لا شك في ان من راقب منا تنظيم القاعدة عبر السنوات قد لاحظ ان هنالك حقيقتان لم تتغيرا :اولهما هي تعطش القاعدة الجامح لإراقة الدماء والقتل والدمار. الثانية هي خطاب القاعدة الرنان والذي حاولت من خلاله ان تصور نفسها على انها تدافع عن المسلمين في كل مكان و ترفع راية الاسلام بينما الواقع هو ان الاغلبية العظمى من ضحاياها هم من المسلمين !!
و لكن اذا اردنا ان نفهم حقيقة القاعدة، فلابد ان نصرف النظر تماما عن ادعاءاتها الزائفة واعلانات النصر الوهمية التي تنشرها وان نركز فقط على افعالها على الارض و التي يشهد عليها الالاف من شهود العيان الذين رأوها بام اعينهم.
فمن الواضح ان الاشهر الاخيرة كانت اشهرا عصيبة في حياة تنظيم القاعدة المركزي تحت زعامة ايمن الظواهري. مثلها مثل اي منظمة اخرى، لقد شهدت القاعدة العديد من الخلافات الداخلية منذ تأسيسها و لكن اغلبها كان وراء الكواليس. و لكن في الاونة الاخيرة، اصبح الصراع ما بين فروع القاعدة المختلفة صراعا علنيا. و لا شك في ان اشد تلك الصراعات حدة هو ذلك القائم ما بين فرعي القاعدة في سوريا و هما جبهة النصرة و ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق و الشام او داعش.
في شهر ابريل الماضي، اعلن زعيم ما كان يسمى انذاك بالدولة الاسلامية في العراق- ابو بكر البغدادي - ان جماعته بصدد تغيير اسمها الى الدولة الاسلامية في العراق و الشام و ان جماعته قد بدأت القتال في سوريا عبر فرعها هناك و هو جبهة النصرة، و التي يقع تحت زعامة البغدادي. و لكن زعيم النصرة، محمد الجولاني، رفض ان يعترف بذلك القرار و بايع ايمن الظواهري بدلا من البغدادي.
و منذ تلك اللحظة، حاول الظواهرى قصارى جهده - و بدون جدوى – في ان يثبت مكانته كزعيم تنظيم القاعدة الاكبر و ان ليس له اي منافس و ان فروع القاعدة جميعها تقع تحت سيطرته. و بغض النظر عن الامر الذي اصدره الظواهري علنا و الذي حث فيه الجولاني و البغدادي على حل الخلاف بينهما و اصدر تعليمات محددة لكيفية التغلب عليه ، الا ان البغدادي رد على تلك الرسالة علنيا و رفض الامتثال لقرار الظواهري ، مدعيا ان قراره مبني على اسس دينية وحيث قال في بيان (اخترت أمر ربي على الأمر المخالف له في الرسالة) اي رسالة الظواهري. و لا شك في ان مثل هكذا تمرد على زعيم القاعدة لم يسبق و ان حدث منذ ان تأسست القاعدة منذ خمسة و عشرين عامأ.
و في الوقت الذي تحاول فيه جبهة النصرة ان تروج لتلك الاكذوبة المكشوفة التي تحاول من خلالها تصوير نفسها و كأنها جماعة مكونة من سوريين يسعون لمساعدة الشعب السوري في ردعه للحملة العسكرية الوحشية التي يشنها عليه نظام بشار الاسد ، تعهدت داعش – و بدون اي خجل - بأنها سوف تبقى على منهجها الدموي الذي بدأه ابو مصعب الزرقاوي في العراق وانها سوف تتبع سجلها المخزي في العراق . و هذا كان بمثابة اشارة اخرى على ان تغيير اسماء الجماعات المنتمية للقاعدة لن يغير قيد املة من جوهرها المروع. و قد كرس البغدادي و جماعته - داعش - جهده في الاونة الاخيرة في شن هجمات عسكرية ضد عناصر مختلفة من المعارضة السورية ، بالاضافة الى هجمات ضد جبهة النصرة .
و من ناحية اخرى ـ لقد ذكرت داعش المسلمين حول العالم ماذا يحدث كلما و اينما تمكنت القاعدة من السيطرة على بعض الاراضي ، فهي تفرض اساليبها المألوفة المبنية على التخويف و الرعب و الذي عبر الشعب السوري عن استياءه منها و حيث تعهد الكثير منهم بانهم لن يستبدلوا طاغية واحدا –بشار الاسد – بعدد من الطغاة، اي زعماء القاعدة. و من الجدير بالذكر ان الصراع و القتال ما بين داعش و النصرة لا يقتصر على السيطرة على السلطة السياسية و الاراضي فقط و انما هما يتقاتلان ايضا على السيطرة على ابار النفط و الاستفادة من الايرادات التي تعود منها و من بيع النفط لنظام الاسد !
بل ان اساليب داعش الوحشية قد ارغمت الظواهري – بعد ان اكتشف انه قد فقد السيطرة على البغدادي - بان يصدر بيانا يتظاهر فيه و كأنه تبرئ من داعش و انها لم تعد منتمية للقاعدة. و في تسجيل صوتي بثته القاعده قبل بضعة ايام وصف الظواهري الخلاف ما بين داعش و النصرة بـ (فتنة) اساسها الجهل و الهوى و الظلم. و في السياق نفسه، اعترف الظواهري بان الانتحاري الذي قتل مندوبه الاساسي في سوريا – ابو خالد السوري – قد "غرر به " و ان من دفعه لكي يقوم بتلك العملية كان دافعه (الجهل و الهوى و العداء و الطمع في السلطة). و هنا كان من الواضح ان الظواهري كان يشير لزعماء داعش.
و من ثم فأن الخلاف الراهن ما بين ما تبقى من تنظيم القاعدة (المركزي) و الدولة الاسلامية في العراق و الشام و جبهة النصرة – و التسجيل الصوتي الاخير للظواهري - يؤكدان صحة ما قاله اعضاء فريق التواصل الالكتروني و لفترة طويلة و هو ان مشروع القاعدة و جميع الجماعات المنتمية اليها ليس له اي علاقة بالدين او الدفاع عن المسلمين في اي مكان و انما هو مشروع سياسي بحت هدفه الاساسي السيطرة على السلطة السياسية.
و هنا نأتي لسؤال يطرح نفسه و هو من سيكون الفائز في هذا الصراع ؟ هل سيكون الظواهري ام البغدادي ام الجولاني ؟ فمن الواضح ان المنتمين الى القاعدة فشلوا فشلا ذريعا عندما اوهموا انفسهم ان تغيير او تجديد بعض الاساليب التي يستخدمها تنظيم القاعدة او حتى تغيير اسمها سوف يحل محنتها، لان الخلل ليس في الإسم أو الاداء و انما في الايديولوجية الخبيثة التي تروجها القاعدة و التي مكنت اعضائها و زعمائها من ان يحوزوا على لقب (اعداء البشرية). و كما يدرك اي شخص ذو خبرة ولو محدودةبالتجارةأنه عندما يكون المنتجفاسدا، فأن تغيير طريقةتسويقه لن تنفع بشيء.
و بعد تجربة البشرية المريرة مع القاعدة ، لا شك في ان العالم قد اصبح يعرف حقيقة ذلك التنظيم من خلال فكره الملتوي و افعاله المشينة و ليس من خلال خطابه الرنان.
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
تعليق