If this is your first visit, be sure to
check out the FAQ by clicking the
link above. You may have to register
before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages,
select the forum that you want to visit from the selection below.
جميعنا نطلبه، نسعى إليه، ومنا من يبدأ فعلا في طرق بابه، والوقوف على أعتابه.
ودائما ما ينظر الواحد منا إلى عديمي الطموح نظرة استخفاف واستنكار.
بيد أن هناك شركا خفيا يسكن بين ثنايا ذلك المطلب العظيم، وهو أن يلهينا النجاح الدنيوي عن الفلاح الأخروي، أن تسحبنا تيارات النجاح والتفوق والتقدير إلى أن ننسى -أو نتناسى!- أن هناك غاية أسمى وهدفا أرقى من مجرد النجاح الدنيوي الفاني.
إن المنهج الإسلامي ما برح يؤكد على حقيقة هامة جدا، وهي أن الدنيا مطيّة المؤمن إلى الجنة، وشَرَك المفتون إلى النار.
فهي زاهية متألقة، بالغة الحسن والجمال، رائعة المذاق، خاصة لمن لم يشاهد سواها، ولم يعايش معاني الآخرة، ويرى الجنة والنار كما وصفهما الله ورسوله.
الدنيا قادرة على إغواء معظم البشر، واستعبادهم، وجعلهم أُجراء لديها، يعطونها خالص أيامهم، وطموحهم وهمتهم، وتعطيهم بعضا من متعها الزائفة الزائلة.
لذا كان النبي حريصا في التشديد على أتباعه ألا ينساقوا وراء متع الحياة وزخرفها، فنراه يقول : (أبشِرُوا وأمِّلُوا ما يَسُرُّكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ..
هنا النبي لم يكن يعني تطليق الدنيا كما قال غلاة المتصوفة، ولم يطالب أصحابه بتركها لشياطين الإنس والجن ليعيثوا فيها فسادا، وإنما طالبهم بالعمل والاجتهاد والرقي الدنيوي، ولكن ليس للدرجة التي تجعلهم يهتمون بالمظهر دون الجوهر، والتعلق بالسبب ونسيان الغاية الكبيرة.
إن المسلم يجب أن يحب الحياة كي يستطيع العطاء، يجب أن يتعامل معها بجدية ويعمرها ويجتهد في جعلها أجمل وأروع مما كانت قبل مقدمه، ولكن ليس على حساب العطاء الأخروي، يجب أن يكون نجاحه في الدنيا سببا مباشرا في نجاحه الأخروي، عبر التزامه بالمنظومة القويمة للخلق، والتنمية المستمرة للضمير، والتعامل بيقظة تامة مع النفس وشطحاتها.
لعلك ستدهش لو أخبرتك أنه لو كان هناك لائحة كلائحةمجلة «فوربس» المهتمة بمجال المال والأعمال في العصر النبوي، لكان على قمة أغنى أغنياء العالم، عدد غير قليل من المسلمين المجاهدين، والصحابة العظماء.
وذلك لأن المسلم ليس مقطوعا عن الدنيا، أو كارها لها، بل المسلم الحق هو من يملك الدنيا بين يديه، ويأبى أن يضعها في قلبه أو يعطيها وزنا أعلى مما تستحقه.
الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ثامن رجل يحمل لقب مسلم وهو في الثانية والعشرين من عمره، هاجر للحبشة، ثم إلى المدينة ولم يكن يملك في هجرته للمدينة من الدنيا سوى ملابسه التي تستر سوءته، وكانت أول كلمة قالها بعد نزوله للمدينة (دلوني على السوق)، فأصبح -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- من أغنى أغنياء المسلمين، حتى إن طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ عِيَالاً عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: ثُلُثٌ يُقْرِضُهُمْ مَالَهُ، وَثُلُثٌ يَقْضِي دَيْنَهُمْ، وَيَصِلُ ثُلثًا.
ومع هذه السعة، وذلك الرزق الكبير، كان يشغل باله أمرُ الآخرة، ولا ينسى أبدا عِظم الغاية التي يعمل من أجلها، فنراه ذات يوم بجري إلى أم سَلَمَة َويسألها جزِعا: يَا أم المُؤْمِنِيْنَ! إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُوْنَ قَدْ هَلَكْتُ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً، بِعْتُ أَرْضًا لِي بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ دِيْنَار.
ولو فتشت يا صديقي في كتب السير، وتأملت أخبار الصحابة والعظماء لوجدت منهم كثرًا أصحاب مال وجاه، كأبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهم وغيرهم.
ومع ذلك سترى ثبات أقدامهم على طريق الحق، وروعة تسخيرهم للدنيا في سبيل الآخرة، وكيف أنهم سيطروا على أطماع النفس والهوى، فكانت الدنيا تحت أقدامهم جارية يأمرونها، فتطيع غير مُسوِّفة.
إن ما أطمع أن تنتبه إليه يا صاحبي وأنت تسير في الحياة أن تهتم بالنجاح، وتعمل من أجل الرقي، ولا تتنازل عن أن تكون رقما صعبا فيها.. ولكن.
إياك أن تنسى أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن أفضل الأساليب للتعامل معها، هو معرفتها على حقيقتها (محطة نستقل بعدها قطار اللا عودة)، حيثُ نسكن في دار الخلد.
وأن النجاح يجب أن يستتبع الفلاح.
بقعة ضوء: البعض قد يذهب إلى الجنة بنصف المشقة التي يتكبدها للذهاب إلى الجحيم…!!! رالف والدو إيمرسون
هل يحتاج الأمر إلى كثير إثبات، كي أؤكد لك أن جميع الناجحين في هذه الحياة قد تحملوا مسؤولية حياتهم كاملة، ولم يقفوا لثانية واحدة كي يلوموا شخصا ما على الأشياء السيئة التي علّمهم إياها، أو الأبواب الرحبة التي أغلقها دونهم، أو العقبات المميتة التي ألقاها في طريقهم؟
ما أسهل أن نقف لنشكو جرم الآخرين في حقنا، ما أبسط أن ندلل على عظيم ما جنت يد آبائنا، وكيف أنهم لم يعلمونا مبادئ النجاح والطموح، فضلا عن ممارساتهم التربوية الخاطئة في حقنا، وما أيسر أن نلقي بجميع مشاكلنا وهمومنا على هذا أو ذاك، متخففين من مسؤولية مواجهة الحياة وتحمل أعبائها.
لقد علمتني التجارب يا صديقي أن الحياة بحر مضطرب الأمواج، وكل واحد منا رُبّان على سفينة حياته، يوجهها ذات اليمين وذات الشمال، وأمر وصوله إلى بر الأمان مرهون بمهاراته وقدراته بعد توفيق الله وفضله.
لكن معظمنا –للأسف- لديه شماعة من التبريرات الجاهزة، فما إن يصاب بكبوة أو مشكلة، إلا ويعلقها على هذه الشماعة ويتنصل من مسؤولية تحمل نتيجة أفعاله!
تربيتنا السيئة، مجتمعنا السلبي، التعليم الفاشل، الظروف الصعبة، تفشي الفساد.
هذه بعض الشماعات التي كثيرا ما نستخدمها وبشكل شبه دائم.
ودعني أصارحك بأنك إذا ما أحببت أن تقبل تحدي الحياة، وتكون ندا لها، فلابد لك أن تتخلى وفورا عن كل التبريرات التي تُعلق عليها مشاكلك وإخفاقاتك، وتقرر أن تتحمل نتيجة حياتك بكل ثقة وشجاعة.
هل سمعت من قبل عن معادلة النتائج الحياتية؟
إنها تخبرك أن نتائج حياتك، هي حاصل جمع ما يحدث لك، مضافا إليه استجابتك لما يحدث، أو هي بمعنى آخر:
(موقف + رد فعل = نتيجة)
نجاحات الناجحين قد جرت في حدود هذه المعادلة، وفشل الفاشلين جرى وفق هذه المعادلة كذلك..!
إنهم جميعا تعرضوا لمواقف أو أحداث ما، ثم تصرف كل منهم وفق ما يرى ويؤمن، فأفرز هذا السلوك أو (رد الفعل) النتيجة التي نشاهدها اليوم.
فالشخص الفاشل أو السلبي توقف عند (الموقف) ثم أخذ في الشكوى والتبرير، فالمدير لا يفهم، والوضع الاقتصادي متدهور، كما أن التعليم لم يؤهلنا بالشكل المناسب، وفوق هذا تربيتي متواضعة، وبيئتي سيئة، والدولة يتحكم فيها اللصوص.. وهكذا.
هذا بالرغم من أن هناك ناجحين كثر انطلقوا من نفس هذه الظروف، ومن بين ثنايا هذه البيئة، وربما كان حالهم أشد وأقسى ممن يشتكي ويولول!
لكننا لو نظرنا للشخص الناجح الايجابي، لوجدناه يعطي تركيزا أكبر وأهم لمساحة الاستجابة لرد الفعل.
فهو يرى أن ما حدث قد حدث ولا يمكن تغييره، يقول لك حال المشكلات: دعنا الآن ننظر فيما يجب علينا فعله، وكيف يمكننا استثمار هذا الحدث -مهما كان- في تحقيق أعلى نتيجة أو أقل خسائر ممكنة.
قد يحتاج الأمر إلى أن يستشير شخصا ما، أو يُغيّر من تفكيره، وقد يستلزم الموقف أن يراجع بعض سلوكياته، أو يعدل في رؤيته.
إنه يمتلك مرونة كبير، وعزيمة ماضية، وذهنا مبرمجا على إيجاد الحلول، بل وصناعتها.
سأكون صريحا معك يا صديقي وأقول إننا نستسهل الركون إلى الدائرة الأولى (الموقف) لأنها أسهل من الناحية النظرية، فليس هناك أيسر من الشكوى، ليس هناك أبسط من أن نُسلّط شعاع النقد على الخارج، وندّعي أن الداخل كله خير، ومشاكلنا فقط تأتينا من الآخرين السيئين القاسيين، وللأسف فإن معظم البشر مبدعون في اختراع المبررات التي تبرئ ساحتهم من التقصير أو الفشل!
يزداد جنوح معظمنا إلى التبرير في وطننا العربي بشكل أكبر من سواه، نظرا لكثرة الظروف المحبطة، وتعدد أشكال القهر والإحباط، مما أدى لنشوء ما أسماه المفكر د.عبد الكريم بكار بـ (أدبيات الطريق المسدود)،
".. والتي تتمثل في الشكوى الدائبة من كل شيء، من خذلان الأصدقاء، ومن تآمر الأعداء، من ميراث الآباء والأجداد، ومن تصرفات الأبناء والأحفاد!!".
مما جعل بعضنا ليس فقط مبدعا في التنصل من أفعاله، وإنما جعله كذلك متفوقا في إحباط وتثبيط من قرر التغيير والايجابية، وذلك بالتطوع بإخباره أن المجتمع لن يدعه ينجح، ولن يؤمن أحد بما يقول، وأن زمان الطيبين قد ولى بلا رجعة!
رسولنا يعلمنا أنه إذا حدث ما لا نريده، فيجب علينا أن ننطلق إلى الأمام بإيجابية ونتخلى عن عادة التحسر والتبرير فيقول : (لا تقل: لو أنِّي فعلتُ كذا لكان كذا، ولكن قُل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
أختم معك يا صديقي هذه الفقرة بالتأكيد على أن النجاح ليس مرهونا بتحسن وضع ما، وأن الفشل لم تكتبه عليك إرادة عليا، يقول الفيلسوف والشاعر الهندي (محمد إقبال):
"المؤمن الضعيف هو الذي يحتجُّ بقضاء الله وقدره، أما المؤمن القوي فهو يعتقد أنه قضاء الله الذي لا يُرد، وقدره الذي لا يُدفع".
المؤمن القوي هو الذي يمتلك تصميما راسخا على تحدي المصاعب والعوائق، هو الذي يقابل الحياة بهدوء نفس ورحابة صدر، وهدوء جنان، بغض النظر عما تخبئه أو تظهره له.
بوصلة عقله تتجه إلى الحلول لا التبريرات، والرؤية الإيجابية لا الصورة السلبية الباهتة.
يحضرني هنا موقف أحد جنود المسلمين، إذ سأله واحد من قُوَّاد الفُرس ذات يوم في سخرية: من أنتم؟
فقال له واثقا: نحن قدر الله، ابتلاكم الله بنا، فلو كنتم في سحابة لهبطتم إلينا أو لصعدنا إليكم.
نحن قدر الله.
فليكن هذا شعارك دائما إذا ما واجهتك المصاعب والبلايا..
قلها بثبات المؤمن: إنني قدر الله.. وقضاؤه.
بقعة ضوء : النجاح سلَّم لا تستطيع تسلقه ويداك في جيبك
تعليق