بسم الله الرحمن الرحيم
كل يوم أراه وحيدا منكبا على عمله،يعمل بكل نشاط.. لم تضني مشقة العمل من عزمه وجَلده، ومع ذلك كلما أمعنت النظر في ذلك الرجل الفقير فقرا مدقعا ...أراه يبتسم.
من يرى حاله يخال كل أهوال وهموم الدنيا منصبة عليه، لكنه عوضا عن ذلك يبتسم..نادرا ما فارقت الابتسامة وجهه الذي نحتت السنون تاريخها عليه..ترى ذلك في تجاعيد وجهه ونحوله.
كل آهل القرية ينعتونه بغريب الأطوار ..فهو يعمل أجيرا عندهم.. يقوم على تحميل البضائع في سوق القرية من تاجر إلى آخر ..ومن بقعة إلى أخرى.. دون أي اعتراض أو أي تأفف يشير إلى قسوة و عظم ما يقوم به.. ما تراه فقط ابتسامته.. كأنه بهذه الابتسامة يفتح للعالم اجمع لغزا محيرا يقف جنبا بجنب مع لغز ابتسامة الموناليزا الغامضة.
في غدوه ورواحه..مبتسم
في احلك الظروف وأقساها..يبتسم
من طلوع الشمس إلى مغيبها.. مبتسم
وفي وسط وحدته أيضا يبتسم
في بادي الأمر..ومع أول أيام انتقالي إلى القرية للعيش هناك.. حسبته مجنونا، ولكن حتى المجنون إن اخطى أحدهم في حقه يعارض ويقوم بما يشير إلى انه مجنون.. تنتابه العصبية..يكشر في وجوه الجميع..لكن أن يبتسم هذا ما زاد الطين بله..
صرت أتتبعه بنظراتي في كل وقت محاولا كشف سر ابتسامته.. وصل بي الحال إلى أن أراه في منامي.. أو اقضي معظم أوقاتي شاردا أفكر في حاله..فكرة تجي وأخرى تتبعها وهكذا دواليك.. كاد رأسي أن ينفجر من كثرة التفكير..وأنا بعد لم أجد حلا لهذا اللغز..يبدو انه لا مفر.. لابد أن أراه و اسأله.. لعلي أجد ما يريحني واصل إلى القناعة التي انشدها.
لم يغمض لي جفن ليلتها.. ومع طلوع أول شعاع للشمس كنت هناك على قارعة الطريق انتظر غايتي.. رايته من بعيد يجر عربته الصغيرة متجها نحوي..لحظتها استطعت التدقيق في قسمات وجهه الحانية..من يتقرب إليه يستطيع قراءة الحياة في عينيه..كانت ابتسامته تدعوني للحديث..لا ادري ماذا حدث، وجدته قبالتي يرحب بي بكل ترحاب..يبدو انه استطاع قراءة ما عزمت عليه..
- اعذرني يا ولدي.. لا أستطيع الوقوف والتحدث إليك الآن.. ألقاك مساءا..بعد الانتهاء من عملي..لا تعجز لن أتأخر عليك.
مســـاءا.. التقينا ..قادني في طريق قديم مخفي بين غصون الأشجار..طوال طريقنا لم يتحدث ألي بكلمه..واصلنا المسير حتى انكشف أمامي كوخ صغير..دعاني للدخول.لا اعرف كيف اصف ما رأيت..كل ما رايته يدعو ويفتح أبوابه بكل اتساعها للتعاسة ..
كوخ تعيس
جدران متشققة
أرضية مهترئه
وسقف ملطخ بالسواد
حتى فرشته التي ينام عليها كانت ممزقة الأطراف مرمية على الأرض.. ما رأيت جعلني اصمم على معرفة سر الابتسامة الغامضة.
- سيدي العزيز..شكرا لرحابة صدرك ولدعوتك لي..أظن أن الوقت قد أزف لتخبرني.....
قاطعني قائلا: نعم اعرف.. لماذا أنا دائم الابتسام.
- مثلما رأيت.. لا شي في حياتي يدعو للفرح .. أنا رجل فقير اعمل لقوت يومي.. لا اطلب شيئا من هذه الحياة.. أيامي أصبحت معدودة. غايتي أن أجد ما أكله.. في أيام كثيرة لا أجد غير رغيف خبز وحبة طماطم ، أو في افضل الأحوال خيارة، وقطعة لحم مقدد في المناسبات.
تناول نظارة قديمة موضوعة على طاولة قريبة... ناولني اياها..ثم اختطف حصنا به رغيف خبز وخيارة.
- البسها يا ولدي.. اخبرني... ماذا ترى؟
- ارى رغيف خبز وخيارة وقد تضاعف حجمهما واصبحا كبيرين.
- ها قد قلتها كبيرين...هذا هو سر ابتسامتي يا ولدي العزيز.. فكلما ذاقت بي الدنيا ولم اجد ما اكله..ارتديت هذه النظارة التي تعمل كالسحر وتكبر الاشياء...عندما ارتديها فأن كل شي يصبح افضل واطيب ..فأنا ارى في الطماطم دجاجة وفي الخيار سمكه وفي رغيف الخبز كعكة جذابه ..و مع كل هذا الاطايب فانني اشبع بسرعة..أتعرف أول ما اقوم في الأيام العاصفة والتي لا استطيع الخروج فيها من الكوخ.. ارتدي نظارتي وانظر الى أي شي يشعرني بالسعادة كالزهرة مثلا..وغيرها الكثير مما استطيع تخيله بواسطة هذه النظارة.
لم اصدق ما سمعت.. ولكن بعد برهة من التقكير وجدت في كلام العجوز الفيلسوف حكمة بالغة.." ليس المهم ما ترى وإنما ما تؤمن به".خرجت من عند العجوز وابتسامة كبيرة تحتل مساحة كبيرة من نفسي.
كل يوم أراه وحيدا منكبا على عمله،يعمل بكل نشاط.. لم تضني مشقة العمل من عزمه وجَلده، ومع ذلك كلما أمعنت النظر في ذلك الرجل الفقير فقرا مدقعا ...أراه يبتسم.
من يرى حاله يخال كل أهوال وهموم الدنيا منصبة عليه، لكنه عوضا عن ذلك يبتسم..نادرا ما فارقت الابتسامة وجهه الذي نحتت السنون تاريخها عليه..ترى ذلك في تجاعيد وجهه ونحوله.
كل آهل القرية ينعتونه بغريب الأطوار ..فهو يعمل أجيرا عندهم.. يقوم على تحميل البضائع في سوق القرية من تاجر إلى آخر ..ومن بقعة إلى أخرى.. دون أي اعتراض أو أي تأفف يشير إلى قسوة و عظم ما يقوم به.. ما تراه فقط ابتسامته.. كأنه بهذه الابتسامة يفتح للعالم اجمع لغزا محيرا يقف جنبا بجنب مع لغز ابتسامة الموناليزا الغامضة.
في غدوه ورواحه..مبتسم
في احلك الظروف وأقساها..يبتسم
من طلوع الشمس إلى مغيبها.. مبتسم
وفي وسط وحدته أيضا يبتسم
في بادي الأمر..ومع أول أيام انتقالي إلى القرية للعيش هناك.. حسبته مجنونا، ولكن حتى المجنون إن اخطى أحدهم في حقه يعارض ويقوم بما يشير إلى انه مجنون.. تنتابه العصبية..يكشر في وجوه الجميع..لكن أن يبتسم هذا ما زاد الطين بله..
صرت أتتبعه بنظراتي في كل وقت محاولا كشف سر ابتسامته.. وصل بي الحال إلى أن أراه في منامي.. أو اقضي معظم أوقاتي شاردا أفكر في حاله..فكرة تجي وأخرى تتبعها وهكذا دواليك.. كاد رأسي أن ينفجر من كثرة التفكير..وأنا بعد لم أجد حلا لهذا اللغز..يبدو انه لا مفر.. لابد أن أراه و اسأله.. لعلي أجد ما يريحني واصل إلى القناعة التي انشدها.
لم يغمض لي جفن ليلتها.. ومع طلوع أول شعاع للشمس كنت هناك على قارعة الطريق انتظر غايتي.. رايته من بعيد يجر عربته الصغيرة متجها نحوي..لحظتها استطعت التدقيق في قسمات وجهه الحانية..من يتقرب إليه يستطيع قراءة الحياة في عينيه..كانت ابتسامته تدعوني للحديث..لا ادري ماذا حدث، وجدته قبالتي يرحب بي بكل ترحاب..يبدو انه استطاع قراءة ما عزمت عليه..
- اعذرني يا ولدي.. لا أستطيع الوقوف والتحدث إليك الآن.. ألقاك مساءا..بعد الانتهاء من عملي..لا تعجز لن أتأخر عليك.
مســـاءا.. التقينا ..قادني في طريق قديم مخفي بين غصون الأشجار..طوال طريقنا لم يتحدث ألي بكلمه..واصلنا المسير حتى انكشف أمامي كوخ صغير..دعاني للدخول.لا اعرف كيف اصف ما رأيت..كل ما رايته يدعو ويفتح أبوابه بكل اتساعها للتعاسة ..
كوخ تعيس
جدران متشققة
أرضية مهترئه
وسقف ملطخ بالسواد
حتى فرشته التي ينام عليها كانت ممزقة الأطراف مرمية على الأرض.. ما رأيت جعلني اصمم على معرفة سر الابتسامة الغامضة.
- سيدي العزيز..شكرا لرحابة صدرك ولدعوتك لي..أظن أن الوقت قد أزف لتخبرني.....
قاطعني قائلا: نعم اعرف.. لماذا أنا دائم الابتسام.
- مثلما رأيت.. لا شي في حياتي يدعو للفرح .. أنا رجل فقير اعمل لقوت يومي.. لا اطلب شيئا من هذه الحياة.. أيامي أصبحت معدودة. غايتي أن أجد ما أكله.. في أيام كثيرة لا أجد غير رغيف خبز وحبة طماطم ، أو في افضل الأحوال خيارة، وقطعة لحم مقدد في المناسبات.
تناول نظارة قديمة موضوعة على طاولة قريبة... ناولني اياها..ثم اختطف حصنا به رغيف خبز وخيارة.
- البسها يا ولدي.. اخبرني... ماذا ترى؟
- ارى رغيف خبز وخيارة وقد تضاعف حجمهما واصبحا كبيرين.
- ها قد قلتها كبيرين...هذا هو سر ابتسامتي يا ولدي العزيز.. فكلما ذاقت بي الدنيا ولم اجد ما اكله..ارتديت هذه النظارة التي تعمل كالسحر وتكبر الاشياء...عندما ارتديها فأن كل شي يصبح افضل واطيب ..فأنا ارى في الطماطم دجاجة وفي الخيار سمكه وفي رغيف الخبز كعكة جذابه ..و مع كل هذا الاطايب فانني اشبع بسرعة..أتعرف أول ما اقوم في الأيام العاصفة والتي لا استطيع الخروج فيها من الكوخ.. ارتدي نظارتي وانظر الى أي شي يشعرني بالسعادة كالزهرة مثلا..وغيرها الكثير مما استطيع تخيله بواسطة هذه النظارة.
لم اصدق ما سمعت.. ولكن بعد برهة من التقكير وجدت في كلام العجوز الفيلسوف حكمة بالغة.." ليس المهم ما ترى وإنما ما تؤمن به".خرجت من عند العجوز وابتسامة كبيرة تحتل مساحة كبيرة من نفسي.
تعليق