إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة كتب ( إقرأ معي ): الكتاب الأول.

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31

    ( 8 )

    كان التفكير في القرن التاسع عشر مغالياً في التفاؤل ولعل السبب في ذلك، أننا جميعاً بما في ضمننا المؤرخون قد أخذنا نعتقد بأن التقدم هو القانون الحتمي للحضارة. وعلى الرغم من وجود فترات من التوقف، ومن الإنتكاسات المؤقتة، فقد كان ثمة شئ في طبيعة العالم وفي طبيعة الإنسان، يجعل الحضارة تسير في طريق إنساني مرغوب فيه. وإتجه التفكير في القرن التاسع عشر إلى الناحية القومية بصورة بالغة، وإكتسبت جميع كتب التاريخ التي وضعت في هذا القرن صورة قومية أيضاً. وعندما تناول المؤرخون وضع الدول القومية، تتبعوا أصولها الخام من عهد البرابرة الشعبية حتى عظمتها، وأصبح الشعب يعتبر أداة القدر للتقدم والإزدهار. وعندما تطرقوا إلى بحث الشعوب الأخرى، التي لم تتحقق لها وحدتها إفترضوا أن سير التقدم قد تأخر بفعل حكام محليين أنانيين، مؤكدين إنها ستصل حتماً وعما قريب إلى مرتبة القومية. وإنتشر الإفتراض العام بعد تحقيق الوحدتين الإيطالية والألمانية، بأن البشرية أصبحت متأهبة الآن للخطو نحو الأمام خطوة واسعة وإستمر هذا الإتجاه الفكري الذي ينطوي عامة على القومية وروح التفاؤل طيلة أيام الحرب العالمية الأولى. ولعل خير ما يوضح إيماننا بأن الشعب وحدة فطرية هو قبولنا دون تحفظ للمبدأ القائل بالحق القومي في تقرير المصير. وأصبح من المفروض أن الشعب كالملك في النظريات السياسية السابقة لا يمكن له أن يخطئ أبداً. لكن إضطهاد الأقليات في الدول القومية ذات المصير الحر، وظهور الفاشية الوطنية، وفشل عصبة الأمم بعد عشرين سنة من قيامها، كلها عوامل أدت إلى صدمة قاسية أيقضتنا بما فينا من مؤرخين وعلماء سياسة، وتلقت الفكرة الجديدة القائلة بأن الشعب ليس " بالوحدة الخيرة " تأكيداً جديداً من تطور نشأ بعد الحرب العالمية الأولى. فقد قام كارل ماركس بتفسير التاريخ من جديد حوالي عام 1850م، وإحتفظ ببعض نظريات هيغل القائلة بأن قوى التاريخ لا تخضع لتوجيه الإنسان وإنما تعمل تلقائياً وآلياً. وأسقط ماركس الله من حسابه، على أساس إنه لا إفتراض جدوى منه، وفسر التاريخ تفسيراً يقوم على عداد القومية. وعلى الرغم من أن نظريات ماركس قد أصبحت في حينها موضع الكثير من الجدل والنقاش، إلا إنها إكتسبت أهمية سياسية من الطراز الأول بعد إعتناق الروس السوفيات لها، وإضفائهم عليها نواة ومركز قوميين. ووضعت هذه التطورات نهاية للتفكير الذي ساد القرن التاسع عشر. وإختفى من الوجود الإصلاح الذي طالماً تردد في القرن بصورة مقبولة. وهو إصطلاح " عائلة الشعوب ". وإذا كانت هناك عائلة من هذا النوع، فإنها ولا شك عائلة شقية وتعسة. ولو تحمل أي منا مشقة الإطلاع على خرائط أوروبا وآسيا عام 1910م وقارنها بخرائط عام 1930م ثم عام 1950م لأذهله ما فيها من إستمرار في إنتقال الحدود، وظهور دول جديدة وإختفاء أخرى. وتوصل إلى النتيجة المحتومة بأن عالمنا المزدحم والمتشابك يضم دولاً قومية في القرن العشرين، لا تختلف من ناحية ما فيها من عدم إستقرار وفوضى عن الأوضاع التي كانت سائدة في دول المدن في إيطاليا في أيام مكيافللي.
    ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


    زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

    الكتاب الأول

    تعليق


    • #32

      ( 9 )

      ليس من العسير أن نفهم لماذا تجدد الإهتمام بآراء مكيافللي في هذه الفوضى الراهنة التي من الدول القومية في العام الذي يشبه الدولة المدنية التي كانت سائدة في أيام مكيافللي.
      ويرى الكثيرون من نقاد مكيافللي في القرن العشرين أنه كان الرجل الحديث الأول. ولا ريب في أنه كان كذلك في ناحيتين على الأقل. فمن الناحية السلبية لم يؤمن مكيافللي فقط بالتقدم، وقد توقف الكثيرون من الرجال المعاصرين عن الإيمان بذلك أيضاً. أما من الناحية الإيجابية فقد آمن مكيافللي بالقومية كما آمن بالطريقة العلمية إلى الحد الذي حمله على التخلف من الآراء والأفكار الغيبية. ولا ريب في أن مشاكلنا من الناحية الظاهرية على الأقل مشابهة للمشاكل التي واجهها. وجل ما يهدف إليه رجل القرن العشرين الوصول إلى السلام و" السلامة" بالنسبة لدولته ولنفسه. ولكن مكيافللي لم يهتم بالسلام، ولم يؤمن بضرورته. لكن الحروب في أيامه كانت برداً وسلاماً إذا ما قورنت بالحروب في أيامنا. ولو لم تنشب الحروب آنذاك، لما قدر للآثار الفنية الخالدة والنصب المعمارية الرائعة في رومة وفلورنسة والبندقية أن تعيش. ولكنه أراد " السلامة" لمدينته وآمن بأن هذه السلامة يمكن أن تتحقق بواسطة أمير، يستطيع أن يفرض على دويلات المدن الإنصهار في دولة قومية.

      من الواضح في كتاب مكيافللي " محادثات عن الجباية " أن الدولة القومية الإيطالية تعني بالنسبة إليه أن تكون وريثة عظمة الجمهورية الرومانية، ومن الواضح أيضاً في جميع مؤلفاته، إنه كان يرى الإيطاليين متفوقين على غيرهم من الشعوب والإجناس البشرية. وهو يرى أن ما يحققه الفرنسيون والأسبان من سيطرة على بعض أنحاء إيطاليا، وما يسلبونه منها ناجم عن تفوقهم في التنظيم السياسي الذي يمكنهم من ذلك. وإذا تمكنت إيطاليا من إيجاد هذه الدولة فإن وضعها الجغرافي الممتاز على البحر الأبيض المتوسط " بحرنا " سيمكنها من إعادة فرض سيطرتها على العالم المتمدن. ولما كانت روما قد أفلحت في تحقيق ذلك في الماضي فإن وضع أبناء الرومان، إذا نظموا أمورهم تنظيماً فعالاً مؤثراً، وإذا توفر لهم بعض حسن الطالع وتطبعوا بفضائل الرومان الأقدمين أن يعيدوا هذه الأمجاد التليدة. ولعل إحساس مكيافللي العميق بالهوان من جراء سقوط الأقوياء يفسر هذه البلاغة العاطفية الرائعة البادية في الفصل الأخير من كتابه الذي أثار حيرة ناقديه ودهشتهم. وقد أجمع مؤرخو القرن التاسع عشر على تأييد إيطاليا في كفاحها البطولي لتحقيق الوحدة، فقد آمنوا أنها بوصولها إلى الوحدة ستتمكن من إستعادة مركزها التاريخي المرموق بين أسرة الشعوب.

      وقد أهمل الناقدون الإشارة بصورة عامة وما زالوا يهملونها إلى عدم وجود ما يدل على أن مكيافللي كان من المحتمل أن يبدل القيمة الحقيقية والعلمية المفترضة لكتاب الأمير تجعل ما فيه من نصائح يوجهها إلى الحاكم لتسير أعماله. أمراً يمكنه تطبيقه بصورة عامة. وكان موسوليني من هذه الناحية حوارياً أكثر ولاء وصدق لمكيافللي من مازيتي الذي رغم عمله المستمر لوحدة إيطاليا كان يعارض بعض آرائه الآخرى. فالدولة القومية بالنسبة لمكيافللي أو الدولة بصورة عامة، هي قوة يجب أن تعتمد في جوهرها على العمل الدينامي وعلى العدوان، وقد كتب أحد خيرة الباحثين السياسيين في إمريكا بعيد الحرب العالمية الأولى أن القومية قد برهنت على أنها " مرحلة مؤقتة وإنتقالية في طريق التوسع ". وإذا لم نحمل هذا الرأي محمل الإعتبار والتقدير التامين، فليس في وسعنا أن نفهم مكيافللي ولا أياً من المشاكل الدولية في عصرنا.

      وقد رأينا مكيافللي يستخلص من نظريته العلمية القائلة بأن الدولة قوة قواعد السلوك التي يتحتم على الأمير إتباعها. فقوة كهذه سواء أكانت قذيفة أو قنبلة لا تنطوي على مبادئ أخلاقية، لا سيما وقد رأينا أن هذه المبادئ لا تربط الأمير، وإنما ترك له حق الإختيار في تقبلها أو رفضها. ونحن ندرك أن الأوضاع التي تحد الدولة نفسها فيها هي التي ترسم صورة القواعد الأخلاقية للمواطن في ظل النظام الديمقراطي. فعندما تشتبك بلاده في حرب يتحلل من قواعد إحترام ما للحياة من قداسة وإطاعة الوصية المقدسة التي تأمره بأن لا يقتل. وعندما يرى بلاده في خطر يتوجب عليه أن يدافع عنها. ولما كانت مسؤولية الحاكم عن سلامة بلاده تفوق مسؤولية المواطن العادي، فإن مثله الأخلاقية تكون عرضة للتبدل أثناء الحروب أكثر من غيره. ولا ريب في أن ما أفزع قراء كتاب الأمير القدامى، وما زال يفزع بعضهم حتى الآن، هو أن ما أسماه رانكي بالسم والذي وضعه مكيافللي في كتابه، يمكن أن يستخدمه الأمير لا ضد أعدائه الخارجين فحسب، بل ضد مواطنيه الذين يعارضون في حكمه لسبب من الأسباب. وثمة فقرات في هذا الكتاب يبدو فيها أن تحديد مكيافللي لتطبيق القوانين وسريان مفعولها مشتق من نظريته في القوة وإليك المثال:

      (( عندما تفتقر الدولة إلى السلاح الكافي تنعدم القوانين الجيدة، وعندما تكون جميع الدول مسلحة تمام التسلح تكون جميع قوانينها جيدة. وسأتخلى عن حديثي عن القوانين، وأقتصر فيه على الأسلحة )).

      وعندما ظهرت في القرن التاسع عشر الدول القومية الجديدة كألمانيا وإيطاليا، لم تعتبر القومية من الناحية الأولية، وإنما إعتبرت حارساً خيراً للحقوق السيادية التي يتمتع بها شعبها، ولكن هذه الحقوق السيادية التي تمتعت بها الشعوب جعلت العالم الأوسع الذي تعيش فيه عالماً لا سيطرة للقانون فيه. وكان رجل القرن التاسع عشر المؤمن بالتقدم والقومية ميالاً إلى إعتبار هذا العالم من الدول القومية نوعاً من الدولة المثالية ( يوتوبيا ) التي ستتحقق عند إنتهاء التاريخ. كما يعتبر الماركسي مجتمعه الذي تنعدم فيه الطبقات عالماً مثالياً. وإذا لم يكن هناك من قانون يسود القومية السيادية، فقد ظل هناك ما نسميه بقانون الطبيعة الأول، وهو حق البقاء والدفاع عن النفس. وكثيراً ما أرتكبت الجرائم بإسم هذا الحق، فلم يكن الشعب يسمح لجيرانه بالإيغال في القوة والتسلح والكثير من المظاهر التوسعية والإستعمارية والحروب الوقائية التي تجري تحت إسم المصالح القومية أو الدفاع عن المصير. وكثيراً ما بررت هذه الأعمال على إنها لأسباب تتعلق بالدولة، وبالنظر إلى الإفتقار إلى أي المظاهر كان من حق مكيافللي أن يستخلص بأن نواة الدولة هي القوة. ولا ريب في أن مكيافللي في إعتباره للدولة على أنها قوة توسعية ديناميكية كان أقرب إلى الواقعية وإلى الواقع السياسي من كثيرين من مفكري القرنين التاسع عشر والعشرين، فكان بهذا الإعتبار أكثر عصرية.
      ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


      زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

      الكتاب الأول

      تعليق


      • #33
        مشكورين الغالين

        تعليق


        • #34
          المشاركة الأصلية بواسطة فديت مشاهدة المشاركة
          مشكورين الغالين
          والشكر موصول لك أختي فديت على متابعتك.
          أعدك وأعد جميع الأخوة والأخوات بتكملة المزيد في الأيام القادمة.
          وآسف على التأخر نتيجة مشاغل حدثت لي.
          بالتوفيق.
          ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


          زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

          الكتاب الأول

          تعليق


          • #35
            جميل ما قراته هنا الجبل العماني....

            لي عودة في قراءة اجزائه شكرا
            بريشة كنــ القانون ـــف
            sigpic

            " سأصمت ومن ثم سأصمد فأنا اختلف عن البقية كاختلاف المعنى بين الدال والتاء".

            ما ألفه الله في حنايا نفسي ..... هنا

            قطوف قانونية :8/9/10/11/12\ 13 \ 14\15\16\17
            |7\6/5|4\3/2|1

            مقالات قانونية :1 |2 |3|4/5/6/7\8\ 9\10\11\12\13\14
            مصطلحات قانونية : 1/2/3\4
            مصطلحات قانونية باللغة الانجليزية : 1/2\3\4\5

            تعليق


            • #36
              المشاركة الأصلية بواسطة كنــــــــ القانون ـــــف مشاهدة المشاركة
              جميل ما قراته هنا الجبل العماني....

              لي عودة في قراءة اجزائه شكرا
              والأجمل هو تواجدك هنا أختي كنف القانون.
              وحياك الله دوما.
              ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


              زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

              الكتاب الأول

              تعليق


              • #37
                تسلم ع الطرح,,,,

                تعليق


                • #38
                  جميل جداا
                  sigpic

                  بمجرد ان شيئا جميلا قد انتهى لا يعني ان شيئا افضل لن يبدأ !!

                  تعليق


                  • #39
                    جميل جدا....سلمت يمناك....
                    حلو كثير بصحبة الكتب المفيده وقراءتها....
                    ...لا تنسى ذكر الله....
                    سبحان الله.. الحمد لله .. الله أكبر..ولا إله إلا الله..سبحان الله وبحمده ..سبحان الله العظيم..لا حول ولا قوة إلا بالله...استغفر الله العظيم...اللهم صل على سيدنا محمد..
                    .....للإشتراك في حملة قــرانـــي نبــراسـي الرجاء زيارة قسمنا الخاص للحــملة في المنتدى الدينــي ..
                    ونرحب بالجميع للإشتراك فالحفظ , أو الإستفاده من الدروس ....

                    عاشق عُمان - http://www.omanlover.org/vb/showthread.php?t=289432

                    تعليق


                    • #40
                      المشاركة الأصلية بواسطة a.alraji مشاهدة المشاركة
                      تسلم ع الطرح,,,,
                      والشكر موصول لك أختي a.alraji على حضورك الكريم.
                      ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


                      زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

                      الكتاب الأول

                      تعليق


                      • #41
                        المشاركة الأصلية بواسطة ساكنة الليل مشاهدة المشاركة
                        جميل جداا
                        شكراً لك أختي ساكنة الليل والأجمل هو تواجدك.
                        ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


                        زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

                        الكتاب الأول

                        تعليق


                        • #42
                          المشاركة الأصلية بواسطة قراني نبراس حياتي مشاهدة المشاركة
                          جميل جدا....سلمت يمناك....
                          حلو كثير بصحبة الكتب المفيده وقراءتها....
                          أختي قرآني نبراس حياتي شكراً لك،
                          وبالفعل الكتاب نعم الصاحب، كما قال الشاعر: وخير جليس في الزمان كتاب.
                          لك أطيب المنى.
                          ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


                          زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

                          الكتاب الأول

                          تعليق


                          • #43
                            يعطيك الف عافيه
                            ع الطرح الجميل
                            sigpic

                            تعليق


                            • #44
                              الدال على الخير كفاعله . جزاكم الله

                              تعليق


                              • #45
                                شركه كشف تسربات المياه بالاحساء
                                تعد شركتنا من افضل شركات كشف تسربات المياه بالاحساء بدون تكسير وباحدث الاجهزه مع الاصلاح والمتابعه
                                كما نقدم خدمات اخرى ف مجال المقاولات والصيانه
                                شركه عزل اسطح بالاحساء والدمام والخبر
                                شركه عزل مسابح بالاحساء والدمام والخبر
                                شركه ترميم فلل بالاحساء والدمام والخبر

                                تعليق

                                يعمل...
                                X