سؤال أهل الذكر 19 ربيع الآخر 1423هـ ، 30 /6/2002م
السؤال (1)
أب وابن تزوجا أخوات ، ثم أن أحد الجيران أعطى زوجة الأب ابنته لترضعها ، ثم بعد زمان تزوج ابن الابن البنت التي أرضعتها زوجة الأب " أي خالته " .. اكتشف هذا الأمر في الفترة الأخيرة ، وتم الانفصال وذلك عندما سئل سماحة الشيخ الجليل عن ذلك . ولكن بعد فترة لم يستطع الزوج الصبر عن زوجته والتي هي أخته ، متعللا بأولاده وأرجعها وأنجب منها طفلا …
ما قولكم سماحة الشيخ ، وما نصيحتكم لهم ولوالديهم ، والى مشايخ البلدة الذين لم يتكلموا بشي ؟؟
الجواب:
لا ريب أن الله تبارك وتعالى عندما أباح الزواج قيده بقيود وضبطه بضوابط . ومن بين هذه القيود أن لا يكون الزواج زواج بذات محرم . ذوات المحارم جاء بيانها في كتاب الله عندما قال الله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:22-23). فالمحارم لا بد من أن تتقى ، لأن الله سبحانه وتعالى إنما حرمها لحكمة علمها عز وجل .
ومن بين هذه المحارم من الرضاع . فالحرمة تقع من أجل علاقة نسبية أو علاقة سببية ، فالعلاقة السببية تنقسم إلى قسمين : أما أن تكون صهرا وأما أن تكون رضاعة . فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
وفي تعداد المحارم في هذه الآية الكريمة قال الله تبارك وتعالى (… وَأُمّهَاتُكمُ الّتي أَرْضعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكم مِّنَ الرّضاعَةِ ) .
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام تؤكد هذه الحرمة وتدل على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
ومعنى ذلك أن كل علاقة محرمة من قبل النسب يحرم مثلها من قبل الرضاع . فالمرضعة تحرم لأنها أم ، وبنت المرضعة تحرم لأنها أخت ، وأخت المرضعة تحرم لأنها خاله ، وأم المرضعة تحرم لأنها جدة ، وعمة المرضعة تحرم لأنها عمة أم ، وخالة المرضعة تحرم لأنها خالة أم ، وبنت ابن المرضعة تحرم لأنها بنت أخ ، وبنت ابنة المرضعة تحرم لأنها بنت أخت .. وهكذا .. فكل ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب ، وكذلك زوج المرضعة يكون أباً للطفل الراضع فيحرم الزواج بين الطفل الراضع وبين من يحرم عليه من قبل أبيه الذي ولده من الأنساب في حكم الرضاع ، إذ هذه العلاقة النسبية حكمها نفسه حكم العلاقة التي تكون من الرضاع ـ كما ذكرنا ـ .
وبناء على هذا فان زوجة الجد ـ أب الأب ـ إن أرضعت طفلا ، فذلك الطفل هو ولد لذلك الجد ، وإن أرضعت طفلة فتلك الطفلة هي بنت لذلك الجد . أي في هذه الحالة حسب ما جاء في هذا السؤال تكون هذه الراضعة من زوجة الجد عمة لهذا الذي تزوجها ، لأنها أخت أبيه من الرضاع فهي عمته فيحرم عليه أن يتزوج بها . ولما تبينت هذه العلاقة وانكشفت بعدما كانت بينهما علاقة زوجية ظاهرة فإنه في هذه الحالة يتبين بطلان تلك العلاقة الزوجية ، ويتبين أن الاستمرار عليها أمراً محرم لإنه استمرار على نكاح المحرم ، والتفريق بينهما أمر لازم فلا بد من التفريق بينهما بعدما تأكد هذا الرضاع .
وكما قلنا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ـ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام ـ لأجل ذلك فإن رجوع هذا الشخص إلى تزوج تلك المرأة التي تبين له أنها عمته من الرضاع مرة أخرى ما هو إلا رجوع إلى الباطل وإصرار عليه ، وتزوج بذات محرم منه . وفي هذه الحالة يكون زانيا بذات محرم ، وذات المحرم الزنا بها أشد من الزنا بغيرها من النساء _ وإن كان الزنا كله شديدا ـ فان الله تبارك وتعالى قال ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32) ، ولكن الزنا بذات المحرم هو اشد أثما ومن اجل ذلك جاء في روايات عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أن الزاني بذات محرم يقتل حدا أي ولو كان غير محصن _ أي ولو كان بكرا ـ ، وهذا الذي فعله عبد الملك ابن مروان وأثنى عليه بسبب ذلك الإمام أبو الشعثاء ـ رضي الله عنه ـ فقد جيء عبد الملك بن مروان برجل تزوج زوجة أبيه فقال له : كيف تزوجت أمك ؟ قال : ليست أمي وإنما هي امرأة أبي ، ولم أدر إنها حرام علي . فأمر عبد الملك بضرب عنقه وقال : لا جهل ولا تجاهل في الإسلام . فأثنى على ذلك الإمام أبو الشعثاء وقال : أجاد عبد الملك أو أحسن عندما بلغه صنيعه هذا ..
فهكذا الأمر ينبغي في هذه الحالة ، بل يجب أن يتعاون الكل على تغيير هذا المنكر وسكوتهم عن هذا المنكر إنما هو سكوت عن باطل وإقرار له . ومن سكت عن الباطل وأقره استحق لعنة الله تعالى ، فان الله عز وجل يقول ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79) ، فحال هؤلاء الساكتين مع علمهم بهذا حال أولئك الذين استحقوا هذه اللعنة من بني إسرائيل .. والله المستعان .
السؤال (2)
هل تشمل عموميات الوعيد التي في الآيات حتى من لم يتب ؟
الجواب:
طبعا عمومات الوعيد إنما هي فيمن لم يتب لأن الله تبارك وتعالى قيدها بعدم التوبة فالله تعالى يقول ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) ( الفرقان :68-70) .
والله سبحانه وتعالى يقول أيضا ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)
وهذا مقيد بها إذا لم يتب الإنسان ، أما مع التوبة فان الله سبحانه وتعالى يتقبل توبته .
وآيات الوعيد وأحاديث الوعيد إنما تجري في مجراها في عمومها إلا فيمن تاب فقط . أما غير التائب ـ فإن غير التائب ـ يجري عليه عموم الوعيد .
وقول من قال بأن الله تبارك وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده ليس بشيء لأنه يترتب عليه أن الله سبحانه وتعالى عندما يتوعد على أمر ما ، إما إن يكون عالما بأنه سيخلف هذا الوعيد وهذا يعني الكذب في كلام الله ـ تعالى الله على ذلك ـ ، وإما أن يكون يعني أن الله سبحانه وتعالى يبدو له فيما بعد إن يخلف هذا الوعيد بعدما كان أول الأمر في علمه إنه سينفذه وهذا يعني الجهل ، والجهل منتفي عن الله . لأن الله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون .
كل من ذلك معلوم له سبحانه وتعالى وبكل شي عليم كما انه على كل شيء قدير.
وجاءت الآيات القرآنية تدل على أن كلمات الله تعالى لا تبديل لها وان الوعيد لا يتبدل فالله سبحانه وتعالى يقول ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ِ) ( ق: 28-29) .
ويقول سبحانه وتعالى أيضا (ِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)(يونس: من الآية64) ، ويقول ) إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران: من الآية9) .
فالقول بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده هو في منتهى الخطورة .
على إن هذا الادعاء هو الذي يدفع إلى انتهاك الحُرم والوقوع في المعاصي وارتكاب الموبقات ، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر عن بني إسرائيل الوقوع في هذا الأمر ، وهذه الأمة حُذرت أن تتبع سنن ما قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وقد وقعت في ذلك ـ والعياذ بالله ـ فالله سبحانه وتعالى يقول في بني إسرائيل ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا)(الأعراف: من الآية169) .
نعم هذا الأمر الذي وقع فيه أولئك الذين يقولون بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده إنما يتعلقون بأماني المغفرة .
على أن هذه الأماني قد اجتثت بالنصوص القاطعة في كتاب الله ، فان الله تبارك وتعالى يقول وهو اصدق القائلين ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (النساء:123)
أما كون أن هذه الأدلة أدلة عامة وأن العموميات قد خصصت وما من عام إلا وقد خصص . فان ذلك ليس على إطلاقه ، إذ ليس كل عموم يكون في دلالته ظنية ، إذ من العمومات ما لا يحتمل التخصيص بحال من الأحوال .. من العمومات ما لو قيل بتخصيصه لأدى ذلك ـ والعياذ بالله ـ إلى الكفر فمن ذلك قول الله سبحانه وتعالى في وصف نفسه ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ( الإخلاص :3-4) ، فقوله ( لَمْ يَلِدْ ) نفي لأن يكون الله تبارك وتعالى والداً لأي أحداً كان ، لأن المنفي هنا فعل والفعل حكمه حكم النكرة ، فكما أن النكرة إذا كانت في سياق النفي تفيد العموم ، كذلك الفعل إذا كان في سياق النفي يفيد العموم.
وكذلك قوله( لَمْ يُولَدْ )هو نفي للمولودية عنه سبحانه وتعالى ، فهو لا يتصف بها بالنسبة إلى أي أحد كان فلا يجوز بأن يقال أن هذا العموم خصص وأنه مولود لبعض الخلق دون بعض ، فهو تبارك وتعالى لا يتصف بالمولودية كما أنه لا يتصف بالوالدية.
وكذلك قوله سبحانه بعد ذلك ( وَلَمْ يَكُن لّهُ كفُواً أَحَدُ ) فهو على عمومه ولا يمكن أن يقال بأنه خصص وأن أحد من خلقه يمكن أن يكون كفوا له تبارك وتعالى فإن الله عز وجل لا يكافأه شيء من خلقه ـ تعالى الله أن يكون له كفوء ـ .
ومثل ذلك قول الله سبحانه ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجـن:3) ، هذا العموم يجب أن يبقى كما هو على عمومه ، وبقائه كما هو على عمومه لأن تخصيصه يؤدي إلى بطلان التوحيد ؛ ذلك لأن من قال بأن هذا خُصص وأن الله تبارك وتعالى اتخذ بعض الصواحب فمعنى ذلك أنه تبارك وتعالى صار مفتقرا إلى الصاحبة ـ تعالى الله عن ذلك ـ . فقوله سبحانه وتعالى( مَا اتخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) كذلك هو على عمومه سواء كان من حيث الصاحبة أو من حيث الولد لأنه يستحيل أن تكون لله تبارك وتعالى صاحبه أو أن يكون له ولد ..
ومثله قوله تعالى (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف: من الآية49)، فإن بقاء هذا العام على عمومه أمر قطعي ولا يمكن أن يشك فيه أحد ، إلا من أراد أن ينسب إلى الله تبارك وتعالى ما هو بريء منه من الظلم ..
ومثله قوله تعالى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ )(محمد: من الآية19) ، ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) هو على عمومه أي نفي ألوهية أي أحد غير الله تبارك وتعالى ، والدلالة على ذلك دلالة قطعية إذ لو كانت هذه الدلالة دلالة ظنية لساغ الشك في وجود إله غيره تبارك وتعالى .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى ( لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)(الحاقة: من الآية18) فإن قوله ذلك على عمومه وإلا لكان هنالك مجال للشك في أن بعض الأشياء تخفى على الله سبحانه . ومثل هذا كثير ، وضابط ذلك أن يكون تخصيص هذا العموم يؤدي إلى أمر لا يقره العقل ، لأنه يؤدي إلى نقص في حق الله تبارك وتعالى .
ومسائل الوعيد تعود إلى هذا النحو لان الله تبارك وتعالى متصف بالعدل فهو لا يحابي أحداً من الناس ، كلهم سواء ، ليست بين أحد من خلقه تبارك وتعالى وبينه عز وجل صلة نسب ولا صلة سبب إلا التقوى . فالصلة التي بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى هي صلة التقوى ، فلذلك كانت محاباة بعض الناس بأن يتهاون في حقهم وأن يشدد على الآخرين أمر يستحيل على الله تبارك وتعالى لأنه ينافي العدل الذي هو متصف به عز وجل فلذلك كانت هذه الأدلة أدلة قطعية . والله تعالى أعلم
.
السؤال (3)
ما حكم الركعتين اللتين قبل صلاة الظهر ؟ هل هما واجبتان ؟ أم في مرتبة المستحبات ؟ وهل تاركهما آثم أم لا ؟
الجواب :
هما سنة مرغب فيها ، ولا يصل الأمر بها إلى درجة الوجوب ، فمن تركها لم يقترف إثما ، ولا يترتب على تركها شيء من العقوبة عليه . ولكن مع هذا كله إن كان داخلا في المسجد في ذلك الوقت فإننا نرجح بأن تحية المسجد هي سنة واجبة ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها قبل الجلوس ونهى عن الجلوس قبلها اجتمع فيه أمر ونهي . في رواية عنه صلوات الله وسلامه عليه ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) ، وفي رواية أخرى ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يرجع ركعتين ) ، والله تعالى أعلم .
السؤال (4)
ما هو الدليل على أنه لا تقليد في الأصول ؟ وما هي الأصول ؟
الجواب :
الأصول هي أصول الدين ، فالقضايا التي الأدلة فيها شاهرة والحق فيها ظاهر لا يجوز لأحد أن يقلد فيها . أي ما كان منصوصا عليه نصاً قطعياً في كتاب الله أو ما كان دلالة العقل عليه واضحة جلية ففي هذه الحالة لا يجوز للإنسان أن يرجع إلى التقليد . وكذلك ما ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عليه الدلالة عليه دلالة نصية .
السؤال (5)
ما هي الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ؟ وهل هي متفق عليها ام مختلف فيها ؟
الجواب :
الأمور المعلومة من الدين بالضرورة هي كل ما كانت الدلالة عليه دلالة قطعية لا تحوم حولها ريبة قط . ومن ذلك الإيمان بوجود الله ، والإيمان بصفاته سبحانه وتعالى التي هي لا ريب فيها ، والإيمان بالمعاد ـ بيوم القيامة ـ وبمثوبة المطيع وعقوبة العاصي كل ذلك من الأمور التي عرفت من الدين بالضرورة .
السؤال (6)
من الأمور المحزنة تم تزويج بنت عمرها عشر سنوات إلى رجل عمره خمس وستون سنة وذلك طمعا من الأب ، ولسيطرة إحدى النساء على الأب رغم أنها ليست من أقاربه حيث أنها حصلت على مبلغ من المال من الزوج ومن الأب.
ما قول سماحتكم وما نصيحتكم لهم ولوالديهم وإلى مشايخ البلدة ؟
الجواب :
بئس ما يفعله هؤلاء . الزواج ليس هو بيعاً للفتاة المتزوجة وإنما هو ربط مصير بمصير ، ويجب أن يكون بعد موافقة الفتاة نفسها إن كانت بالغة . ولذلك إن كانت دون البلوغ فلها الغير وكل ما أنفقه الزوج إن دخل بها فإنه في هذه الحالة لا يمكن أن يسترد منه شيء مع غيارها وذلك بما أصاب منها .
وعلى الناس أن يتقوا الله تعالى في هذا الأمر ، وأن يدركوا أن الصداق ليس للأب حق فيه ونصيب ، إنما هو حق للفتاة وحدها فإن الله تبارك وتعالى يقول ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)(النساء: من الآية4) ، ولم يقل وآتوا أولياء النساء الصدقات أو آتوهم شيء من الحقوق أو شيء ، فليس له من الحق شيء إنما الحق كله للفتاه .
فطمع الأب الذي يؤدي به إلى أن يبيع ابنته هذا البيع إنما هو محض طمع فيما لم يأذن الله تبارك وتعالى بالطمع فيه . إنما هو ظلم وعلى الآباء أن يتقوا الله ، وعلى المجتمع أن لا يقر هذه العادات السيئة .
السؤال (7)
بعض المسيحيين الذين أسلموا يدعون لآبائهم بالجنة . ويحتجون بآية من القرآن الكريم في سورة البقرة التي يقول الله تعالى فيها ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62) ، فمثل هؤلاء يستدلون أنه يمكن أن يدخلون الجنة استدلالاً بهذه الآية فكيف نرد على هؤلاء ؟
الجواب :
أولا علينا أن ندرك معاني القرآن الكريم ، وأن نقف عند حدود الله تبارك وتعالى .
الله تبارك وتعالى نص في مواضع متعددة أن الذين لم يسلموا ليس لهم نصيب من رحمته تبارك وتعالى فقد قال الله سبحانه وتعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) ، قال عز من قائل ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ )(آل عمران: من الآية19)، وقال سبحانه وتعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي نصت على وعيد هؤلاء فعلى الإنسان أن يكون عارفاً معاني ذلك .
أما قوله تبارك وتعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62) علينا أن نفهم معنى الآية الكريمة .
أولا المفسرون اختلفوا في المراد بهذه الآية الكريمة . هل المراد بها الذين كانوا موجودين أثناء نزول الآية الكريمة ، ومعنى ذلك أن الذين آمنوا أي الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم . هذا قول طائفة من المفسرين . والذين هادوا هم اليهود والنصارى هم المعروفين والصابئين أيضا هم المعروفين
( من آمن ) أي من تخلى عما كان عليه أول الأمر من الكفر والضلال وآمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ومعنى ذلك اتبع الحق واستمسك بالهدى واعرض عن الباطل .
أو أن المراد بالذين آمنوا هذه الأمة - أمة النبي صلى الله عليه وسلم - ووصفهم بأنهم الذين آمنوا إنما هو وصف تغليبي ، وإلا فوصف الإيمان يسلك على كل من كان مستمسك بحبل الله والذين هادوا هم أمة موسى والنصارى هم أمة عيسى والصابئين هم على حسب ما اختلف فيهم .
فيهم كلام كثير ، منهم من قال بأن هؤلاء الحنفيون ، ومنهم من قال هم غيرهم من آمن بالله واليوم والآخر أي من كان مستمسكا بالإيمان بالله واليوم الآخر ومتبعا لشريعته التي جاءت من عند الله تبارك وتعالى من غير تفريط فيها ومن غير أن يكذب رسالة من رسالات الله فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومعنى ذلك أن هؤلاء أن كانوا على ما هم عليه قبل أن تأتي الرسالة الخاتمة التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد مجيء هذه الرسالة الخاتمة لا يسع أحدا إلا اتباعها .
فهؤلاء ليسوا على شيء من الحقيقة عندما يقولون هذا القول . عليهم أن يدركوا معاني القرآن . والقرآن الكريم لا يؤخذ بعضه ويترك بعضه إنما يؤخذ به جميعا ، ومتشابه القرآن يرد إلى محكمه . والله تبارك وتعالى أعلم .
السؤال (8)
شاب أسلم وعمره خمسة عشر سنه والأبناء هنا في هولندا لا يكتسبون حريتهم إلا بعد ثمانية عشر سنه والابن في هذه الحالة ـ أو الشاب ـ يواجه مشكلة مع أهله فعندما يريد أن يسمع القرآن الكريم يرفضون ، وعندما يريد أن يأكل الحلال يرفضون ويأكلونه لحم الخنزير .. كيف يتعامل معهم في هذا العمر ؟
الجواب:
عليه أن يتقي الله تعالى حسب استطاعته ، وعلى المسلمين هنالك أن يوجدوا له المأوى والكنف بقدر الاستطاعة لا يكلفون ما لا يطيقون . فعليه أن يخرج في بعض الأحيان ، ولا بد أن يجد فرصة للخروج إلى المراكز الإسلامية أو إلى جماعة المسلمين الموجودين هناك من أجل اللقاء بهم والارتباط بهم وتنفس هواء الحرية في كنفهم ، والله تبارك وتعالى يفتح له ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: من الآية2).
وإن أكّلوه لحم خنزير عليه أن يتقي ذلك قدر استطاعته ، وان أكلوه فعليه أن يقيه إن تمكن من ذلك ، إن أكّلوه كرها .
السؤال (9)
بعض الناس ابتلي بمرض جلدي أو بالبرص أيضا وتقدم لخطبة فتاة ورفض أهلها ورفضت الفتاة أيضا . ما هو الحكم في رفض الولي أو المرأة لهذا الشخص بحجة أنه معوق ؟
الجواب :
لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، الإسلام يأمر برفع الضرر ، وبما أنه مصاب فعليه أن يحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى ، وليتزوج التي ترغب فيه لا التي لا ترغب فيه حتى لا يكون سبباً لأذاها ، ولا يكلف الولي بأن يزوج موليته بمن يكون وجودها عنده سببا لضررها .
السؤال (10)
إذا قرأ الإنسان الفاتحة ثم أعادها في الصلاة أو أعاد آية منها . هل تبطل الصلاة ؟ وما الدليل ؟
الجواب :
نعم لأن الفاتحة ركن . والركن لا يكر في المقام الواحد . فلا يجوز تكرار الفاتحة وإنما يقتصر على قرأتها مرة واحدة فحسب . والله تعالى أعلم .
السؤال (11)
في قوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44) ، هل هو كفر ملة ؟ أم هو كفر دون كفر ؟
الجواب :
هناك أمران ، إن كان يعتقد رداً لحكم الله بأن يعتقد أن ما أنزله الله تعالى باطل وأن ما كان من شرعة الطاغوت هو الحق ففي هذه الحالة يكون راداً لنص قطعي ويكون كفره كفر ملة ، وبهذا يخرج من ملة الإسلام . أما إن كان يرتكب المخالفة مع إيمانه بأن ما أنزله الله تبارك وتعالى هو الحق وأن ما خالفه هو الباطل ففي هذه الحالة يكون كفره كفر نعمة . والله تعالى أعلم .
السؤال (12)
سائلة علمت أن تكبيرة الإحرام واجبة عليها بعد التوجيه قبل خمس سنوات فهل تقبل صلواتها ـ يعني أنها لم تكن تكبر تكبيرة الإحرام ـ ؟
الجواب :
إن كانت لا تكبر رأسا فعليها أن تقضي . وأما إن كانت من قبل تكبر قبل الإحرام فليس عليها قضاء .
السؤال (13)
ما هي نصيحتكم للشباب الذين يضربون أمهاتهم ؟
الجواب :
بئس ما يفعلون وساء ما يرتكبون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الأم لها مكانة عظيمة في الإسلام ، فالله تبارك وتعالى قرن حق الأبوين بحقه في أكثر من موضع من كتابه الكريم ومع ذلك ـ أي مع تنبيهه على حق الأبوين كليهما ـ بيّن التضحيات العظيمة التي قدمتها الأم ، فالله سبحانه وتعالى يقول ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(الاحقاف: من الآية15). والله تبارك وتعالى يقول أيضا ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)
والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء نصاً ليدل على ما أشارت إليه الآيتان الكريمتان . الآيتان تشيران إلى أن حق الأم أعظم بعد حق الله تبارك وتعالى فهو أعظم من حق الأب لأن الله تعالى بعد ما ذكر حق الوالدين جميعا نبّه على التضحيات التي قدمتها الأم
.
والحديث الشريف جاء نصا فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ فقال له أمك . قال له: ثم من ؟ قال له : أمك قال له : ثم من ؟ قال له أمك . قال له ثم من قال له أبوك ثم الأقرب فالأقرب . فبين أن حق الأم وذكره ثلاث مرات ثم عطف عليه حق الأب مرة واحدة بثم التي تقتضي المهلة والترتيب .
فهل من حق الأم أن تُضرب بعد هذه التضحيات العظيمة . إن هذه جرأة ليست بعدها جرأة ووقاحة لا تضاهيها وقاحة وعقوق هو أعظم عقوق .
فعلى هؤلاء أن يتقوا الله . ولأن كان الوالد ليس من حقه ليس من حقه التأفف أمامه فلا يجوز أف من الولد فكيف بالضرب .. والله تعالى المستعان .
تمت الحلقة بعون الله تعالى وتوفيقه
السؤال (1)
أب وابن تزوجا أخوات ، ثم أن أحد الجيران أعطى زوجة الأب ابنته لترضعها ، ثم بعد زمان تزوج ابن الابن البنت التي أرضعتها زوجة الأب " أي خالته " .. اكتشف هذا الأمر في الفترة الأخيرة ، وتم الانفصال وذلك عندما سئل سماحة الشيخ الجليل عن ذلك . ولكن بعد فترة لم يستطع الزوج الصبر عن زوجته والتي هي أخته ، متعللا بأولاده وأرجعها وأنجب منها طفلا …
ما قولكم سماحة الشيخ ، وما نصيحتكم لهم ولوالديهم ، والى مشايخ البلدة الذين لم يتكلموا بشي ؟؟
الجواب:
لا ريب أن الله تبارك وتعالى عندما أباح الزواج قيده بقيود وضبطه بضوابط . ومن بين هذه القيود أن لا يكون الزواج زواج بذات محرم . ذوات المحارم جاء بيانها في كتاب الله عندما قال الله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:22-23). فالمحارم لا بد من أن تتقى ، لأن الله سبحانه وتعالى إنما حرمها لحكمة علمها عز وجل .
ومن بين هذه المحارم من الرضاع . فالحرمة تقع من أجل علاقة نسبية أو علاقة سببية ، فالعلاقة السببية تنقسم إلى قسمين : أما أن تكون صهرا وأما أن تكون رضاعة . فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
وفي تعداد المحارم في هذه الآية الكريمة قال الله تبارك وتعالى (… وَأُمّهَاتُكمُ الّتي أَرْضعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكم مِّنَ الرّضاعَةِ ) .
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام تؤكد هذه الحرمة وتدل على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
ومعنى ذلك أن كل علاقة محرمة من قبل النسب يحرم مثلها من قبل الرضاع . فالمرضعة تحرم لأنها أم ، وبنت المرضعة تحرم لأنها أخت ، وأخت المرضعة تحرم لأنها خاله ، وأم المرضعة تحرم لأنها جدة ، وعمة المرضعة تحرم لأنها عمة أم ، وخالة المرضعة تحرم لأنها خالة أم ، وبنت ابن المرضعة تحرم لأنها بنت أخ ، وبنت ابنة المرضعة تحرم لأنها بنت أخت .. وهكذا .. فكل ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب ، وكذلك زوج المرضعة يكون أباً للطفل الراضع فيحرم الزواج بين الطفل الراضع وبين من يحرم عليه من قبل أبيه الذي ولده من الأنساب في حكم الرضاع ، إذ هذه العلاقة النسبية حكمها نفسه حكم العلاقة التي تكون من الرضاع ـ كما ذكرنا ـ .
وبناء على هذا فان زوجة الجد ـ أب الأب ـ إن أرضعت طفلا ، فذلك الطفل هو ولد لذلك الجد ، وإن أرضعت طفلة فتلك الطفلة هي بنت لذلك الجد . أي في هذه الحالة حسب ما جاء في هذا السؤال تكون هذه الراضعة من زوجة الجد عمة لهذا الذي تزوجها ، لأنها أخت أبيه من الرضاع فهي عمته فيحرم عليه أن يتزوج بها . ولما تبينت هذه العلاقة وانكشفت بعدما كانت بينهما علاقة زوجية ظاهرة فإنه في هذه الحالة يتبين بطلان تلك العلاقة الزوجية ، ويتبين أن الاستمرار عليها أمراً محرم لإنه استمرار على نكاح المحرم ، والتفريق بينهما أمر لازم فلا بد من التفريق بينهما بعدما تأكد هذا الرضاع .
وكما قلنا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ـ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام ـ لأجل ذلك فإن رجوع هذا الشخص إلى تزوج تلك المرأة التي تبين له أنها عمته من الرضاع مرة أخرى ما هو إلا رجوع إلى الباطل وإصرار عليه ، وتزوج بذات محرم منه . وفي هذه الحالة يكون زانيا بذات محرم ، وذات المحرم الزنا بها أشد من الزنا بغيرها من النساء _ وإن كان الزنا كله شديدا ـ فان الله تبارك وتعالى قال ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32) ، ولكن الزنا بذات المحرم هو اشد أثما ومن اجل ذلك جاء في روايات عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أن الزاني بذات محرم يقتل حدا أي ولو كان غير محصن _ أي ولو كان بكرا ـ ، وهذا الذي فعله عبد الملك ابن مروان وأثنى عليه بسبب ذلك الإمام أبو الشعثاء ـ رضي الله عنه ـ فقد جيء عبد الملك بن مروان برجل تزوج زوجة أبيه فقال له : كيف تزوجت أمك ؟ قال : ليست أمي وإنما هي امرأة أبي ، ولم أدر إنها حرام علي . فأمر عبد الملك بضرب عنقه وقال : لا جهل ولا تجاهل في الإسلام . فأثنى على ذلك الإمام أبو الشعثاء وقال : أجاد عبد الملك أو أحسن عندما بلغه صنيعه هذا ..
فهكذا الأمر ينبغي في هذه الحالة ، بل يجب أن يتعاون الكل على تغيير هذا المنكر وسكوتهم عن هذا المنكر إنما هو سكوت عن باطل وإقرار له . ومن سكت عن الباطل وأقره استحق لعنة الله تعالى ، فان الله عز وجل يقول ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79) ، فحال هؤلاء الساكتين مع علمهم بهذا حال أولئك الذين استحقوا هذه اللعنة من بني إسرائيل .. والله المستعان .
السؤال (2)
هل تشمل عموميات الوعيد التي في الآيات حتى من لم يتب ؟
الجواب:
طبعا عمومات الوعيد إنما هي فيمن لم يتب لأن الله تبارك وتعالى قيدها بعدم التوبة فالله تعالى يقول ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) ( الفرقان :68-70) .
والله سبحانه وتعالى يقول أيضا ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)
وهذا مقيد بها إذا لم يتب الإنسان ، أما مع التوبة فان الله سبحانه وتعالى يتقبل توبته .
وآيات الوعيد وأحاديث الوعيد إنما تجري في مجراها في عمومها إلا فيمن تاب فقط . أما غير التائب ـ فإن غير التائب ـ يجري عليه عموم الوعيد .
وقول من قال بأن الله تبارك وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده ليس بشيء لأنه يترتب عليه أن الله سبحانه وتعالى عندما يتوعد على أمر ما ، إما إن يكون عالما بأنه سيخلف هذا الوعيد وهذا يعني الكذب في كلام الله ـ تعالى الله على ذلك ـ ، وإما أن يكون يعني أن الله سبحانه وتعالى يبدو له فيما بعد إن يخلف هذا الوعيد بعدما كان أول الأمر في علمه إنه سينفذه وهذا يعني الجهل ، والجهل منتفي عن الله . لأن الله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون .
كل من ذلك معلوم له سبحانه وتعالى وبكل شي عليم كما انه على كل شيء قدير.
وجاءت الآيات القرآنية تدل على أن كلمات الله تعالى لا تبديل لها وان الوعيد لا يتبدل فالله سبحانه وتعالى يقول ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ِ) ( ق: 28-29) .
ويقول سبحانه وتعالى أيضا (ِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)(يونس: من الآية64) ، ويقول ) إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران: من الآية9) .
فالقول بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده هو في منتهى الخطورة .
على إن هذا الادعاء هو الذي يدفع إلى انتهاك الحُرم والوقوع في المعاصي وارتكاب الموبقات ، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر عن بني إسرائيل الوقوع في هذا الأمر ، وهذه الأمة حُذرت أن تتبع سنن ما قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وقد وقعت في ذلك ـ والعياذ بالله ـ فالله سبحانه وتعالى يقول في بني إسرائيل ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا)(الأعراف: من الآية169) .
نعم هذا الأمر الذي وقع فيه أولئك الذين يقولون بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده إنما يتعلقون بأماني المغفرة .
على أن هذه الأماني قد اجتثت بالنصوص القاطعة في كتاب الله ، فان الله تبارك وتعالى يقول وهو اصدق القائلين ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (النساء:123)
أما كون أن هذه الأدلة أدلة عامة وأن العموميات قد خصصت وما من عام إلا وقد خصص . فان ذلك ليس على إطلاقه ، إذ ليس كل عموم يكون في دلالته ظنية ، إذ من العمومات ما لا يحتمل التخصيص بحال من الأحوال .. من العمومات ما لو قيل بتخصيصه لأدى ذلك ـ والعياذ بالله ـ إلى الكفر فمن ذلك قول الله سبحانه وتعالى في وصف نفسه ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ( الإخلاص :3-4) ، فقوله ( لَمْ يَلِدْ ) نفي لأن يكون الله تبارك وتعالى والداً لأي أحداً كان ، لأن المنفي هنا فعل والفعل حكمه حكم النكرة ، فكما أن النكرة إذا كانت في سياق النفي تفيد العموم ، كذلك الفعل إذا كان في سياق النفي يفيد العموم.
وكذلك قوله( لَمْ يُولَدْ )هو نفي للمولودية عنه سبحانه وتعالى ، فهو لا يتصف بها بالنسبة إلى أي أحد كان فلا يجوز بأن يقال أن هذا العموم خصص وأنه مولود لبعض الخلق دون بعض ، فهو تبارك وتعالى لا يتصف بالمولودية كما أنه لا يتصف بالوالدية.
وكذلك قوله سبحانه بعد ذلك ( وَلَمْ يَكُن لّهُ كفُواً أَحَدُ ) فهو على عمومه ولا يمكن أن يقال بأنه خصص وأن أحد من خلقه يمكن أن يكون كفوا له تبارك وتعالى فإن الله عز وجل لا يكافأه شيء من خلقه ـ تعالى الله أن يكون له كفوء ـ .
ومثل ذلك قول الله سبحانه ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجـن:3) ، هذا العموم يجب أن يبقى كما هو على عمومه ، وبقائه كما هو على عمومه لأن تخصيصه يؤدي إلى بطلان التوحيد ؛ ذلك لأن من قال بأن هذا خُصص وأن الله تبارك وتعالى اتخذ بعض الصواحب فمعنى ذلك أنه تبارك وتعالى صار مفتقرا إلى الصاحبة ـ تعالى الله عن ذلك ـ . فقوله سبحانه وتعالى( مَا اتخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) كذلك هو على عمومه سواء كان من حيث الصاحبة أو من حيث الولد لأنه يستحيل أن تكون لله تبارك وتعالى صاحبه أو أن يكون له ولد ..
ومثله قوله تعالى (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف: من الآية49)، فإن بقاء هذا العام على عمومه أمر قطعي ولا يمكن أن يشك فيه أحد ، إلا من أراد أن ينسب إلى الله تبارك وتعالى ما هو بريء منه من الظلم ..
ومثله قوله تعالى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ )(محمد: من الآية19) ، ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) هو على عمومه أي نفي ألوهية أي أحد غير الله تبارك وتعالى ، والدلالة على ذلك دلالة قطعية إذ لو كانت هذه الدلالة دلالة ظنية لساغ الشك في وجود إله غيره تبارك وتعالى .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى ( لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)(الحاقة: من الآية18) فإن قوله ذلك على عمومه وإلا لكان هنالك مجال للشك في أن بعض الأشياء تخفى على الله سبحانه . ومثل هذا كثير ، وضابط ذلك أن يكون تخصيص هذا العموم يؤدي إلى أمر لا يقره العقل ، لأنه يؤدي إلى نقص في حق الله تبارك وتعالى .
ومسائل الوعيد تعود إلى هذا النحو لان الله تبارك وتعالى متصف بالعدل فهو لا يحابي أحداً من الناس ، كلهم سواء ، ليست بين أحد من خلقه تبارك وتعالى وبينه عز وجل صلة نسب ولا صلة سبب إلا التقوى . فالصلة التي بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى هي صلة التقوى ، فلذلك كانت محاباة بعض الناس بأن يتهاون في حقهم وأن يشدد على الآخرين أمر يستحيل على الله تبارك وتعالى لأنه ينافي العدل الذي هو متصف به عز وجل فلذلك كانت هذه الأدلة أدلة قطعية . والله تعالى أعلم
.
السؤال (3)
ما حكم الركعتين اللتين قبل صلاة الظهر ؟ هل هما واجبتان ؟ أم في مرتبة المستحبات ؟ وهل تاركهما آثم أم لا ؟
الجواب :
هما سنة مرغب فيها ، ولا يصل الأمر بها إلى درجة الوجوب ، فمن تركها لم يقترف إثما ، ولا يترتب على تركها شيء من العقوبة عليه . ولكن مع هذا كله إن كان داخلا في المسجد في ذلك الوقت فإننا نرجح بأن تحية المسجد هي سنة واجبة ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها قبل الجلوس ونهى عن الجلوس قبلها اجتمع فيه أمر ونهي . في رواية عنه صلوات الله وسلامه عليه ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) ، وفي رواية أخرى ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يرجع ركعتين ) ، والله تعالى أعلم .
السؤال (4)
ما هو الدليل على أنه لا تقليد في الأصول ؟ وما هي الأصول ؟
الجواب :
الأصول هي أصول الدين ، فالقضايا التي الأدلة فيها شاهرة والحق فيها ظاهر لا يجوز لأحد أن يقلد فيها . أي ما كان منصوصا عليه نصاً قطعياً في كتاب الله أو ما كان دلالة العقل عليه واضحة جلية ففي هذه الحالة لا يجوز للإنسان أن يرجع إلى التقليد . وكذلك ما ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عليه الدلالة عليه دلالة نصية .
السؤال (5)
ما هي الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ؟ وهل هي متفق عليها ام مختلف فيها ؟
الجواب :
الأمور المعلومة من الدين بالضرورة هي كل ما كانت الدلالة عليه دلالة قطعية لا تحوم حولها ريبة قط . ومن ذلك الإيمان بوجود الله ، والإيمان بصفاته سبحانه وتعالى التي هي لا ريب فيها ، والإيمان بالمعاد ـ بيوم القيامة ـ وبمثوبة المطيع وعقوبة العاصي كل ذلك من الأمور التي عرفت من الدين بالضرورة .
السؤال (6)
من الأمور المحزنة تم تزويج بنت عمرها عشر سنوات إلى رجل عمره خمس وستون سنة وذلك طمعا من الأب ، ولسيطرة إحدى النساء على الأب رغم أنها ليست من أقاربه حيث أنها حصلت على مبلغ من المال من الزوج ومن الأب.
ما قول سماحتكم وما نصيحتكم لهم ولوالديهم وإلى مشايخ البلدة ؟
الجواب :
بئس ما يفعله هؤلاء . الزواج ليس هو بيعاً للفتاة المتزوجة وإنما هو ربط مصير بمصير ، ويجب أن يكون بعد موافقة الفتاة نفسها إن كانت بالغة . ولذلك إن كانت دون البلوغ فلها الغير وكل ما أنفقه الزوج إن دخل بها فإنه في هذه الحالة لا يمكن أن يسترد منه شيء مع غيارها وذلك بما أصاب منها .
وعلى الناس أن يتقوا الله تعالى في هذا الأمر ، وأن يدركوا أن الصداق ليس للأب حق فيه ونصيب ، إنما هو حق للفتاة وحدها فإن الله تبارك وتعالى يقول ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)(النساء: من الآية4) ، ولم يقل وآتوا أولياء النساء الصدقات أو آتوهم شيء من الحقوق أو شيء ، فليس له من الحق شيء إنما الحق كله للفتاه .
فطمع الأب الذي يؤدي به إلى أن يبيع ابنته هذا البيع إنما هو محض طمع فيما لم يأذن الله تبارك وتعالى بالطمع فيه . إنما هو ظلم وعلى الآباء أن يتقوا الله ، وعلى المجتمع أن لا يقر هذه العادات السيئة .
السؤال (7)
بعض المسيحيين الذين أسلموا يدعون لآبائهم بالجنة . ويحتجون بآية من القرآن الكريم في سورة البقرة التي يقول الله تعالى فيها ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62) ، فمثل هؤلاء يستدلون أنه يمكن أن يدخلون الجنة استدلالاً بهذه الآية فكيف نرد على هؤلاء ؟
الجواب :
أولا علينا أن ندرك معاني القرآن الكريم ، وأن نقف عند حدود الله تبارك وتعالى .
الله تبارك وتعالى نص في مواضع متعددة أن الذين لم يسلموا ليس لهم نصيب من رحمته تبارك وتعالى فقد قال الله سبحانه وتعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) ، قال عز من قائل ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ )(آل عمران: من الآية19)، وقال سبحانه وتعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي نصت على وعيد هؤلاء فعلى الإنسان أن يكون عارفاً معاني ذلك .
أما قوله تبارك وتعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62) علينا أن نفهم معنى الآية الكريمة .
أولا المفسرون اختلفوا في المراد بهذه الآية الكريمة . هل المراد بها الذين كانوا موجودين أثناء نزول الآية الكريمة ، ومعنى ذلك أن الذين آمنوا أي الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم . هذا قول طائفة من المفسرين . والذين هادوا هم اليهود والنصارى هم المعروفين والصابئين أيضا هم المعروفين
( من آمن ) أي من تخلى عما كان عليه أول الأمر من الكفر والضلال وآمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ومعنى ذلك اتبع الحق واستمسك بالهدى واعرض عن الباطل .
أو أن المراد بالذين آمنوا هذه الأمة - أمة النبي صلى الله عليه وسلم - ووصفهم بأنهم الذين آمنوا إنما هو وصف تغليبي ، وإلا فوصف الإيمان يسلك على كل من كان مستمسك بحبل الله والذين هادوا هم أمة موسى والنصارى هم أمة عيسى والصابئين هم على حسب ما اختلف فيهم .
فيهم كلام كثير ، منهم من قال بأن هؤلاء الحنفيون ، ومنهم من قال هم غيرهم من آمن بالله واليوم والآخر أي من كان مستمسكا بالإيمان بالله واليوم الآخر ومتبعا لشريعته التي جاءت من عند الله تبارك وتعالى من غير تفريط فيها ومن غير أن يكذب رسالة من رسالات الله فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومعنى ذلك أن هؤلاء أن كانوا على ما هم عليه قبل أن تأتي الرسالة الخاتمة التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد مجيء هذه الرسالة الخاتمة لا يسع أحدا إلا اتباعها .
فهؤلاء ليسوا على شيء من الحقيقة عندما يقولون هذا القول . عليهم أن يدركوا معاني القرآن . والقرآن الكريم لا يؤخذ بعضه ويترك بعضه إنما يؤخذ به جميعا ، ومتشابه القرآن يرد إلى محكمه . والله تبارك وتعالى أعلم .
السؤال (8)
شاب أسلم وعمره خمسة عشر سنه والأبناء هنا في هولندا لا يكتسبون حريتهم إلا بعد ثمانية عشر سنه والابن في هذه الحالة ـ أو الشاب ـ يواجه مشكلة مع أهله فعندما يريد أن يسمع القرآن الكريم يرفضون ، وعندما يريد أن يأكل الحلال يرفضون ويأكلونه لحم الخنزير .. كيف يتعامل معهم في هذا العمر ؟
الجواب:
عليه أن يتقي الله تعالى حسب استطاعته ، وعلى المسلمين هنالك أن يوجدوا له المأوى والكنف بقدر الاستطاعة لا يكلفون ما لا يطيقون . فعليه أن يخرج في بعض الأحيان ، ولا بد أن يجد فرصة للخروج إلى المراكز الإسلامية أو إلى جماعة المسلمين الموجودين هناك من أجل اللقاء بهم والارتباط بهم وتنفس هواء الحرية في كنفهم ، والله تبارك وتعالى يفتح له ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: من الآية2).
وإن أكّلوه لحم خنزير عليه أن يتقي ذلك قدر استطاعته ، وان أكلوه فعليه أن يقيه إن تمكن من ذلك ، إن أكّلوه كرها .
السؤال (9)
بعض الناس ابتلي بمرض جلدي أو بالبرص أيضا وتقدم لخطبة فتاة ورفض أهلها ورفضت الفتاة أيضا . ما هو الحكم في رفض الولي أو المرأة لهذا الشخص بحجة أنه معوق ؟
الجواب :
لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، الإسلام يأمر برفع الضرر ، وبما أنه مصاب فعليه أن يحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى ، وليتزوج التي ترغب فيه لا التي لا ترغب فيه حتى لا يكون سبباً لأذاها ، ولا يكلف الولي بأن يزوج موليته بمن يكون وجودها عنده سببا لضررها .
السؤال (10)
إذا قرأ الإنسان الفاتحة ثم أعادها في الصلاة أو أعاد آية منها . هل تبطل الصلاة ؟ وما الدليل ؟
الجواب :
نعم لأن الفاتحة ركن . والركن لا يكر في المقام الواحد . فلا يجوز تكرار الفاتحة وإنما يقتصر على قرأتها مرة واحدة فحسب . والله تعالى أعلم .
السؤال (11)
في قوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44) ، هل هو كفر ملة ؟ أم هو كفر دون كفر ؟
الجواب :
هناك أمران ، إن كان يعتقد رداً لحكم الله بأن يعتقد أن ما أنزله الله تعالى باطل وأن ما كان من شرعة الطاغوت هو الحق ففي هذه الحالة يكون راداً لنص قطعي ويكون كفره كفر ملة ، وبهذا يخرج من ملة الإسلام . أما إن كان يرتكب المخالفة مع إيمانه بأن ما أنزله الله تبارك وتعالى هو الحق وأن ما خالفه هو الباطل ففي هذه الحالة يكون كفره كفر نعمة . والله تعالى أعلم .
السؤال (12)
سائلة علمت أن تكبيرة الإحرام واجبة عليها بعد التوجيه قبل خمس سنوات فهل تقبل صلواتها ـ يعني أنها لم تكن تكبر تكبيرة الإحرام ـ ؟
الجواب :
إن كانت لا تكبر رأسا فعليها أن تقضي . وأما إن كانت من قبل تكبر قبل الإحرام فليس عليها قضاء .
السؤال (13)
ما هي نصيحتكم للشباب الذين يضربون أمهاتهم ؟
الجواب :
بئس ما يفعلون وساء ما يرتكبون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الأم لها مكانة عظيمة في الإسلام ، فالله تبارك وتعالى قرن حق الأبوين بحقه في أكثر من موضع من كتابه الكريم ومع ذلك ـ أي مع تنبيهه على حق الأبوين كليهما ـ بيّن التضحيات العظيمة التي قدمتها الأم ، فالله سبحانه وتعالى يقول ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(الاحقاف: من الآية15). والله تبارك وتعالى يقول أيضا ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)
والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء نصاً ليدل على ما أشارت إليه الآيتان الكريمتان . الآيتان تشيران إلى أن حق الأم أعظم بعد حق الله تبارك وتعالى فهو أعظم من حق الأب لأن الله تعالى بعد ما ذكر حق الوالدين جميعا نبّه على التضحيات التي قدمتها الأم
.
والحديث الشريف جاء نصا فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ فقال له أمك . قال له: ثم من ؟ قال له : أمك قال له : ثم من ؟ قال له أمك . قال له ثم من قال له أبوك ثم الأقرب فالأقرب . فبين أن حق الأم وذكره ثلاث مرات ثم عطف عليه حق الأب مرة واحدة بثم التي تقتضي المهلة والترتيب .
فهل من حق الأم أن تُضرب بعد هذه التضحيات العظيمة . إن هذه جرأة ليست بعدها جرأة ووقاحة لا تضاهيها وقاحة وعقوق هو أعظم عقوق .
فعلى هؤلاء أن يتقوا الله . ولأن كان الوالد ليس من حقه ليس من حقه التأفف أمامه فلا يجوز أف من الولد فكيف بالضرب .. والله تعالى المستعان .
تمت الحلقة بعون الله تعالى وتوفيقه
تعليق