إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تاريخ ابتسامه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تاريخ ابتسامه

    بسم الله الرحمن الرحيم


    كل يوم أراه وحيدا منكبا على عمله،يعمل بكل نشاط.. لم تضني مشقة العمل من عزمه وجَلده، ومع ذلك كلما أمعنت النظر في ذلك الرجل الفقير فقرا مدقعا ...أراه يبتسم.

    من يرى حاله يخال كل أهوال وهموم الدنيا منصبة عليه، لكنه عوضا عن ذلك يبتسم..نادرا ما فارقت الابتسامة وجهه الذي نحتت السنون تاريخها عليه..ترى ذلك في تجاعيد وجهه ونحوله.

    كل آهل القرية ينعتونه بغريب الأطوار ..فهو يعمل أجيرا عندهم.. يقوم على تحميل البضائع في سوق القرية من تاجر إلى آخر ..ومن بقعة إلى أخرى.. دون أي اعتراض أو أي تأفف يشير إلى قسوة و عظم ما يقوم به.. ما تراه فقط ابتسامته.. كأنه بهذه الابتسامة يفتح للعالم اجمع لغزا محيرا يقف جنبا بجنب مع لغز ابتسامة الموناليزا الغامضة.

    في غدوه ورواحه..مبتسم

    في احلك الظروف وأقساها..يبتسم

    من طلوع الشمس إلى مغيبها.. مبتسم

    وفي وسط وحدته أيضا يبتسم

    في بادي الأمر..ومع أول أيام انتقالي إلى القرية للعيش هناك.. حسبته مجنونا، ولكن حتى المجنون إن اخطى أحدهم في حقه يعارض ويقوم بما يشير إلى انه مجنون.. تنتابه العصبية..يكشر في وجوه الجميع..لكن أن يبتسم هذا ما زاد الطين بله..

    صرت أتتبعه بنظراتي في كل وقت محاولا كشف سر ابتسامته.. وصل بي الحال إلى أن أراه في منامي.. أو اقضي معظم أوقاتي شاردا أفكر في حاله..فكرة تجي وأخرى تتبعها وهكذا دواليك.. كاد رأسي أن ينفجر من كثرة التفكير..وأنا بعد لم أجد حلا لهذا اللغز..يبدو انه لا مفر.. لابد أن أراه و اسأله.. لعلي أجد ما يريحني واصل إلى القناعة التي انشدها.

    لم يغمض لي جفن ليلتها.. ومع طلوع أول شعاع للشمس كنت هناك على قارعة الطريق انتظر غايتي.. رايته من بعيد يجر عربته الصغيرة متجها نحوي..لحظتها استطعت التدقيق في قسمات وجهه الحانية..من يتقرب إليه يستطيع قراءة الحياة في عينيه..كانت ابتسامته تدعوني للحديث..لا ادري ماذا حدث، وجدته قبالتي يرحب بي بكل ترحاب..يبدو انه استطاع قراءة ما عزمت عليه..

    - اعذرني يا ولدي.. لا أستطيع الوقوف والتحدث إليك الآن.. ألقاك مساءا..بعد الانتهاء من عملي..لا تعجز لن أتأخر عليك.

    مســـاءا.. التقينا ..قادني في طريق قديم مخفي بين غصون الأشجار..طوال طريقنا لم يتحدث ألي بكلمه..واصلنا المسير حتى انكشف أمامي كوخ صغير..دعاني للدخول.لا اعرف كيف اصف ما رأيت..كل ما رايته يدعو ويفتح أبوابه بكل اتساعها للتعاسة ..

    كوخ تعيس

    جدران متشققة

    أرضية مهترئه

    وسقف ملطخ بالسواد

    حتى فرشته التي ينام عليها كانت ممزقة الأطراف مرمية على الأرض.. ما رأيت جعلني اصمم على معرفة سر الابتسامة الغامضة.

    - سيدي العزيز..شكرا لرحابة صدرك ولدعوتك لي..أظن أن الوقت قد أزف لتخبرني.....
    قاطعني قائلا: نعم اعرف.. لماذا أنا دائم الابتسام.

    - مثلما رأيت.. لا شي في حياتي يدعو للفرح .. أنا رجل فقير اعمل لقوت يومي.. لا اطلب شيئا من هذه الحياة.. أيامي أصبحت معدودة. غايتي أن أجد ما أكله.. في أيام كثيرة لا أجد غير رغيف خبز وحبة طماطم ، أو في افضل الأحوال خيارة، وقطعة لحم مقدد في المناسبات.

    تناول نظارة قديمة موضوعة على طاولة قريبة... ناولني اياها..ثم اختطف حصنا به رغيف خبز وخيارة.

    - البسها يا ولدي.. اخبرني... ماذا ترى؟

    - ارى رغيف خبز وخيارة وقد تضاعف حجمهما واصبحا كبيرين.

    - ها قد قلتها كبيرين...هذا هو سر ابتسامتي يا ولدي العزيز.. فكلما ذاقت بي الدنيا ولم اجد ما اكله..ارتديت هذه النظارة التي تعمل كالسحر وتكبر الاشياء...عندما ارتديها فأن كل شي يصبح افضل واطيب ..فأنا ارى في الطماطم دجاجة وفي الخيار سمكه وفي رغيف الخبز كعكة جذابه ..و مع كل هذا الاطايب فانني اشبع بسرعة..أتعرف أول ما اقوم في الأيام العاصفة والتي لا استطيع الخروج فيها من الكوخ.. ارتدي نظارتي وانظر الى أي شي يشعرني بالسعادة كالزهرة مثلا..وغيرها الكثير مما استطيع تخيله بواسطة هذه النظارة.

    لم اصدق ما سمعت.. ولكن بعد برهة من التقكير وجدت في كلام العجوز الفيلسوف حكمة بالغة.." ليس المهم ما ترى وإنما ما تؤمن به".خرجت من عند العجوز وابتسامة كبيرة تحتل مساحة كبيرة من نفسي.

  • #2
    ليس المهم ما ترى وإنما ما تؤمن

    وهذه هى حقيقة الاشياء ان تر ما تريده وليس ما يريده الاخرين

    ان ترضى نفسك ولا ترضى الاخرين

    ان تحاول ان تعيش يومك وتشكر الله على كل شىء


    لانه اول واخير كلنا سوف نمضى على الموت

    فلماذا الحزن ولماذا الطمع والحسد وعدم القناعه


    زيكو

    حقا مشاركه متميزه جدا

    بورك قلمك سواء نقلتها واذا لم تنقلها بورك للمنتدى عضو ذو اسلوب رائع فى سرد الاحداث


    اعذب تحيه


    هديل

    تعليق


    • #3


      يا لروعة القصة.. أخذتني الى الابتسامة.. الى الفكرة، الى التأمل والأرق.. والى ذلك الكوخ.. وتلك الأسرار.. والى الفلسفة.

      ليتها كانت تلك نظاراتي.. التي أرى من خلالها من اُحب.. فيبدو لي عملهم أجمل.. ولم أر منهم قسوة أبداً.

      لغة جميلة.. سرد متسلسل.. روعة الفكرة ودخولها من خلال بوابة الروح.. وصعوبة نسيانها من الذاكرة..

      كلها جاءت في القصة القصيرة (تأريخ إبتسامة)
      من مشاركة الاخت الفاضلة بالرمز/ Zico

      أتمنى أن نقرأ المزيد من هذا الفكر الإنساني والفلسفة...

      http://www.omanlover.org/up/SUMER-MOAIAD.jpg
      أنا عراقي... إذن أنا أحلُم *
      العـــــراق بـــلاد الرافــــدين Mesopotamia
      جــــــــــــدول إحصــــــــــائي -1- وإشــــــــــــــارة
      (( فأما أن أكتب وأترك بصمة تذكر.. أو أن أقــرأ بصمتٍ وأرحل... ))

      نحن نسجل موقفاً في رفض وإدانة صمتكم أيها الإعلاميون الصحفيون والصحفيـات العرب
      على ما يجري في " غـزة فلسطين "
      لأنكم يجب أن تكونوا للحقيقة لسان وللنزاهة عنوان.
      وهذا ما أقسمتم عليه - بالله العظيم - بيوم تخرجكم من كلية الصحافة والإعلام...!

      _______________________

      تعليق


      • #4
        مرحبا بكم أعزائي

        عزيزتي هديل...
        اتحفني ردك وافرحني...انك بمجرد مرورك وتعليقك على القصة...هذا بالتأكيد يعني الكثير بالنسبة لي
        القصة من تأليفي الشخصي وليست منقولة...هذا للايضاح
        شكرا جزيلا

        الأخ مؤيد
        سرني ان القصة اعجبتك..
        وما كان ذكري للنظارة سوى رمز ممكن ان يشار اليه في طريق الهداية...فأنت ان وصفت في يوم من الايام بالعور أو العمى..ما الذي قد يقوله الناس لك ..اذهب وارتدي نظارة..لذلك فإن النظارة مرتبطة دوما بالوضوح والأمل الذي قد يعيد اليك احساسك بالجمال من حولك...من هذا المنظور النظارة كانت الكنز الذي غير مجرى حياة الشيخ في القصة.

        شكرا جزيلا على ردك
        Zico

        تعليق


        • #5
          [frame="2 80"]أتيتُ أحجز مقعدي أنا أيضا هنا ...

          والأستمتاع بهذه الابتسامة ومعرفة سرها كذالك ...

          ففى هذا الزمان نحتاج إلى مثل هذه الفلسفة لنبتسم نحن إيضاً ...

          قصة غرست الكثير من المعاني العميقة بنفسي ...

          فشكراً جزيلاً على هذه القصة ...

          ودمتم بود وتقبلوا تحياتي ...
          [/frame]
          http://www.omanlover.org/vb/attachme...1&d=1214219275

          لا تستغــربوا مـــا أنا مصــممنه
          مــن إبـداع جـــرح نازف
          شـــكراً جـــرح نــازف

          تعليق

          يعمل...
          X