إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدور الحقيقي للأدب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدور الحقيقي للأدب


    الدور الحقيقي للأدب

    د. أحمد الخميسي

    أنا من عشاق يوسف إدريس ، ليس فقط لعبقريته وموهبته الباهرة ، ولكن أيضا لحرارة قلبه التي ساقته دوما لاقتحام أهوال المعارك الاجتماعية ، خلافا لتلك الحيادية الفاترة التي تميز بها العظيم الآخر نجيب محفوظ . ومازلت أذكر بالعرفان أن يوسف إدريس أول من قدمني ككاتب قصة في مجلة الكاتب عام 1967 . وقد تجددت في عقلي صور من روايته الحرام مؤخرا وأنا أقرأ مجموعة من الأدب القصصي الكوري بعنوان " أمي والحب الراحل " صادرة عن دار الآدب ، إذ استوقفتني فيها قصة رائعة بعنوان " بطاطس " للكاتب كيم دونج إن . في رواية الحرام ، سنجد أن جذر البطاطا الذي اشتهاه زوج عزيزة وهو مريض ، هو من ناحية رمز للجوع ، ومن ناحية أخرى هو رمز جنسي ، وفي ظل حياة البؤس التي يعيشها عمال التراحيل تغيرت عزيزة ، تحت وطأة الجوع بمعانيه المركبة . أما عند الكاتب الكوري " كيم دونج إن " فسنجد فتاة هي " بوكنيو " تدهور الحال بأسرتها واضطرت وهي شابة صغيرة للزواج من رجل يكبرها بعشرين عاما عاشت معه في حي فقير تسوده الجريمة والزنا والسرقة والتسول ، وتخرج بوكنيو للعمل باليومية تجمع " الدودة " في الحقول ، ويسعى ملاحظ العمال لاصطياد الفتاة الصغيرة الجميلة ، فتقاوم في البداية قليلا كما فعلت عزيزة ثم تسقط مقابل قروش قليلة ، وتتغير حياتها ، بل إنه منذ ذلك اليوم " تغير سلوك بوكنيو الأخلاقي وحتى نظرتها للحياة" . ولا أريد هنا أن أعقد مقارنة بين العملين ولا أريد حتى أن أتوقف عند مغزى التشابه الذي تخلقه الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتقاربة حتى بين شعبين لا تربطهما صلة مباشرة . ما أريد قوله هو أنك بعد أن تقرأ القصة الكورية ، وتتذكر " الحرام " لإدريس ، تفكر في معنى الأدب ودوره . فقراءة العملين ، لابد أن ترسخ في الذهن فكرة أن البشر متشابهون ، وأنهم جميعا أخوة ، وأن لعزيزة في مصر أختا في كوريا هي " بوكنيو " ، وأن الأدب تحديدا هو الذي يخلق هذا التعارف الإنساني بحيث نتعرف نحن القراء على القاسم المشترك بين حياتنا في مصر وحياتهم في كوريا . وبوعي أو بدون وعي ستتسرب إلينا فكرة أن الفن وسيلة للتواصل الروحي بين البشر ، وأن هذا هو دوره . وحين يقوم البعض بمختلف الطرق وفي ظل مختلف المدارس بإعلاء القيمة الجمالية للفن على أي شيء آخر ، فإنهم في واقع الأمر يقلصون دوره الرئيسي الحقيقي بصفته شرطا من شروط التواصل الإنساني مثله مثل اللغة بالضبط . والتركيز على فكرة أن الفن نوع من إبداع الجمال ، ومهمته الأولى هي الإمتاع ، والابتكار ( وكل هذا صحيح ضمنيا بقدر ما هو لازم للدور الخاص للأدب ) شرط ألا ينفي كل هذا حقيقة الدور الرئيسي للأدب والفن . فالقيم الجمالية تختلف من بلد لآخر ، ومن عصر لآخر . وفي وقت ما كان جمال المرأة يتمثل في امتلاء بدنها ، ثم اختلفت هذه النظرة . وتعرف شعوب بعض البلدان الآسيوية التقبيل بالأنف باعتباره جمالا ، أو تعتبر أن قدمي المرأة لابد أن تكونا صغيرتين جدا لأن هذا نوع من الجمال ، بينما لم تتنشر مثل هذه النظرة لجمال المرأة عندنا نحن العرب . القيم الجمالية تتباين ، لكن يبقى دور الأدب والفن الرئيسي ليتجاوز هذه القيم ، ويعلو فوقها ، بحيث يظل وسيلة للتعارف والتقارب الروحي بين البشر، وسيلة توحد البشر – أو القراء في هذه الحالة – في نفس مشاعر عزيزة عند يوسف إدريس ، ثم توحدهم في نفس مشاعر " بوكنيو " عند الكاتب الكوري كيم دونج إن ، وصولا إلي فكرة القاسم المشترك بين العذابات البشرية ، ورؤية نفسك وهمومك في الآخرين ، ورؤية الآخرين في نفسك . ويظل هذا الدور الذي ينهض به الأدب هو دوره الأساسي ، وبفضله أتعرف أنا وغيري إلي " بوكنيو " وسط عمال تراحيل كوريا ، ويتعرف قراء كوريا إلي عزيزة وسط عمال تراحيل مصر .

    ***
    أحمد الخميسي . كاتب مصري
    [email protected]

  • #2
    د. أحمد... شكراً لك
    موضوع ثري جداً طرحته هنا..

    نعم الأدب رسالة عظمى يجب أن تتخطى المسافات لتصل إلى آفاق أرحب، والعمل الأدبي الناجح هو الذي يستطيع اختراق الحدود ليثبت بذلك أن الأدب شيء أكبر من أن يتم حصره في دولة معينة أو أقليم معين، حيث إنه من الخطأ الفادح أن نقوم بتجنيس الأدب، فالأدب لا يرضى بالتجنيس يتاتاً، لأن هذا يحصره في قوقعة محلية لا يستطيع الخروج منها...
    والكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن يكتب عن معاناة البشر بشتى أجناسهم وهذا ما حدث في الأمثلة التي أشرت إليها د.أحمد، فالهم الإنساني هو الذي خلق جوانب إلتقاء بين القصتين، وهذي هي رسالة الأدب فعلاً.

    ولكن سأطرح سؤالي هنا :
    الأدب الآن.. في أي اتجاه يسير؟؟ وهل الحداثة خلقت له وظائف ورسائل أخرى غير رسالته المعهودة؟؟
    ياااااااااال سخرية القدر

    تعليق


    • #3
      الأستاذة الكريمة فاطمة الكعبي .. أسعدتني ملاحظاتك المهمة ، وأظن أن دور الأدب الأساسي لم يتبدل ، لأنه مثل الحب ، جوهره لا يتغير ، لكن تتبدل طرقه ، ووسائل التعبير عنه ، وربما يكون إنسان ما في عصر الكهوف الحجرية قد عشق امرأة بكل العمق الذي عشق به قيس ليلى ، أقول ربما ، لا أستبعد ، لكن طرق المحبة صارت تختلف . أظن أن الدور الرئيسي للأدب لم يتبدل ، لكن وسائله تختلف . كانت المسرحية على سبيل المثال في العهود الأولى اليونانية تسعة فصول ، ثم صارت خمسة ، ثم ثلاثة ، فواحد . لكن رسالة العالم المسرحي تظل هي خلق التواصل . بالطبع الحداثة تغير ، وتترك أثرها ، لكن في طرق التعبير عن الدور ذاته . لك تحياتي وارجو ألا أكون قد أطلت عليك .

      تعليق


      • #4
        د. أحمد

        دائماً ما يراودني سؤال متعلق بالأدب..وبما أننا هنا في حديث عن الأدب فلا أستطيع أن أترك سؤالي حبيساً وهو:
        هل الأدب وظيفة أم رسالة؟؟

        في ظل التناقضات الكثيرة التي نعيشها الآن أصبح حابل الأمو يختلط بنابلها، وأصبح الأدب شيئاً تتماهى فيه صور شتى، ولذلك تأتي أسئلتنا مضمخة بالتعجب الذي لا يقودنا إلا إلى تعجبات آخرى..
        ياااااااااال سخرية القدر

        تعليق


        • #5
          الأستاذة الكريمة فاطمة الكعبي .. لا يمكن أن يكون الحب حرفة ، ولا يمكن أن تكون الأمومة حرفة ، ولا يمكن للأدب أن يكون حرفة أو وظيفة . أول ما يفكر فيه الكاتب حين يمسك القلم - سواء بوعي أو بدون وعي - أنه يريد أن ينقل خطابا أو رسالة إلي آخر ، يريد للآخرين أن يشاركوه ذلك الهم أو تلك الفرحة أو الفكرة . بالطبع هناك جانب حرفي في كل عمل ، حتى في الرسالة الكبيرة ، إذ لابد لها من لغة ومن جمال وإيجاز وغير ذلك . لكن الأساس أن الأدب رسالة . الآن يطغى على ذلك المفهوم انتشار الحرفيين ، أي الذين يشبهون الصاغة ممن يعرفون أصول الصنعة ، لكن بلا روح ، ومن ثم لا تحيا أعمالهم طويلا . هل يمكن للأمومة أن تكون حرفة ؟ يمكن إذا أتقنت امرأة ما أصول رعاية طفل ، فعرفت متى تطعمه ، ومتى تسقيه ، وغير هذا . لكن الأمومة التي تحيا في قلب الطفل هي حب أمه ، الذي لا يمكن أن يكون حرفة ، ولا يمكن أن تهبه له امرأة أخرى . ثمة امرأة تشبه أمه ، تفعل ما كان ينبغي لأمه أن تفعله ، لكن ينقصها " رسالة " الأم . والطفل يشعر بهذا . الأدب رسالة . لا أعتقد أنه حرفة ، ولا وظيفة . هكذا أفكر وأظن . والله أعلم . تحياتي

          تعليق


          • #6
            رائع وأخيرا تعود الروح إلى الشرفة
            يقولون أن هناك أدب بلا أدب
            وأن هناك أدب للأدب
            ونوع أخير يدعونه أدب الإنسان
            حقيقة فهناك من يغرق في مستنقع اللغة ولا يجد مخرجا منه الا بغرق موازي
            تحدث الدكتور أحمد عن السمات المشتركة للشعوب وكيف يكون الأدب حمام الحضارة الزاجل بينها
            وفي الجهة المقابلة أيضا الا فعلينا ألا نحقر من وظائف الأدب غير البرئية
            فالأدب قد يكون وظيفة قويمة وغير قويمة في يد الامم وهي التي لها الحق في استغلال كوادرها الموهوبة لبث رسالتها الاخلاقية أو الداخلة في ثوبها إلى العالم
            تحيتي لكم
            روح

            تعليق

            يعمل...
            X