إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فرقعات6 ( ليلة ماطرة )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فرقعات6 ( ليلة ماطرة )

    تم تأجيل حفل التخرج في ذلك اليوم بسبب الجو الماطر والحمدلله ومضى يوم السبت ، نهاره وليله ، فأتى يوم الاحد ، وكان أيضا ماطرا ، وفي المساء حوالي الساعة التاسعة الا الربع قررت أن أذهب لأتوحد بالجامعة ، حيث الطالبات ستكون بالساكنات فوقتهن ينتهي عند التاسعة تقريبا ، وقراصنة الجامعة الليليين رجمهم المطر حتى أرجعهم الى مخابئهم.

    استعرت سيارة أخي ، وانطلقت الى الجامعة يخالطني شعور غريب يملأني بالبكاء من قدمي الى رأسي ، ولكن لا دموع ، وصلت بوابة الجامعة والغريب ان شرطي البوابة أشار إلي بالدخول دون أن يوقفني ويسألني سؤاله المعهود " الى وين الطيب ؟" رغم أن الساعة قاربت التاسعة والمطر يتساقط فمجيئي يستحق السؤال ، ولكن ربما الجامعة أخبرته بأن حبيبا مودعا سيأتي ليشارك السماء البكاء.

    انطلقت فدخلت الشارع الذي بين الهندسة ومركز اللغات ، ويشدني سحر الانارة المنعكس في أبنية الجامعة ، واصلت مسيري إلى دوار كلية العلوم ، وعندما وصلت الى الدوار نظرت في الممر ،الموصل للتربية ، فتزاحمت الاحداث في شريط الذاكرة ، وكأن ذاكرتي أصبحت ثقيلة تتساقط منها الاحداث بسرعة عالية كومضات فلاشية متتابعة انها ذاكرة سنوات وأحلام .

    واصلت طريقي الى دوار الاداب نرجسة الجامعة ، والمطر يطقطق على زجاج السيارة الأمامي ، والموسيقى الناعمة تنساب الى اذني ، وأنا شارد الذهن ، ناظرا الى كل رقعة تمر ولي فيها موقف معين ، وكل جامعتي مواقف ، رجعت بعدها من الدوار الواقع بين التجارة والمبنى (اي) الى نفس الطريق واتجهت الى مواقف كلية التربية ، والشارع متلبس بصمت رهيب كصمت الكنيسة ، والليل يلف الجامعة برداء أسود ، زادته الغيوم عتمة ، ورغم الرياح ذات النسمات العليلة خيل إليّ أن الاشجار منتصبة ساكنة كسكون الجنازة الليلية .

    توقفت في مواقف التربية على أقصى اليسار في الزاوية حيث المجلس النسوي المعتاد للطالبات تحت الاشجار ، حتى استشعر الحضور الانثوي ربما لأنني في تلك الساعة الصارخة بالحنين والفقد أحتاج الى قداسة انثوية ، فساعات اللقاء والفراق تحتاج لامرأة لتثبت أقدامك ، لتشعرك بالجاذبية ، لتشعرك بأنك على الارض ، فما بالك اذا اجتمعت الساعتان معا.

    ترجلت من السيارة ساحبا مظلتي لتقيني زخات المطر الخفيفة حتى لا أشعر بالبرد ، وأحكمت اغلاق الباب ، فاستقبلتني الكراسي حاسرة الرؤوس ، بدون سيداتها الجميلات ، فقلت لا بأس إن لم تجد ما تريد يكفك أن تجد أثره لتسترجعه وتبعثه في ذهنك من جديد ، فاسترجعت الشريط النهاري المنتعش المتدفق بالحياة ، ومشيت قاصدا الممر الذي يربط التربية بدوار العلوم ، وقفت في أوله ونظرت الى اخره ، لم يكن ثمة أحد ، ابتسمت بقدر مساحة الشعور الذي يعتريني ، هل حقا كنت هنا ؟! وهل قضيت كل تلك السنوات هنا ؟! وكيف تم ذلك ؟ وكيف اني الان لا اشعر بها لا استطيع لمسها او شم هوائها ؟! ما هذه الحياة الغريبة ؟ الحياة الحلم ، فماضيها لا تستطيع ان تستشعره الا كطيف عابر الا كحلم ، أردت ساعتها أن أخر على ركبي من شدة الاعياء النفسي ، من ثقل ذاكرتي ، وأخذ يتردد بيت من الشعر في اذني دون ما رغبة مني :

    ومضت تلك السنون وأهلها ** فكأنها وكأنهم أحلام

    أدركت انني لا يجب أن أقف هنا ، فأعطيت الممر ظهري ، وفتحت مظلتي متجها إلى مقهى المستشفى ، رغم أنني لا أشعر بالجوع ، ولكن عندما .تأكل تشعر بالدفء فأردت ذلك ، لأن ملابسي كانت مبللة بسبب المطر الذي استقبلته ملابس وأنا في سوق الخوض.

    اتجهت ماشيا اللى المستشفى ، وفي رأسي تتقلب الافكار ، في الزمن وكيف يمر ، وفي الانسان ، وفي الحياة والموت وجدواهما ، فغرقت في أفكاري عميقا ، لولا نسمة هواء كادت أن تقتلع المظلة من يدي فأيقظتني من ساعة الانخطاف تلك ، وصلت الى بوابة المستشفى وفوجئت بأنها مغلقة ، اتجهت الى مدخل الطوارئ فتسللت منه الى المقهى ، ولا أذكر ماذا أخذت بالضبط ، ولكني أتذكر كوب الحليب الدافئ الذي احتسيته بنكهة البرد.

    بعد أن قضيت مأربي من المقهى اتجهت مرة اخرى الى منفذي السري باب الطوارئ ، ولكني توقفت في مدخل الطوارئ قليلا لأشاهد الاودية والامطار التي تُعرض على التلفاز في ذلك الحين ، وما كدت الا أن رأيت رجلا في الثلاثينات من عمره يصرخ لتُفسح له الطريق ، كان متوسط البنية ، طويل القامة ، ذا لحية سوداء طويلة شبه منسقة ، يحمل طفلة في حضنه ظننتها ميتة لولا حركة بعض اطرافها حركة غير ملحوظة ، جرى بها الى الداخل ، وعلامات الهلع والخوف قد عبثت بوجهه كثيرا ، تتبعه امرأة ذات صلابة أكثر منه وعزم قوي ، رغم وجهها الذائب عاطفة وحنوا على الطفلة ، فأيقنت أنها الام ، كانت متوسطة الطول تميل الى الامتلاء ، لافة نفسها بعباءة ساترة ، الا الوجه والكفين ، مرتخية الى اسفل قدميها ، عليها سيماء الايمان والتقوى والرضى والخشوع ، فدعوت الله لها في سري أن يحمي ابنتها ويصبرها .

    أخذت أتأمل أحوال الناس وهم يدخلون الى هذا المكان الكئيب ، البعض مغمى عليه ، والبعض ينزف ، والبعض يبكي ، والبعض مسمر عينيه باتجاه مدخل الحالات الطارئة يترقب وينتظر الفرج ، وصياح الاطفال يملأ المكان ، ويقشع صمت الكبار ، خرجت لاستنشق هواء أمام البوابة ، ولكني لم أشأ الذهاب ، لأن تصرفات الناس وأحوالهم شدتني ، فهم يعانون ويتألمون ، فأحببت أن أشاركهم الالم ، وأن أقتطع لي القليل من وقت المعاناة والألم ، لأتعلم كيف أقدر نعمة الصحة فأشكر.

    قطع تركيزي صوت ثلاث طالبات غاضبات من عدم توفير سيارة لنقلهن الى سكنهن ، بعد أن تلقين العلاج ، وفهمت من كلامهن مع رجل الامن ، أن زميله أخبرهن بأنه طلب السيارة باتصال ، وبعد ذلك قال لم يطلب ، ولكن سيتصل الان ، فأغضبهن كثرة الانتظار حسب كلامهن في البرد ، فوقعت ملاسنات خفيفه مع رجل الامن ، فقلت في نفسي شكرا لله ، وشكرا لجلالة السلطان وشكرا لحكومة السلطنة وشكرا لأدارة الجامعة ، فرغم تقارب السكنات في الجامعة والمستشفى الا أن أخواتنا في الجامعة مكرمات ، مدللات ، لا أبالغ أن قلت يُخدمن في الجامعة أكثر مما يُخدمن في منازلهن يتشرطن ، ويتوعدن ، ويهددن ، أستمتعي في ظل الأمن والأمان انتي في جامعة السلطان قابوس ، نفسي عن روحك ، المهم بعد حوالي ربع ساعة أتت سيارة عليها شعار الجامعة فتلاشت العباءات السوداء الثلاث في السيارة .

    وتركن خلفهن شاب يدفع بفتاة في كرسي متحرك ، ربما في الثالثة أو الرابعة عشرة من عمرها ، كانت تكح فتنزف الدماء من فمها ، تسكبها سكبا في رقعة أنقلب لونها الابيض أحمرا من كثرة الدماء ، فقلت في تفسي سبحان الله كيف أن كل أنسان بأمره مشغول ، هذه تطلب الحياة ، وتلكم تطلب السيارة ، والحياة مستمرة لا تتوقف لحزن هذا ، ولا لفرح ذاك ، لا ترأف لفقر هذا فتعطيه ، ولا تعجب لغنى ذلك فترديه ، عالم من المتناقضات ، وخليط من التدافعات تجعلها مستمرة هكذا.

    لم أستطع أن أميز شعوري في تلك اللحظة ، الا انني لا أخفيكم أنني شعرت بشيء من الخوف ، ففتحت مظلتي هاربا من ذلك المكان ، مشيت من المستشفى متجها إلى كلية التربية حيث أوقفت سيارتي ، مررت جنب استهلاكية الزراعة ، بخطوات شبه سريعة ، فرأيت أكواب الشاي الفارغة ، وعلب الشبس والبسكويت وأوراق السندويشات متناثرة تلعب بها نسمات الهواء الباردة حولي ، فقلت في نفسي عذرا جامعتي فطلابنا الاعزاء مشغولين بطلب العلم فليس لديهم من الوقت ما يكفي لتضييعه في رمي مخلفات ما يأكلون في سلات القمامة ففاخري بهم ولا تعتبي ، ولكن لا تعتقدين أن الطالبات لهن يد في ذلك ، فأنا اعرف جيدا انه لا يجلس هنا الا الطلبة فقط ، صدقيني فهن من الرقة واللطف ما يجعلهن لا يستطعن أن يأذين ساحتك وأروقتك النظيفة الجميلة بالفضلات ، واصلت طريقي حتى اذا ما وصلت الى مكان السيارة نظرت الى كراسي الفتيات تحت الاشجار لاسترجع حيوية المكان ، فهالني ما رأيت من الأكوام ، فما استطعت أن أقدم أي عذر اخر إلا أن دسيت وجهي بين يدي خجلا فركبت السيارة ومضيت .
    انتهى
    مسافر وزادي فتات
    التوقيع

    جئـــت للدنيا وحيدا وغريبا ** ليس لي زاد سوى حفنة فتـات
    فـــاسترقتني أيادِِ و أيـاد ** سحقت جسمي فزادتني ثبـــات
    أقطع الدنيا بعمري وهي سجني ** لا يحررني سوى منها الممـات

    كلمـــــــــــــــــــات
    مسافر وزادي فتات

  • #2
    شعرت بأنني هناك ... نسيت عالمي الحقيقي وانغمست في عالم الإفتراض هذا !

    فرقعات تقطر شوقاً و إنسانية

    في كلمات تجمع بين القسوة والحنّية

    شكرا لك ولهذا الوقت الذي قضيته في القراءة.



    //
    هل يمكن تعديل الخط قليلاً .. أشعر أنه صغير جداً. .
    On prograss ......

    تعليق


    • #3
      إبداااااااااااااع

      سرد جميل جدا ,,,, و كأننا عشنا معك الحدث


      واصل التميز

      تعليق


      • #4
        جميل جدا موضوع يستحق الوقوف معه

        تملك حس أدبي راقي
        بعض الخطايا العذر فيها لو تصاعبها تفيد

        وبعض الخطايا ما يفيدبها ولو هانت عذر


        " أرق تحية.. مريم "

        تعليق


        • #5


          وحدها الأماكن تبكي بصمت ..
          فلا يسمعها احد
          ولا يشاركها الحنين
          سوى الريح ..



          مسافر وزادي فتات ...

          سافرت بنا إلى أماكن ألفناها
          وامتزجت بذاكرتنا فعصت على النسيان

          اسلوب رائعـ في السرد ..

          لقلمكـ ..
          شكرا بحجم هذا الجمال في اسطركـ

          سبحان الله ..
          والحمد لله ..
          ولا إله إلا الله ..
          والله أكبر ..

          تعليق


          • #6
            تسلم والله


            عيشتني معك
            عذراً رئيس الجامعـه والدكاتـر
            هذا نصيبي والله اللي قسـم لـي
            يعني وش تسون لو غبت باكـر؟!
            ورجعت لديار تـرد النسـم لـي
            يحسم علىّ؟ كانه على الحسم شاكر
            معدلي فدوه لهـا لا انحسـم لـي
            ياقلبـي التعبـان قـص التذاكـر
            مشتاق اشوف عيونها تبتسـم لـي

            تعليق


            • #7
              جميل جداً
              وكأنني في قلب الحدث في يوم تبكي فيه السماء !
              واصل إبداع قلمك

              تحية لك

              تعليق


              • #8
                مسافر وزادي فتات,,,لله دُرك..
                رغم اني قرأت نصفه...لكن لي عوده لاكمل الباقي بإذن الله..
                كل التحية

                تعليق


                • #9
                  تسلم ..
                  أناهنا ..وهذا وجودي
                  وهذي ردودي في المنتدى ...ولي يرفض وجودي ..يضعط ctrl+w
                  انا لم أعكر صفو حياتهم أبدا ,, إنني فقط أخبرهم بالحقيقة .. فيرونها جحيما .. !
                  So Ugly

                  تعليق


                  • #10
                    كالعادة ابدااع عزيزي ^^

                    كلمات جميلة جدا .. تحاكي واقع شبيه بالخيال


                    يستاهل النجوم كالعادة ^^

                    دمت في تألق مستمر ،،
                    sigpic

                    تعليق


                    • #11
                      قمة الأبداع .......
                      يسلموا .......

                      لا تأسفن على غدر الزمان لطالما
                      رقصت على جثث الأسود كلابا
                      لا تحسبن برقصها تعلو على اسيادها
                      تبقى الأسود اسود و الكلاب كلابا

                      تعليق


                      • #12
                        موضوعك طويل
                        بقراه ف وقت ثاني
                        http://www.dharmaflix.com/w/images/e/e9/Gladiator.jpg

                        تعليق


                        • #13
                          ما شاء الله عليك أخوي مبدع...
                          لما قريت الموضوع كأني عايش معك تلك اللحظات...

                          R
                          oll The Dice, Never Look Back, Never Think Twice

                          تعليق


                          • #14
                            رووووووووووووووووووعه...............

                            تسلمـــــ.....................


                            لآآآتحآول أن تعيــــــد
                            حساب الأمس وما خسرت فيهــ ...
                            فالعمر حين تسقط أوراقه
                            لــــــــــــــن تعود
                            مرة أخرى...
                            ولــــــــــــكنــــ مع كـــــــل ربيع جديد سوف تنبت أورآآآق أخرى...
                            فأنظر إلى تلك
                            الأوراقــــــــ التي تغطي
                            وجهه السماء ...
                            ودعكــــ مما سقط
                            على الأرضـــــــ فقد صارتـــــــ جزءا منها
                            ...




                            تعليق


                            • #15
                              لا ابالغ أن قلت يُخدمن في الجامعة أكثر مما يُخدمن في منازلهن يتشرطن ، ويتوعدن ، ويهددن ، أستمتعي في ظل الأمن والأمان انتي في جامعة السلطان قابوس // كلآآآمـــــــــــــــك صحيح !!!!



                              ما شاء الله // كلام في غاية التذوق .. اسلوبك جدا جميل .. كتابتك فيها نوع من الإنتقاد لبعض الأشياء لكن بـ أسلوب راقي جدا .. اشكرك جدا ..



                              لا إله إلا الله محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم



                              جماعة عاشق عمان للرعاية الالكترونية

                              تعليق

                              يعمل...
                              X