" هل هذا وقت الكتابة "
طُلبت مني الكتابة لمساندة المبادرة الإنسانية للإفراج عن معتقلي الرأي أسوة بالأخوة الكتاب الذين ساندوا القضيّة ، وماذا عساني أن أكتب والشباب في أيامهم الأخيرة من العمر الإفتراضي لبقاء الإنسان على قيد الحياة دون طعام ، هل تكفي هذه النقرات على لوحة المفاتيح ، لنصرتهم وهم ينقرون بطونهم متصبرين على الجوع القاسي ؟
هل هذا وقت الكتابة ؟
ما أخرج الشباب الى الشوارع هو الظلم وليس سوى الظلم ، وما أدخل الشباب السجن هو الظلم أيضاً ، فلا يعقل أن يُدفع الظلم بظلم أكبر ، لأن الشباب لن يكفوا عن الرجوع الى سابق عهدهم طالما المشكلة الرئيسية الباعثة لخروجهم موجودة وفي تفاقم .
لا يعقل أن يسجن من وقف أمام وجه الفساد صارخين للظالم : ياظالم فلتسقط ، وياعمان خذي من دمائنا حتى يرتوي ثراك بالعز والكرامة ، بتهمة التخريب ، والمخرّب الحقيقي يسرح ويمرح ويحتفل ويفتتح ، المخرّب الذي خرّب عقول الشباب ، وشوّه قيمهم ، وغيّب هويتهم ، أردى التعليم ، وأفسد الصحة ، ونهب مقدّرات الدّولة ، وأموال الشّعب ، حتى الدين لم يسلم منهم ، فأطلقوا عليه الحرب شهاراً جهاراً ، ولكن لكل بدايةٍ نهاية ، وهذا وعد الله يتحقق في نصرة المظلوم و دحظ الظالم ..
فوفق الله هؤلاء الشباب فاهتزت أركان الظلمة ، وتساقطوا واحداً تلو الآخر ، فإنكشفت عن عمان الكربة ، وانزاحت الغمّة ، وإنقشعت الغيمة الحالكة بالفساد التي خيّمت على الوطن سنين طويلة ، فشفت صدور الضعفاء ، وأستبشر الناس خيراً .
لن أنسى ذلك اليوم التاريخي ، الذي آيس من لقائه الكبير والصغير ، وظنوا أنهم محيطون بهم مدى الدهر . والله لقد خالف كل التوقّعات ، والفضل يعود الى الله ثم الى أولئك الشباب ، وجآءت الإصلاحات ، وانهمرت الزيادات ، حتى على من عاداهم ، وشتمهم ، وقذفهم بأشنع التهم ، وأرذل العبارات إمتدت ظلال الخيرات ، فهم الكرماء ، أكرم من أن يبخلوا على أحد ، وهم الشجعان ، أشجع من أن يخنعوا لمجموعة من الطواغيت ألّهت نفسها حتى يكاد الواحد منهم لا يعتقد أنه سيفنى من منصبه ، واستعبدوا الناس ، و اتخذتهم بعض الإمّعات أولياء من دون الله ، فكثر التملّق ، والكذب ، والتطواطئ ، والنفاق ، مع أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لكننا للأسف نراهم في الدنيا في الصفحة الأولى من الصحف .
لقد قُمت بزيارة المعتقلين قبل أسابيع وفي طريقي إليهم الكثير من التأملات تعصف بذهني ، يعني هل يستحق هؤلاء الشباب كل هذه الأحكام القاسية ، في وسط ظروف إستثنائيّة للغاية ، كان الغضب الذي سببته تلك الرؤوس الفاسدة على مدى سنين طويلة هو المحرّك الرئيسي لذلك السلوك - إن ثبت ذلك - ، ولست أبرر أي خطأ ، ولكن إن كان هناك نيّة لتطبيق العدل فليطبّق على الجميع ، وليتعامل القضاء مع الوزير والفقير بميزان واحد ، و ليوُظّف الأعلام على الجميع بنفس اللهجة والألفاظ ، فلذلك لا يمكن أن قول أن هناك عدلاً في ظل إستثنائه عن البعض ، لأن المقوم الرئيسي لقيمة العدل هو أن يسري على الكل ، أما سمعوا قول الرسول الكريم : «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه...، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» ، أما سعموا قول علي الشريف : (ووَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا) .
وبعد أن تشرفت بمقابلتهم ، أذهلني ذلك الشموخ في محيّاهم ، والجلد في عرائكهم ، فالحُرّ أينما كان حُرّ ، والعبد أينما كان فهوعبد ، فسألتهم عن أحوالهم ، وماكان ردهم إلّا حمداً وثناءاً لله على حالهم ، وبعد تبادل الكلام تبين أن الحزن يسيطر على جل أوقاتهم لطول المدة ، وسوء المعاملة ، ووحشة السجن .
لنكن أكثر وضوحا ، وليسأل كل عماني عن ما حضي به الوطن من تغييرات سواء على مستوى المعيشي و الدخل الفردي للمواطن ، وعلى مستوى مكافحة الفساد المتمثل بإقالة الكثير من المسئولين المشهور عنهم بالفساد ، و حتى على مستوى نَفَس الحريات والتعبير عن الرأي ، و التحوّل النسبي لنبرة الخطاب الديني الإجتماعي ، وتجاوز مرحلة الصمت الى مرحلة الإستهجان والشجب والنقد الجريء وغيرها من المستجدات الإصلاحيّة ، ليسأل كل عماني عن هذه المنجزات كانت بفضل من ؟؟ فيالحقيقة لا يوجد ثمة جواب إلا أن جلّ هذه المطالب تحققت بفضل أولئك الشباب ( بغض النظر عن إتفاقنا في إستحقاهم للحبس من عدمه ) ، الا ينبغي علينا ولو بقليل من المطالبة للإفراج عنهم ، والوقوف بجانبهم في منحتهم.
اسحاق سلطان الأغبري
للمبادرة الانسانية
14/1/2012
المبادرة الإنسانية للمطالبة باللإفراج عن معتقلي المظاهرات في سلطنة عُمان
طُلبت مني الكتابة لمساندة المبادرة الإنسانية للإفراج عن معتقلي الرأي أسوة بالأخوة الكتاب الذين ساندوا القضيّة ، وماذا عساني أن أكتب والشباب في أيامهم الأخيرة من العمر الإفتراضي لبقاء الإنسان على قيد الحياة دون طعام ، هل تكفي هذه النقرات على لوحة المفاتيح ، لنصرتهم وهم ينقرون بطونهم متصبرين على الجوع القاسي ؟
هل هذا وقت الكتابة ؟
ما أخرج الشباب الى الشوارع هو الظلم وليس سوى الظلم ، وما أدخل الشباب السجن هو الظلم أيضاً ، فلا يعقل أن يُدفع الظلم بظلم أكبر ، لأن الشباب لن يكفوا عن الرجوع الى سابق عهدهم طالما المشكلة الرئيسية الباعثة لخروجهم موجودة وفي تفاقم .
لا يعقل أن يسجن من وقف أمام وجه الفساد صارخين للظالم : ياظالم فلتسقط ، وياعمان خذي من دمائنا حتى يرتوي ثراك بالعز والكرامة ، بتهمة التخريب ، والمخرّب الحقيقي يسرح ويمرح ويحتفل ويفتتح ، المخرّب الذي خرّب عقول الشباب ، وشوّه قيمهم ، وغيّب هويتهم ، أردى التعليم ، وأفسد الصحة ، ونهب مقدّرات الدّولة ، وأموال الشّعب ، حتى الدين لم يسلم منهم ، فأطلقوا عليه الحرب شهاراً جهاراً ، ولكن لكل بدايةٍ نهاية ، وهذا وعد الله يتحقق في نصرة المظلوم و دحظ الظالم ..
فوفق الله هؤلاء الشباب فاهتزت أركان الظلمة ، وتساقطوا واحداً تلو الآخر ، فإنكشفت عن عمان الكربة ، وانزاحت الغمّة ، وإنقشعت الغيمة الحالكة بالفساد التي خيّمت على الوطن سنين طويلة ، فشفت صدور الضعفاء ، وأستبشر الناس خيراً .
لن أنسى ذلك اليوم التاريخي ، الذي آيس من لقائه الكبير والصغير ، وظنوا أنهم محيطون بهم مدى الدهر . والله لقد خالف كل التوقّعات ، والفضل يعود الى الله ثم الى أولئك الشباب ، وجآءت الإصلاحات ، وانهمرت الزيادات ، حتى على من عاداهم ، وشتمهم ، وقذفهم بأشنع التهم ، وأرذل العبارات إمتدت ظلال الخيرات ، فهم الكرماء ، أكرم من أن يبخلوا على أحد ، وهم الشجعان ، أشجع من أن يخنعوا لمجموعة من الطواغيت ألّهت نفسها حتى يكاد الواحد منهم لا يعتقد أنه سيفنى من منصبه ، واستعبدوا الناس ، و اتخذتهم بعض الإمّعات أولياء من دون الله ، فكثر التملّق ، والكذب ، والتطواطئ ، والنفاق ، مع أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لكننا للأسف نراهم في الدنيا في الصفحة الأولى من الصحف .
لقد قُمت بزيارة المعتقلين قبل أسابيع وفي طريقي إليهم الكثير من التأملات تعصف بذهني ، يعني هل يستحق هؤلاء الشباب كل هذه الأحكام القاسية ، في وسط ظروف إستثنائيّة للغاية ، كان الغضب الذي سببته تلك الرؤوس الفاسدة على مدى سنين طويلة هو المحرّك الرئيسي لذلك السلوك - إن ثبت ذلك - ، ولست أبرر أي خطأ ، ولكن إن كان هناك نيّة لتطبيق العدل فليطبّق على الجميع ، وليتعامل القضاء مع الوزير والفقير بميزان واحد ، و ليوُظّف الأعلام على الجميع بنفس اللهجة والألفاظ ، فلذلك لا يمكن أن قول أن هناك عدلاً في ظل إستثنائه عن البعض ، لأن المقوم الرئيسي لقيمة العدل هو أن يسري على الكل ، أما سمعوا قول الرسول الكريم : «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه...، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» ، أما سعموا قول علي الشريف : (ووَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا) .
وبعد أن تشرفت بمقابلتهم ، أذهلني ذلك الشموخ في محيّاهم ، والجلد في عرائكهم ، فالحُرّ أينما كان حُرّ ، والعبد أينما كان فهوعبد ، فسألتهم عن أحوالهم ، وماكان ردهم إلّا حمداً وثناءاً لله على حالهم ، وبعد تبادل الكلام تبين أن الحزن يسيطر على جل أوقاتهم لطول المدة ، وسوء المعاملة ، ووحشة السجن .
لنكن أكثر وضوحا ، وليسأل كل عماني عن ما حضي به الوطن من تغييرات سواء على مستوى المعيشي و الدخل الفردي للمواطن ، وعلى مستوى مكافحة الفساد المتمثل بإقالة الكثير من المسئولين المشهور عنهم بالفساد ، و حتى على مستوى نَفَس الحريات والتعبير عن الرأي ، و التحوّل النسبي لنبرة الخطاب الديني الإجتماعي ، وتجاوز مرحلة الصمت الى مرحلة الإستهجان والشجب والنقد الجريء وغيرها من المستجدات الإصلاحيّة ، ليسأل كل عماني عن هذه المنجزات كانت بفضل من ؟؟ فيالحقيقة لا يوجد ثمة جواب إلا أن جلّ هذه المطالب تحققت بفضل أولئك الشباب ( بغض النظر عن إتفاقنا في إستحقاهم للحبس من عدمه ) ، الا ينبغي علينا ولو بقليل من المطالبة للإفراج عنهم ، والوقوف بجانبهم في منحتهم.
اسحاق سلطان الأغبري
للمبادرة الانسانية
14/1/2012
المبادرة الإنسانية للمطالبة باللإفراج عن معتقلي المظاهرات في سلطنة عُمان
تعليق