المثقف بين تأكيد الذات والنأي بالنفس...
قرأت قبل فترة تحليل لأحد الأطباء يعلل فيه مسببات الفصام ( الشيزوفرينيا) و عدم مقدرة الطب النفسي على إيجاد حل لهذا اللغز، و دون أن يكون هناك جدل حول مسبباته فإن الأطباء يعلقون المسألة على العامل الجيني ، لكني أعجبت بنقطة ذكرها التحليل وهي أن فريق من الأطباء يرجعون سبب الفصام إلى عامل ( الحضارة) ، ليس لكثرة منغصاتها فقط بل وزيفها الذي لا يطيقه الإنسان الأصيل الذي لا يمارس الزيف على نفسه ، فالفصام يصاب به الأصلاء فقط ، ذلك أن الواحد منهم ينفصل بين ذاتين : بين ذاته الإجتماعية ، وبين أناه الحقيقية ( الذات المفكرة).
فالأولى هي ذات مزيفة ، بمعنى أن الشخص ينفعل ويتفاعل بما يرضي الناس ، فهو يلقي التحية على زميله في العمل أو في الدراسة ويبتسم له ويتفاعل معه رغم كرهه له ، و يأبى أن يعترف بالحقيقة حتى لا يخسر فلان ، ويبتعد عن قولها تارة أخرى حتى لا يقال عنه ما لا يرضيه من آخر ، أو حتى لا تدور حوله الدوائر .. أما الثانية فهي ذات حقيقية يتصرف فيها الشخص بما تمليه عليه ذاته ، فيصرّح بالحقيقة بعيدا عن الزيف ، فإن كان يكره شخص قالها له ، وإن كان لا يؤمن بالله قالها في وجه أكبر رجال الدين ، وإن كان يؤمن بالله قالها في وجه أعتى الملاحدة.
ولعلم المثقف أنه لا يستطيع أن يمارس ما يؤمن به وسط مجتمع لا يؤمن بمعتقداته ولا يسعى إلى تغيير أوضاعه ، فإنه أصبح بين خيارين : إما أن يخون ذاته الحقيقية ويعيش بذاته الإجتماعية المزيفة ، وإما أن يقود الناس إلى أن يتعاملوا بذواتهم الحقيقية ويتركوا حياة الزيف ، ولأن تحقيق ذلك غير ممكن مع إصراره على أن يعيش بذاته الحقيقة، فإنه أوجد حلا يقتضي أن يغادر واقع الناس ويخلق له واقعا خاصا به، وبانقطاعه عن عالمهم بدا لهم غريب الأطوار فنحتوا له الأوصاف وأصبح من المغضوب عليهم ، وأصبحت العلاقة بين المثقف وبين الناس علاقة إزدراء ، فكلاهما ينظر إلى الآخر أنه مجنون بينما يرى نفسه أنه هو العاقل.
إنقسام المثقف بين أن يخون ذاته أو أن يعيش بوصفه موجودا لذاته ، آراها مرتبطة بمدى قوة روح صاحبها ومعرفته لغايته، ومدى أنفعاله أو فاعليته والحدث المحيط به الذي يسوقه إلى تأكيد أي من ذواته ، ففي حين عليه أن يكون العقل والقلم اللذان يفحصان السكين قبل أن تقتحم قطعة الزبد ، مازال عليه أن يختار موقعه من النهر الجارف ، إما أن يكون وسط النهر ينجرف معه أو على ضفتيه يشاهد من بعيد وينفعل أو يتفاعل أحيانا أو ينأى بنفسه عن الحدث الذي أمامه ...
لست هنا للحكم على فئة المثقفين ولكني أتسائل:
هل كون المثقف متفكر منعزل وحداني أوجد حلا لما يعاني منه الواقع؟
وهل بانعزاله أوجد حلا يشفي همومه وحِمْلْ أفكاره الثقيلة كمثقف ؟
وهل يستطيع أن يلغي بفكره الفجوة التي خُلقتْ بينه وبين الواقع؟
قرأت قبل فترة تحليل لأحد الأطباء يعلل فيه مسببات الفصام ( الشيزوفرينيا) و عدم مقدرة الطب النفسي على إيجاد حل لهذا اللغز، و دون أن يكون هناك جدل حول مسبباته فإن الأطباء يعلقون المسألة على العامل الجيني ، لكني أعجبت بنقطة ذكرها التحليل وهي أن فريق من الأطباء يرجعون سبب الفصام إلى عامل ( الحضارة) ، ليس لكثرة منغصاتها فقط بل وزيفها الذي لا يطيقه الإنسان الأصيل الذي لا يمارس الزيف على نفسه ، فالفصام يصاب به الأصلاء فقط ، ذلك أن الواحد منهم ينفصل بين ذاتين : بين ذاته الإجتماعية ، وبين أناه الحقيقية ( الذات المفكرة).
فالأولى هي ذات مزيفة ، بمعنى أن الشخص ينفعل ويتفاعل بما يرضي الناس ، فهو يلقي التحية على زميله في العمل أو في الدراسة ويبتسم له ويتفاعل معه رغم كرهه له ، و يأبى أن يعترف بالحقيقة حتى لا يخسر فلان ، ويبتعد عن قولها تارة أخرى حتى لا يقال عنه ما لا يرضيه من آخر ، أو حتى لا تدور حوله الدوائر .. أما الثانية فهي ذات حقيقية يتصرف فيها الشخص بما تمليه عليه ذاته ، فيصرّح بالحقيقة بعيدا عن الزيف ، فإن كان يكره شخص قالها له ، وإن كان لا يؤمن بالله قالها في وجه أكبر رجال الدين ، وإن كان يؤمن بالله قالها في وجه أعتى الملاحدة.
ولعلم المثقف أنه لا يستطيع أن يمارس ما يؤمن به وسط مجتمع لا يؤمن بمعتقداته ولا يسعى إلى تغيير أوضاعه ، فإنه أصبح بين خيارين : إما أن يخون ذاته الحقيقية ويعيش بذاته الإجتماعية المزيفة ، وإما أن يقود الناس إلى أن يتعاملوا بذواتهم الحقيقية ويتركوا حياة الزيف ، ولأن تحقيق ذلك غير ممكن مع إصراره على أن يعيش بذاته الحقيقة، فإنه أوجد حلا يقتضي أن يغادر واقع الناس ويخلق له واقعا خاصا به، وبانقطاعه عن عالمهم بدا لهم غريب الأطوار فنحتوا له الأوصاف وأصبح من المغضوب عليهم ، وأصبحت العلاقة بين المثقف وبين الناس علاقة إزدراء ، فكلاهما ينظر إلى الآخر أنه مجنون بينما يرى نفسه أنه هو العاقل.
إنقسام المثقف بين أن يخون ذاته أو أن يعيش بوصفه موجودا لذاته ، آراها مرتبطة بمدى قوة روح صاحبها ومعرفته لغايته، ومدى أنفعاله أو فاعليته والحدث المحيط به الذي يسوقه إلى تأكيد أي من ذواته ، ففي حين عليه أن يكون العقل والقلم اللذان يفحصان السكين قبل أن تقتحم قطعة الزبد ، مازال عليه أن يختار موقعه من النهر الجارف ، إما أن يكون وسط النهر ينجرف معه أو على ضفتيه يشاهد من بعيد وينفعل أو يتفاعل أحيانا أو ينأى بنفسه عن الحدث الذي أمامه ...
لست هنا للحكم على فئة المثقفين ولكني أتسائل:
هل كون المثقف متفكر منعزل وحداني أوجد حلا لما يعاني منه الواقع؟
وهل بانعزاله أوجد حلا يشفي همومه وحِمْلْ أفكاره الثقيلة كمثقف ؟
وهل يستطيع أن يلغي بفكره الفجوة التي خُلقتْ بينه وبين الواقع؟
تعليق