أبرز نجاح وأكبر إنجاز حققّه النظام الرسمي العربي والنخب البهلوانية الثقافية والإعلامية التي تسبّح بحمده وتقدّس له مستفيدة من جنته الزائلة وملذاته المنقرضة أنّه تمكن من إغتيال القضايا الكبرى و القيّم الفعاّلة التي تبقي الأمة دوما في حركية وإنتعاش مستمرّين .
ومثلما نجح هذا النظام الرسمي العربي في إغتيال القضايا الكبرى فقد نجح في إحلال قيّم منحلّة و مبادئ وضيعة محلّ هذه القضايا الكبرى , وهذا الخطّ السياسي والإيديولوجي العام الذي تبنّاه النظام الرسمي العربي بات أهم ميزة لحياتنا العربية في كل تفاصيلها , فالقضية الفلسطينية التي كانت في يوم من الأيّام في صلب الأولويات حولها النظام الرسمي العربي إلى قضيّة هامشية ثانوية وقد يكون الإحتفاء براقصة من الدرجة العاشرة أهم من إقامة مهرجان للقضية الفلسطينية , و قد إلتقيت ذات يوم بالسيدّة حنان عشراوي في العاصمة السويدية ستوكهولم فقلت لها بدل أن تبحثوا عن نصير للقضية الفلسطينية في الغرب عليكم أن تعيدوا تذكير صانعي السياسة العربية بجدوى القضية الفلسطينية و إعادة إحياء هذه القضيّة في الواقع العربي وإعادة إدراجها في الأجندة العربية إذا كان للرسميين العرب أجندة !
ولأجل إغتيال الهمّ الحضاري والقضايا الكبرى في أمتنا لجأ النظام الرسمي العربي إلى كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة , الشهوانية وغيرها لإيجاد قضايا بديلة للشباب العربي لأنّ الإهتمام بالقضايا الكبرى على الصعيد الداخلي والخارجي قد يفضي إلى تشكيل تيّار يعترض جملة وتفصيلا على بهلوانية النظام الرسمي العربي وتفاهته !
و لعلّ ما جئت على ذكره يفسّر لماذا يتهافت كبار الضبّاط والعسكريين ورجال الإستخبارات في العالم العربي على إمتلاك علب الليل والملاهي والكازينوهات والحانات وحتى المواخير في بعض البلاد , فالمسألة لا تكمن في أنّ هؤلاء أدمنوا الحرام حتى الثمالة و يريدون جمع المال من كل حدب وصوب , بل المسألة تندرج في سياق تخطيط منظم يهدف إلى نشر الميوعة والتخنث والشذوذ والمخدرات وغيرها من الآفات التي وبمجرّد توفرها في الإنسان يفقد هويته ومبادئه و تصبح القضايا الكبرى بالنسبة إليه مجردّ أضحوكة بل أكذوبة .
وفي معظم الدول العربية تحجب الأجهزة الأمنية المتخصصة في تقنيات الحاسوب صحف المعارضة وآرائها المنتشرة في الشبكة المعلوماتية وتبقي المواقع الخلاعية و التي تتمنى من صميمها أن تزار هذه المواقع يوميا من قبل المواطنين , وبعض الدول العربية آذنت بإستخدام الهوائي المقعّر اللاقط للفضائيات ليس حبّا في إنفتاح هذا الشعب أو ذاك على القضايا الكبرى بل تسهيلا له للإنفتاح على حركة العهر , و حتى المواعظ الدينية التي تقدّمها بعض الفضائيّات ففيها تمجيد للحاكم أكثر من تمجيد رسول الإسلام – ص - .
وفي دولة عربية على سبيل المثال إستهل الواعظ الديني حديثه بالبسملة ثمّ أخذ يتحدث عن خصال السيد الرئيس وتدينه و مكرماته علما أن رئيسه كان عضوا في نادي للشاذين في أوروبا .
لقد نجح النظام الرسمي العربي وبإمتياز في قتل كافة القضايا الكبرى القضية الفلسطينية , قضية التنمية الوطنية , قضية الحرية والديموقراطية , قضية الهوية واللغة العربية , قضية التداول على السلطة , و التعددية السياسية والإعلامية والحزبية , قضية الوجود الأمريكي في العالم العربي والإسلامي والإحتلال الأمريكي الذي أحرق اليابس والأخضر في العراق وأفغانستان , قضية الإحتلال الأمريكي غير المباشر لمعظم بلادنا العربية و الإسلامية , قضية الإختلاسات الكبرى للحاكم وأقربائه وحاشيته , قضية جبروت الأجهزة الأمنية وإعتراضها حتى على العرض والنواميس , وهذه القضايا الكبرى يجب أن تستبدل بحفلات المجون وسهرات العربدة و برامج الضحك على الذقون كالأراجوز والأكريكوز والمسلسلات المكسيكية وغيرها كثير .
ولا داعي أن نعجب عندما يبلغ سمعنا أن بعض كبرائنا متورطون في الإتجار بالمخدرات وتسويق الأفلام الخلاعية , وفي العديد من الدول النفطية وغير النفطية تعطى الفاسقة الروسية والأوكرانية تأشيرة الدخول والإقامة بإمتياز ويسمح لها بالعمل الدائم في الفنادق والطرقات و فوق الجسور وأسفلها أما المستضعف العربي من فلسطين أو العراق أو الجزائر أو غيرها فيمنع من الدخول إلى هذه الدول المتعهرة , فكيف تعطي الأجهزة الأمنية اللبنانية التأشيرة للروسية والأوركانية وهي مسوقة أيدز ولا تعطيها لفلسطيني أو جزائري , و كيف تمنح دولة الإمارات التأشيرة لروسية تنشر السوء في المجتمع ولا يعطى المواطن العربي هذه التأشيرة ويحتاج في المقابل إلى كفالة هذا الشيخ وذلك حبيب الولدان !!
وكل ذلك يؤشر إلى أنّ هذا النظام الرسمي العربي القادم من رحم العفونة لا يمكن أن يستمر إلاّ في خضمّ عفونة قاتلة الرائحة , والقضايا الكبرى ليست من سنخه بل هو نقيض لهذه القضايا والمتناقضان لا يجتمعان كما يقول المناطقة !
وهذا يفسّر من جهة أخرى لماذا أصبحت أمتنا قزمة في خرائط الكبار الذين يصنعون مصائرنا في كل تفاصيلها , فممنوع على هذه الأمة أن تهتم أو تضطلع بالمهام الكبرى و وحدها القضايا الكبرى تعطينا الدور الضروري لنا و اللازم لإنطلاقتنا النهضوية .
وليتأكد المواطن العربي من هذه المعادلة التي رسمناها ما عليه إلاّ أن يطلّع على الفضائيات العربية والتي هي سلاح النظام الرسمي العربي ووجهه ومسلكيته , فهذه الفضائيات عبارة عن حانات لدغدغة الغرائز نصفها غناء ماجن و نصفها خطاب رسمي مستهجن , ولولا إفتتاحها بالتلاوة و إختتامها بالتلاوة لقلنا أنّها مواخير نظم آيلة إلى السقوط !!!تيال القضايا الكبرى !
تعليق