إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرفات و ملف خاص عن القصَّة الخليجية النَّسوية الحديثة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرفات و ملف خاص عن القصَّة الخليجية النَّسوية الحديثة

    [align=center]قاصات خليجيات تحت سقف واحد
    هدى الجهورية
    [/align]

    [align=justify]"أصبح العنصر النسائي هو الأكثر حضورا في المشهد القصصي الخليجي، وهناك زيادة مطردة في عدد الكاتبات في مجال الرواية والقصة القصيرة حيث أخذت هذه التجارب تفصح عن نصوص وتجريبات ابداعية مستفيدة من مجمل التحولات التي طرأت على فن القصة القصيرة في السنوات الأخيرة..
    في قصر الثقافة في الشارقة ضمن فعاليات ملتقى الشارقة الثاني للقصة القصيرة التقى عدد من القاصات تحت سقف مشترك لتعرض كل واحدة منهن تجربتها القصصية حيث تضمن الملتقى شهادات ودراسات وقراءات قصصية إضافة إلى استضافة الملتقى لناقد من كل بلد حيث تقدم القاصة شهادة ويقوم النَّاقد برصد تجربة القاصة كما تسنى له أن يتحدث بشكل بانورامي عن مسار القصة القصيرة النسائية في بلده..
    قال القاص عبد الفتاح صبري: علينا أن نفتح كوات حول جملة من المسائل الفنية والإبداعية، وأن نعتني بمراقبة مسار تطور تجربة القصة النسائية الجديدة في دول الخليج ضمن إطار التحولات والتبدلات الاجتماعية التي مازالت مستمرة في انزياحاتها منذ عدة عقود باتجاه مستقبل لا يزال ربما غامضاً. وقد نجد أنه من الممكن للإبداع والقصة بشكل خاص، أن تكون كاشفاً عن بعض هذه التبدلات المجتمعية أو نتائجها أيضا...
    ٭ ٭ ٭
    كما أشار الدكتور عبدالقادر عقيل قائلا: الكتابات النسائية الجديدة تصبُ دماً جديداً وضرورياً في عرق السرد الروائي والقصصي الخليجي كله، وتشهدُ الساحة العربية بصفة عامة والخليجية بصفة خاصة بروز أسماء نسائية مهمة أخذت بكل جدارة مكانتها في المشهد الأدبي والثقافي، وهذا ما كان قد تنبأ به الأديب العربي الطيب صالح قبل ثلاثين عاماً حين قال: 'إذا كان الخليج عنده أدب حديث وأصيل وليس ازدهاراً مجبراً فسيكون مكتوباً على يد امرأة لأن النساء هن اللواتي يعشن تحت ظروف اجتماعية صعبة تجعلهن مؤهلات للكتابة في الرواية الشعرية، وإنه إذا كان هناك رواية خليجية خلال السنوات العشر المقبلة فإنها سوف تكون رواية امرأة كُتبت بالقهر والغضب.
    ٭ ٭ ٭
    و ذكر الدكتور حسن مدن ضرورة التمييز بين «كتابة النساء» بمعنى ما تكتبه النساء، و«الكتابة النسوية» وهي الكتابة من وجهة نظر نسوية، وهما مصطلحان غير مترادفين، على أساس أن الثاني يتضمن بُعداً سياسياً لا يختزنه الأول وليس من الضروري أن تتبناه جميع النساء.
    بينما أشار د.عمر عبدالعزيز إلى أن القطيعة الموجودة بين المرأة والمجتمع تلك التي تجعل لكتابتها حساسية استثنائية..
    ٭ ٭ ٭
    لكن ربما المرأة وصلت إلى مرحلة أكثر نضجا لذا فهي لا تتقبل أن يكون هنالك ما يسمى بأدب المرأة وأدب الرجل... فهي مستفزة من نون النسوة ومن تجنيس أدبها على أساس جنسها.. فبعد السجال المطول، و الدراسات والبحوث المحلية والعربية نعود من خلال هذه الملتقيات التي تخصص لأدب المرأة إلى نقطة التي بدأنا منها.. مع أن الكثير من الآراء فندت هذا التوصيف واعتبرته ظلم آخر يضاف إلى سلسلة ما تعانيه المرأة العربية ضمن الكثير من الضغوطات المجتمعية..
    ٭ ٭ ٭
    و يرى دكتور «سعد البازغي» أن انحصار الكاتبات الخليجيات في نمط واحد وهو القهر الذي يقع عليها من الرجل إذا تحول للتكرار دون تطوير في القصة وتقنيتها سوف يقنن من موهبتها ويقصر من إبداعها فيمكن للمرأة تتبنى قضية لكن تطورها وهناك أمثلة فالكاتب «نجيب محفوظ» يكتب عن الحارة المصرية لكن بحكايات مختلفة وتطور دائم لا يمل بل يظهر إبداعة وإبراهيم الكوني يكتب عن الصحراء ولكن بإختلاف في كل إبداع له، فليس عيبا أن يتبنى الكاتب قضية مركزية لكن المشكلة في عدم تمكنه في تطويرها.
    ٭ ٭ ٭
    أكاد أجزم أن المرأة الكاتبة في عمان تعيش أجواء تشجعها على الإبداع الأدبي مقارنة بالمرأة الأخرى في الدول المجاورة التي تقصي المرأة الكاتبة بعيدا عن مساحاتها... أجد ايضا أن اشكاليات المرأة في عمان هي نفسها اشكاليات الرجل ولا تقع المسألة في نطاق محاباة جنس أحدهما على الآخر.. فهناك غياب عن حضور الفعاليات رغم كونها ناشطة، بالاضافة إلى غياب النشر ضمن مجموعات قصصية والاكتفاء بالنشر في المجالات الدورية والصحف بالرغم من قدم التجربة الكتابية... إلا أننا إلى حد ما تجاوزنا ذلك بعد أن مررنا بعام الثقافة عام2006 ."[/align]
    ـــــــــ شرفات 11/7/2007
    كان المُقاتِل مات/ جاءَه رجلٌ وقال: "لا تمت فأنا أحبُّك كثيرًا!!"/
    ولكن الجُثْمان؛ ياللخسارة، واصلَ الموت/.
    ثم جاءَه...(كلُّ أحبابه)/ أحاطوا به؛ رآهم الجُثْمان الحزين "هزَّه التَّأثر/
    نهضَ ببطء/ احتضنَ أوَّلَ شخصٍ، وبدأ يسير"!!!.
    مِن أطياف
    "رواية" لـ/رضوى عاشور

  • #2
    [align=center]
    صوتٌ يجيء.. حكايةٌ تضيء..
    قراءة في تجليات الثرثرة في
    « نميمة مالحة »
    لـ/ هدى الجهورية
    ـــــــــ سليمان المعمري
    [/align]
    [align=justify]
    "[gdwl]جرت [/gdwl]العادة عند تناول النصوص التي تكتبها الأنثى في بلادنا العربية بشكل عام ومنطقة الخليج على وجه الخصوص أن تحضر - وبشكل مفتعل أحيانا - عبارات كليشيهية من قبيل « أدب المرأة » و« النَّص الأنثوي » نظراً للظروف السياسية والاجتماعية التي مرت وتمر بها المرأة العربية في واقعنا العربي الراهن.. غير أن هذا التجنيس للكتابة في حد ذاته هو -من وجهة نظري - ظلم آخر يضاف إلى سلسلة ما تعانيه المرأة العربية.. فكم من كتابات جميلة كتبتها النساء جرى تجييرها لصالح مصطلح سياسي أكثر منه أدبيا ألا وهو « أدب المرأة »، في حين لم نسمع بعد بمصطلح « أدب الرجل » رغم أن الأدباء الرجال لا يفعلون سوى ما تفعله الأديبات النساء: كتابة هواجسهم ومشاعرهم ورؤيتهم تجاه العالم بكل مفرداته.. وكثير من الأديبات العربيات يحاججن بالقول إنهن معنيات بالكتابة عن الإنسان أولا وأخيرا، سواء كان رجلا أم امرأة.. وحين تحضر المرأة وقضاياها في كتابتهن بشكل طاغ فليس من باب التعصب المجاني ضد الرجل، بل لأنهن ببساطة يكتبن ما يعرفنه.. وهل سيعرف المرأة أكثرُ من المرأة؟!.
    لا أعرف إن كانت هذه المقدمة ضرورية للولوج إلى عوالم «نميمة مالحة» المجموعة القصصية الأولى للقاصة هدى الجهورية، والتسكع في براريها المسيجة بالثرثرة والعنب واللوز والمسرات والحكايات الدائخة المادة أرجلها للهواء.. هذه المجموعة الصادرة عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت عام 2006 والتي وان كانت معظم بطلاتها من النساء اللواتي يُدِرنَ النمائم اللذيذة مع القهوة ويُمسكن الحكايات من أعناقها الطويلة التي تشبه أعمدة الكهرباء إلا أنها لم تقع في فخ ذلك الخطاب التقليدي الذي يجعل المرأة ليست سوى نقيض للرجل ومتمردة عليه وعلى ظلمه الذي يحيق بها.. إن نساء هدى لسن سوى متمردات بطبعهن، ولكن ليس على الرجل فحسب بل على كل تفاصيل الحياة الرتيبة بما فيها نساؤها «اللواتي يعلكن النميمة ثم ينفخنها كبالون صغير يفرقع الحارات المجاورة»، والأصوات - ذكورية كانت أم أنثوية - عندما لا تجيد تلوين نفسها فتكون سببا في إصابتنا بالخرف باكرا، والعتمة حين تتقمص ثوب الكائنات الفاضلة التي تمرق بكل ثقلها دون أن تغمز أو تثير فضيحة، والأسئلة التي تضغط على الروح بثقل الذاكرة كلها.. نساء تبحث عن أقدام تهبهن القدرة على السفر خارج المستهلك والمألوف، وتقع متعتُهن الأثيرة في الثرثرة وفتح شبابيك النميمة على اتساعها.
    تكتب هدى الجهورية على لسان بطلة قصتها «صوت»: ( كنتُ دائما أخشى أن أموت وفي فمي حكاية لم أقلها ).. بهذه العبارة الموجزة يمكننا أن نفتح الباب للدخول إلى عوالم مجموعة « نميمة مالحة ».. هذه الشهوة للحكي والثرثرة وإطلاق الكلام المسروج طويلاً في الصدر هو ما يميز قصص المجموعة الخمس عشرة التي تفاوتت فنياً بين نصوص متماسكة قصصيا وأخرى يشعُر قارئها أنها انتصرتْ لذلك النداء المجلجل للبوح والثرثرة أكثر من انتصارها لفنيات القصة القصيرة.. هذه الرغبة النزقة في الثرثرة صاحبتْها رغبةٌ أكثرُ نزقا في تفكيك أزرار الذاكرة زراً زرا لينطلق الحكي آسراً شفافا ليلامس الفراغ الهش تح في دواخلنا - بأصابعه عله يضيء، على نحوِ ما سنفصله في تناولنا لبعض قصص المجموعة..
    [S]يتبع[/S][/align]
    كان المُقاتِل مات/ جاءَه رجلٌ وقال: "لا تمت فأنا أحبُّك كثيرًا!!"/
    ولكن الجُثْمان؛ ياللخسارة، واصلَ الموت/.
    ثم جاءَه...(كلُّ أحبابه)/ أحاطوا به؛ رآهم الجُثْمان الحزين "هزَّه التَّأثر/
    نهضَ ببطء/ احتضنَ أوَّلَ شخصٍ، وبدأ يسير"!!!.
    مِن أطياف
    "رواية" لـ/رضوى عاشور

    تعليق


    • #3
      [align=justify][gdwl]قبل[/gdwl] الدخول في القصة الأولى تعمد هدى الجهوري إلى وضعنا مع مفتتح أرادت من خلاله أن تنبهنا ربَّما إلى الثَّيمة الرئيسة التي تنضوي تحتها قصص المجموعة.. هذا المفتتح عنوانه « ما قبل النميمة » وكتبتْ فيه :

      (..... أحاول الآن التخفف من البشر الزائدين
      كي لا يعيقوا
      حركتي
      وأنا أنصت لصوت النميمة..
      أغمضوا أعينكم
      عني
      فمن المؤذي
      أن يلتفتَ أحدكم
      وأنا أبكي.. )

      أسئلة كثيرة تتفجر لدى القارئ بعد قراءة هذا المقطع وهو لمّا يلج عالمَ القصص بعد.. من هو كاتب هذه الكلمات؟.. أيكون ذكراً أم أنثى؟!.. أتكون الكاتبةَ نفسَها؟!.. أيكون أحدَ أبطال قصصها فرَّ من الحكاية وجاء لينظر إليها من علٍ؟!..
      ولماذا الرغبة في التَّخفف من البشر أثناء الإنصات لصوت النَّميمة؟.. وهل تحلو النَّميمة إلا بالبشر؟!.. ولماذا يؤذيه / يؤذيها البكاء أمام الناس؟.. سنؤجل النَّظر في هذه التساؤلات ولا أقول الإجابة عليها - حتى نهاية المجموعة عندما نصل إلى المقطع الإختتامي المعنون « ما بعد النميمة ». أما الآن فسندخل إلى « اللعبة حين تدار في الخفاء » أولى قصص « نميمة مالحة »، والتي سنجد أنها قائمة على الثَّرثرة شكلاً ومضموناً.. تسرد القصة حكاية عاشقين جمعتهما الثرثرة ثم افترقا ولم يجدا من وسيلة لاستعادة ذكرى حبهما الجميل سوى بالثَّرثرة أيضاً، ولكن في مكانين مختلفين.. ففي يوم زفاف الفتاة من رجل آخر غير حبيبها يتذكر العاشق الغارق في أغاني أم كلثوم الرومانسية كم كانت علاقتهما بريئة، فهو لم يكن قادراً على ملامسة يدها أو تقبيل عينيها، ولكن كل ذلك لا يهم ما دام قادراً على سماع ثرثرتها « كانت متنائية لا أقطف سوى ابتعادها، والثَّرثرات الليلية، ورغم ذلك كنتُ أشعر بكفايتي « ..1 أما هي، وبينما الجميع يرقصون في الخارج ابتهاجاً بزواجها من قارع طبول الزار فقد كانت منهمكة بكتابة رسالة لحبيبها افتتحتْها بهذه العبارة: « لا أحب أن أغلق فمي والحكاية نائمة «2» نعرف من خلال الرسالة أنْ لا أمل لديها في عودتها لحبيبها ولكنها تكتب إليه فقط لحاجتها للثرثرة « أنا فقط بحاجة إلى الكلام، ولستُ مهتمة كثيراً بما سأقول وبما سترد «3» لدي الآن قدرة فائقة على الثَّرثرة معك رغم أني أشعر أن أمي ستكسر الباب «4».. وإذا كان المضمون هو هذه الحاجة الماسة للثَّرثرة فقد وفّقت الكاتبة في اختيار الشَّكل الأمثل للتَّعبير عن هذا المضمون، فليس هناك شكل أكثر ملائمة للثرثرة وإطلاق الكلام على عواهنه من رسالة يمكن أن يستسلم كاتبها للتَّداعيات التي تمليها حالته النَّفسية دون التَّقيد بترتيب الكلام أو تنميقه.. وشيئاً فشيئاً نكتشف أن الثَّرثرة ليست سوى فعل حياة وملاذ في اللحظات الحرجة.. « لم يتسن لهما أن يندسا من كل ما يتصاعد في روحيهما سوى في الكلام عن الأصدقاء والكتب التي تبادلاها في آخر لقاء « .. ألهذا إذن اختارت هدى الجهوري أن يكون الزوج الذي سيحرم بطلتها من نعمة الثَّرثرة قارعَ طبول؟!.. أليشوّش عليها ويمنعها من سماع أي صوت، حتى ولو كان صوتَ ثرثرتها الداخلية؟!..
      [S]يتبع[/S][/align]
      كان المُقاتِل مات/ جاءَه رجلٌ وقال: "لا تمت فأنا أحبُّك كثيرًا!!"/
      ولكن الجُثْمان؛ ياللخسارة، واصلَ الموت/.
      ثم جاءَه...(كلُّ أحبابه)/ أحاطوا به؛ رآهم الجُثْمان الحزين "هزَّه التَّأثر/
      نهضَ ببطء/ احتضنَ أوَّلَ شخصٍ، وبدأ يسير"!!!.
      مِن أطياف
      "رواية" لـ/رضوى عاشور

      تعليق


      • #4
        [align=justify][gdwl]ربما[/gdwl].. ولكنها - أي البطلة - لن تستسلم وستواصل ثرثرتها في قصة أخرى.. قد توجه هذه الثَّرثرة لنفسها، وقد توجهها « لرجل قلما ينتبه ».. وهذه العبارة الأخيرة هي العنوان الذي اختارته الكاتبة للنَّص الثَّالث في المجموعة، والذي لا يمكن القبض على شيء من تفاصيل الحكاية التي يسردها - إن كان ثمة حكاية - سوى الثَّرثرة، وكأن هذا النَّص ما كُتِبَ إلا ليكون مشجباً يعلق عليه بطلاه سلمى وعلي حاجتهما الماسة للثَّرثرة..
        تزداد شراهة سلمى للحكايات وهي تتبختر تحت المطر مداعبةً الغيوم المكتظة فوق قشور ثرثرتها التي تمارسها بفرح يشبه رائحة الحبّ..
        ولا تنسى الكاتبة أن تُسمعنا بعضاً من هذه الثَّرثرة : «... آاه يا علي.. أيها المطاطي.. سأنبت حيث يقيم القيظ فيك.. سأنقع نفسي فوق هلاميتك.. سأحصدك رغم معرفتي أن غلتك لا تسد رمق نحولي (.... ) آااه يا علي دعنا ننشط خارج هذه القوالب الضيقة.. دعنا نتنفس قبل أن تتفرقع رئتانا بهذا الهواء المسمم بأعقاب الخسارات «5» أما علي فلم يكن مجرد مستقبِل سلبي للثَّرثرة، لأنه يدرك أن « عزاءنا الأخير حين نقيم الصخب في أعضاء ثرثرتنا المبتورة «6»، فها هو يتنفس ثرثرةً في أذني حبيبته، ربما ليثبت لها أن عنوان النَّص الذي وصفه بأنه " رجل قلما ينتبه " كان مغالياً في عدم تقدير قدراته، يقول علي في ثرثرته: « سلمى.. أنتِ أنثى بامتيازات إضافية.. لا يمكنني الركض خلفك وأنتِ تلغمين المسافات بالوشايات التي تهتك عرض انسجامي معك ».. لعل سبب الفراق بين هذين الحبيبين إذن هو عدم الانسجام بين ثرثرتين..
        وإذا كان الكبار يستعينون على الحياة بالثَّرثرة فان غيابها لدى الأطفال يعني الموت.. لا طفولة بلا ثرثرة.. هكذا تخبرنا هدى الجهورية في قصتها « رهانات غير مأمونة تفتح للفضيحة عيوناً »، فـ« لكي لا نموت ينبغي أن نبوح بالأسرار، يجب أن نفرغها في السَّواقي والنجوم والرَّمل الكثير » هكذا تقول ساردة القصة التي تستعيد عبر ذاكرتها التي لم تمتلئ بعد بداية علاقتها بالثَّرثرة التي تمارسها علينا الآن بعدما صارت فتاة كبيرة.. تسرد هذه البطلة الـ« بلا اسم» حكاية صديقتها الطفلة فضيلة وحيرتها بين الصمت والبوح بما تعتبره أول سر خطير يقتحم حياتها الهادئة.. » بتتكلمي ولا بتجلسي تصيحي؟" "7" هكذا يسألها صديقها الطفل راشد باستنكار داعيا إياها إلى الدخول إلى عالم الكلام المدهش.. « إحنا اتفقنا إنا كلنا واحد، ما في بيننا سر، السر ملك للجميع " «8».. ولكن حين تبوح الطفلة بهذا السر لصاحبيها ( والذي لا يعدو كونه قرصة من امرأة غريبة في مكان حسَّاس من جسدها استجابةً لعادات قروية ) يفضي ذلك إلى غضب أمها وحبس الفتاة في البيت حفاظاً على سمعتها، ثم بالتبعية إلى انتهاء علاقتها براشد والسَّاردة.. لكأن الثَّرثرة هنا هي نار السِّراج التي ترنو إليها الفراشة من بعيد برغبة في اقتحامها واستكناه عوالمها وما إن تقترب منها حتى تحترق بلهيبها.
        أما في قصة « معصوبة العينين إلى البحر » فنحن بإزاء امرأة جائعة للكلام.. أو لنقل إنها فتاة، مادام عمرها لا يتجاوز الثَّامنة عشرة حتى وان كانت أرملة لرجل كان يكبرها بأكثر من ضعف عمرها.. تتحدث هذه الفتاة في اليوم الأخير من عدتها على زوجها الراحل الذي لم تعرف خلال حياتها القصيرة معه سوى « صوته المرتفع ».. عندما يعلو صوت الذي نحاوره فانه يسلبنا قدرتنا على الكلام..
        ألهذا إذن كان يبدو أن الزوجة سعيدة برحيل زوجها رغم الثَّمرة التي تركها في أحشائها؟!..
        « كم أنا فرحة باستعادتي نفسي، وكل ما انتهكه زوجي من مسرات وعنب » "9" وتتساءل : « هل يجب أن أبكي عليك يا زوجي الغائب وأنت يحضنك التراب ويشاطرك الدود الحكايات؟! ».."10" إنه تساؤل استنكاري لا يخلو من الحسد، لا على الموت كما قال شاعرنا العربي القديم.. بل على قدرة الميت على الثَّرثرة وتبادل الحكايات، حتى وان كان ذلك مع الدود..
        وهو أمر ليس مستغرباً على امرأة قضت فترة زواجها كاملة ثم فترة عدَّتها كاملة تقريباً وهي صامتة لدرجة أنها باتت تحقد على جاراتها المعزيات القادرات على فتح شبابيك الكلام، « ومضطرة لاحتمال هؤلاء الزائرات البغيضات اللواتي لا أدري من أين يستعرن الدموع، وما إن يتوارين حتى يأكلن التمر، ويشربن القهوة، ويفتحن شبابيك النَّميمة على اتساعها ".. "11" ولأن العادة في منطقة الباطنة ( المنطقة التي تسكنها بطلة القصَّة ) أن تختتم الأرملة طقوس عدَّتها بالاغتسال في البحر فان المرأة الشَّابة وجدتها فرصة سانحة ليس فقط لاستعادة قدرتها على الثرثرة بل والغناء أيضاً في حضن البحر الحنون، « هو البحر سيفتح شاطئُه الطويل امتدادَ خطوتي، وسيلم اتساع جرحي، وسيزبد حين أهم بالبكاء، وأترك رأسي برأس موجة لنغني بصوت عال كل الأغاني التي نسيتُها ». "12"
        [S]يتبع[/S][/align]
        كان المُقاتِل مات/ جاءَه رجلٌ وقال: "لا تمت فأنا أحبُّك كثيرًا!!"/
        ولكن الجُثْمان؛ ياللخسارة، واصلَ الموت/.
        ثم جاءَه...(كلُّ أحبابه)/ أحاطوا به؛ رآهم الجُثْمان الحزين "هزَّه التَّأثر/
        نهضَ ببطء/ احتضنَ أوَّلَ شخصٍ، وبدأ يسير"!!!.
        مِن أطياف
        "رواية" لـ/رضوى عاشور

        تعليق


        • #5
          [align=justify]في قصة « امرأة ترعى قطيع الحب خفية » تحاول البطلة التَّغلب على حزنها وانكسار قلبها وخوفها من المجهول بالانغماس في الثَّرثرة والحكايات والنَّمائم الجميلة..
          امرأة تثرثر ليس بلسانها فحسب بل بالعينين أيضاً، وبالقلب المنذور للوحشة.. « وحدها مَنْ كانت تمتلك صوتاً مضيئاً وعينين متسعتين لمزيد من الهذر ».." 13" ولا ضير من اختراع عين ثالثة مادام هذا سيساعدها على إنعاش قلب كسير مجبول على جلد الرغبات، « متى سيتثاءب هذا القلب وكلَّما أطلقت له الحكايات، أو غنَّت له أغنية استفاق مغرياً على جلد الرغبات ».."14" إنها تصدّر خوفها من فقدان الحبّ إلى الأخريات على هيئة نصائح: « أحببن.. إنه أمر مشروع.. ولا تبخلن بأسماء الأحبة، تواريخ المواعيد السَّاخنة، ارتجاف الشِّفاه، الملامسات.... تبتهج الصديقات، وتسرق هي الحكايات بكراً من شفاههن، وهن يتساءلن: تُرى من سيعبئ هذه المرأة التي لا تخشى الحبّ والأسماء والوشايات؟!»..

          أما قصة « صوت » - والتي هي في رأيي واحدة من أجمل ما كتبتْ هدى الجهورية من نصوص - فيمكن اعتبارها ثرثرة خلاقة عن الثَّرثرة.. إذْ تنشغل بطلة القصَّة التي تثرثر طوال الوقت بثرثرة الآخرين من خلال رصد واستكشاف الطاقة الخبيئة لأصواتهم.. بدءاً بأمِّها التي تمدُّ البطلة إصبعها إلى لسانها بحركة طفولية مشاكسة لتتذوق صوتها، ومروراً بأختها التي لا تستهلك صوتها بالأحاديث التَّافهة مع أبناء الجيران، والخياط الهندي الذي لا تستطيع فهم صوته ولا تجيد التَّعاطف معه لاعتقادها أنه نسي صوته في الهند وجاء بفقاعة تبقبق في فمه، وليس انتهاءً بالرجل الذي طلب يدها من أبيها فكان أول طلب لها - قبل أن تجيب بالموافقة أو الرفض - أن تسمع صوته، لتكتشف بعد ذلك أن صوته مغلق لا تتسلل إليه الشَّمس..
          ورغم انهماكها بمراقبة أصوات الآخرين إلا أنها لم تنس أيضاً مراقبة صوتها.. كيف لا وهي التي كانت دائما تخشى أن تموت وفي فمها حكاية لم تقلها؟!، « وحين يحصل أن أتذكر حكاية أنام على بطني تحت السَّرير وأشعل رؤوس أصابعي لأندلق بالثَّرثرة الطويلة.. كنت أدرِّب صوتي ليصبح له رائحة ضوء لكني أصبت بالخذلان حين أصبح له رائحة قبو قديم «20 ».
          [S]يتبع[/S][/align]
          كان المُقاتِل مات/ جاءَه رجلٌ وقال: "لا تمت فأنا أحبُّك كثيرًا!!"/
          ولكن الجُثْمان؛ ياللخسارة، واصلَ الموت/.
          ثم جاءَه...(كلُّ أحبابه)/ أحاطوا به؛ رآهم الجُثْمان الحزين "هزَّه التَّأثر/
          نهضَ ببطء/ احتضنَ أوَّلَ شخصٍ، وبدأ يسير"!!!.
          مِن أطياف
          "رواية" لـ/رضوى عاشور

          تعليق


          • #6
            [align=justify]و لعلَّها ليست مصادفة أن تضع الكاتبة قصة « العتمة كحيز آمن » كآخر قصة في المجموعة.. فغياب الضوء هو الذي يتيح للصوت أن يعربد في فضاءات أوسع وأرحب.. تسرد هذه القصة حكاية سجينة في زنزانة انفرادية « يراقبها الصمت الذي يصعد الجدران » غير أن صوت رجل يغني في زنزانة مجاورة جعلها تتشاجر مع العتمة وأدخل ضوءاً كثيراً إلى أوردتها وجعلها تتمنى أن تُفرغ حكاياتها الطويلة التي أكلتْها العتمة في نقاوة غنائه.
            وبعد كل هذه التَّنويعات على ثيمة الثَّرثرة خلال خمس عشرة قصة، يأتي المقطع الأخير « ما بعد النَّميمة ».. وهو المقطع الذي كنتُ وعدتُ بالعودة إليه.. تكتب هدى في هذا المقطع :

            عبروا
            فوق جلدك لتصاب بالتَّآكل
            وأنتَ تنزح من جرح لآخر
            وتخيط الحنين من تنورة قديمة للغياب،
            وتفك أزرار الذاكرة زراً زرا
            إلى عظمها النَّاشف..
            عبروا ليتكاثر الصدأ
            فوق روحك
            دون أن تشحمه دمعة
            هكذا
            تركوك وحيداً."21"

            بعد كل ذلك الغوص في دخيلة نساء منكسرات، شرهات للحكايات، إذا بالكاتبة توجه رثاءها لضمير المخاطب المذكر!.. لعلَّها أرادتْ أن ترسل رسالة مفادها أن تركيزها على ما تكابده النِّساء في ظلِّ غياب الحكي والتَّحدث عن الأحلام بشهية لا يعني أنها نسِيَتْ الرجل، فهو أيضاً ابن الحكايات وصانعها، ويستحق أن يُعزّى في فقدانها..
            ولعلَّ الرسالة أكثر خبثاً مما نظن : أيها الرجل إن إصابتك بالتَّآكل، وتركك وحيداً لم يأتيا إلا بعد أن سمحتَ للحكايات أن تفرَّ من نصفك الآخر!..
            بيد أن ثمة قراءة أخرى يمكن اقترافها لوجود مقطعين تمهيدي واختتامي.. فكون الأخير موجهاً للمذكر يجعلنا لا نستبعد أن يكون ضمير المتكلم في المقطع الافتتاحي « ما قبل النَّميمة » هو ضمير مذكر أيضاً.. أيكون الرجلُ إذن هو الذي يحاول التَّخفف من البشر والإنصات لصوت نميمة وثرثرة كل هذه النِّساء و يبكي !!..
            [S]يتبع [/align][/S]
            كان المُقاتِل مات/ جاءَه رجلٌ وقال: "لا تمت فأنا أحبُّك كثيرًا!!"/
            ولكن الجُثْمان؛ ياللخسارة، واصلَ الموت/.
            ثم جاءَه...(كلُّ أحبابه)/ أحاطوا به؛ رآهم الجُثْمان الحزين "هزَّه التَّأثر/
            نهضَ ببطء/ احتضنَ أوَّلَ شخصٍ، وبدأ يسير"!!!.
            مِن أطياف
            "رواية" لـ/رضوى عاشور

            تعليق


            • #7
              [align=justify]كتبتْ هدى الجهورية قصص « نميمة مالحة » بلغة شفافة تمتح من الشِّعر الكثير حتى لكأنك بإزاء شاعرة ترتب الحكاية وتنضدها، وإذا ما أردنا التَّمثيل على ذلك سنجد عبارات كثيرة رصعت بها الكاتبة هذه القصة أو تلك كما ترصع النُّجوم سماء خفيضة يمكن قطفها باليد.. من هذه العبارات نقرأ:
              1- « كان يروق لها أن تطفو على سطح جلده كشيء يبعث على الضحك اثر الدغدغة »
              2- « أكتشف أن صوتي يتسلق الجدران الموحشة »
              3- " ذات مرة مددتُ إصبعي على لسان أمي لأتذوق صوتها "
              4- " سألقي بك في عين البحر لترمد "
              5- " كشمعة ضريرة ظل يسكب رمقه الأخير "
              6- " هنا روحي تتكشف في الهواء المغلق كفقاعة صابون ثقبها الوخز "
              وإذا كانت هذه الإيماءات الشِّعرية قد أغنت النُّصوص وأكسبتها حمولات دلالية إلا أن بعض التَّأملات التي عمدت إليها الكاتبة مستخدمة فيها جملاً تقريرية أدت إلى قطع سيرورة السَّرد..
              فها هي بطلة « الحكاية الشَّحيحة.. هل تكفي اثنين » تقاطع الحكاية بمونولوجها : « إلى متى سأكذب؟.. أشعر بالتعب من كذبي ومن وجهي الذي لم أعد أعرف معالمه... الخ " «22»..
              الأمر نفسه تفعله بطلة قصة « على رأس جني » التي تخاطب عيسى بمونولوج مشابه: « عيسى : الفرح الذي أهديتني إياه فقد طعمه ورائحته، منذ أن أقمت بيني وبينك فجوة تتسع لاختناق.. عيسى: ابقَ هناك بذاكرة بدائية، فليس ثمة ما يُبهج.. وحدك من احتفظ ببراءته نظيفة حين خبّأها على رأس جني، وحدك من أصبح يمرق أمامنا بمخ ضفدعة مكفوفة، وبروح منثلمة قلما تتصالح مع حاراتنا التي ما تزال بحاجة لمزيد من التَّشحيم لتبتسم بسخرية في وجه الغرباء.. ها أنتَ يا عيسى تنذرني لفزعك وحزنك الكبير" .."23"
              وإذا كانت مثل هذه الجمل التَّقريرية يمكن أن تؤخذ على هذه المجموعة الجميلة، فان الملاحظة الأخرى هي هيمنة صوت واحد على جميع القصص هو صوت الكاتبة.. بعبارة أخرى يمكننا استدعاء عبارة الجاحظ النَّقدية عن عدم ملائمة الكلام لمقتضى الحال في بعض القصص.. لنتأمل مثلا هذا المقطع من قصة « رهانات غير مأمونة تفتح للفضيحة عيوناً » والذي يُفترض فيه أن يكون الحكي فيه عن أطفال: « ها قد أصبح لديك سر يا فضيلة، واتفقنا على أنْ لا نحمل كالنِّساء ذاكرة تكتظ بالأسرار، وذلك منذ سألنا راشد ( زعيم الشِّلة ): لماذا يموت كبار السِّن؟ قال لنا: لأن ذاكرتهم تكون قد امتلأت، ولا مجال لإضافة المزيد ».."24" إذ لا يُعقل أن يكون كلُّ هذا الوعي وعي طفل..
              مثال آخر هو الساردة في قصة « معصوبة العينين إلى البحر » والتي تُخبرنا الكاتبة من البداية أن عمرها لا يتجاوز الثَّامنة عشرة في حين أنها تتحدث بوعي ثقافي و حياتي كبيرين : « صرختْ بوجهي وهي تشدُّ الشَّال على رأسي قائلة:
              - هيا يا ابنتي.. لا تبقي شيئاً من آثاره هنا، لا تتركي روحه تعلق بالأماكن
              أخبرتُها : وثقوب الذاكرة كيف سأنظفها؟ "."25"
              غير أن هذه الملاحظات البسيطة لا تقلل من شأن هذه المجموعة كواحدة من المجموعات القصصية العمانية الجميلة التي صدرت في الآونة الأخيرة، والتي جعلتْ كاتبتها هدى الجهورية في مصاف الأسماء الشَّابة التي ينتظر المشهد القصصي العماني والخليجي منها الكثير من الكتابات المبدعة.. نسويةً كانت أو غير ذلك."
              ـــــــ سليمان المعمري
              11/7/2007 .. شرفات[/align]
              كان المُقاتِل مات/ جاءَه رجلٌ وقال: "لا تمت فأنا أحبُّك كثيرًا!!"/
              ولكن الجُثْمان؛ ياللخسارة، واصلَ الموت/.
              ثم جاءَه...(كلُّ أحبابه)/ أحاطوا به؛ رآهم الجُثْمان الحزين "هزَّه التَّأثر/
              نهضَ ببطء/ احتضنَ أوَّلَ شخصٍ، وبدأ يسير"!!!.
              مِن أطياف
              "رواية" لـ/رضوى عاشور

              تعليق

              يعمل...
              X