إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صبحي حديدي في ندوة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صبحي حديدي في ندوة

    قال: لم أختر المنفى ولم ينفني أحد لكني مدين له بتطوير وعيي
    صبحي حديدي في ندوة " الرؤية" : إشكالية المثقف في الوطن العربي أنه "يحمل السلم بالعرض" وكأنه يعند الطبيعة

    الرؤية: أحمد بن سيف الهنائي
    أكد الناقد والمترجم السوري صبحي حديدي أن المثقف العربي، يعيش في الغرب حالة من الانشطار بين واقعين، واقعه في الغرب، حيث ينبغي أن يخضع لقوانين علمانية و ديمقراطية ودولة القانون، وواقع امتدادات أصوله بالشرق، حيث عليه أن يراعي اعتبارات ليست دائما علمانية أو ديمقراطية.
    وطرح حديدي إشكالية مهمة يعيشها المثقف العربي عندما قال إن المثقف المقيم في العالم العربي يعاني من معضلة شاقة، لأنه "يحمل السلم بالعرض" وكأنه يعاند الطبيعة، ربما لأنه في الغرب لديه فرصة المناورة بسبب تمتعه بالحرية .
    وأعرب حديدي خلال الندوة التي نظمتها جريدة الرؤية، والتي أدارها حاتم الطائي رئيس التحرير وخالد عبد اللطيف مدير التحرير والأديب والسينمائي عبد الله حبيب عن اشتياقه لوطنه بعد حياة المنفى الطويلة التي عاشها خارجه، مؤكدا أنه يتواصل مع أبناء بلدته في كل دولة يزورها لمقاومة الغربة والبقاء على الأمل.
    ويعد صبحي حديدي واحدا من أهم المترجمين والنقاد العرب في الوقت الراهن، ولد في القامشلي، سوريا، عام 1951، لوحق لأسباب سياسية، فكان الخروج هو الحل، وظل متنقلا بين لندن وباريس، حتى استقر في فرنسا، ونشر العديد من الأبحاث النقدية والترجمات في دوريات عربية وأجنبية مختلفة، وقدّم دراسات معمّقة في التعريف بالنظرية الأدبية والمدارس النقدية المعاصرة (الخطاب ما بعد الاستعمار، إعادة قراءة فرانتز فانون، القارىء والقراءة والاستجابة، الموضوعة الغنائية، الحديث وما بعد الحداثة، كما نقل إلى اللغة العربية العديد من الأعمال في الفلسفة والرواية والشعر والنظرية النقدية، بينها مونتغمري واط: "الفكر السياسي الإسلامي"؛ وكين كيسي "طيران فوق عشّ الوقواق"، ورواية، ميشيل زيرافا "الأسطورة والرواية"، ورواية "ضجيج الجبل" لياسوناري كاواباتا، وغيرها من الأعمال


    ابتدأ صبحي بالحديث عن المنفى، بعد أن باغته حاتم الطائي بالسؤال عنه، وعن تشكيل المنفى لحركة الإبداع الكتابية، ومساهمة من اشتهر فيه من كتاب أمثال إدوارد سعيد، فالمنفى كون طاقة إبداعية كبيرة لديهم، فقال: المنفى قضية تعرفونها جيدا، ولا أريد أن أتطرق إليها كثيرا، لكنني سأتحدث عن نهايات المنفى، بادئ ذي بدء أنا لم اختر المنفى ولم ينفني أحد بالمعنى المباشر، لكني لأسباب سياسية لوحقت في بلدي وقضيت فترة طويلة من بالحياة السرية، وأصبح خروجي من البلد بمثابة حل للآخرين، فقد شكلت عبئا على الآخرين؛ بدءا من والدتي وانتهاءً بمن حولي، فكان رحيلي من سوريا إلى بلد أوروبي هو الحل ، بالتالي بدأ المنفى إذا شئتم من هذه الزاوية، هو منفى طوعي، ولكنني لم أذهب إليه لأسباب إرادية كانت أم قسرية. للمنفى أكثر من وطأة وأكثر من عذاب، لكن أيضا إذا كان المرء قادرا على استبصار رؤية محددة لوجوده وآفاق هذا الوجود، أظن أنه يستطيع تطويع عذابات المنفى لكي لا أقول يستطيع استثمار الثروات الكثيرة التي يمنحها المنفى، الثروات على مستوى الوعي وعلى مستوى العقل وعلى مستوى تطوير الذات وعلى مستوى التربية الإنسانية، فعلى سبيل المثال أنا مدين للمنفى على الأقل لتطوير وعيي في مستوى علاقتي مع أطفالي أو زوجتي أو في مستوى تطوير تربيتي الديمقراطية وطبيعة علاقتي بالآخرين وفهمي لمسألة التعددية. لذلك أستطيع القول أن وطأة المنفى عليَّ لم تأخذ الشكل التقليدي أو بالمعنى التقليدي تأخذ صفة المشاق والعذابات فقط، وإنما أنا أعترف أنني في السنوات الأخيرة أفلحت في تطوير منفاي وتحويله إلى صيغة إيجابية لا تمنعني البتة من التواصل مع وطني وأهلي ليس في سوريا فحسب، وإنما على مستوى العالم العربي، والدليل أنني أتعاون معكم ومن جهة أخرى لم أنعزل عن البلد الذي أنا فيه، أنا لست على الإطلاق منعزلا عن الثقافة الفرنسية وعن الحياة السياسية والاجتماعية الفرنسية، لأني لا أستطيع أن أكون عابر سبيل أو غريبا رغم أنني فعلا عابر سبيل وغريب مهما بقيت في فرنسا، لكنني لا أستطيع إلا أن أنتمي أو أتابع ما يجري في هذا المجتمع.
    يواصل صبحي حديثه قائلاً: أذكر عبارة جميلة لإدوارد سعيد عندما حاورته حوارا مطولا عام 1995م وطلب مني أن أجعل عبارة "المنفى حقل كريم" عنوانا للحوار بالنسبة لإدوارد سعيد الذي قضى كل هذه السنوات ولديه حالة الاقتلاع من الجذور سواء على صعيد الوطن أو على صعيد اغترابه الفكري والسياسي واللغوي، فقد توصل إلى نتيجة أن هذا المنفى كان بالنسبة له وعاء حوى كل عذاباته وكل ما لقيه هو وسواه من ضنك، وبالتالي التأثير على الكتابة أغلب الظن أُعتبر أنه إيجابي على أكثر من صعيد، إذا أردتم محصلة أو موازنة بين تأثيرات المنفى والمستوى السلبي والإيجابي، أظن أن المستوى الإيجابي أكثر بكثير، ونتذكر دائما أن المنافي لها خصوبة خاصة في إطلاق طاقات التغيير، للتذكير فقط أخال أن كبار الأنبياء لمختلف الديانات الروحية توفوا على هذا النحو أو ذلك، ومنهم الرسول محمد لولا الهجرة وهي شكل من أشكال النفي وهو شكل من أشكال الإبداع حتى في العمل السياسي وفي تنظيم التبشير للدعوة، وبالتالي للمنفى من جانبي على الأقل خصوصية إطلاق الطاقات، وهناك جانب آخر أساسي وهو ترويض المرء بطريقة قد تكون مرهقة ومتعبة على أن يحترم الهويات الأخرى بالقياس إلى هويته من جهة وأن يقبل بالتعددية، ثم ألا يعتقد أن هويته جوهرانية وخالصة وصافية تماماً، وبالتالي ينظر إلى الآخرين بأي شكل من أشكال الدونية أو التفوق أو الاستعلاء.

    لا وجود لهوية صافية
    واستطرد حديثه عن مفهوم "الهوية ليست جوهرانية" بالقول: نحن مثلا في تربيتنا في بلد مؤدلج مثل سوريا أو معظم البلدان التي كانت فيها أنظمة سياسية قومية، يتم التركيز فيها على القومية باعتبارها قومية صافية عليا نقية جوهرانية ليست بها شوائب، ويوجد تعبير فلسفي عند البعثيين في سوريا ينص على أن "العربي سيد القدر" وشعار البعث: "الأمة العربية الواحدة ذات رسالة خالدة" هذا التثمين المبالغ به في الذات القومية، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر يعلي هذه القومية وهذه الذات على الآخرين، وبالتالي تصبح جوهرانية تتحلى بجوهرٍ صافٍ وفي الحقيقة ليس هناك هوية صافية على الإطلاق، وفي الأصل هذا مناقض للإنسانية وللتطور الإنساني، الهوية غناها في تعددها وفي اختلافها وفي تلاقح عناصرها من خلال هذا الاختلاط المتوازن.
    ثم عقب الكاتب عبدالله حبيب، فقال: هذه العملة قد يكون لها وجه آخر، هو أن الجميع عانى من الشوفينية القيمية الضيقة "وأقصد تجربة القومية العرب على الأقل" وكان هذا على حساب أقليات أثنية وأقليات عرقية وأقليات جندرية...الخ؛ كبح جماح هذه الجوهرانية وهذا الشعور بالتفوق كأنك تقول "إنه شعب الله المختار" لكن بإخفاق المشروع القومي في بدايات ما بعد الحداثة نتج النقيض من تشرذم وعدم الإحساس بالانتماء وعدم الإحساس بالهوية، هذا يشكل أحد التحديات التي واجهت الثقافة العربية، فأصبح المفكر السوري كسوري والمفكر المصري كمصري والعماني كعماني، هنا شكل إشكالية توحيد الشعور والإحساس بالانتماء لمصير معين، فالأوروبيون على اختلاف دياناتهم ولغاتهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم لديهم اتحاد أوروبي.

    الاتحاد الأوروبي ائتلاف لمصالح اقتصادية
    وأضاف صبحي حديدي : أعتقد عند الحديث عن مستوى علاقة الفرد بالثقافة وعلاقته بالهوية، ربما تكون المسألة أكبر وبالتالي شبكاتها مختلفة قليلا بما يخص الأمم، التي يمكن أن تتلاقى أو تتفارق حول هذه أو تلك من العناصر. برأيي بالنسبة للاتحاد الأوروبي في صيغته الراهنة هو ائتلاف مصالح اقتصادية ربما تكون موضوعية أو ربما تكون قسرية بمعنى الحاجة إلى المصلحة وحسن استثمار المصالح، فعلى مستوى الأقوام يكفي أن أعطيك مثالاً ليس في الإشكالات بين ألمانيا وفرنسا كتكتلين، لا، بل بين جنوب فرنسا على سبيل المثال وشمال ألمانيا، بل داخل فرنسا بين الباسك والوسط والشمال، أذهب إلى مثال آخر وهو بلجيكا التي توشك على التشظي الآن ونحن نتحدث بلجيكا كانت اتحادا خلال التجربة الاستعمارية توحدت لغاتها الثلاث وشعوبها الثلاث وثقافاتها، فهي ثلاث دول في واحدة فالإمبراطورية ومصالحها واستثمار الحديد والعاج جعلهم يتجهون للوحدة والآن يفكرون في الانفصال إلى ثلاث قوميات لسبب أساسي، هو أن هناك قومية ثرية جدا وهناك قومية متوسطة إلى جانب وجود قومية فقيرة، ولأنه نظام ديمقراطي وتكافلي، فالقومية الغنية تشعر أنها تنفق على القوميتين الأخريين، بالإضافة إلى استيقاظ الأشباح الأثنية، الحقيقة أن الأشباح الأثنية تعود مرة أخرى، ففي احتفال ألمانيا الأخير بذكرى توحيد ألمانيا، تبين أن العديد من الشرائح في الشرقية السابقة والغربية السابقة ليسوا سعداء اثنيا اقتصاديا، ربما جرى التوافق على صيغة معينة لخدمة الشعبين، لكن بالمعنى الأثني هناك حساسيات بالرغم من أن انجيلا ميركل أصلها ألماني شرقي، أعتقد فيما يخص الأمم المسألة لم تحل بعد حتى الآن وخصوصا أوروبا باعتبارها كانت أمم دول وأمم قوميات، بالإضافة إلى ما سيفرزه التاريخ من تناقضات قادمة، أظن إذا أفلحت روسيا في استقطاب بعض مراكز نفوذها السابقة، وربما يتخذ الاستقطاب صفة معسكرين ليس كالسابق معسكر رأسمالي واشتراكي، وإنما معسكران لهما علاقة بتقسيمات أثنية وقومية وأحيانا يصاب المرء بالعجب إنه بعد كل هذه الثقافة التحررية وثقافة تجاوز العناصر القومية، وهذا ليس على صعيد الأمم فقط، وإنما على صعيد الأفراد، قد ترى نماذج لا تفكر أنها ألمانية أو بلجيكية أو هولندية، فهو يشعر تماما من العدمية القومية تماما، لكن عندما ينخرط بعمل فيه صفة الأمة تشعر أن انتماءه استيقظ، وهي انتماءات قديمة تعود إلى قرون سابقة.


    الانشطار بين واقعين
    تطرق صبحي أيضاً في الندوة إلى دور المثقف في الغرب ومساحة عملية التنوير في ظل العولمة، إذ يقول: لكي أكون صادقا معكم، فالمثقف العربي في الغرب (غريب الوجه واليد واللسان) وهو جزء مما يجري ويعيش حالة من الانشطار بين واقعين أو حالين: حالة في الغرب، حيث ينبغي أن يخضع لقوانين علمانية وقوانين ديمقراطية ودولة القانون وحال امتداداته في أصوله بالشرق، حيث عليه أن يراعي هذه أو تلك من الاعتبارات التي ليست دائما علمانية أو ديمقراطية، هو نوع من الانشطار ليس انشطار الذات وقد يكون علمانيا أو ديمقراطيا في أعماقه، لكن سلوكه ليس دائما انعكاسا صحيحا لقناعته، مثلا أن يكون علمانيا مثقفا في فرنسا ليس بالضرورة أن يتحلى بنفس العلمانية في سلطنة عمان، وبالتالي يجب عليه موضوعيا أن ينشطر، وبهذا المعنى ربما يجد نفسه عاجزاً عن أدائه الوظيفي كمثقف مستنير وطليعي يجب أن يؤدي واجبه، هناك كثيرون من يشار إليهم بالبنان في التجاوز، ولكن تظل هذه حالات فردية لكن في الحقيقة دورهم متواضع.
    قال الشيخ واحد عيار (أحمد الهنائي) يوماً
    لَأنَْتِ الأنُوثَةُ فِي عَالَمِي *** سَعِيدٌ أَنَا بِكِ فَلْتَسْمَعِينِي
    وَأَنْتِ مَلَاذِي وَسِرُّ حَيَاتِي *** خُلِقْتُ لحِضْنِكِ فَلْتَحْضِنِينِي
    جَمِيعُ طَلَاسِمِ هَذَا البَهَاءِ *** أُفَكِّكُهَا رَغْمَ عُمْقِ السُّكُونِ
    بَدَوْتِ لَنَا قَلْبَ هَذِي الحَيَاةِ *** بِنَبْضِكِ أَنْتِ أَعِيشُ سِنيِنِي
    فَأَنْتِ لَنَا كَلُّ مَا فِي الحَيَاةِ *** فَلَا تَبْخَلِي بِبَرِيقِ العُيوُنِ!
    *****
    أَبنِْتَ الجَمَالِ وَفِتْنَةَ قَلْبِي *** أَسِيرُ إِلَيكِ فَلَا تَخْذُلِينِي
    سَحَرْتِ فُؤَادِي فَهَا هُوَ يَهْذِي *** وَأَبْقَيْتِهِ فِي جَوًى وَأَنِينِ
    أَبِينِي التَّوَاضُعَ وَالِّلينَ إِمَّا *** رَجَوْتُكِ عَوْناً فَكُونِي مُعِينِي
    فَإِنَّ الْـمَحَبَّةَ فِي كُلِّ قَلْبٍ *** وَمَا اخْتَصَّتِ البِنْتُ دُونَ البَنيِنِ
    دَعِينِي لِحُسْنِكِ فَرَدَا مُطِيعاً *** فَيفْعَلَ بِي مِثْلَ فِعْلَ الجُنُونِ
    وَحَسْبِي وَإِيَّاكِ إِمَّا انْتَسَبْنَا: *** أَنَا عَرَبِيٌ وَدِينُكِ دِينِي
    15/7/2009

  • #2

    معاندة الطبيعة
    أما عن المثقف المقيم في العالم العربي فأنا أظن أن معضلته شاقة أكثر، فهو "يحمل السلم بالعرض" وكأنه يعاند الطبيعة، ذلك أن في الغرب لدى المثقف فرصة للمناورة بسبب تمتعه بالحرية وحرية الرأي، فأنا أستطيع أن أقول ما أشاء إذا لم أخرق القانون عن بلدي أو فرنسا أو ساركوزي أو عن كارل بروني، بينما مثلا إذا ما ذهبت لزيارة أي بلدٍ عربي، فينبغي علي أن أتحفظ لكي لا أقع في مطب القمع المباشر على الأقل لكي أراعي مشاعر الناس، وأنا هنا لا أقصد السلطة السياسية وإنما أعني السلطة الدينية (عقائد الناس أو يقينهم)، فالمثقف العربي في العالم العربي معضلته أشد، وبالتالي مسؤوليته أكبر وإنجازه جدير بالتكريم أكثر، يعني أن يصدر موقفا مستنيرا مثل موقف نصر حامد أبو زيد وهو في هولندا شيء مشرف، لكن المشرف أكثر أن لو كان موقفه قبل خروجه من مصر وحينما جرى الضغط عليه، يعني هنالك سيكون موقفه مشرفا أكثر، رغم أن موقفه في هولندا كان أوضح وامتلك حرية أكبر في التعبير، بالتالي إن مؤثرات وعراقيل أنظمة الاستبداد وأشكال القمع المختلفة سواء كان القمع المباشر أو غير المباشر، وهو قمع المجتمع نفسه أو الرقابة المباشرة ورقابة المثقف على ذاته، وهي الأشد هولا في بعض الأحيان.
    قال الشيخ واحد عيار (أحمد الهنائي) يوماً
    لَأنَْتِ الأنُوثَةُ فِي عَالَمِي *** سَعِيدٌ أَنَا بِكِ فَلْتَسْمَعِينِي
    وَأَنْتِ مَلَاذِي وَسِرُّ حَيَاتِي *** خُلِقْتُ لحِضْنِكِ فَلْتَحْضِنِينِي
    جَمِيعُ طَلَاسِمِ هَذَا البَهَاءِ *** أُفَكِّكُهَا رَغْمَ عُمْقِ السُّكُونِ
    بَدَوْتِ لَنَا قَلْبَ هَذِي الحَيَاةِ *** بِنَبْضِكِ أَنْتِ أَعِيشُ سِنيِنِي
    فَأَنْتِ لَنَا كَلُّ مَا فِي الحَيَاةِ *** فَلَا تَبْخَلِي بِبَرِيقِ العُيوُنِ!
    *****
    أَبنِْتَ الجَمَالِ وَفِتْنَةَ قَلْبِي *** أَسِيرُ إِلَيكِ فَلَا تَخْذُلِينِي
    سَحَرْتِ فُؤَادِي فَهَا هُوَ يَهْذِي *** وَأَبْقَيْتِهِ فِي جَوًى وَأَنِينِ
    أَبِينِي التَّوَاضُعَ وَالِّلينَ إِمَّا *** رَجَوْتُكِ عَوْناً فَكُونِي مُعِينِي
    فَإِنَّ الْـمَحَبَّةَ فِي كُلِّ قَلْبٍ *** وَمَا اخْتَصَّتِ البِنْتُ دُونَ البَنيِنِ
    دَعِينِي لِحُسْنِكِ فَرَدَا مُطِيعاً *** فَيفْعَلَ بِي مِثْلَ فِعْلَ الجُنُونِ
    وَحَسْبِي وَإِيَّاكِ إِمَّا انْتَسَبْنَا: *** أَنَا عَرَبِيٌ وَدِينُكِ دِينِي
    15/7/2009

    تعليق


    • #3

      منهجية القراءة
      وعن تقييمه لمسيرة النقد في الأدب العربي بشكل عام وللقصيدة النثرية بشكل خاص قال حديدي: من وجهة نظري أن النقد الأدبي يقوم بوظيفة أساسية وربما وظيفتين، إذا قام بهما معا فهذا خير وأبقى ، الأولى تتمثل في أن يقترح على القارئ قراءة مسلحة مدربة تعتمد على تدرب الناقد وبالتالي قراءة فيها منهجية قد تساعد القارئ في تجاوز قراءات الشخصية للعمل، وبالتالي تنصف العمل الأدبي وقد تنتج عن هذه القراءة ربما نظرية أدبية ما أو خبط في التفكير النظري يتجاوز العمل المدروس ليصبح نظرية مكرسة على سبيل المثال "تي إس اليوت" الشاعر الشهير كان يتحدث عن شخصية هاملت في مسرحية شكسبير، ولكن في سياق الحديث توصل إلى فكرة المعادلة الموضوعية والتي أصبحت فيما بعد بذاتها نظرية أدبية، بالتالي أصبحت صالحة للاستخدام مع نصوص أخرى ليست بالضرورة متصلة مع شخصية هاملت. هذا من وجهة نظري أقصى ما يقوم به النقد، وأنا أكرر دائما أن النقد هو رديف الإبداع وليس فوق الإبداع وليس قبل الإبداع، كما أنه ليس إبداعا، فأجمل النقاد الذين نستطيع البحث عن صفات إبداعيه في كتاباتهم هم النقاد الذين يتحلون بلغة أدبية عالية، فيكتب النقد ليس بالطريقة التحليلية فقط، وإنما فيها لغة أدبية عالية من أمثالهم عبدالفتاح كليطوا المغربي وعبدالكبير الخطيبي أو كارولا مبارك الذي قد تجد له مقالا تحليليا جافا ومقالا آخر بلاغيا جميلا، هناك جوانب إبداعية. أما عن رأيي وقد يختلف الكثيرون معي أن النقد هو نشاط معرفي وتحليلي حول العمل الإبداعي، أما عن قصيدة النثر هي مسألة معقدة، أعتقد أن مشكلتها الكبرى لا تزال أنها في حالة اغتراب عن القارئ؛ لأنها تتخلى طواعية عن الإيقاع الموسيقي المباشر أو الوزن، سواء كان وزنا في العمود أو في التفعيلة، وبالتالي التحدي الأكبر أن تقنع القارئ الذي اعتاد خلال قرون على الذائقة الأذنية "إيقاع عالٍ" فعندما نقرأ الشعر العمودي أو شعر التفعيلة فإن الموسيقى تتصف بإيقاع عالٍ، فهذا شيء تعودنا عليه، فيصبح هناك نوع من الاغتراب، لأنك ككاتب نثر تتنازل بطواعية عن الإيقاع والوزن، لكن لا تستطيع أبدا اقتراح بديل إيقاعي يدغدغ الذائقة الطويلة التي يتحلى بها المتلقون، وطبعا الكثير من الشعر العربي القديم الذي يتحلى بموسيقى عالية هو نظم محض، كما أن المثال الشهير في عصر الانحطاط "كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء" هذا البيت إذا أتينا لتحليله فهو به إيقاع وموسيقى وتفاعيل وهو سليم لغويا لكنه هذر، قصيدة النثر تحديها كبير وبالتالي تحديها أمام القارئ أكبر. هناك نماذج جميلة جدا وعالمية من قصائد النثر العربية، لكنها لا تزال مغتربة عن القارئ العربي.
      إبداع الصحراء
      وعن التصنيف الجغرافي في المنجز الثقافي وماهية وجهة نظره النقدية وتصنيفه لمنجز منطقة الخليج رد قائلا: أحيانا نحتاج إلى التصنيف الجغرافي لأسباب تحليلية صرفة، لكن يجب ألا نقع في مطب تحويلها إلى جزر إبداعية مستقلة، فأنا كنت ضد الحديث عن إبداع الصحراء ومرت فترة خرج الأخوان في السعودية بنظرية ثقافة الصحراء فأصبح قاسم حداد إجباريا ضمن هذه الثقافة، كما ضمت قصيدة سيف الرحبي عن هولندا إلى ثقافة الصحراء؛ نظرا لأنه من عمان، لكن لابد أن هناك خصوصية حين تتبحر عميقا وتحاول الربط من باب التصنيف ثم من باب التحليل إذا شئت التأليف ما بين مجموعة من الظواهر لابد من الأخذ بعين الاعتبار قيمة المكان وأثره، وهذا يعني أنه ليس من الضرورة أن العناصر الجغرافية محددة لطبيعة الأعمال الإبداعية؛ لكننا نحتاجها لفهم خلفيات معينة، هناك كتل إذا صح التعبير فهناك كتلة شعر خليجي لها خصوصية لكنها إلى حد كبير هي شكل من أشكال تطوير التجربة اللبنانية في قصيدة نثر مثلا مع بعض الاستثناءات.
      وفي الرواية أنا لا أعتقد أنها ليست بمعزل عن الروايات الرديئة للكاتبات السعوديات والتي تكتب فعلا لتدغدغ فتتحدث عن المثلية والقصور...الخ مع بعض الاستثناءات فلا أجد روابط مشتركة بين السرد الخليجي، لكن أجد خصوصيات تجمع بينها، على هذا النحو أو ذاك، وأنا أركز على خصوصية الصوت الذاتي للكاتب أكثر من أين جاء؟ ومن أي بلد؟ وللحديث بشكل أكبر أعتقد أن من الحماقة والتعدي والاعتداء الحديث عن الأدب الأفريقي لمجرد أنه في دولة أفريقية فهناك تعددية هائلة وأصوات مغايرة تماما في التجارب الأفريقية ليس فقط في شمال أفريقيا بين الدول المغاربية ومصر والسودان، فأدب الطيب الصالح في الحقيقة لا علاقة له، هو أدب سوداني فلا أعتبره أدبا أفريقيا فهو أدب سوداني بامتياز، لكن هناك خصوصية أفريقيا في السودان كما لمصر خصوصية أفريقية لها ملامحها ولها سماتها، لكن لا أستطيع القول أن هذا أدب أفريقي بمعنى التصنيف القاري، وهذا أيضا لا يلغي حقه، فهناك أناس يحبون الانتماء إلى القارة الأفريقية، فهذا لا بأس به عندما نحتاجه في التصنيف الأكاديمي ومحاولات تجميع الفروقات في إطارات من أجل تسهيل التحليل ليس أكثر.

      الترجمة واجب
      وحول تجربته في الترجمة إلى العربية في الأدب والرواية والنظرية النقدية وتقييمه لمستوى الترجمة في العالم العربي قال: أعتبر أن كل مثقف عربي قادر على الترجمة عليه واجب ومسؤولية أن يترجم، لأن الترجمة بقدر ما هي خيانة للأصل كما يقول الإيطاليون،"المترجمون خونة" إلا أنها نشاط معرفي لا غنى عنه على الإطلاق من جانبي، فقد ترجمت في الفلسفة وفي التاريخ السياسي والرواية وفي الشعر وفي الدراسات النقدية، ومعياري الأول أن العمل يستطيع أن يشدني لكنه لا يكفي لكي أذهب إلى ترجمته، المعيار الآخر عندما أعلم أن هذا العمل سيعود بالفائدة على القارئ العربي، والمعيار الثالث أتساءل إذا كنت أستطيع ترجمته أم لا، فإذا استجبت للمعيارين وشعرت أني غير قادر للاستجابة للمعيار الثالث، فهنا يمكنني أن أنصح فيه صديق، ولكنني أشعر أن المثقف الذي يستطيع على الترجمة ولا يترجم أو يتمنع عن الترجمة فهو من وجهة نظري يستقيل من وظيفة بالغة الحيوية وبالغة الأهمية، هناك حركة ترجمة واسعة بقدر ما تتيح المؤسسات ودعم من جهات ثقافية، لكن في الإجمال أظن أن هناك نشاطا في الترجمة أنا أستطيع الحديث عنه بايجابية، وسواء كان هذا النشاط من حيث الفرز والتصنيف وإهمال أعمال والتركيز على أعمال أخرى أيا كانت السلبيات، أنا أعتبر أن جميعه مفيد حتى إذا ترجم كتابا رديئا. أشعر في نهاية الأمر وضع مادة رديئة في يد القارئ ليرى بعينه أنها رديئة أفضل من تركها مغيبة عنه وهي رديئة، لكنني أعتقد أن قلة قليلة جدا من الذين يتصدون للترجمة من موقع معرفي وموقع مسؤولية يمكن فعلا أن يقدم على ترجمة كتاب رديء إلا إذا ترجمه من باب الحصول على مورد رزق ـبصراحة ليس في بلد مستنير مثل فرنساـ حين صعدت موجة روايات المرأة السعودية. أنا أعرف ناشرا فرنسيا ترجم رواية لامرأة سعودية في مدة أسبوع فجلب خمس مترجمين مغاربة وقسم الرواية إلى ملازم وترجمها لأنهم أقنعوه إذا ترجمها ستحقق ربحا ماديا هائلا وفعلا لاقت إقبالا كبيرا مع أنها في منتهى الرداءة لدرجة أن المترجمين رفضوا وضع أسمائهم وكان الناشر غير معني بهذا الأمر.
      كما أنني أعرف عن رواية سعودية أيضا كان المسؤول أو مدير الأعمال ذكيا جدا، وهو بريطاني، إذ قال لها لا تقبلي أي عرض للترجمة باللغة الفرنسية، حيث في تلك الفترة ظهرت موجة في فرنسا على أدب المرأة الذي يهتم بالأدب الجنسي المكشوف مثل رواية (برهان العسل) وهي برأيي ليست رواية رديئة طبعا، وبالتالي قال لها أنا سأجلب لك أفضل سعر ترجمة عن طريق المزايدة فوضع سعرا أدنى ثم بدأوا يزايدون وبلغ بها ثلاث أضعاف المكافأة التي كانت متوقعة، وهذا في بلد مثل فرنسا وهي مسألة نسبية.
      وفي نهاية الندوة تحدث حديدي عن الحنين إلى الوطن فقال: أشتاق إلى بلدي كثيرا، فدائما أتلقى أخبارا سعيدة وغير سعيدة عن أهلي، فقد توفيت والدتي ـرحمها الله ـ وأنا بعيد عنها، حيث كنت في عمان بالأردن. في الواقع المسألة بالنسبة لي أكثر من حنين أو اشتياق، فلدي موقف له علاقة بطرائق تصعيد المنفى بحيث يتحول فعلا إلى حالة إيجابية من التواصل مع الوطن، حيث أسعى إلى التواصل ماديا عن طريق وسائل الاتصالات التي تتيح ذلك، كما وأسعى كل ما زرت بلدا عربيا إلى أتواصل مع أبناء بلدي ليس لكي أمارس الحنين، وإنما هو شكل من أشكال المقاومة على تواضع كبير مقاومة الغربة والبقاء على أمل أن أعود إلى بلدي، فالحائل دون عودتي إلى بلدي لن يكون أزليا.
      فشل البرامج البرجوازية أكسب الخطاب الإسلامي جاذبية

      وعن رأيه في الخطاب السياسي وتطوره، قال صبحي حديدي إن هناك أشكالا وأنواعا مختلفة من الخطابات، منها خطابات سائرة على ألسنة الجموع وأذهان الناس، بمعنى هي خطابات تبنتها أحزاب واسعة النطاق أو الحركات الجماهيرية والخطابات الرائجة من قبيل الموضة والخطابات الأقلوية أو الخطابات التي يبشر بها أفراد منفيون ومطاردون ومنبوذون؛ لأنه لا يوجد في الحقيقة خطاب واحد حتى ضمن صعيد الرزمة الواحدة من التفكير لأنه داخل التفكير الإسلامي هناك خط مستنير، وهناك خط محافظ وخط متطرف وهناك خط بين بين وإلى آخره، ولكنني أظن أن تباين هذه الخطابات له علاقة بتطورات المجتمعات في نهاية الأمر، لديك برامج سياسية صعدت ثم هبطت، حركات تحرر بدت وكأنها صخرة الخلاص تبين أنها صخرة الفساد والاستبداد، هناك برامج البرجوازية الصغيرة التي طرحت لإنقاذ الإنسان وتبيّن أنها تسعى لاستعباده، وهناك حالة إحباط، وفي تقديري الذي أكسب الخطاب الإسلامي المسيس جاذبية لدى الشارع الشعبي حقيقة ليس صعود الخمينية وغيرها، وإنما هو فشل برامج البرجوازية الصغيرة وفشل ما أرادت أن تفعله الإمبراطورية، وما أراد أن يفعله حزب البعث، وما أراد أن يفعله الحزب السوري القومي الاشتراكي، فهي أحزاب أرادت أن تكون علمانية ونهضوية بين الأهلة، لكنها فشلت لأنها لم تكن تماما علمانية وفشلت، والآن الخطاب الإسلامي يعاني النقيض، يعاني من انحسار البرامج ويعاني من العجز وتجسيد أشكال التعبير البسيط الآن، فالخطاب الإسلامي يعاني من شرخ عنيف، وأنا لا أنظر إلى الخطاب الإسلامي إلا نظرة شديدة التشكك وشديدة المراقبة، فأنا رجل علماني وأؤمن أن ما لله لله وما لقيصر لقيصر، فأنا رجل مسلم ونشأت في بيئة مسلمة، لكنني أحترم باقي الديانات والعقائد، لكن التطبيق المدني للشريعة الإسلامية ومحاولة فرض الشريعة الإسلامية من زاوية العقيدة بمعنى أن تكون مسلما بالإيمان هذا يعطيك حق أن تفرض علي قوانين شريعة، هذا ما أرفضه وأنظر إليه بتشكك كبير، وهذا لا يعني على الإطلاق أن نستسلم بسهولة للعلمانية الكاذبة والعلمانية المفرطة، على سبيل المثال الآن ما يقوم به حزب العدالة والتنمية في تركيا هو أفضل ما قام به أحزاب العلمانية الأتاتوركية، لكن أنا أنظر دائما بحذر إلى ما يفعله أردوجان، فقد يقرر غدا فرض الحجاب على الناس بالدستور أو بالديمقراطية، لكن حين تجري الإنجازات من واقع إسلام مستنير وإسلام معتدل حتى على الصعيد الاقتصادي، الآن الاقتصاد التركي مذهل وتغار منه ألمانيا، وبالتالي على صعيد الحريات ليس هناك مساس جوهري، فالحريات تمس بما تسمى الدول العلمانية مثل سوريا وغيرها أكثر بكثير مما تمس في تركيا، وأيضا أنظر بنفس الارتياب إلى الخطاب العلماني المغالي أي تغمض عينيك، وتقول أنا علماني وليذهب إلى الجحيم البقية، فهذه حماقة وهو ما يسهم في التأخر والرجوع إلى الوراء، يجب أن يكون هناك موقف نسبي معقلن وهادف و موقف نقدي، فلا نستطيع أن نتخذ موقفا مسبقا بسبب تحزب أو تعصب من أي نوع كان.
      في مداخلة لحاتم الطائي قال: من هنا تتضح لنا أهمية الاهتمام بالمثقف النقدي، فمثلا عندما نتحدث عن حزب الرفاه في تركيا هو حزب متقدم جدا ولا يقارن بأي حزب إسلامي آخر، إنه حزب إسلامي محافظ وله ميوله الإسلامية إلا أنه حزب برأيي تقدم كثيرا في أطروحاته حتى الاستفتاء الأخير في تحييد الجيش، وهو موضوع ليس بالسهل، فقبل خمس سنوات كان من الصعب المساس بالجيش أو الاقتراب منه أو نقده، فهو يعتبر مؤسسة حاكمة في تركيا، فهذا يعتبر إنجازا حققه الحزب لصالح التحديث والحداثة في البلاد، وهذا ليس موجودا لدينا في الأحزاب الإسلامية في العالم العربي وهي أحزاب أصولية، تهتم بالشكل كاللحية وتقصير الثوب وأشكال الوضوء، وهي أشياء ليست لها علاقة بتقدم المجتمع، كما أنه لا يخفى على الجميع أن التيارات الأصولية خدمت كثيرا السياسة الأمريكية.

      قال الشيخ واحد عيار (أحمد الهنائي) يوماً
      لَأنَْتِ الأنُوثَةُ فِي عَالَمِي *** سَعِيدٌ أَنَا بِكِ فَلْتَسْمَعِينِي
      وَأَنْتِ مَلَاذِي وَسِرُّ حَيَاتِي *** خُلِقْتُ لحِضْنِكِ فَلْتَحْضِنِينِي
      جَمِيعُ طَلَاسِمِ هَذَا البَهَاءِ *** أُفَكِّكُهَا رَغْمَ عُمْقِ السُّكُونِ
      بَدَوْتِ لَنَا قَلْبَ هَذِي الحَيَاةِ *** بِنَبْضِكِ أَنْتِ أَعِيشُ سِنيِنِي
      فَأَنْتِ لَنَا كَلُّ مَا فِي الحَيَاةِ *** فَلَا تَبْخَلِي بِبَرِيقِ العُيوُنِ!
      *****
      أَبنِْتَ الجَمَالِ وَفِتْنَةَ قَلْبِي *** أَسِيرُ إِلَيكِ فَلَا تَخْذُلِينِي
      سَحَرْتِ فُؤَادِي فَهَا هُوَ يَهْذِي *** وَأَبْقَيْتِهِ فِي جَوًى وَأَنِينِ
      أَبِينِي التَّوَاضُعَ وَالِّلينَ إِمَّا *** رَجَوْتُكِ عَوْناً فَكُونِي مُعِينِي
      فَإِنَّ الْـمَحَبَّةَ فِي كُلِّ قَلْبٍ *** وَمَا اخْتَصَّتِ البِنْتُ دُونَ البَنيِنِ
      دَعِينِي لِحُسْنِكِ فَرَدَا مُطِيعاً *** فَيفْعَلَ بِي مِثْلَ فِعْلَ الجُنُونِ
      وَحَسْبِي وَإِيَّاكِ إِمَّا انْتَسَبْنَا: *** أَنَا عَرَبِيٌ وَدِينُكِ دِينِي
      15/7/2009

      تعليق


      • #4

        منهجية القراءة
        وعن تقييمه لمسيرة النقد في الأدب العربي بشكل عام وللقصيدة النثرية بشكل خاص قال حديدي: من وجهة نظري أن النقد الأدبي يقوم بوظيفة أساسية وربما وظيفتين، إذا قام بهما معا فهذا خير وأبقى ، الأولى تتمثل في أن يقترح على القارئ قراءة مسلحة مدربة تعتمد على تدرب الناقد وبالتالي قراءة فيها منهجية قد تساعد القارئ في تجاوز قراءات الشخصية للعمل، وبالتالي تنصف العمل الأدبي وقد تنتج عن هذه القراءة ربما نظرية أدبية ما أو خبط في التفكير النظري يتجاوز العمل المدروس ليصبح نظرية مكرسة على سبيل المثال "تي إس اليوت" الشاعر الشهير كان يتحدث عن شخصية هاملت في مسرحية شكسبير، ولكن في سياق الحديث توصل إلى فكرة المعادلة الموضوعية والتي أصبحت فيما بعد بذاتها نظرية أدبية، بالتالي أصبحت صالحة للاستخدام مع نصوص أخرى ليست بالضرورة متصلة مع شخصية هاملت. هذا من وجهة نظري أقصى ما يقوم به النقد، وأنا أكرر دائما أن النقد هو رديف الإبداع وليس فوق الإبداع وليس قبل الإبداع، كما أنه ليس إبداعا، فأجمل النقاد الذين نستطيع البحث عن صفات إبداعيه في كتاباتهم هم النقاد الذين يتحلون بلغة أدبية عالية، فيكتب النقد ليس بالطريقة التحليلية فقط، وإنما فيها لغة أدبية عالية من أمثالهم عبدالفتاح كليطوا المغربي وعبدالكبير الخطيبي أو كارولا مبارك الذي قد تجد له مقالا تحليليا جافا ومقالا آخر بلاغيا جميلا، هناك جوانب إبداعية. أما عن رأيي وقد يختلف الكثيرون معي أن النقد هو نشاط معرفي وتحليلي حول العمل الإبداعي، أما عن قصيدة النثر هي مسألة معقدة، أعتقد أن مشكلتها الكبرى لا تزال أنها في حالة اغتراب عن القارئ؛ لأنها تتخلى طواعية عن الإيقاع الموسيقي المباشر أو الوزن، سواء كان وزنا في العمود أو في التفعيلة، وبالتالي التحدي الأكبر أن تقنع القارئ الذي اعتاد خلال قرون على الذائقة الأذنية "إيقاع عالٍ" فعندما نقرأ الشعر العمودي أو شعر التفعيلة فإن الموسيقى تتصف بإيقاع عالٍ، فهذا شيء تعودنا عليه، فيصبح هناك نوع من الاغتراب، لأنك ككاتب نثر تتنازل بطواعية عن الإيقاع والوزن، لكن لا تستطيع أبدا اقتراح بديل إيقاعي يدغدغ الذائقة الطويلة التي يتحلى بها المتلقون، وطبعا الكثير من الشعر العربي القديم الذي يتحلى بموسيقى عالية هو نظم محض، كما أن المثال الشهير في عصر الانحطاط "كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء" هذا البيت إذا أتينا لتحليله فهو به إيقاع وموسيقى وتفاعيل وهو سليم لغويا لكنه هذر، قصيدة النثر تحديها كبير وبالتالي تحديها أمام القارئ أكبر. هناك نماذج جميلة جدا وعالمية من قصائد النثر العربية، لكنها لا تزال مغتربة عن القارئ العربي.
        إبداع الصحراء
        وعن التصنيف الجغرافي في المنجز الثقافي وماهية وجهة نظره النقدية وتصنيفه لمنجز منطقة الخليج رد قائلا: أحيانا نحتاج إلى التصنيف الجغرافي لأسباب تحليلية صرفة، لكن يجب ألا نقع في مطب تحويلها إلى جزر إبداعية مستقلة، فأنا كنت ضد الحديث عن إبداع الصحراء ومرت فترة خرج الأخوان في السعودية بنظرية ثقافة الصحراء فأصبح قاسم حداد إجباريا ضمن هذه الثقافة، كما ضمت قصيدة سيف الرحبي عن هولندا إلى ثقافة الصحراء؛ نظرا لأنه من عمان، لكن لابد أن هناك خصوصية حين تتبحر عميقا وتحاول الربط من باب التصنيف ثم من باب التحليل إذا شئت التأليف ما بين مجموعة من الظواهر لابد من الأخذ بعين الاعتبار قيمة المكان وأثره، وهذا يعني أنه ليس من الضرورة أن العناصر الجغرافية محددة لطبيعة الأعمال الإبداعية؛ لكننا نحتاجها لفهم خلفيات معينة، هناك كتل إذا صح التعبير فهناك كتلة شعر خليجي لها خصوصية لكنها إلى حد كبير هي شكل من أشكال تطوير التجربة اللبنانية في قصيدة نثر مثلا مع بعض الاستثناءات.
        وفي الرواية أنا لا أعتقد أنها ليست بمعزل عن الروايات الرديئة للكاتبات السعوديات والتي تكتب فعلا لتدغدغ فتتحدث عن المثلية والقصور...الخ مع بعض الاستثناءات فلا أجد روابط مشتركة بين السرد الخليجي، لكن أجد خصوصيات تجمع بينها، على هذا النحو أو ذاك، وأنا أركز على خصوصية الصوت الذاتي للكاتب أكثر من أين جاء؟ ومن أي بلد؟ وللحديث بشكل أكبر أعتقد أن من الحماقة والتعدي والاعتداء الحديث عن الأدب الأفريقي لمجرد أنه في دولة أفريقية فهناك تعددية هائلة وأصوات مغايرة تماما في التجارب الأفريقية ليس فقط في شمال أفريقيا بين الدول المغاربية ومصر والسودان، فأدب الطيب الصالح في الحقيقة لا علاقة له، هو أدب سوداني فلا أعتبره أدبا أفريقيا فهو أدب سوداني بامتياز، لكن هناك خصوصية أفريقيا في السودان كما لمصر خصوصية أفريقية لها ملامحها ولها سماتها، لكن لا أستطيع القول أن هذا أدب أفريقي بمعنى التصنيف القاري، وهذا أيضا لا يلغي حقه، فهناك أناس يحبون الانتماء إلى القارة الأفريقية، فهذا لا بأس به عندما نحتاجه في التصنيف الأكاديمي ومحاولات تجميع الفروقات في إطارات من أجل تسهيل التحليل ليس أكثر.

        الترجمة واجب
        وحول تجربته في الترجمة إلى العربية في الأدب والرواية والنظرية النقدية وتقييمه لمستوى الترجمة في العالم العربي قال: أعتبر أن كل مثقف عربي قادر على الترجمة عليه واجب ومسؤولية أن يترجم، لأن الترجمة بقدر ما هي خيانة للأصل كما يقول الإيطاليون،"المترجمون خونة" إلا أنها نشاط معرفي لا غنى عنه على الإطلاق من جانبي، فقد ترجمت في الفلسفة وفي التاريخ السياسي والرواية وفي الشعر وفي الدراسات النقدية، ومعياري الأول أن العمل يستطيع أن يشدني لكنه لا يكفي لكي أذهب إلى ترجمته، المعيار الآخر عندما أعلم أن هذا العمل سيعود بالفائدة على القارئ العربي، والمعيار الثالث أتساءل إذا كنت أستطيع ترجمته أم لا، فإذا استجبت للمعيارين وشعرت أني غير قادر للاستجابة للمعيار الثالث، فهنا يمكنني أن أنصح فيه صديق، ولكنني أشعر أن المثقف الذي يستطيع على الترجمة ولا يترجم أو يتمنع عن الترجمة فهو من وجهة نظري يستقيل من وظيفة بالغة الحيوية وبالغة الأهمية، هناك حركة ترجمة واسعة بقدر ما تتيح المؤسسات ودعم من جهات ثقافية، لكن في الإجمال أظن أن هناك نشاطا في الترجمة أنا أستطيع الحديث عنه بايجابية، وسواء كان هذا النشاط من حيث الفرز والتصنيف وإهمال أعمال والتركيز على أعمال أخرى أيا كانت السلبيات، أنا أعتبر أن جميعه مفيد حتى إذا ترجم كتابا رديئا. أشعر في نهاية الأمر وضع مادة رديئة في يد القارئ ليرى بعينه أنها رديئة أفضل من تركها مغيبة عنه وهي رديئة، لكنني أعتقد أن قلة قليلة جدا من الذين يتصدون للترجمة من موقع معرفي وموقع مسؤولية يمكن فعلا أن يقدم على ترجمة كتاب رديء إلا إذا ترجمه من باب الحصول على مورد رزق ـبصراحة ليس في بلد مستنير مثل فرنساـ حين صعدت موجة روايات المرأة السعودية. أنا أعرف ناشرا فرنسيا ترجم رواية لامرأة سعودية في مدة أسبوع فجلب خمس مترجمين مغاربة وقسم الرواية إلى ملازم وترجمها لأنهم أقنعوه إذا ترجمها ستحقق ربحا ماديا هائلا وفعلا لاقت إقبالا كبيرا مع أنها في منتهى الرداءة لدرجة أن المترجمين رفضوا وضع أسمائهم وكان الناشر غير معني بهذا الأمر.
        كما أنني أعرف عن رواية سعودية أيضا كان المسؤول أو مدير الأعمال ذكيا جدا، وهو بريطاني، إذ قال لها لا تقبلي أي عرض للترجمة باللغة الفرنسية، حيث في تلك الفترة ظهرت موجة في فرنسا على أدب المرأة الذي يهتم بالأدب الجنسي المكشوف مثل رواية (برهان العسل) وهي برأيي ليست رواية رديئة طبعا، وبالتالي قال لها أنا سأجلب لك أفضل سعر ترجمة عن طريق المزايدة فوضع سعرا أدنى ثم بدأوا يزايدون وبلغ بها ثلاث أضعاف المكافأة التي كانت متوقعة، وهذا في بلد مثل فرنسا وهي مسألة نسبية.
        وفي نهاية الندوة تحدث حديدي عن الحنين إلى الوطن فقال: أشتاق إلى بلدي كثيرا، فدائما أتلقى أخبارا سعيدة وغير سعيدة عن أهلي، فقد توفيت والدتي ـرحمها الله ـ وأنا بعيد عنها، حيث كنت في عمان بالأردن. في الواقع المسألة بالنسبة لي أكثر من حنين أو اشتياق، فلدي موقف له علاقة بطرائق تصعيد المنفى بحيث يتحول فعلا إلى حالة إيجابية من التواصل مع الوطن، حيث أسعى إلى التواصل ماديا عن طريق وسائل الاتصالات التي تتيح ذلك، كما وأسعى كل ما زرت بلدا عربيا إلى أتواصل مع أبناء بلدي ليس لكي أمارس الحنين، وإنما هو شكل من أشكال المقاومة على تواضع كبير مقاومة الغربة والبقاء على أمل أن أعود إلى بلدي، فالحائل دون عودتي إلى بلدي لن يكون أزليا.
        فشل البرامج البرجوازية أكسب الخطاب الإسلامي جاذبية

        وعن رأيه في الخطاب السياسي وتطوره، قال صبحي حديدي إن هناك أشكالا وأنواعا مختلفة من الخطابات، منها خطابات سائرة على ألسنة الجموع وأذهان الناس، بمعنى هي خطابات تبنتها أحزاب واسعة النطاق أو الحركات الجماهيرية والخطابات الرائجة من قبيل الموضة والخطابات الأقلوية أو الخطابات التي يبشر بها أفراد منفيون ومطاردون ومنبوذون؛ لأنه لا يوجد في الحقيقة خطاب واحد حتى ضمن صعيد الرزمة الواحدة من التفكير لأنه داخل التفكير الإسلامي هناك خط مستنير، وهناك خط محافظ وخط متطرف وهناك خط بين بين وإلى آخره، ولكنني أظن أن تباين هذه الخطابات له علاقة بتطورات المجتمعات في نهاية الأمر، لديك برامج سياسية صعدت ثم هبطت، حركات تحرر بدت وكأنها صخرة الخلاص تبين أنها صخرة الفساد والاستبداد، هناك برامج البرجوازية الصغيرة التي طرحت لإنقاذ الإنسان وتبيّن أنها تسعى لاستعباده، وهناك حالة إحباط، وفي تقديري الذي أكسب الخطاب الإسلامي المسيس جاذبية لدى الشارع الشعبي حقيقة ليس صعود الخمينية وغيرها، وإنما هو فشل برامج البرجوازية الصغيرة وفشل ما أرادت أن تفعله الإمبراطورية، وما أراد أن يفعله حزب البعث، وما أراد أن يفعله الحزب السوري القومي الاشتراكي، فهي أحزاب أرادت أن تكون علمانية ونهضوية بين الأهلة، لكنها فشلت لأنها لم تكن تماما علمانية وفشلت، والآن الخطاب الإسلامي يعاني النقيض، يعاني من انحسار البرامج ويعاني من العجز وتجسيد أشكال التعبير البسيط الآن، فالخطاب الإسلامي يعاني من شرخ عنيف، وأنا لا أنظر إلى الخطاب الإسلامي إلا نظرة شديدة التشكك وشديدة المراقبة، فأنا رجل علماني وأؤمن أن ما لله لله وما لقيصر لقيصر، فأنا رجل مسلم ونشأت في بيئة مسلمة، لكنني أحترم باقي الديانات والعقائد، لكن التطبيق المدني للشريعة الإسلامية ومحاولة فرض الشريعة الإسلامية من زاوية العقيدة بمعنى أن تكون مسلما بالإيمان هذا يعطيك حق أن تفرض علي قوانين شريعة، هذا ما أرفضه وأنظر إليه بتشكك كبير، وهذا لا يعني على الإطلاق أن نستسلم بسهولة للعلمانية الكاذبة والعلمانية المفرطة، على سبيل المثال الآن ما يقوم به حزب العدالة والتنمية في تركيا هو أفضل ما قام به أحزاب العلمانية الأتاتوركية، لكن أنا أنظر دائما بحذر إلى ما يفعله أردوجان، فقد يقرر غدا فرض الحجاب على الناس بالدستور أو بالديمقراطية، لكن حين تجري الإنجازات من واقع إسلام مستنير وإسلام معتدل حتى على الصعيد الاقتصادي، الآن الاقتصاد التركي مذهل وتغار منه ألمانيا، وبالتالي على صعيد الحريات ليس هناك مساس جوهري، فالحريات تمس بما تسمى الدول العلمانية مثل سوريا وغيرها أكثر بكثير مما تمس في تركيا، وأيضا أنظر بنفس الارتياب إلى الخطاب العلماني المغالي أي تغمض عينيك، وتقول أنا علماني وليذهب إلى الجحيم البقية، فهذه حماقة وهو ما يسهم في التأخر والرجوع إلى الوراء، يجب أن يكون هناك موقف نسبي معقلن وهادف و موقف نقدي، فلا نستطيع أن نتخذ موقفا مسبقا بسبب تحزب أو تعصب من أي نوع كان.
        في مداخلة لحاتم الطائي قال: من هنا تتضح لنا أهمية الاهتمام بالمثقف النقدي، فمثلا عندما نتحدث عن حزب الرفاه في تركيا هو حزب متقدم جدا ولا يقارن بأي حزب إسلامي آخر، إنه حزب إسلامي محافظ وله ميوله الإسلامية إلا أنه حزب برأيي تقدم كثيرا في أطروحاته حتى الاستفتاء الأخير في تحييد الجيش، وهو موضوع ليس بالسهل، فقبل خمس سنوات كان من الصعب المساس بالجيش أو الاقتراب منه أو نقده، فهو يعتبر مؤسسة حاكمة في تركيا، فهذا يعتبر إنجازا حققه الحزب لصالح التحديث والحداثة في البلاد، وهذا ليس موجودا لدينا في الأحزاب الإسلامية في العالم العربي وهي أحزاب أصولية، تهتم بالشكل كاللحية وتقصير الثوب وأشكال الوضوء، وهي أشياء ليست لها علاقة بتقدم المجتمع، كما أنه لا يخفى على الجميع أن التيارات الأصولية خدمت كثيرا السياسة الأمريكية.

        قال الشيخ واحد عيار (أحمد الهنائي) يوماً
        لَأنَْتِ الأنُوثَةُ فِي عَالَمِي *** سَعِيدٌ أَنَا بِكِ فَلْتَسْمَعِينِي
        وَأَنْتِ مَلَاذِي وَسِرُّ حَيَاتِي *** خُلِقْتُ لحِضْنِكِ فَلْتَحْضِنِينِي
        جَمِيعُ طَلَاسِمِ هَذَا البَهَاءِ *** أُفَكِّكُهَا رَغْمَ عُمْقِ السُّكُونِ
        بَدَوْتِ لَنَا قَلْبَ هَذِي الحَيَاةِ *** بِنَبْضِكِ أَنْتِ أَعِيشُ سِنيِنِي
        فَأَنْتِ لَنَا كَلُّ مَا فِي الحَيَاةِ *** فَلَا تَبْخَلِي بِبَرِيقِ العُيوُنِ!
        *****
        أَبنِْتَ الجَمَالِ وَفِتْنَةَ قَلْبِي *** أَسِيرُ إِلَيكِ فَلَا تَخْذُلِينِي
        سَحَرْتِ فُؤَادِي فَهَا هُوَ يَهْذِي *** وَأَبْقَيْتِهِ فِي جَوًى وَأَنِينِ
        أَبِينِي التَّوَاضُعَ وَالِّلينَ إِمَّا *** رَجَوْتُكِ عَوْناً فَكُونِي مُعِينِي
        فَإِنَّ الْـمَحَبَّةَ فِي كُلِّ قَلْبٍ *** وَمَا اخْتَصَّتِ البِنْتُ دُونَ البَنيِنِ
        دَعِينِي لِحُسْنِكِ فَرَدَا مُطِيعاً *** فَيفْعَلَ بِي مِثْلَ فِعْلَ الجُنُونِ
        وَحَسْبِي وَإِيَّاكِ إِمَّا انْتَسَبْنَا: *** أَنَا عَرَبِيٌ وَدِينُكِ دِينِي
        15/7/2009

        تعليق


        • #5

          لا علاقة
          وحول إذا ما كانت هناك علاقة مباشرة بين الأعمال الأكثر مبيعا وبين الأعمال الأكثر قيمة فنيا، وهل أيا من هذه تعين القارئ في تقييم الكاتب، نفى صبحي حديدي قائلا: لا علاقة مباشرة ميكانيكية بين الأكثر مبيعاً وبين الأكثر قيمة فنيا، قد يكون الأكثر بيعا جيدا وقد يكون رديئا وقد يكون الكتاب الجيد مبيعاته جيدة وقد تكون ضعيفة، وبالتالي الأكثر مبيعا له قوانين تخص السوق وتخص طرائق القراءة وقد تخص العمل نفسه، فلا توجد مسطرة أو وصف مسبق للكتاب الأكثر مبيعا، سواء كان رواية أو كتابا سياسيا أو اقتصاديا أو أيا كان، لنقرب الموضوع، أنا أظن أن كتاب علاء الأسواني خاطب أكثر من شريحة قراءة، كل قدم له زاد يرضيه، ففي الغرب وفي فرنسا بالتحديد أثار إعجابهم هذا الوضوح في الحديث المكشوف عن المثلية الجنسية، ففي فرنسا هو حق مطلق فلا تستطيع أن تساجل أحدا في فرنسا لمجرد أنه مثلي، وبالتالي في مصر في هذه الأيام بدا يكون فيها هذا الوضوح في الحديث عن المثلية.
          الجانب الآخر هو دغدغة "التاريخ الكولنيالي" فالفرنسي يقرأ "عمارة يعقوبيان" فهذا العمل يوضح أن موقفها ليس كارها للتاريخ الكولنيالي، بمعنى العمارة وبمعنى العادات والبرجوازية وبمعنى ايديث بيار وبمعنى الحنين، بالإضافة لحقيقة معروفة سسيولوجيا في علم الاجتماع أنك عندما تحشد عددا كبيرا جدا من النماذج الاجتماعية مثلا في قطار أو في عمارة بدءا من "أجاثا كرستي" تحشر سلسلة من الشخصيات ثم تقدم مجموعة تناقضات تلاقي نجاحا، فقد استجابت فتجاوزت الذائقة المصرية والذائقة العربية فأصبحت من الأعمال الأكثر مبيعا في مصر ومن ثم في العالم العربي في الترجمة الألمانية والفرنسية والأمريكية الإنجليزية والصينية، فهناك أسرار تخص الموضوع وليست بالضرورة أسرار فنية.


          .

          الكتابة للجمهور

          وفيما يخص الكتابة وما تعانيه من أزمات سواء عند القراء والنقاد، وهل أصبح الكاتب يكتب ما يريده القارئ وما يريده الناقد؟ قال حديدي: لكي أكون منصفا كل يغني على ليلاه، فالآن لا شك هناك كتاب يعرفون جمهورهم ويكتبون لهم ولست متأكدا أنه يصيب الوصول إلى ذلك الجمهور دائما، لكن فيما يخص الإبداع دائما لا يطربني أن يكتب استجابة لمعرفة مسبقة بجمهور ما وكأنه يحاول دغدغة ذلك الجمهور فهو في الحقيقة يعطل الإبداع ويعطل التجاوز للإبداع، فالإبداع يجب أن يكون بين حين وآخر صادما للذائقة المستكينة والذائقة المتجددة، فيما يخص الكتابة اليومية في الصحافة، الأمر يتوقف على طبيعة المادة لأن هناك كتاب عمود يومي، فالخيارات لديهم بقدر ما تكون ضيقة فهي مفتوحة فلا يحار فيما يكتب، فكل يوم هناك أحداث جديدة في العالم، لكن هذا لا يعني فعلا أنه سيكتسب نفس الجمهور لو كتب عمودا أسبوعيا أو سيكتسب نفس الجمهور لو كتب في مجلة شهرية، فهي مسألة تخص إيقاع الحياة أيضا، ماذا يقرأ المرء في مطبوعة يومية ماذا يقرأ في أسبوعية وشهرية وأيضا ماذا يقرأ عن مادة تحليل سياسي في فصلية أكاديمية؟ وماذا يقرأ في مادة تحليل سياسي في فصلية ثقافية عامة، خيوط القراءة تصبح مختلفة، وأنا إجمالا لست مع الكاتب الذي يكتب ليراعي الجمهور أو ليرضي الجمهور أو ليكسب الجمهور مسبقا، ولكن أيضا لا أميل إلى الكاتب الذي يكتب مسبقا ليستفز الجمهور بشكل مجاني، فينبغي أن تكون هناك موازنة وينبغي أن يكون وفيا لذاته، ففي حال استفز الجمهور فهذه هي حاله ويتحمل المسؤولية، لكن هناك فعلا كتابات كتبت تشعر أنها كتبت لاستفزاز الجمهور وغالبا تكون مفضوحة ولا يستطيع الكاتب تمويهها بحسن النوايا أو بحجة حرية التعبير.

          فرنسا تعاني الآن من ردة في الفكر والفلسفة

          وعن التطورات السياسية والثقافية في فرنسا والتي ظهر عليها نوع من الردة في الأفكار الفرنسية المحرضة، مثل قضية الغجر وغيرها، وما هو دور المثقف العربي هناك وما تم اتخاذه من إجراءات ضده من تحييده وإسكاته وإساءة معاملته، قال الحديدي: القضية نتناولها من مستويين المستوى الأول الردة وهي تشمل ما هو أخطر بكثير من الموقف الغجر والمهاجرين في رده على مستوى الفكر الفرنسي والفلسفة، وأظن أن آخر فيلسوف فرنسي كبير هو المفكر "كانبيير برديوا" والآن لديك عدد كبير من الأقزام والبهلوانيين وهم غالبا فلاسفة يهود ويسيطرون على الإعلام،هناك ردة على هذا الصعيد فالفكر والفلسفة متراجعة جدا، لكن الارتداد الآخر وهو ارتداد سياسي ولا يقتصر على فرنسا، وإنما هناك أشكال متعددة من الردة السياسية في أوروبا قاطبة في فرنسا اليمين أفرز نيكولا ساركوزي لأن جاك شيراك حاول أن يبعد كل الخصوم المحتملين الذين من الممكن أن ينافسوه في الدورة الثانية، فحاول أن يبقى الأقزام وبما أن لديهم قدرة عالية في القفز فتقافزوا عليه في النهاية، أما اليسار الحزب الاشتراكي الفرنسي يعاني من تناقضات وبالتالي أن عددا كبيرا من القرارات المجحفة بحق المهاجرين والمجتمع اتخذت في قيام الاشتراكية، فبرامج اليسار اليمين الرسمي واليسار الرسمي تقريبا متشابهة، أما بالنسبة للإجراءات الأخيرة، فالعرب هم ضحايا والمثقف العربي أحد ضحايا ما يجري وموقفه على الأقل هناك أولويات دفاع هناك ميكانيزم دفاع عن الذات وميكانيزم دفاع عن ثقافته والمشكلة لم تعد وجود غريب المشكلة حدد اسمه مسلم تحديدا وهذه الثقافة تهدد ثقافتنا ليس بالمعنى الديني، ولكن بمعنى اللحم الحلال،الصيام، الذبح في العيد الأضحى، الطهور والختان كلها مشاكل تهدد ثقافتنا فهو لا يحدد أنت مسيحي أو مسلم، بالإضافة إلى تغليفها هذا ديني إرهابي وأصولي ومتشدد لذلك كلها حركات شكلانية وقصص النقاب التي أثاروها مؤخرا وهي أكذوبة حتى لما صوت على القانون جرى التصويت عليه من قبيل الهاء الرأي العام بعيدا عن مشاكل السلطة والآن بعد التصويت عليه لا يستطيع شرطي أن يطبقه، فالقانون يقول نصا ممنوع النقاب في أماكن عامة فلا يعرف كيف يخالف سيدة منقبة في مكان عام فليس لديه آلية عمل بالتالي كان نوعا من الالتفاف حول المشاكل الأعمق مثل البطالة والمشاكل المالية العميقة لفرنسا وللحزب الحاكم والفضائح المالية لرجالات ساركوزي وهو على رأسهم بالتالي كيف تلهي الناس تلهيهم بمعارك ثقافية مصطنعة بين الإسلام والمسيحية وأن الإسلام يهدد ثقافتنا وهو منقب وهذا الشكل السطحي من الردة، أما الشكل الأعمق من الردة يتمثل في انحسار الفكر الفرنسي وهذا التسعير لمسألة الصراع الثقافي وليس الديني بين الإسلام والمسيحي.
          الناقد النجم

          وفي تساؤل حول طبيعة تناول النصوص والخطاب النقدي الحديث، والذي جنى كثيرا على الإبداع العربي لكونه قد بنى إبداعا موازيا واستشهادا بالكثير من هذه الخطابات النقدية الحديثة بما فيها كتابات صبحي حديدي وميلهم في الاشتغال على نص الخطاب النقدي، وبالتالي تسريب المعلومة النقدية والتحليلية وتقديم النصوص لتكون بالصورة المطلوبة وتقديم نصوص في الكثير من الأحايين تبدو أنها خطابات منغلقة على ذاتها ومفرطة في إبداعياتها.
          أجاب حديدي: هذا قد يكون صحيحا، وربما قد يكون سنة الحياة أكثر من أنه ضعف أو تراجع، فسنة الحياة تقتضي تغير النصوص وتغير طرائق القراءة وعليه تتغير الذائقة، وبالتالي طبيعة تناول النصوص أصبحت إجباريا مختلفة. فإذا كنت تفكر بالنقد العربي في زمن إحسان عباس وشوقي ضيف فهذا زمن كان ذهبيا وانطوى، في ظني أن الناقد النجم لم يعد له وجود وأصبح ليس من الواقعية أن نطالب بوجوده بمعنى الناقد الذي تركن إليه دون مساءلة كبيرة. أفضل ما يستطيع النقد العربي إنجازه الآن في تقديري هو جهد جماعي أكثر منه فردي أيا كان مواهب الناقد الفذة وأيّاً كانت قدرته في تناول النص من جهة أخرى وهو أساسي، وأرى أن العمل الإبداعي وإن كان يحتاج إلى النقد إلا أنه حين يصاب عمل ما بنجاح فليس دائما أن النقد هو السبب في ذلك، وأضرب مثالا على ذلك عمل "عمارة يعقوبيان" فقد نجح بمعزل عن أي نقد وأنا في تقديري أن كل ناقد يحترم نفسه لن يرحب بهذا العمل ولن يستطيع إقناعي بأهمية العمل لكنه نجح في اللغة العربية وفي مصر وفي العالم العربي وفي ترجمته في بريطانيا ففرض نفسه ولم يكن في حاجه إلى ناقد يقيّمه، ربما إذا كتب عنه ناقد يريد أن يكون صادقا ولا يخشى في الحق لومة لائم كان يمكن أن يقيّمه بأنه عمل متوسط، فالمسألة ليست تبادلية بالمعنى الميكانيكي بمعنى إنه إذا كان النقد ضعيفا فالإبداع يضعف والعكس صحيح، فيما يخص على الأقل قصيدة النثر فأنا أعلم أن النقد الأدبي مقصر لصعوبات نظرية تخص أدوات تحليل قصيدة النثر أيضا، لكن لماذا هو مقصر بشكل كبير في خصوص الرواية؟ وهذا سؤال مهم جدا.


          عملية الاستقبال

          أما عن كيفية كتابة مقال صحفي ناجح، فيرى حديدي أن مشكلة الاستقبال أثناء القراءة هي مشكلة معقدة جدا أستشهد هنا بغلاف عن القراءة يصور حافلة يسير فيه عدد من الركاب تظهر سيدة منهمكة في القراءة، وهي واقفة ودموعها منهمرة، كما يصور رجلا أرستقراطيا يرتدي نظارات ويقرأ نفس الكتاب وهو يضحك، إضافة إلى شخص ثالث يقرأ الكتاب وهو يهرش شعره وواضح جدا أنه غير مندمج وساهٍ، بالتالي هي نفس المادة لثلاث استجابات وقد تكون هناك عشرات الاستجابات. بالنسبة للمقال الصحفي فأنا شخصيا فيما يخص المقال السياسي حريص على توافر شيئين وهما: تسخير أكبر قدر ممكن من المعلومات ذات الوظيفة في المقال تساعد القارئ على مساءلة ما أكتب لا أن تعلمه، ثانيا أميل إلى ألا تكون اللغة تقريرية، فأحرص على أن تكون اللغة فيها نوع من التوتير للقارئ أو نوع من الاستفزاز المحبب، بحيث يكون في يقظة ووعي وربما سخط تجعله يعيد قراءة المقال للمرة الثانية وهذا لصالحه وصالحي.


          الجوائز العربية

          وعن الدعم الذي تتلقاه الأعمال العربية وتقييمه لها قال صبحي حديدي : لدينا جوائز أكثر من الغرب وأسخى وأغنى، لكن السؤال كيف نمنح الجوائز هنا المشكلة إذا شئت عدد الجوائز العربية والقيمة المالية للجوائز العربية ما عدا "نوبل" وهي جائزة استثنائية، لكن المشكلة كيفية تحديد لجان التحكيم وكيف يحكم رجال التحكيم وإلى أي أحد تمنح الجوائز ولماذا؟ فالجوائز تشجع الكتابة ربما لكن احتجاب الجوائز لا يؤذي الكتابة، فالعلاقة ليست ميكانيكية ،وهناك دعم من مؤسسات ثقافية تدعم مشاريع ثقافية و مبالغ كبيرة تصب للثقافة، ولكن في أحيان كثيرة تصب في المناحي والخاطئة ولأغراض خاطئة.
          قال الشيخ واحد عيار (أحمد الهنائي) يوماً
          لَأنَْتِ الأنُوثَةُ فِي عَالَمِي *** سَعِيدٌ أَنَا بِكِ فَلْتَسْمَعِينِي
          وَأَنْتِ مَلَاذِي وَسِرُّ حَيَاتِي *** خُلِقْتُ لحِضْنِكِ فَلْتَحْضِنِينِي
          جَمِيعُ طَلَاسِمِ هَذَا البَهَاءِ *** أُفَكِّكُهَا رَغْمَ عُمْقِ السُّكُونِ
          بَدَوْتِ لَنَا قَلْبَ هَذِي الحَيَاةِ *** بِنَبْضِكِ أَنْتِ أَعِيشُ سِنيِنِي
          فَأَنْتِ لَنَا كَلُّ مَا فِي الحَيَاةِ *** فَلَا تَبْخَلِي بِبَرِيقِ العُيوُنِ!
          *****
          أَبنِْتَ الجَمَالِ وَفِتْنَةَ قَلْبِي *** أَسِيرُ إِلَيكِ فَلَا تَخْذُلِينِي
          سَحَرْتِ فُؤَادِي فَهَا هُوَ يَهْذِي *** وَأَبْقَيْتِهِ فِي جَوًى وَأَنِينِ
          أَبِينِي التَّوَاضُعَ وَالِّلينَ إِمَّا *** رَجَوْتُكِ عَوْناً فَكُونِي مُعِينِي
          فَإِنَّ الْـمَحَبَّةَ فِي كُلِّ قَلْبٍ *** وَمَا اخْتَصَّتِ البِنْتُ دُونَ البَنيِنِ
          دَعِينِي لِحُسْنِكِ فَرَدَا مُطِيعاً *** فَيفْعَلَ بِي مِثْلَ فِعْلَ الجُنُونِ
          وَحَسْبِي وَإِيَّاكِ إِمَّا انْتَسَبْنَا: *** أَنَا عَرَبِيٌ وَدِينُكِ دِينِي
          15/7/2009

          تعليق

          يعمل...
          X