من يعرف عمان الحالمة مثلي... لا أشك بأنه يحبها ...
كل مكان في الدنيا تطلّ عليه شمس واحدة ...
إلا عمّان المتوجة على سبعِ جبال تنبلج منها سبعة إشراقات كلّ شروق....
فيتلاقح الضياء بالمطر بألوان الطيف والوجوة الجميلة...
وكأين من صباحاتها العطرة ابدأه بالإفطار الشامي في مطعم شعبي أعلى شارع السلط،
ثم استوي بعد ذلك باتجاه... زينب... وسط البلد. ..
تلتقط عيناي ابتسامتها المتقافزة من بعيد فوق كل الوجوه... تشق الازدحامات
والأرصفة... لتحط على خدي كقبلة الصباح...
فيرتد إليها بصري يخترق الجدران... والأجسام... والمتاجر الأنيقة
إلى أن أصل كُلي إليها...
أجدها قد حضرت لي مؤونة اليوم من سجائري وعلب الكبريت وفي كلّ مرة تصّر
على تزويدي بحبّات (الملبس) مجاناً والذي تبيعه أيضاً على عربة صغيرة
زينتها بأعلام الوطن، وصور النخيل، ودجلة... وقد استغربتُ منها أنها ذات مرة أهدتني ملعقة...؟!
وقالت: هذه ملعقتك...؟
وفي كل مرة تودعني مثلما تستقبلني وذلك بمناداتي باسمي المجرد دون الإضافات والديباجات المتداولة ( أخ. أستاذ. سيد... وغيرها )... و كانت قد سمعت اسمي
بالصدفة حينما ناداني أحد الاصدقاء وانا أبتاع السجائر منها ...
ذات يوم ..
وبينما كنت أقف عندها رأيت الباعة المتجولين ( الذين لم يحصلوا على تراخيص للبيع العشوائي ) جميعهم يحملون (بسطاتهم) أو يدفعون عرباتهم
ويركضون في كل اتجاة ويتنادون : بلدية .. بلدية ...! والشرطة تهرول خلفهم.
ارتبكت زينب وشحب وجهها... التفتت بخوف ذات اليمين وذات الشمال، ثم شبكت يديها
على رأسها.
تأوهت..... وقد أسندت ظهرها للحائط منكسرة ومستسلمة، يعلوها الرعب
والحزن، وتخنقها العبرات ورجفات الشفاه
سألتها مذهولاً مالذي يجري... ؟!
قالت : سيصادرون عربتي وهي كل ماأملك...
نظرت إلى يديها الناعمتين وعمرها الذي لم يتجاوز الثانية عشرة أو أكثر بقليل...
ثم دون وعي أوشعور مني... وجدت نفسي أخطف العربة وأركض مندفعاً بكلّ قوتي
على غيرهدى...
وهي تركض خلفي ضحكتها كأجراس الكنائس تملئ المدينة طفولة وبراءة وتوجهني
من خلفي... يمين... يسرة... من هنا... من هناك، حتى وصلنا الى مكان آمن
وتوقفنا... جلسنا على سفح المدرج الروماني نشحذ انفاسنا ونضحك إلى أن هدأ روعنا،
ثم و بعد دقائق عدة جاءني صوتها متهدجا: أتدري لمَ اناديك باسمك دون ألقاب؟
(أومأتُ غير مباليا) وقلت: لا أهتم لذلك... تعرفين أن أي زيادة على الاسم تفقده معناه
ولاتنقصة حرفاً، أو تزيدة قدراً...
قالت: لم أعنِ هذا ولكني أردتُ أن أقول لك بأن أخي الكبير كان اسمه مثل اسمك
وفي عمرك ويشبهك أيضاً...! وأحب مناداتك كما أناديه. كان يحبني كثيراً وأحبه كثيراً
يحملني على متنيه ويجوب بيّ شوارع بغداد يشتري لي حلوى وثياباً جميلةً...
سألتها ( وبدون مبالاة أوتحفظ ) وأين أخوك هذا ...؟
غير أني خجلتُ من نفسي حينما أطرقت ، وبلعت ريقها، وحدقت بعينين من ماء
قائلة:... مات...
قلت وفي النفس حرقة : كيف... أقصد متى...؟
نهضت إلى العربة واخرجت من درجها الصغير حقيبة جلدية صغيرة فيها صور
راحت تعرضها عليَّ... وتعرفني على أصحابها...
هذه أمي... هذا أبي .. هذة أختي الكبرى (اسيل) وهذه (منى) وهذا أخي أحمد
وهذا أنت ! ...
تملكني إحساس بالوجع قبل أن أسالها وأين هم الآن ..؟
قالت: لاأدري... كل ما أذكره أننا اجتمعنا على مائدة العشاء، ثم طلبت مني أمي
أن أحضر الملاعق من المطبخ، فقد نَسِيَّت ذلك...
والمطبخ في الطرف الآخر من بيتنا العربي الفسيح... وبينما أنا فيه أغسل الملاعق
سمعت انفجاراً مدوّياً كأي انفجار نسمعة مما تخلفة الطائرات الاجنبية أثناء قصفها
للناس في كل مساء...
غير اني حينما عدت لم اجد الحجرة التي كان بها اهلي حول مائدة الطعام ينتظرون الملاعق ...
وجدت أطرافاً متناثرة ومتفحمة، ولكن هؤلاء ليسوا أهلي ... ؟
لازالت الملاعق معي ...ماعدا التي أعطيتك إياها .
أشحتُ بوجهي عن زينب... وقمت متثاقلا... امشي ببطئ حينما لحقت بي بسرعة
وامسكت يدي ثم رمت برأسها على صدري يختلط نشيجها مع صوت الذكريات ...
طلبتُ منها جميع الملاعق التي تحتفظ بها ...
أفترت عن ثغرها الوردي ابتسامه متلئلئه حينما أدركت بذكائها الفطري بأني نويت أن أكون لها كل هؤلاء الذين مازالوا ينتظرون الملاعق .
كبرت زينب وحينما أصبحت صبية كما القمر تزوجت من شاب عربي يقيم في
إحدى دول المغرب العربي
أنجبت زينب طفلاً واختارت له اسم أخيها الكبير
كل مكان في الدنيا تطلّ عليه شمس واحدة ...
إلا عمّان المتوجة على سبعِ جبال تنبلج منها سبعة إشراقات كلّ شروق....
فيتلاقح الضياء بالمطر بألوان الطيف والوجوة الجميلة...
وكأين من صباحاتها العطرة ابدأه بالإفطار الشامي في مطعم شعبي أعلى شارع السلط،
ثم استوي بعد ذلك باتجاه... زينب... وسط البلد. ..
تلتقط عيناي ابتسامتها المتقافزة من بعيد فوق كل الوجوه... تشق الازدحامات
والأرصفة... لتحط على خدي كقبلة الصباح...
فيرتد إليها بصري يخترق الجدران... والأجسام... والمتاجر الأنيقة
إلى أن أصل كُلي إليها...
أجدها قد حضرت لي مؤونة اليوم من سجائري وعلب الكبريت وفي كلّ مرة تصّر
على تزويدي بحبّات (الملبس) مجاناً والذي تبيعه أيضاً على عربة صغيرة
زينتها بأعلام الوطن، وصور النخيل، ودجلة... وقد استغربتُ منها أنها ذات مرة أهدتني ملعقة...؟!
وقالت: هذه ملعقتك...؟
وفي كل مرة تودعني مثلما تستقبلني وذلك بمناداتي باسمي المجرد دون الإضافات والديباجات المتداولة ( أخ. أستاذ. سيد... وغيرها )... و كانت قد سمعت اسمي
بالصدفة حينما ناداني أحد الاصدقاء وانا أبتاع السجائر منها ...
ذات يوم ..
وبينما كنت أقف عندها رأيت الباعة المتجولين ( الذين لم يحصلوا على تراخيص للبيع العشوائي ) جميعهم يحملون (بسطاتهم) أو يدفعون عرباتهم
ويركضون في كل اتجاة ويتنادون : بلدية .. بلدية ...! والشرطة تهرول خلفهم.
ارتبكت زينب وشحب وجهها... التفتت بخوف ذات اليمين وذات الشمال، ثم شبكت يديها
على رأسها.
تأوهت..... وقد أسندت ظهرها للحائط منكسرة ومستسلمة، يعلوها الرعب
والحزن، وتخنقها العبرات ورجفات الشفاه
سألتها مذهولاً مالذي يجري... ؟!
قالت : سيصادرون عربتي وهي كل ماأملك...
نظرت إلى يديها الناعمتين وعمرها الذي لم يتجاوز الثانية عشرة أو أكثر بقليل...
ثم دون وعي أوشعور مني... وجدت نفسي أخطف العربة وأركض مندفعاً بكلّ قوتي
على غيرهدى...
وهي تركض خلفي ضحكتها كأجراس الكنائس تملئ المدينة طفولة وبراءة وتوجهني
من خلفي... يمين... يسرة... من هنا... من هناك، حتى وصلنا الى مكان آمن
وتوقفنا... جلسنا على سفح المدرج الروماني نشحذ انفاسنا ونضحك إلى أن هدأ روعنا،
ثم و بعد دقائق عدة جاءني صوتها متهدجا: أتدري لمَ اناديك باسمك دون ألقاب؟
(أومأتُ غير مباليا) وقلت: لا أهتم لذلك... تعرفين أن أي زيادة على الاسم تفقده معناه
ولاتنقصة حرفاً، أو تزيدة قدراً...
قالت: لم أعنِ هذا ولكني أردتُ أن أقول لك بأن أخي الكبير كان اسمه مثل اسمك
وفي عمرك ويشبهك أيضاً...! وأحب مناداتك كما أناديه. كان يحبني كثيراً وأحبه كثيراً
يحملني على متنيه ويجوب بيّ شوارع بغداد يشتري لي حلوى وثياباً جميلةً...
سألتها ( وبدون مبالاة أوتحفظ ) وأين أخوك هذا ...؟
غير أني خجلتُ من نفسي حينما أطرقت ، وبلعت ريقها، وحدقت بعينين من ماء
قائلة:... مات...
قلت وفي النفس حرقة : كيف... أقصد متى...؟
نهضت إلى العربة واخرجت من درجها الصغير حقيبة جلدية صغيرة فيها صور
راحت تعرضها عليَّ... وتعرفني على أصحابها...
هذه أمي... هذا أبي .. هذة أختي الكبرى (اسيل) وهذه (منى) وهذا أخي أحمد
وهذا أنت ! ...
تملكني إحساس بالوجع قبل أن أسالها وأين هم الآن ..؟
قالت: لاأدري... كل ما أذكره أننا اجتمعنا على مائدة العشاء، ثم طلبت مني أمي
أن أحضر الملاعق من المطبخ، فقد نَسِيَّت ذلك...
والمطبخ في الطرف الآخر من بيتنا العربي الفسيح... وبينما أنا فيه أغسل الملاعق
سمعت انفجاراً مدوّياً كأي انفجار نسمعة مما تخلفة الطائرات الاجنبية أثناء قصفها
للناس في كل مساء...
غير اني حينما عدت لم اجد الحجرة التي كان بها اهلي حول مائدة الطعام ينتظرون الملاعق ...
وجدت أطرافاً متناثرة ومتفحمة، ولكن هؤلاء ليسوا أهلي ... ؟
لازالت الملاعق معي ...ماعدا التي أعطيتك إياها .
أشحتُ بوجهي عن زينب... وقمت متثاقلا... امشي ببطئ حينما لحقت بي بسرعة
وامسكت يدي ثم رمت برأسها على صدري يختلط نشيجها مع صوت الذكريات ...
طلبتُ منها جميع الملاعق التي تحتفظ بها ...
أفترت عن ثغرها الوردي ابتسامه متلئلئه حينما أدركت بذكائها الفطري بأني نويت أن أكون لها كل هؤلاء الذين مازالوا ينتظرون الملاعق .
كبرت زينب وحينما أصبحت صبية كما القمر تزوجت من شاب عربي يقيم في
إحدى دول المغرب العربي
أنجبت زينب طفلاً واختارت له اسم أخيها الكبير
تعليق