.
                  - تلقت تعليمها الابتدائي في نابلس ثم ثقفت نفسها بنفسها، والتحقت بدورات اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي.
                  - عضو في مجلس أمناء جامعة النجاح بنابلس.
                  - حضرت العديد من المهرجانات والمؤتمرات العربية والأجنبية.
                  - دواوينها الشعرية: وحدي مع الأيام 1952 – وجدتها 1957 – أعطنا حبا 1960 – أمام الباب المغلق 1967 – الليل والفرسان 1969 – على قمة الدنيا وحيدا 1973 – تموز والشيء الآخر 1989.
                  - مؤلفاتها: رحلة صعبة، رحلة جبلية (مذكرات).
                  - حصلت على جائزة رابطة الكتاب الأردنيين 1983، وجائزة الزيتونة الفضية من إيطاليا، وجائزة درع الريادة الشعرية من الأردن، وجائزة سلطان العويس 1987، وجائزة ساليرنو للشعر من إيطاليا، ووسام فلسطين وجائزة مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري 1994.
                  - صدرت عنها تسع دراسات أكاديمية (للماجستير والدكتوراه) في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، كما كتبت عنها دراسات متفرقة في الصحف والمجلات العربية، إلى جانب كتابات أخرى لكل من إبراهيم العلم، وخليل أبو اصبع، وبنت الشاطئ وروحية القليني، وهاني أبو غضيب
                  ==========
                  من قصائدها (مراهقة)
                  -------------------

                  يا نخلتــي يحبنــي اثنانِ
                  كلاهما كــورد نيســان
                  كلاهما أحلــى من السكر
                  وتاه قلبي الصغير بينهما
                  أيهما أحبه أكثـر؟؟
                  أيهما يا نخلتي أجمـل ؟
                  قولي لقلبي، إنه يجهـل

                  في الرقصة الأولــــى
                  بين ظلالٍ وهمس موسقى
                  وشوشني الأول
                  وقال لي ما قال
                  رفَّ جناحا قلبي المثقـل
                  بالوهم، بالأحلام، بالخيال
                  لم أدر ماذا أقول أو أفعل
                  * * *
                  في الرقصة الأخرى
                  حاصرني الثاني
                  وطوّقتْ خصري ذراعان
                  نهران من شوق وتحنان
                  وقال لي ما قال
                  رفَّ جناحــا قلبي المثقل
                  بالوهم، بالأحـلام، بالخيال
                  لم أدر ماذا أقول أو أفعل

                  واحيرتي! يحبني اثنانِ كلاهما كـورد نيســان
                  كلاهما أحلى من السكر أيهما أحبــه أكثــر ؟
                  ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                  ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                  ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                  وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                  اللهم آميــــن

                  تعليق


                  • #39
                    الشاعر احمد الخليفة
                    الشاعر احمد محمد الخليفة
                    تاريخ حياته ونشأته

                    لا غرو أن تنجب البحرين شاعراً فذاً رقيق الحس والمشاعر كالشاعر أحمد محمد الخليفة 00 وهي التي عودتنا دائماً وأبدا بأن تثمر حدائقها الأدبية شاعراً مجيداً أو أديباً عتيداً بين الفينة والفينة 00 ففي تاريخ البحرين وحاضرها أشرا قات رائعة من المجد الأدبي والثقافي 00 تألقت خلال فترات من العهود الماضية والحاضرة 00 تحدث عنها الأدباء وامتلأت صحائفها بالأشعار 00 فهي لا تستقر إلا على عز ومجد ولا تعيش إلا لبناء وعمل جادين .
                    نشأ أحمد محمد الخليفة في كنف بيئة رائعة الجمال يعانق مياه الخليج سواحلها وأسرة عريقة لها باع طويل في ميدان الشعر والعز والجاه 00 وتأثر بشاعرين عظيمين ألا وهما: الشاعر السوري عمر أبو ريشه والمصري علي محمود طه .
                    وفي مضمار الحديث عن الشاعر أحمد محمد الخليفة تطوف أمامنا مواكب كثيرة من ذكريات حياته وإشعاعات من مفاخر علمه ونشأته 00 نظراً للعلاقة الكبرى والمميزة بين مجد الشاعر من جهة ومجد موطنه من جهة أخرى 00 ومن هنا فإنه يعنينا كثيراً أن نعرف عن حياته وأعماله الأدبية والشعرية بشيء من التفصيل .
                    أحمد محمد الخليفة واحد من كبار الشعراء المعاصرين الذين جمع الشعر من طرفيه فصيحه ونبطه 00 وهو شاعر مبدع يعيش في مجتمعه بمشاعره فتتفاعل أحاسيسه مع ما يعيشه من أحوال ومناسبات 00 وما يتعاقب عليه من أحداث ترحة أو مرحة . فيصبح أكثر تأثراً من أي فرد آخر من هذا المجتمع بالظاهرة الماثلة التي أثرت في المحيط حوله سلباً أو إيجاباً 00 فكان أجدر بالتعمق في نتائجها لتعبّر قريحته بالمفيد .
                    وأبياته الشعرية تقف اليوم وغداً كالنجوم الساطعة في الشعر العربي لسهولة لفظها 00 وطريقة موضعها 00 وواقية آرائها .
                    ولد أحمد محمد الخليفة في قرية الجسرة عام 1929 ميلادية وانتقل إلى قرية الزلاق وعمره لم يتجاوز السنوات الثلاث لينشأ فيها ويترعرع ويهنأ بطفولته وصباه بين بساتينها الوارفة الظلال 00 ورياضها الغناء 00 وجمع في حياته تلك 00 الحياة في بيئة صحراوية 00 مارس نشاطه البدني والفكري بين رمالها وكثبانها 00 وشمسها المشرقة .
                    سار أحمد محمد الخليفة صعداً في مدارج الشعر برقة وعذوبة وكون ثقافته الأدبية من اطلاعه الخاص 00 له شعره المتبحر في الأدب الشعبي 00 وقصائد ذاتية في التعبير عن معاناة الإنسان الخليجي إزاء حياته ومجتمعه 00 فلم تخل بعض من قصائده من معاناة وإحساس ذاتي 00 وتغلب على شعره أحياناً كثيرة النزعة الرومانسية 00 ولا عجب في ذلك فقد تأثر بشكل مباشر بالشعراء الرومانسيين العرب .
                    فحين بلغ شاعرنا الثالثة والعشرين من العمر غادر الزلاق إلى القضيبية من ضواحي مدينة المنامة ليستقر ويبدأ من هناك أولى مراحل عمره الأدبية 00 وتلقى تعليمه في مدرسة المنامة الثانوية للبنين 00 على حين تلقى دروسه في مادة اللغة العربية بالذات على يد الشيخ يوسف الصديقي وغيره من علماء اللغة والدين في تلك الحقبة من الزمان .
                    اتجهت أنظار الشعراء والأدباء في أواسط الأربعينيات من هذا القرن إلى البحرين وإلى اسم جديد مبدع ونجم ساطع يلمع في سماء هذا الوطن المعطاء 00 وذلك حينما نشرت إحدى الصحف الإذاعية أبياتاً رقيقة وقع عليها أحمد محمد الخليفة – البحرين – على حد تعبير عبد الله محمد الطائي في كتابه الأدب المعاصر في الخليج العربي .
                    وفي الخمسينيات بدأ أحمد محمد الخليفة ينشر قصائده تباعاً في غزل رقيق يجمع فيها عواطفه الغرامية بمظاهر بيئة البحرين الخلابة في معان فريدة 00 فتألق بسرعة البرق 00 وأخذ بألباب الأدباء والشعراء وراسله أو كتب إليه الكثيرون منهم مكبرين فيه رقة شاعريته وعذوبة ألحانه الحانية والمتكاملة 00 وبذلك برز بشعره مطمحاً للأمل ودليلاً قاطعاً يخلده لنا بأن من سار على الدرب وصل .
                    وبرقته وعذوبته وألفته تعد واسطة العقد التي تشد بخيوط المودة والتآلف النفسي والعقلي والفكري والوجداني لدى كوكبة من فرسان الخمسينيات والستينيات جمعتهم بعضهم به مقاعد الدراسة أو مهنة الأدب والشعر 00 فلم يكن من الصعب اكتشاف أن الدكتور غازي القصيبي والأستاذ ناصر بوحميد والشاعر عبد الرحمن رفيع هم أقربنا إلى قلب الشاعر أحمد محمد الخليفة وعقله 00 وأن محمود طه وعمر أبو ريشه – كما سبق وأشرت – هما مصدر الكثير من وحي شعره الوجداني والقومي والوصفي 00 وأن المرحوم الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة والمغفور له الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة هما حسه ومشاعره وعنوان دربه 00 وهما من أفراد أسرته وأهل بيته 00 كما أنه يحمل للشاعر إبراهيم العريِّض من المحبة والتقدير ما يفوق بعض معايشاته المعلنة في مجالس الشيوخ تحت عنوان منطلق هموم الشعر والكتابة والإبداع عند معلمه .
                    صدرت له في عام 1955 أول مجموعة شعرية أسماها (( أغاني البحرين )) 00 (( والأغاني كما تعلمون )) كما يقول عبد الله الطائي (( أنغام تتصاعد إلى الأفق 00 إلى النجوم 00 ولكنها قد تلتقي بحواجز تمنعها من التحليق فتية في هذا الكون كما يتبعه المخدوع بالسراب )) . وتلت هذا الديوان مجموعاته الأخرى الثلاث والتي جمعها مؤخراً مع ديوانه الأول في ديوان واحد تحت عنوان (( العناقيد الأربعة )) يضم بين أبياته من الشعر الوصفي والوجداني والقومي أبدع الشعر وأجمله وأرقه .
                    ولنأت إلى قول منصور محمد سرحان عنه في كتابه (( واقع الحركة الفكرية في البحرين )) 00 الذي صدر له حديثاً 00 جاء فيه (( أثرت الطبيعة بشكل مباشر على عناوين دواوينه ومن بينها (( القمر والنخيل )) 00 و (( غيوم في الصيف )) و (( ديوان العناقيد الأربعة )) 00 و (( بقايا الغدران )) وقد صدر للشاعر عام 1992 ستة دواوين التزم فيها بالقصيدة العمودية 00 وكان تأثره البالغ في العديد من دواوين الشعراء الذين ينظمون القصيدة العمودية مما أدى إلى إثراء هذا النهج الكلاسيكي )) .
                    ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                    ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                    ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                    وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                    اللهم آميــــن

                    تعليق


                    • #40
                      الجاحظ في خدمة العقل

                      وضع أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني الشهير بالجاحظ -لجحوظ واضح في عينيه- 96 عامًا هي كل عمره، ووضع كل ثقافة العرب واليونان والفرس التي عرفها عصره والتي جمعها الجاحظ ووعاها.
                      كان الجاحظ منهوم علم لا يشبع، ومنهوم عقل لا يرضى إلا بما يقبله عقله بالحجج القوية البالغة.
                      كان صبيًا يبيع الخبز والسمك في سوق البصرة، ثم بدأ يأخذ العلم على أعلامه.. فأخذ علم اللغة العربية وآدابها عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد الأنصاري، ودرس النحو على الأخفش، وتبحر في علم الكلام على يد إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري..
                      وكان يذهب إلى مربد البصرة فيأخذ اللغة مشافهة من الأعراب، ويناقش حنين بن إسحاق وسلمويه فيتعرَّف على الثقافة اليونانية، ويقرأ ابن المقفع فيتصل بالثقافة الفارسية، ثم لا يكتفي بكل ذلك، بل يستأجر دكاكين الوارقين ويبيت فيها ليقرأ كل ما فيها من كتب مؤلفة ومترجمة، فيجمع بذلك كل الثقافات السائدة في عصره؛ من عربية وفارسية ويونانية وهندية أيضا.
                      ولد الجاحظ سنة 159 هجرية في خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين، ومات في خلافة المهتدي بالله سنة 255 هجرية، فعاصر بذلك 12 خليفة عباسياً هم: المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي بالله، وعاش القرن الذي كانت فيه الثقافة العربية في ذروة ازدهارها.
                      كان الجاحظ موسوعة تمشي على قدمين، وتعتبر كتبه دائرة معارف لزمانه، كتب في كل شيء تقريبًا؛ كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء والسلطان والجند والقضاة والولاة والمعلمين واللصوص والإمامة والحول والعور وصفات الله والقيان والهجاء.
                      أما عن منهجه في معرفة الحلال والحرام فيقول : "إنما يعرف الحلال والحرام بالكتاب الناطق، وبالسنة المجمع عليها، والعقول الصحيحة، والمقاييس المعينة" رافضًا بذلك أن يكون اتفاق أهل المدينة على شيء دليلاً على حله أو حرمته؛ لأن عظم حق البلدة لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولأن أهل المدينة لم يخرجوا من طباع الإنس إلى طبائع الملائكة "وليس كل ما يقولونه حقًا وصوابًا".
                      فقد كان الجاحظ لسان حال المعتزلة في زمانه، فرفع لواء العقل وجعله الحكم الأعلى في كل شيء، ورفض من أسماهم بالنقليين الذين يلغون عقولهم أمام ما ينقلونه ويحفظونه من نصوص القدماء، سواء من ينقلون علم أرسطو، أو بعض من ينقلون الحديث النبوي.
                      فإذا كان بعض فلاسفة الشرق والغرب فد وقفوا أمام أرسطو موقف التلميذ المصدق لكل ما يقوله الأستاذ فإن الجاحظ وقف أمام أرسطو عقلا لعقل؛ يقبل منه ما يقبله عقله، ويرد عليه ما يرفضه عقله، حتى إنه كان يسخر منه أحيانا.. ففي كتابه الحيوان يقول الجاحظ عن أرسطو وهو يسميه صاحب المنطق: "وقال صاحب المنطق: ويكون بالبلدة التي تسمى باليونانية "طبقون"، حية صغيرة شديدة اللدغ إلا أنها تُعالج بحجر يخرج من بعض قبور قدماء الملوك-، ولم أفهم هذا ولمَ كان ذلك؟!"
                      ويقول الجاحظ: "زعم صاحب المنطق أن قد ظهرت حية لها رأسان، فسألت أعرابيًا عن ذلك فزعم أن ذلك حق، فقلت له: فمن أي جهة الرأسين تسعى؟ ومن أيهما تأكل وتعض؟ فقال: فأما السعي فلا تسعى؛ ولكنها تسعى على حاجتها بالتقلب كما يتقلب الصبيان على الرمل، وأما الأكل فإنها تتعشى بفم وتتغذى بفم، وأما العض فأنها تعض برأسيها معًا. فإذا هو أكذب البرية".
                      وكان الجاحظ يؤمن بأهمية الشك الذي يؤدي إلى اليقين عن طريق التجربة، فهو يراقب الديكة والدجاج والكلاب ليعرف طباعها، ويسأل أرباب الحرف ليتأكد من معلومات الكتب.. قال أرسطو: إن إناث العصافير أطول أعمارًا، وإن ذكورها لا تعيش إلا سنة واحدة… فانتقده الجاحظ بشدة لأنه لم يأت بدليل، ولامه لأنه لم يقل ذلك على وجه التقريب بل على وجه اليقين.
                      كما هاجم الجاحظ رجال الحديث، لأنهم لا يحكّمون عقولهم فيما يجمعون ويروون، ويقول: ولو كانوا يروون الأمور مع عللها وبرهانها خفّت المؤنة، ولكن أكثر الروايات مجردة، وقد اقتصروا على ظاهر اللفظ دون حكاية العلة ودون الإخبار عن البرهان.
                      فهو لا يقبل ما يرويه الرواة من أن الحجر الأسود كان أبيض اللون واسودَّ من ذنوب البشر، فيقول ساخرًا: "ولماذا لم يعد إلى لونه بعد أن آمن الناس بالإسلام؟!".
                      والجاحظ يرفض الخرافات كلها ، وينقد من يرويها من العلماء أمثال أبي زيد الأنصاري، فيقول: إن أبا زيد أمين ثقة، لكنه ينقصه النقد لأمثال هذه الأخبار التي يرويها عن السعالي والجن، وكيف يراهم الناس ويتحدثون إليهم ويتزوجونهم وينجبون؟.
                      وكان الجاحظ يرفض وضع صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكانة أعلى من البشر، بحيث لا يحق لأحد أن يتعرض لأعمالهم ويقيمها وينقدها، فهو يرى أن من حق المؤرخ أن يتناول أعمالهم بميزان العقل، لأنهم بشر كالبشر يخطئون ويصيبون، وليسوا ملائكة، وإذا كانت صحبتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- تعطيهم حق التوقير فإن هذه الصحبة نفسها تجعل المخطئ منهم موضع لوم شديد؛ لأنه أخطأ رغم صحبته وقربه من الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
                      ورفض الجاحظ بشدة القول بأن سب الولاة فتنة ولعنهم بدعة"، وعجب من أن الذين يقولون بذلك الرأي مجمعون على لعن من قتل مؤمنًا متعمدًا، ثم إذا كان القاتل سلطانًا ظالمًا لم يستحلوا سبه ولا لعنه ولا خلعه، وإن أخاف العلماء وأجاع الفقراء وظلم الضعفاء..، فالجاحظ -كمعتزلي- كان يرى ضرورة الخروج على الإمام الظالم في حالة وجود إمام عادل، مع الثقة في القدرة على خلع الظالم وإحلال العادل محله، دون إحداث أضرار أكثر مما يتوقع جلبه من المنافع.
                      وكان الجاحظ يؤكد أن العقل الصحيح أساس من أسس التشريع.
                      والأسلوب أحد المميزات الكبرى التي تمتع بها الجاحظ، فهو سهل واضح فيه عذوبة وفكاهة واستطراد بلا ملل، وفيه موسوعية ونظر ثاقب وإيمان بالعقل لا يتزعزع.
                      ويعد الجاحظ من أغزر كتّاب العالم ؛ فقد كتب حوالي 360 كتابًا في كل فروع المعرفة في عصره… وكان عدد كبير من هذه الكتب في مذهب الاعتزال.. وبحث مشكلاته.. والدفاع عنه… لكن التعصب المذهبي أدى إلى أن يحتفظ الناس بكتب الجاحظ الأدبية.. ويتجاهلوا كتبه الدينية فلم يصل إلينا منها شيء.
                      ومن أشهر وأهم كتب الجاحظ كتابا "البيان والتبيين" و"الحيوان".
                      ويعتبر البيان والتبيين من أواخر مؤلفات الجاحظ.. وهو كتاب في الأدب يتناول فيه موضوعات متفرقة مثل الحديث عن الأنبياء والخطباء والفقهاء والأمراء… والحديث عن البلاغة واللسان والصمت والشعر والخطب والرد على الشعوبية واللحن والحمقى والمجانين ووصايا الأعراب ونوادرهم والزهد.. وغير ذلك.
                      ويعد كتاب الحيوان -وهو من مؤلفات الجاحظ الأخيرة أيضا- أول كتاب وضع في العربية جامع في علم الحيوان.. لأن من كتبوا قبل الجاحظ في هذا المجال أمثال الأصمعي وأبي عبيدة وابن الكلبي وابن الأعرابي والسجستاني وغيرهم.. كانوا يتناولون حيوانًا واحدًا مثل الإبل أو النحل أو الطير.. وكان اهتمامهم الأول والأخير بالناحية اللغوية وليس العلمية.. ولكن الجاحظ اهتم إلى جانب اللغة والشعر بالبحث في طبائع الحيوان وغرائزه وأحواله وعاداته.
                      ولأن الجاحظ كان غزير العلم.. مستوعبًا لثقافات عصره.. فقد كانت مراجعه في كتبه تمتد لتشمل القرآن الكريم والحديث النبوي والتوراة والإنجيل وأقوال الحكماء والشعراء وعلوم اليونان وأدب فارس وحكمة الهند بالإضافة إلى تجاربه العلمية ومشاهداته وملاحظاته الخاصة.
                      وقد كان للجاحظ أسلوب فريد يشبه قصص ألف ليلة وليلة المتداخلة… إذ أن شهرزاد تحكي لشهريار قصة… ثم يحكي أحد أبطال هذه القصة قصة فرعية.. وتتخلل القصة الفرعية قصة ثالثة ورابعة أحيانًا..ثم نعود للقصة الأساسية.. فالجاحظ يتناول موضوعًا ثم يتركه ليتناول غيره.. ثم يعود
                      للموضوع الأول.. وقد يتركه ثانية قبل أن يستوفيه وينتقل إلى موضوع جديد… وهكذا.
                      فكتابه "الحيوان" مثلاً لم يقتصر فيه على الموضوع الذي يدل عليه عنوان الكتاب.. بل تناول بعض المعارف الطبيعية والفلسفية.. وتحدث في سياسة الأفراد والأمم.. والنزاع بين أهل الكلام وغيرهم من الطوائف الدينية.. كما تحدث في كتاب الحيوان عن موضوعات تتعلق بالجغرافيا والطب وعادات الأعراب وبعض مسائل الفقه … هذا عدا ما امتلأ به الكتاب من شعر وفكاهة تصل إلى حد المجون بل والفحش.
                      فكل فصل من الفصول -كما يقول أحمد أمين عن كتاب البيان والتبيين- "فوضى لا تضبط، واستطراد لا يحد… والحق أن الجاحظ مسئول عن الفوضى التي تسود كتب الأدب العربي، فقد جرت على منواله، وحذت حذوه، فالمبرد تأثر به في تأليفه، والكتب التي ألفت بعد كعيون الأخبار والعقد الفريد فيها شيء من روح الجاحظ، وإن دخلها شيء من الترتيب والتبويب.. والجاحظ مسئول عما جاء في الكتب بعده من نقص وعيب، لأن البيان والتبيين أول كتاب ألف في الأدب على هذا النحو وأثر فيمن جاءوا بعده.. وأوضح شئ من آثار الجاحظ في كتب الأدب إذا قورنت بالعلوم الأخرى الفوضى والمزاح ومجون يصل إلى الفحش أحيانًا.
                      وقد أوضح الجاحظ في "الحيوان" أسلوب تأليفه للكتاب قائلاً : "متى خرج -القارئ- من آي القرآن صار إلى الأثر، ومتى خرج من أثر صار إلى خبر، ثم يخرج من الخبر إلى الشعر، ومن الشعر إلى النوادر، ومن النوادر إلى حكم عقلية ومقاييس شداد، ثم لا يترك هذا الباب ولعله أن يكون أثقل والملال أسرع حتى يفضي به إلى مزح وفكاهة وإلى سخف وخرافة ولست أراه سخفًا".
                      ويبدو أن عدم ثقة الجاحظ في القراء على وجه العموم كانت سبباً في سلوكه هذا السبيل… فهو يقول: "ولولا سوء ظني بمن يظهر التماس العلم في هذا الزمان، ويظهر اصطناع الكتب في هذا الدهر لما احتجت إلى مداراتهم واستمالتهم، وترقيق نفوسهم وتشجيع قلوبهم -مع فوائد هذا الكتاب- إلى هذه الرياضة الطويلة، وإلى كثرة هذا الاعتذار، حتى كأن الذي أفيده إياهم أستفيده منهم، وحتى كأن رغبتي في صلاحهم رغبة من رغب في دنياهم"
                      والأسلوب أحد المميزات الكبرى التي تمتع بها الجاحظ، فهو سهل واضح فيه عذوبة وفكاهة واستطراد بلا ملل، وفيه موسوعية ونظر ثاقب وإيمان بالعقل لا يتزعزع.
                      والجاحظ بهذا الفكر الذي يعلي من شأن العقل، وهذه الثقافة المتنوعة الجامعة، وهذا العمر المديد بما يعطيه للمرء من خبرات وتجارب، وهذا الأسلوب المميز: استحق مكانه المتميز في تاريخ الثقافة العربية بما له من تأثير واضح قوي في كل من جاءوا بعده.
                      أما ما يؤخذ عليه فهو ما يؤخذ على المعتزلة عمومًا
                      ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                      ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                      ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                      وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                      اللهم آميــــن

                      تعليق


                      • #41
                        أسلوب الشعر الأندلسي ومعانيه وأخيلته

                        الشعر في الأندلس امتداد للشعر العربي في المشرق؛ فقد كان الأندلسيون متعلقين بالمشرق، ومتأثرين بكل جديد فيه عن طريق الكتب التي تصل إليهم منه، أو العلماء الذين يرحلون من الشرق أو الأندلسيين الذين يفدون إلى الشرق للحج أو لطلب العمل، فكانت حبال الود ووشائج القربى قوية بين مشرق العالم الإِسلامي ومغربه.
                        وكان الأندلسيون ينظرون إلى الشرق وما يأتي منه نظرة إعجاب وتقدير؛ فكانوا في غالب أمرهم مقلدين للمشارقة، ويبدو ذلك واضحاً في ألقاب الشعراء وفي معارضاتهم لشعراء المشرق.
                        ولكن هذا التقليد لم يمنعهم من الإِبداع والابتكار، والتميز بميزات تخصهم نتيجة لعوامل كثيرة، أنها البيئة الأندلسية الجديدة الجميلة التي طبعت الأدب الأندلسي بطابع خاص.

                        ويمتاز الشعر الأندلسي في ألفاظه ومعانيه وأخيلته بسمات تبدو واضحة في مجمله، ومنها:

                        1 - وضوح المعنى، والبعد عن التعقيد الفلسفي أو الغوص على المعاني وتشقيقها.
                        2- سهولة الألفاظ وسلاستها، والبعد عن التعقيد والغموض، وذلك ناتج عن بساطة الأندلسيين وبعدهم عن التعقيد في كل شيء. ويستثنى من ذلك شعر ابن هانئ وابن دراج، فهما يقربان من شعر المشارقة من حيث الجزالة والقوة.
                        3 - قلة الدخيل والألفاظ الأعجمية؛ فقد لاحظ الدارسون أن الأندلسيين أكثر تمسكاً بالعربية الفصحى من غيرهم.
                        4- التجديد في بعض أغراض الشعر والتفوق فيها، ويبدو ذلك واضحاً في رثاء الممالك الزائلة، وفي وصف الطبيعة.
                        5 - الخيال المجنح، وبراعة التصوير، والاندماج في الطبيعة، ووصف مناظرها الخلابة، وذلك أثر من آثار جمال الطبيعة الأندلسية، وتعلق الأندلسيين بطبيعة بلادهم، وانعكاس ذلك على شعرهم سواء من ناحية الألفاظ المنتقاة أو الخيال أو التصوير والتشخيص.
                        6 - التجديد في الأوزان، وذلك باختراع الموشحات، وسوف نتحدث عن الموشحات حديثاً مفصلاً.
                        7 - البعد عن المحسنات اللفظية المتكلفة والمبالغة، وبروز التشبيهات الجميلة والاستعارات الدقيقة وحسن التعليل.
                        والخلاصة أن الأندلسيين قد قلدوا المشارقة، ولكن هذا لم يمنعهم من الابتكار والتفوق في مجالات عديدة ورد ذكرها فيما سبق.

                        الموشحات

                        امتاز الأندلسيون على المشارقة باختراع الموشحات، وإن كانت قد انتشرت بعد ذلك في المشرق أيضاً.
                        والموشح مأخوذ من الوشاح[1]، وهو: عقد من لؤلؤ وجوهر منظومين، مخالف بينهما، معطوف أحدهما على الآخر، تتوشح المرأة به. وثوب موشح: أي مطرز مزين.
                        والموشح في الاصطلاح الأدبي له تعريفات كثيرة، لعل أدقها ما ذكره ابن سناء الملك في كتابه (دار الطراز)[2]، حيث يقول: "الموشح: كلام منظوم على وزن مخصوص بقواف مختلفة، وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات، ويقال له: التام. وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات، ويقال له: الأقرع. فالتام ما ابتدِئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتُدِئ فيه بالأبيات".
                        وسوف نشرح الاصطلاحات الخاصة بالموشحات بعد الإِلمام المختصر بتاريخ الموشحات.

                        نشأة الموشحـات:
                        أول من اخترع الموشحات في الأندلس كما يقول ابن خلدون "مقدم بن معافى القبري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ عنه أبو عمر أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد"[3].
                        ثم برع في الموشحات عبادة بن ماء السماء المتوفى عام 422 هـ، وهو إمام الوشاحين الذي استطاع أن ينشر الموشحات في الأندلس، ثم جاء بعده مجموعة من الوشاحين الأندلسيين، من أشهرهم: يحيى بن بُقّي، والأعمى التُطَيْلى، وأبو بكر بن زهر، وأبو بكر بن باجة، وابن سهل، ولسان الدين بن الخطيب.
                        ولا صحة لما قيل من أن ابن المعتز العباسي هو مخترع الموشح، وإنما ذلك محاولة لسلب الأندلسيين هذا الاختراع الذي أكد المؤرخون سبقهم إليه، حتى قال ابن سناء الملك. "وبعد، فإن الموشحات مما ترك الأول للآخر، وسبق بها المتأخر المتقدم، وأجلب بها أهل المغرب على أهل المشرق، وصار المغرب بها مشرقاً لشروقها في أفقه وإشراقها في جوه ".
                        واختراع الموشحات الأندلسية نتيجة لحياة الترف والطرب واللهو، لأن الموشح يلائم ذلك، وهو تجديد في شكل الشعر العربي لا في مضمونه. وقد أدى اهتمام الأندلسيين بالموشح وكثرة الوشاحين إلى إغراقهم في ذلك الفن، وإلى كثرة أنماط الموشح حتى تحول إلى صناعة لفظية، كما أن العامية دخلت الموشح، حتى إن ابن سناء الملك يرى أن الخرجة يجب أن تكون عامية، فإن كانت معربة الألفاظ خرج الموشح من أن يكون موشحاً، اللهم إلا إذا كان موشح مدح...
                        وقد تناول الوشاحون في موشحاتهم أغراض الشعر العربي المشهورة من مدح ووصف وغزل وهجاء ورثاء وزهد... ولكن أشهر الموشحات في الغزل واللهو ووصف الطبيعة.

                        أجزاء الموشح ومصطلحاته:
                        الموشح يتكون من أجزاء معينة، اصطلح عليها الوشاحون، والتزموها في صنع الموشحات. وهذه الأجزاء هي:
                        المطلع: وهو ما يفتتح به الموشح - إذا كان تاماً - وهو يتألف من شطرين كما في المثال الأول، أو أربعة كما في المثال الثاني.
                        الدور: هو ما يأتي بعد المطلع في الموشح التام، فإن كان الموشح أقرعا جاء الدور في مستهل الموشح، ثم يتكرر الدور بعد كل قفل.
                        ويشترط في الدور أن يكون على وزن مخالف للمطلع أو القفل وقافيته كذلك، أما الأدوار فيجب أن تتحد فيما بينها في الوزن وعدد الأجزاء، وأن تختلف في القافية.
                        البيت: ومفهوم البيت في الموشحة غير مفهومه في القصيدة التقليدية، فالبيت في الموشح يتكون من الدور ومن القفل الذي يليه مجتمعين.
                        فالبيت الأول في المثال الأول هو:
                        وللنـسـيمِ مجـالُ
                        والروضُ فيه اختـيالُ
                        مُدَّتْ عليه ظــِلالُ
                        والزهرُ شـقَّ كِماما وَجْداً بتلك اللـحونِ

                        الخرجة: آخر قفل في الموشح، وهي تماثل المطلع والأقفال في الوزن والقافية وعدد الأجزاء.
                        وعلى هذا فالقفل الذي يأتي في مطلع الموشحة (إن وجد) يسمى المطلع، والقفل الذي يأتي في نهايتها (لا بد من وجوده) يسمى الخرجة.
                        الغصن: اسم اصطلاحي لكل شطر من أشطر المطلع أو الأقفال أو الخرجة في الموشِح، ولا بد من تساوي المطلع والأقفال والخرجة في عدد الأغصان كما ذكرنا سابقاً، ومطلع المثال الأول وأقفاله وخرجاته يتكون كل واحد منها من غصنين، أما في المثال الثاني فمن أربعة أغصان.
                        السمط: اسم اصطلاحي لكل شطر من أشطر الدور، ولا يقل عدد الأسماط في الدور الواحد من الموشح عن ثلاثة أسماط، وقد يكون السمط مفردا أي مكونًا من فقرة واحدة كما في المثال الأول، وقد يكون من فقرتين كما في المثال الثاني أو أكثر من ذلك، والمهم هو تساوي الأدوار في عدد الأسماط.
                        ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                        ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                        ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                        وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                        اللهم آميــــن

                        تعليق


                        • #42
                          لسان الدين ابن الخطيب

                          هو لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله السلماني ، نسبة إلى ( سلمان ) موضع باليمن ، ومنه قدم أهله إلى الأندلس عقب الفتح الإسلامي واستقروا في قرطبة ثم انتقلوا إلى طليطلة بعد ثورة أهل الربض بقرطبة سنة 202/هـ .
                          ولما اشتد خطر النصارى على طليلة في منتصف القرن الخامس للهجرة انتقلوا ، أيام جده سعيد إلى ( لوشه ) غرب غرناطة وكان سعيد عالما ورعا فجعل يلقى دروسه ومواعظه في ( لوشة ) فعرف بالخطيب وعرفت الأسرة باسم آل الخطيب.
                          وفي مدينة ( لوشة ) ولد ابن الخطيب سنة 713/هـ ونشأ في غرناطة وبها تلقى علومه على كبار علمائها ، وفيهم العالم باللغة والأدب والعالم بالفقه والأصول وفيهم العالم بالطب فنهل من كل هذه العلوم . وفي عام 741/هـ تولى الكتابة في ديوان الإنشاء خلفا لأبيه الذي توفي في ذلك العام . وفي عام 749/هـ تولى الوزارة خلفا لأبي الحسن بن الجياب الذي توفي في ذلك العام، وكان وزير السلطان أبي الحجاج يوسف (الأول) .
                          واستمر ابن الخطيب في الوزارة بعد مقتل السلطان أبي الحجاج سنة 755/ هـ وقيام ابنه محمد ( الخامس ) الغني بالله خلفا له . وسفر لسان الدين للغني بالله إلى السلطان المريني أبي عنان فارس تأكيدا للمودة بينهما واستنجادا على الطاغية الإسباني ملك قشتاله ، ونجح لسان الدين في سفارته، فعظمت ثقة الغني بالله بلسان الدين ورفع رتبته ولقبه بذي الوزارتين ، الكتابة والوزارة .
                          وفي 28 رمضان سنة 760/هـ خلع الغني بالله وسار فارا إلى فاس ونزل على السلطان أبي سالم إبراهيم وهو أخو أبو عنان فارس وكان قد توفي سنة 759/هـ. ولم يستطع لسان الدين أن يصانع السلطان إسماعيل ( الثاني) ابن يوسف الذي خلع أخاه محمد الغني بالله فنكبه السلطان وصادر أمواله بتحريض من حوله من حساده ، واستطاع لسان الدين أن يهرب فلجأ إلى فاس لاحقا بالسلطان المخلوع, وفي أوائل سنة 763/هـ أقدم أمير من أمراء بني نصر يدعى أبا سعيد محمد على قتل إسماعيل ( الثاني ) وإعلان نفسه سلطانا باسم محمد ( السادس ) ، فما علم محمد ( الخامس ) الغني بالله بذلك حتى عاد إلى الأندلس بقوة زوده بها السلطان المريني أبو سالم إبراهيم ، ونزل في (رنده) وكانت من أملاك بني مرين ومنها سار بقوته ودخل غرناطة .
                          وهرب أبو سعيد محمد (السادس) لاجئا إلى ملك قشتاله. واستدعى الغني بالله لسان الدين من فاس‏09:30 ص ورده إلى الوزارة وأعاد تلقيبه بذي الوزارتين فعلت مكانته من جديد وعظم نفوذه ، وازدهى لسان الدين بهذه المكانة الرفيعة التي أحله بها السلطان ، فأثار بذلك حسد حساده وفيهم الوزير ابن زمرك تلميذ ابن الخطيب ، ومعه أبو الحسن علي النباهي قاضي الجماعة في غرناطة وكانا صنيعة لسان الدين وغرس نعمته ، فجعلوا يحرضون الغني بالله عليه ويتهمونه بالانحراف بولائه والإلحاد ، وعلم بذلك لسان الدين، ورأى أن الأسلم له أن يبارح الأندلس فاستأذن الغني بالله في الحج فأذن له .
                          وتوجه لسان الدين إلى فاس لاجئا إلى السلطان المريني أبي فارس عبد العزيز المستنصر بن أبي الحسن علي وكان قد تولى السلطنة سنة 767/هـ بعد أحداث جرت في فاس بين " المتنافسين " على السلطة ، فكتب الغني بالله إلى المستنصر المريني بالقبض على لسان الدين وقتله ، فلم يلتفت المستنصر لهذا الطلب . وجرت لابن الخطيب محاكمة غيابية في غرناطة حضرها الفقهاء وكبار العلماء اتهم فيها بالإلحاد اعتمادا على بعض ما جاء في كتابه (روضة التعريف بالحب الشريف) المعروف بكتاب ( المحبة ) أولوها وفق مقاصدهم وزعموا أن فيها ما يتضمن طعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم والقول بالحلول ومجاراة مذهب الفلاسفة الملحدين ، وكان تلميذه وخلفه في الوزارة القاضي أبو الحسن النباهي أكبر المروجين لهذه الدعاية وهو الذي تولى صوغ الاتهام وأفتى بوجوب قتله وحرق كتبه . وقد أحرقت كتبه في غرناطة بمحضر من الفقهاء والعلماء والمدرسين.
                          وفي عام 774/هـ يتوفى السلطان أبو فارس عبد العزيز ويخلفه ابنه أبو زيان محمد السعيد ، وكان طفلا وتولى كفالته والقيام بشؤون الدولة الوزير أبو بكر غازي. وكرر الغني بالله طلبه بتسليم ابن الخطيب أو قتله ، فلم يستجب الوزير لطلبه .
                          وقام السلطان الغرناطي الغني بالله باصطناع فتنة في المغرب أطاحت بالسلطان المريني القاصر وبوزيره أبو بكر غازي وتولية السلطنة أبا العباس أحمد المستنصر بن إبراهيم بن علي وتولية الوزارة لسليمان بن داود، وعلى الأثر حضر الوزير ابن زمرك إلى فاس يطالب أبا العباس المستنصر بثمن إيصاله إلى العرش والقبض على لسان الدين وإعدامه تنفيذا للحكم الصادر عليه في غرناطة والذي صدقه الغني بالله .
                          ولكن أبن العباس المستنصر آثر أن تجري محاكمته بحضوره فعقد له مجلسا من رجال الدولة والشورى واستدعى ابن الخطيب ووجهت إليه التهم المنسوبة إليه وأخصها تهمة الإلحاد والزندقة ، وعرضت العبارات التي وردت في كتابه ( المحبة ) فعظم النكير فيها ووبخ ونكل به وامتحن بالعذاب الشديد على مشهد من الملأ وأفتى بعض الفقهاء بقتله ودس عليه الوزير سليمان بن داود بعض الأوغاد فدخلوا عليه في سجنه وقتلوه خنقا في أوائل سنة 776/هـ.
                          كان عالما بالتاريخ والفلسفة والرياضيات كما كان عالما بالفقه والأصول وألف فيها كلها، منها : ( الإحاطة في أخبار غرناطة ) و ( الإعلام لمن بويع قبل الاحتلام) و ( اللمحة البدرية في الدولة النصرية) و ( تاريخ ملوك غرناطة إلى سنة 765/هـ) و (طرفة العصر في دولة بني نصر) و (معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار) و (ريحانة الكتاب ونجعه المنتاب) و (رسالة في الموسيقى) و ( الحلل المرقومة في اللمع المنظومة) وهي أرجوزة من ألف بيت في أصول الفقه، و ( عمل من طب لمن أحب) وهو مؤلف طبي ضخم يتناول فيه ابن الخطيب مختلف الأمراض مع أسباب كل مرض وأعراضه وعلاجه ونظام الغذاء الذي يناسبه ويتحدث فيه عن مختلف أعضاء الجسم وطرق العناية بها و (أرجوزة في الطب ) و ( أرجوزة في الأغذية ) و (الوصول لحفظ الصحة في الفصول ) وكتاب في ( علاج السموم ) وكتاب في ( البيطرة ) وفيه يتناول خصائص الخيل ومحاسنها ورسالة في الطب دعاها ( مقنعة السائل عن المرض الهائل ) وهي رسالة كتبها عن الطاعون الجارف الذي دهم الأندلس وسائر العالم الإسلامي سنة 748/هـ (1348/م) وغير ذلك من الكتب الكثيرة .
                          وعلى اسمه صنف المؤرخ أحمد بن محمد المقري ( ت: 1041/هـ) كتابه ( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب) . كان ابن الخطيب إلى جانب علمه الواسع وغوصه في فنون المعرفة شاعرا قوي السبك يبتكر المعاني ويجلوها جلاء الفنان المبدع . وكان من أئمة شعراء الموشحات الأندلسية وأشهرها موشحته الذائعة الصيت واستمع إليه يقول في مطلعها:
                          جــادك الغيــث إذا الغيـث همـى يــا زمــان الوصــول بـالأندلس
                          لـــم يكــن وصلــك إلا حلمــا فــي الكــرى أو خلسـة المخـتلس
                          إذا يقــود الدهــر أشــتات المنـى ينقــل الخــطو عـلى مـا يرسـم
                          زمـــرا بيـــن فــرادى وثنــا مثــل مــا يدعـو الوفـود الموسـم
                          والحيــا قــد جـلل الـروض سـنا فثغـــور الزهــر منــه تبســم
                          واستمع إليه يقول، وقد قدم للقتل بعد صلاة العصر:
                          قـف لـترى مغـرب شـمس الضحى بعــد صــلاة العصـر والمغـرب
                          واســـترحم اللــه قتيــلا بهــا كــان فريــد العصــر بـالمغرب
                          ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                          ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                          ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                          وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                          اللهم آميــــن

                          تعليق


                          • #43
                            الــــــــــــــــــشـــــــــــــــــعر الــــــــــجــــــــــــاهــــــــــــــلــــــــ ـي
                            قيمة الشعر الجاهلي:
                            1- القيمة الفنية: وتشمل المعاني والاخيلة والعاطفة والموسيقى الشعرية ، حيث نظم الشاعر الجاهلي اكثر شعره على اوزان طويلة التفاعيل .

                            2- القيمة التاريخية: كان الشعر وسيلة نقل معاناة الناس وشكواها الى السلطة ، فالشعر الجاهلي يعتبر وثيقة تاريخية بما يخص احوال الجزيرة واحوال العرب الاجتماعية .

                            الوزن و القافية:
                            الوزن: هو التفعيلات الشعرية الموسيقية الرتيبة التي تتكون منها الابيات ، وتسمى البحور الشعرية .

                            القافية: وهي ما ياتي به الشاعر في نهاية كل بيت من ابيات القصيدة ، وابرزها الحرف الاخير الذي يختم به البيت وضبطه النطقي .

                            انواع الشعر:
                            1- الشعر العمودي والشعر التقليدي: لقد احتفظ بخاصيته التقليدية بالالتزام بنظام الاوزان والقافية .

                            2- الشعر المرسل: احتفظ بنظام الاوزان في الشعر وتحرر من نظام القافية الموحدة .

                            3- الشعر الحر: وهو الشعر الذي تحرر من نظام الاوزان والقوافي معا .

                            طبقات الشعراء:
                            1- الشعراء الجاهليون: وهم الذين لم يدركوا الاسلام كامرئ القيس .

                            2- الشعراء المخضرمون: وهم ادركوا الجاهلية والاسلام كلبيد وحسان .

                            3- الشعراء الاسلاميون: وهم الذين عاشوا في صدر الاسلام وعهد بني امية .

                            4- الشعراء المولدون او المحدثون: وهم من جاءوا بعد ذاك كبشار بن برد وابي نؤاس .

                            خصائص الشعر الجاهلي:
                            1- الصدق: كان الشاعر يعبر عما يشعر به حقيقة مما يختلج في نفسه بالرغم من انه كان فيه المبالغة ، مثل قول عمرو بن كلثوم .

                            2- البساطة: ان الحياة الفطرية والبدوية تجعل الشخصية الانسانية بسيطة ، كذلك كان اثر ذلك على الشعر الجاهلي .

                            3- القول الجامع: كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامة ، فمثلا قالوا في امرئ القيس بقصيدته «قفا نبك‏» انه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد .

                            4- الاطالة: كان يحمد الشاعر الجاهلي ان يكون طويل النفس ، اي يطيل القصائد واحيانا كان يخرج عن الموضوع الاساسي ، وهذا يسمى الاستطراد .

                            5- الخيال: هو ان اتساع افق الصحراء قد يؤدي الى اتساع خيال الشاعر الجاهلي .

                            شكل القصيدة الجاهلية:
                            تبدا القصيدة الجاهلية بذكر الاطلال ثم وصف الخمر وبعدها ذكر الحبيبة ، ثم ينتقل الشاعر الى الحماسة والفخر . . .

                            اغراض الشعر الجاهلي:
                            1- الوصف: وصف الشاعر كل ما حواليه ، وقد شمل الحيوان والنبات والجماد .

                            2- المدح: لقد كان المديح للشكر والاعجاب والتكسب .

                            3- الرثاء: مدح الميت ، كان يعرف بالرثاء ، فقد كثر رثاء ابطال القبيلة المقتولين .

                            4- الهجاء: كثر هذا النوع بسبب كثرة الغارات وانتشار الغزو فذكروا عيوب الخصم .

                            5- الفخر: وهو المباهاة حيث كان الشاعر يفتخر بقومه وبنفسه وشرف النسب وكذا بالشجاعة والكرم .

                            6- الغزل: امتلات حياة الشاعر بذكر المراة ، وهو نوعان: الغزل العفيف والماجن .

                            7- الخمر: لقد شربها بعض الشعراء المترفين ووصفوها مفتخرين .

                            8- الزهد والحكمة: ذكر الشاعر الزهد والحكمة في قصائده الشعرية .

                            9- الوقوف والتباكي على الاطلال: لقد اطال بعض الشعراء الوقوف والبكاء في شعرهم .

                            10- شعراء الاساطير والخرافات: الاساطير المختلفة والروايات المتناقضة كانت تاتي من شرق وغرب العالم العربي .

                            ظهور الشعر الجاهلي:
                            و يشمل:

                            1- شعراء الفرسان .

                            2- شعراء الصعاليك .

                            3- شعراء آخرون .

                            1- شعراء الفرسان: نحن نعلم بان شاعر القبيلة هو لسانها الناطق وعقلها المفكر والمشير بالحق والناهي الى المنكر ، فكيف اذا جمع له الشعر والفروسية فهو صورة صادقة لتلك الحياة البدوية ، حيث كان يتدرب على ركوب الخيل ، ويشهر سيفه ، ويلوح برمحه ، فمن هؤلاء الشعراء:

                            - المهلهل .

                            - عبد يغوث .

                            - حاتم الطائي .

                            - الفند الزماني (فارس ربيعة) . المهلهل
                            هو عدي بن ربيعة التغلبي ، خال امرؤ القيس ، وجد عمرو بن كلثوم . قيل انه من اقدم الشعراء الذين وصلت الينا اخبارهم واشعارهم ، وانه اول من هلهل الشعر ولذلك قيل له المهلهل .

                            كان له اخ اسمه كليب رئيس جيش بكر وتغلب . كليب قتل ناقة البسوس ثم قتل كليب ، ونشبت‏حرب البسوس بين بكر وتغلب ، دامت اربعين سنة .

                            المختار من شعره: واكثر شعر المهلهل هو في رثاء اخيه كليب ، حيث‏يقول:

                            كليب لا خير في الدنيا و من فيها

                            ان انت‏خليتها في من يخليها

                            نعى النعاة كليبا لي فقلت لهم

                            سالت‏بنا الارض او زالت رواسيها

                            ليت السماء على من تحتها وقعت

                            وحالت الارض فانجابت‏بمن فيها
                            ومن مراثيه المشهورة في اخيه:

                            اهاج قذاء عيني الادكار

                            هدوءا فالدموع لها انحدار

                            و صار الليل مشتملا علينا

                            كان الليل ليس له نهار

                            دعوتك يا كليب فلم تجبني

                            و كيف يجيبني البلد القفار

                            وانك كنت تحلم عن رجال

                            وتعفو عنهم ولك اقتدار

                            توفي المهلهل عام 92 ق . ه / 530م .

                            الفند الزماني
                            اسمه شهل بن شيبان ، احد فرسان ربيعة المشهورين ، شعره قليل ، سهل ، عذب ، واكثره في الحماسة التي يتخللها شي‏ء من الحكمة ، وحينما اضطر الى الخوض في حرب البسوس ، قال:

                            صفحنا عن بني ذهل

                            وقلنا القوم اخوان

                            عسى الايام ان يرجعن

                            اقواما كما كانوا

                            فلما صرح الشر

                            وامسى وهو عريان

                            ولم يبق سوى العدوان

                            دنا لهم كما دانوا

                            وفي الشر نجاة حين

                            لا ينجيك احسان

                            توفي الفندالزماني سنة 92ق . ه .

                            2- شعراء الصعاليك: جمع صعلوك ، وهو - لغة - الفقير الذي لا مال له . اما الصعاليك في عرف التاريخ الادبي فهم جماعة من شواذ العرب وذؤبانها ، كانوا يغيرون على البدو والحضر ، فيسرعون في النهب; لذلك يتردد في شعرهم صيحات الجزع والفقر والثورة ، ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو ، وحين نرجع الى اخبار الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن الفقر ، فكل الصعاليك فقراء لا نستثني منهم احدا حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذين كانوا يلجئون اليه كلما قست عليهم الحياة ليجدوا ماوى حتى يستغنوا ، فالرواة يذكرون انه كان صعلوكا فقيرا مثلهم ، ومن هؤلاء:

                            - الشنفري الازدي .

                            - تابط شرا .

                            - عروة بن الورد .

                            تابط شرا
                            اسمه ثابت‏بن جابر . وسبب لقبه انه اخذ ذات يوم سيفا تحت ابطه وخرج ، وكان تابط شرا من الصعاليك حاد البصر والسمع يلحق بالخيل ، ويغزو على رجليه ، وانه مات قتيلا .

                            واكثر شعره في الحماسة والفخر ، ومن شعره في الفخر:

                            يا عبد ما لك من شوق وايراق

                            ومر طيف على الاهوال طراق

                            لا شي‏ء اسرع مني ليس ذا عذر

                            وذا جناح بجنب‏الريد خفاق

                            توفي الشاعر تابط شرا عام 530 للميلاد .

                            عروة بن الورد
                            عروة بن الورد من بني عبس ، وكان من فرسان العرب ، كان كريم الاخلاق عفيفا صادقا وفيا بالعهود ، وقد فضله بعضهم على حاتم في الكرم .

                            واكثر شعره في الفخر والحماسة والنسيب . قال في الحث على الاغتراب في طلب الغنى:

                            ذريني للغنى اسعى فاني

                            رايت الناس شرهم الفقير

                            وابعدهم واهونهم عليهم

                            وان امسى له حسب وخير

                            توفي ابن الورد سنة 596 للميلاد .

                            3- شعراء آخرون: وهناك افراد من الشعراء في يثرب وغيرها من مدن الحجاز والجزيرة العربية اعتنقوا اليهودية كالسموال بن عاديا ، او النصرانية كقس بن ساعدة .

                            السموال
                            هو السموال بن عاديا صاحب الحصن المعروف ، والعرب كانوا ينزلون عند السموال ضيوفا لان السموال عالي اللهجة وسريع النجدة . وسبب ضرب المثل عند العرب في قولهم «اوفى من السموال‏» يعود الى امرئ القيس التجا الى السموال فاودعه درعه واسلحته وابنته وذهب الى القسطنطينية ليستنجد بقيصر الروم ويساله النصر على قتلة ابيه ، وفي هذه الاثناء اسر ابن السموال الذي كان في الصيد من قبل المنذر ، فطلب المنذر من السموال ان يسلم الدرع والسلاح وابنة امرؤ القيس والا يضرب عنق ابن السموال ، فابى السموال ذلك فنفذ المنذر وعيده . ومن يطلع على سيرة السموال يحس شرفا واباء بالاضافة الى اندفاعه الى المجد والفخر ، وله قصيدة لامية مشهورة ، يدعو الى الاخذ بالمتعة والحياة دون التفكير فيها ولا في آلامها ، ومما جاء فيها قوله:

                            اذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

                            فكل رداء يرتديه جميل

                            تعيرنا انا قليل عديدنا

                            فقلت لها ان الكرام قليل

                            وما ضرنا انا قليل وجارنا

                            عزيز وجار الاكثرين ذليل

                            وننكر ان شئنا على الناس قولهم

                            ولا ينكرون القول حين نقول

                            اذا سيد منا خلا قام سيد

                            قؤول لما قال الكرام فعول

                            وما اخمدت نار لنا دون طارق

                            ولا ذمنا في النازلين نزيل

                            سلي ان جهلت الناس عنا وعنهم

                            وليس سواء عالم وجهول توفي ابن عاديا سنة 560ه . ق .

                            قس بن ساعدة الايادي
                            هو اسقف نجران ، وكان خطيبها البارع وحكيمها ، ويتصف بالزهد في الدنيا ، وكان يحضر سوق عكاظ ويلقي الشعر .

                            يروى ان النبي صلى الله عليه وآله راى قس في سوق عكاظ على جمل احمر وهو يقول :

                            «ايها الناس ، اسمعوا وعوا انه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت . . . آيات محكمات: مطر ونبات وآباء وامهات ، وذاهب وآت ، ضوء وظلام ، وبر وآثام ، لباس ومركب ، ومطعم ومشرب ، ونجوم تمور، وبحور لا تغور، وسقف مرفوع ، وليل داج ، وسماء ذات‏ابراج ، ما لي ارى الناس يموتون ولا يرجعون . . . يا معشر اياد اين ثمود وعاد ؟ واين الآباء والاجداد ؟

                            ومن نوادر شعره:

                            وفي الذاهبين الاولين

                            من القرن لنا بصائر

                            لما رايت مواردا

                            للموت ليس لها مصادر

                            ورايت قومي نحوها

                            يمضي الاصاغر والاكابر

                            لا يرجع الماضي ولا

                            يبقى من الباقين غابر

                            ايقنت اني لا محالة

                            حيث صار القوم صائر
                            توفي ابن ساعدة سنة 600 للميلاد .

                            تابع العصر الجاهلي

                            التعليقات(( اي المصادر ))

                            1. اتحاف الامجاد / محمود شكري الآلوسي: ص‏66 .

                            2. ديوان المهلهل / شرح انطوان القوال: ص‏91 . شعراء النصرانية قبل الاسلام / الاب ليوس شيخو: ص‏166 .

                            3. تاريخ الادب العربي / الدكتور عمر فروخ: ج‏1، ص‏111 .

                            4. ديوان الحماسة / شرح يحيى التبريزي الخطيب: ج‏1، ص‏14 . تاريخ الادب العربي: ج‏1، ص‏101 . شرح ديوان حماسة ابي تمام / تحقيق: الدكتور حسين محمد نقشه: ج‏1، ص‏28 . الذخائر والعبقريات / عبدالرحمن البرقوتي: ج‏2، ص‏232 .

                            5. شعراء الصعاليك في العصر الجاهلي / الدكتور يوسف خليف: ص‏26 .

                            6. الايراق: من الارق .

                            7. طراق: اي يطرقنا ليلا .

                            8. العذر: اللجام .

                            9. ذا جناح خفاق: طائر سريع الطيران .

                            10. الريد: الجبل .

                            11. ديوان تابط شرا / اعداد: طلال حرب: ص‏49 . تاريخ الادب العربي: ج‏1، ص‏109 .

                            12. ديوان‏عروة بن الورد / جمع وشرح: كرم البستاني: ص‏45 . الذخائر والعبقريات: ج‏1، ص‏232 .

                            13. ديوان السموال / تحقيق: الدكتور واضح الصمد: ص‏34 .

                            14. الجامع في تاريخ الادب العربي / حنا الفاخوري: ص‏283 . ديوان السموال: ص‏66 . ديوان المروءة / شرح: الدكتور يوسف شكري فرحات: ص‏33 . دراسات في الشعر العربي المعاصر / الدكتور شوقي ضيف: ص‏184 . ثمرات الاوراق / علي بن محمد بن حجة الحموي: ص‏242 . ديوان عروة والسموال / جمع وشرح: كرم البستاني: ص‏90 .

                            15. البيان والتبيين / عمرو بن بحر الجاحظ: ص‏254 .

                            16. تمور: تتحرك .

                            17. تغور: تذهب .

                            18. داج: مظلم .
                            19. ابراج: منازل الكواكب في السماء .

                            20. غابر: باق .

                            21. البيان والتبيين / الجاحظ: ج‏1، ص‏207 .
                            ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                            ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                            ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                            وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                            اللهم آميــــن

                            تعليق


                            • #44
                              موضوع عن المعلقت السبع
                              وتعريف بسيط لشعراء المعلقات السبع

                              طرفة بن العبد
                              طرفة لقب
                              واسمه عمرو بن العبد بن سفيان من بني سعد ابن مالك بن ضبيعه بن بكر بن وائل .
                              وأمه وردة بنت عبد العُزى من بني ضبيعه بن ربيعه بن نزار
                              وكان قوم طرفه ينزلون بالبحرين ( شمالي شرق بلاد العرب على خليج البصرة ) وكان لطرفه فيما نعلم من شعره أخ شقيق اسمه معبد وأخوات إحداهن الخرنق بنت بدر ابن مالك من أمه وردة وكانت شاعرة وكذلك كان له ابن عم إسمه مالك ولم تكن صلته بأخيه وبإبن عمه حسنه
                              ويتم طرفه من ابيه صغيرا فأبى اعمامه من بني سعد بن مالك ان يقسموا له نصيبه من إرث ابيه وظلموه حقه فنشأ مع امه في بؤس
                              قال طرفه الشعر شابا وتعرض به مدحا وهجاء وكان اكثر تعرضه لبلاط الحيره فيقال ان طرفه كان يرعى إبلا له ولا اخيه وكان كثيرا مايلهو عنها بنظم الشعر فقال له اخوه :
                              (( لم لا تستريح بإبلك ( اي يعني ترجع بها في الليل الى معاطنها ) ترى انها إن اخذت منك تردها بشعرك هذا ) ؟
                              قال طرفه فإني لا اخرج بها ابدا حتى تعلم ان شعري سيردها ان اخذت فتركها ( طرفه ) فأخذها أناس من مضر فادعى ( طرفه ) جوار عمرو وقابوس بني المنذر الثالث ملك الحيرة وكانا لايزالان اميرين وقال يخاطبهما :
                              [align=center]أعمرو بن هند ماترى رأي حرمة ...... لها سبب ترعى به الماء والشجر
                              وكان لها جاران قابوس منهما ........ وعمرو ولم استرعيهما الشمس والقمر [/align]
                              فعوضه هذان قيما قيل ابلا مكانها
                              واشترك طرفه في حرب البسوس وكان معاهدا للمنذر الثالث ( 514 _ 544 ) ولابنه عمرو بن هند ..
                              وكذلك كان صديقا لعمرو بن مامه اخي عمرو بن هند لابيه , فلما تولى عمر بن هند ملك الحيرة ولم يكن قد بقي بينه وبين طرفه موده سافر طرفه وعمرو بن مامه بتجارة لهما الى اليمن ومكثا هناك بضع سنوات ثم انهما قتلاه في اثناء رجوعه نحو عام ( 62 ق.هـ ( 560 م )وطرفه في نحو الثلاثين من عمره ..
                              طرفه شاعر مقل ولكنه بلغ من جودة الشعر بحداثة سنه مابلغه شعراء اخرون بكثرة شعرهم وطول اعمارهم وهو من اصحاب المعلقات المقدمين باجماع الآراء وشعر طرفه بدوي خالص كثير الغريب متين التركيب مع شيء من الابهام احيانا وقد برع طرفه في الحماسه والفخر والهجاء وفي الحكمه خاصه ويزيد من قيمة حكمه انها مستمده من حياته ومن معاملة اهله له واكثر حكمه في الحياة والموت يرى طرفه ان الحياة فرصة سانحة يجدر بالانسان ان يستفيد منها اذ ليس بعد الموت عنده حياه اخرى ..
                              وهو كثير اللوم للاغنياء الذين لايتمتعون في حياتهم باموالهم ولطرفه في معلقته وصف للناقه هو اوفى ماوصل الينا من الجاهليه في بابه اما غزله في المعلقه فهو مادي بحت .
                              وقالوا ( طرفه أشعرهم واحده ) يقصدون ان معلقته تفضل كل قصيده اخرى اذا نحن قارنا معلقته باي قصيدة واحده لغيره من الشعراء .
                              غير ان معلقتة طرفه على هذا الاساس لايمكن ان تكون افضل من عدد من القصائد لشاعر آخر ..
                              وتقول معلقة طرفه

                              [align=center]: لخولة أطلال ببرقة ثهمد .... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
                              وقوفا بها صحبي علي مطيهم .... يقولون لاتهلك أسى وتجلد
                              كأن حدوج المالكية غدوة .... خلا ياسفين بالنواصف من دد
                              عدو ليه أو من سفين ابن يامن .... يجور بها الملاح طورا ويهتدي
                              يشق حباب الماء حيزومها بها .... كما قسم الترب المفايل باليد
                              وفي الحي أحوى ينفض المردشادن.... مظاهر سمطي لولو وزبرجد
                              خذول تراعي ربربا بخميلة .... تناول أطراف البرير وترتدي
                              وتبسم عن ألمى كأن منورا .... تخلل حر الرمل دعص له ند
                              سقته إياه الشمس إلا لثاته .... أسف ولم تكدم عليه بإثمد
                              ووجه كأن الشمس ألقت رداءها .... عليه نقي اللون لم يتخدد
                              وإني لأمضي الهم عند احتضاره .... بعوجاء مرقال تروح وتغتذي
                              أمون كألواح الإرن نصأتها .... على لاحب كأنه ظهر برجد
                              جمالية وجناء تردي كأنها .... سفنجه تبري لأزعر أربد
                              تباري عتاقا ناجيات وأتبعت .... وظيفا وظيفا فوق مور معبد
                              تربعت القفين في الشول ترتعي .... حدائق مولي الاسرة أغيد
                              تريع إلى صوت المهيب وتتقي .... بذي خصل روعات أكلف ملبد
                              كأن جناحي مضرحي تكنفا .... حفافيه شكا في العسيب بمسرد
                              فطورا به خلف الزميل وتارة .... على حشف كالشن ذاو مجدد
                              لها فخذان أكمل النحض فيهما .... كأنهما بابا منيف ممرد
                              زطي محال كالحني خلوفه .... وأجرنة لزت بدأي منضد
                              كأن كناسي ضالة يكنفانها .... وأطر قسي تحت صلب مؤبد
                              لها مرفقان أفتلان كأنها .... تمر بسلمي دالج متشدد
                              كقنطرة الرومي أقسم ربها .... لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
                              صهابيه العثنون مو جدة القرا .... بعيدة وخد الرجل موارة اليد
                              أمرت يداها فتل شرر واجنحت .... لها عضداها في سقيف مسند
                              جنوح دفاق عندل ثم أفرعت .... لها كتفاها في معالي مصعد
                              كأن علوب النسع في دأياتها .... موارد من خلقاء في ظهر قردد
                              تلاقي وأحيانا تبين كأنها .... بنائق غر في قميص مقدد
                              وأتلغ نهاض صعدت به .... كسكان بوصي بدجلة مصعد
                              وجمجمة مثل العلاة كأنما .... وعى الملتقى منها إلى حرف مبرد
                              وخد كقرطاس الشآمي ومشفر .... كسبت اليماني قده لم يجرد
                              وعينان كالماويتين استكنتا....بكهفي حجاجي صخرة قلت مورد
                              طحوران عوار القذى فتراهما .... كمكحلتي مذعورة أم فرقد
                              وصاد قتا سمع التوجس للسرى .... لهجس خفي أو لصوت مندد
                              مو للتان تعرف العتق فيهما .... كسامعتي شاة بحومل مفرد
                              وأروع نباض أحد ململم .... كمرداة صخر في صفيح مصمد
                              وأعلم مخروت من الأنف مارن .... عتيق متى ترجم به الأرض تزدد
                              وإن شئت لم ترقل وإن شئت أر قلت .... مخافة ملوي من القد محصد
                              وإن شئت سامى واسط الكور رأسها .... وعامت بضبعيها نجاءا الخفيدد
                              على مثلها أمضي إذا قال صاحبي .... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
                              وجاشت إليه النفس خوفا وخاله .... مصابا ولو أمسى على غير مرصد
                              إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني .... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
                              أحلت عليها بالقطيع فأجذمت .... وقد خب آل الأمعز المتوقد
                              فذالت كما ذالت وليدة مجلس .... ترى ربها أذيال سحل ممدد
                              ولست بحلال التلاع مخافة .... ولكن متى يسترفد القوم أرفد
                              فإن تبغني في حلقة القوم تلقني .... وإن تلتمسني في الحوانيت تصطد
                              وإن يلتق الحي الجميع تلاقني .... إلى ذروة البيت الشريف المصمد
                              نداماي بيض كالنجوم وقينة .... تروح علينا بين برد ومجسد
                              رحيب قطاب الجيب منها رقيقة .... بجس الندامى بضة المتجرد
                              إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا .... على رسلها مطروقة لم تشدد
                              إذا رجعت في صوتها خلت صوتها .... تجاوب أضآر على ربع رد
                              ومازال تشرابي الخمور ولذتي .... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
                              إلى أن تحامتني العشيرة كلها .... وأفردت إفراد البعير المعبد
                              رأيت بني غبراء لاينكرونني .... ولاأهل هذاك الطراف الممدد
                              فإن كنت لاتستطيع دفع منيتي .... فدعني أبادرها بما ملكت يدي
                              ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى .... وجدك لم أحفل متى قام عودي
                              فمنهن سبقي العاذلات بشربة .... كميت متى ما تعل بالماء تزبد
                              وكري إذا نادى المضاف محنبا .... كسيد الغضا نبهته المتورد
                              وتقصير يوم الدجن والدجن معجب .... ببهكنة تحت الخباء المعمد
                              كأن البرين والدماليج علقت .... على عشر أو خروع لم يخضد
                              كريم يروي نفسه في حياته .... ستعلم إن متنا غدا أينا الصدي
                              أرى قبر نحام بخيل بماله .... كقبر غوي في البطالة مفسد
                              ترى جشوتين من تراب عليهما .... صفائح صم من صفيح منضد
                              أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي .... عقيلة مال الفاحش المتشدد
                              أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة .... وماتنقص الأيام والدهر ينفد
                              لعمرك إن الموت ماأخطأ الفتى .... لكالطول المرخى وثنياه باليد
                              فمالي أراني وابن عمي مالكا .... متى أدن منه ينأ عني ويبعد
                              يلوم وماأدري علام يلومني .... كما لامني في الحي قرط بن معبد
                              وأيأسني من كل خير طلبته .... كأنا وضعناه إلى رمس ملحد
                              على غير شيء قلته غير أنني .... نشدت فلم أغفل حمولة معبد
                              وقر بت بالقربى وجدك إنني .... متى يك أمر للنكيثه أشهد
                              وإن أدع للجلى أكن من حماتها .... وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد
                              وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم .... بكأس حياض الموت قبل التهدد
                              بلا حدث أحدثته وكمحدث .... هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي
                              فلو كان مولاي أمرءا هو غيره .... لفرج كربي أو لأنظرني غدي
                              ولكن مولاي ذوي القربى أشد مضاضة .... على المرء من وقع الحسام المهند
                              فذرني وخلقي إنني لك شاكر.... ولو حل بيتي نائبا عند ضرغد
                              فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد .... ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
                              فأصبحت ذا مال كثير وزارني .... بنون كرام سادة لمسود
                              أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه .... خشاش كرأس الحية المتوقد
                              فآليت لاينفك كشحي بطانة .... لعضب رقيق الشفرتين مهند
                              حسام إذا ماقمت منتصرا به .... كفى العود منه البدء ليس بمعضد
                              أخي تقة لاينثني عن ضريبة .... إذا قيل مهلا قال حاجزه قدي
                              إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني .... منيعا إذا بلت بقائمه يدي
                              وبرك هجود قد أثارت مخافتي .... بواديها أمشي بعضب مجرد
                              فمرت كهاة ذات خيف جلالة .... عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
                              يقول وقد ترالوظيف وساقها .... ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد
                              وقال ألا ماذا ترون بشارب .... شديد علينا بغيه متعمد
                              وقال ذروه إنما نفعها له .... وإلا تكفوا قاصي البرك يزدد
                              فظل الإماء يمتللن حوارها .... ويسعى بها بالسديف المسرهد
                              فإن مت فانعيني بما أنا أهله .... وشقي علي الجيب ياابنة معبد
                              ولا تجعليني كامرىء ليس همه .... كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
                              بطيء عن الجلى سريع الى الخنا .... ذلول بأجماع الرجال ملهد
                              فلو كنت وغلا في الرجال لضرني .... عداوة ذي الأصحاب والمتوحد
                              ولكن نفى عني الرجال جراءتي .... عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي
                              لعمرك ماأمري علي بغمة .... نهاري ولا ليلي علي بسرمد
                              ويوم حبست النفس عند عراكه .... حفاظا على عوراته والتهدد
                              على موطن يخشى الفتى عنده الردى .... متى تعترك فيه الفرائص ترعد
                              وأصفر مضبوح نظرت حواره .... على النار واستودعته كف مجمد
                              ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا .... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
                              ويأتيك بالأخبار من لم تبع له .... بتاتا ول تضرب له وقت موعد [/align]
                              ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                              ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                              ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                              وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                              اللهم آميــــن

                              تعليق


                              • #45
                                حسان بن ثابت

                                ((.... ـ 54 هـ))

                                هو أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي، الأنصاري.

                                صحابي جليل، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد المخضرمين، أدرك الإسلام وعمره ستون سنة، وعاش مثلها في الإسلام، وهو أشعر أهل الحواضر في الجاهلية، اشتهرت مدائحه في الغسانيين وملوك الحيرة، كما اشتهرت مناقضاته مع شاعر الأوس قيس بن الخطيم، وعندما أسلم أصبح شاعر النبي صلى الله عليه وسلم المنافح عن الدعوة الإسلامية.

                                كان شديد الهجاء قوي الشعر وشعره عال جيد. لم يشارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في القتال بسبب علة أصابته وبسبب سنه، ولكنه جاهد بلسانه جهاداً قوياً، فعندما بدأ شعراء المشركين في مكة هجاء المسلمين في المدينة وتسفيه دينهم، نهض للرد عليهم بشعره وكان أقدر شعراء المسلمين على ذلك، وقد سجل بقصائده انتصارات المسلمين في الغزوات وآلامهم في المصائب التي امتحنوا بها.

                                أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اهجهم (أي المشركين) وهاجهم وجبريل معك. وقال له أيضاً: أجب عني أيدك الله بروح القدس. ويروى أنه كان يضع له منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له صلى الله عليه وسلم لما هجته قريش: اهجهم وإني أخاف أن تصيبني معهم بهجو بني عمي فأت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها فيخلص لك. قال حسان: والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم ونسبك سل الشعرة من العجين، فهجاهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد شفيت واشتفيت، وقال له: رضي الله عنه اهج قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل. وتقول السيدة عائشة أم المؤمنين: والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث:

                                هـجوت محمداً فأجبت عنه --- وعنـد الله في ذاك الجــزاء

                                فإن أبي ووالده وعــرضي --- لعرض محمد منكم وقـــاء

                                أتهجوه ولست له بكـفء --- فشركما لخيركما الفـــداء

                                عدمنا خيلنـا إن لم تروهـا --- تثير النقع موعدها كـــداء

                                وله قصيدة قالها في هزيمة المشركين يوم بدر ومنها:

                                فما نخشى بحمد الله قومــاً --- وإن كثروا وأجمعت الزحوف

                                إذا ما ألبوا جمعـا علينــا --- كفانــا جدهم رب رؤوف



                                سمونا يـوم بـدر بالـعوالي --- سراعا ما تضعضعنا الحتــوف

                                روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن.

                                رآه عمر بن الخطاب ينشد في المسجد فلحظه فقال له: كنت أنشد فيه وفيه خير منك، قال: صدقت.

                                توفي سنة أربع وخمسين، وعمره مائة وعشرون عاماً. له ديوان شعر كبير مطبوع عدة طبعات، أفضلها الطبعة التي حققها الدكتور وليد عرفات.
                                ربي إن أبي الحبيب في ذمتك وحبل جوارك, وكم اشتاقت روحي إليهِ كثيرا,
                                ربي نور له قبره حتى يكون في بطن اللحد أمنا مطمئنا
                                ربي آنسه في وحشته وآنسه في غربته, وآنسه في وحدته
                                وأجمعني بهِ وجميع أحبتي في فسيح جناتك
                                اللهم آميــــن

                                تعليق

                                يعمل...
                                X