إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سؤال أهل الذكر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    سؤال أهل الذكر 19 ربيع الآخر 1423هـ ، 30 /6/2002م



    السؤال (1)



    أب وابن تزوجا أخوات ، ثم أن أحد الجيران أعطى زوجة الأب ابنته لترضعها ، ثم بعد زمان تزوج ابن الابن البنت التي أرضعتها زوجة الأب " أي خالته " .. اكتشف هذا الأمر في الفترة الأخيرة ، وتم الانفصال وذلك عندما سئل سماحة الشيخ الجليل عن ذلك . ولكن بعد فترة لم يستطع الزوج الصبر عن زوجته والتي هي أخته ، متعللا بأولاده وأرجعها وأنجب منها طفلا …

    ما قولكم سماحة الشيخ ، وما نصيحتكم لهم ولوالديهم ، والى مشايخ البلدة الذين لم يتكلموا بشي ؟؟



    الجواب:

    لا ريب أن الله تبارك وتعالى عندما أباح الزواج قيده بقيود وضبطه بضوابط . ومن بين هذه القيود أن لا يكون الزواج زواج بذات محرم . ذوات المحارم جاء بيانها في كتاب الله عندما قال الله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:22-23). فالمحارم لا بد من أن تتقى ، لأن الله سبحانه وتعالى إنما حرمها لحكمة علمها عز وجل .

    ومن بين هذه المحارم من الرضاع . فالحرمة تقع من أجل علاقة نسبية أو علاقة سببية ، فالعلاقة السببية تنقسم إلى قسمين : أما أن تكون صهرا وأما أن تكون رضاعة . فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .



    وفي تعداد المحارم في هذه الآية الكريمة قال الله تبارك وتعالى (… وَأُمّهَاتُكمُ الّتي أَرْضعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكم مِّنَ الرّضاعَةِ ) .



    وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام تؤكد هذه الحرمة وتدل على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .



    ومعنى ذلك أن كل علاقة محرمة من قبل النسب يحرم مثلها من قبل الرضاع . فالمرضعة تحرم لأنها أم ، وبنت المرضعة تحرم لأنها أخت ، وأخت المرضعة تحرم لأنها خاله ، وأم المرضعة تحرم لأنها جدة ، وعمة المرضعة تحرم لأنها عمة أم ، وخالة المرضعة تحرم لأنها خالة أم ، وبنت ابن المرضعة تحرم لأنها بنت أخ ، وبنت ابنة المرضعة تحرم لأنها بنت أخت .. وهكذا .. فكل ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب ، وكذلك زوج المرضعة يكون أباً للطفل الراضع فيحرم الزواج بين الطفل الراضع وبين من يحرم عليه من قبل أبيه الذي ولده من الأنساب في حكم الرضاع ، إذ هذه العلاقة النسبية حكمها نفسه حكم العلاقة التي تكون من الرضاع ـ كما ذكرنا ـ .



    وبناء على هذا فان زوجة الجد ـ أب الأب ـ إن أرضعت طفلا ، فذلك الطفل هو ولد لذلك الجد ، وإن أرضعت طفلة فتلك الطفلة هي بنت لذلك الجد . أي في هذه الحالة حسب ما جاء في هذا السؤال تكون هذه الراضعة من زوجة الجد عمة لهذا الذي تزوجها ، لأنها أخت أبيه من الرضاع فهي عمته فيحرم عليه أن يتزوج بها . ولما تبينت هذه العلاقة وانكشفت بعدما كانت بينهما علاقة زوجية ظاهرة فإنه في هذه الحالة يتبين بطلان تلك العلاقة الزوجية ، ويتبين أن الاستمرار عليها أمراً محرم لإنه استمرار على نكاح المحرم ، والتفريق بينهما أمر لازم فلا بد من التفريق بينهما بعدما تأكد هذا الرضاع .



    وكما قلنا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ـ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام ـ لأجل ذلك فإن رجوع هذا الشخص إلى تزوج تلك المرأة التي تبين له أنها عمته من الرضاع مرة أخرى ما هو إلا رجوع إلى الباطل وإصرار عليه ، وتزوج بذات محرم منه . وفي هذه الحالة يكون زانيا بذات محرم ، وذات المحرم الزنا بها أشد من الزنا بغيرها من النساء _ وإن كان الزنا كله شديدا ـ فان الله تبارك وتعالى قال ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32) ، ولكن الزنا بذات المحرم هو اشد أثما ومن اجل ذلك جاء في روايات عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أن الزاني بذات محرم يقتل حدا أي ولو كان غير محصن _ أي ولو كان بكرا ـ ، وهذا الذي فعله عبد الملك ابن مروان وأثنى عليه بسبب ذلك الإمام أبو الشعثاء ـ رضي الله عنه ـ فقد جيء عبد الملك بن مروان برجل تزوج زوجة أبيه فقال له : كيف تزوجت أمك ؟ قال : ليست أمي وإنما هي امرأة أبي ، ولم أدر إنها حرام علي . فأمر عبد الملك بضرب عنقه وقال : لا جهل ولا تجاهل في الإسلام . فأثنى على ذلك الإمام أبو الشعثاء وقال : أجاد عبد الملك أو أحسن عندما بلغه صنيعه هذا ..



    فهكذا الأمر ينبغي في هذه الحالة ، بل يجب أن يتعاون الكل على تغيير هذا المنكر وسكوتهم عن هذا المنكر إنما هو سكوت عن باطل وإقرار له . ومن سكت عن الباطل وأقره استحق لعنة الله تعالى ، فان الله عز وجل يقول ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79) ، فحال هؤلاء الساكتين مع علمهم بهذا حال أولئك الذين استحقوا هذه اللعنة من بني إسرائيل .. والله المستعان .



    السؤال (2)



    هل تشمل عموميات الوعيد التي في الآيات حتى من لم يتب ؟



    الجواب:



    طبعا عمومات الوعيد إنما هي فيمن لم يتب لأن الله تبارك وتعالى قيدها بعدم التوبة فالله تعالى يقول ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) ( الفرقان :68-70) .

    والله سبحانه وتعالى يقول أيضا ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)

    وهذا مقيد بها إذا لم يتب الإنسان ، أما مع التوبة فان الله سبحانه وتعالى يتقبل توبته .



    وآيات الوعيد وأحاديث الوعيد إنما تجري في مجراها في عمومها إلا فيمن تاب فقط . أما غير التائب ـ فإن غير التائب ـ يجري عليه عموم الوعيد .



    وقول من قال بأن الله تبارك وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده ليس بشيء لأنه يترتب عليه أن الله سبحانه وتعالى عندما يتوعد على أمر ما ، إما إن يكون عالما بأنه سيخلف هذا الوعيد وهذا يعني الكذب في كلام الله ـ تعالى الله على ذلك ـ ، وإما أن يكون يعني أن الله سبحانه وتعالى يبدو له فيما بعد إن يخلف هذا الوعيد بعدما كان أول الأمر في علمه إنه سينفذه وهذا يعني الجهل ، والجهل منتفي عن الله . لأن الله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون .

    كل من ذلك معلوم له سبحانه وتعالى وبكل شي عليم كما انه على كل شيء قدير.

    وجاءت الآيات القرآنية تدل على أن كلمات الله تعالى لا تبديل لها وان الوعيد لا يتبدل فالله سبحانه وتعالى يقول ( لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ِ) ( ق: 28-29) .



    ويقول سبحانه وتعالى أيضا (ِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)(يونس: من الآية64) ، ويقول ) إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران: من الآية9) .



    فالقول بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده هو في منتهى الخطورة .

    على إن هذا الادعاء هو الذي يدفع إلى انتهاك الحُرم والوقوع في المعاصي وارتكاب الموبقات ، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر عن بني إسرائيل الوقوع في هذا الأمر ، وهذه الأمة حُذرت أن تتبع سنن ما قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وقد وقعت في ذلك ـ والعياذ بالله ـ فالله سبحانه وتعالى يقول في بني إسرائيل ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا)(الأعراف: من الآية169) .

    نعم هذا الأمر الذي وقع فيه أولئك الذين يقولون بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعده ويخلف وعيده إنما يتعلقون بأماني المغفرة .

    على أن هذه الأماني قد اجتثت بالنصوص القاطعة في كتاب الله ، فان الله تبارك وتعالى يقول وهو اصدق القائلين ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (النساء:123)


    أما كون أن هذه الأدلة أدلة عامة وأن العموميات قد خصصت وما من عام إلا وقد خصص . فان ذلك ليس على إطلاقه ، إذ ليس كل عموم يكون في دلالته ظنية ، إذ من العمومات ما لا يحتمل التخصيص بحال من الأحوال .. من العمومات ما لو قيل بتخصيصه لأدى ذلك ـ والعياذ بالله ـ إلى الكفر فمن ذلك قول الله سبحانه وتعالى في وصف نفسه ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ( الإخلاص :3-4) ، فقوله ( لَمْ يَلِدْ ) نفي لأن يكون الله تبارك وتعالى والداً لأي أحداً كان ، لأن المنفي هنا فعل والفعل حكمه حكم النكرة ، فكما أن النكرة إذا كانت في سياق النفي تفيد العموم ، كذلك الفعل إذا كان في سياق النفي يفيد العموم.

    وكذلك قوله( لَمْ يُولَدْ )هو نفي للمولودية عنه سبحانه وتعالى ، فهو لا يتصف بها بالنسبة إلى أي أحد كان فلا يجوز بأن يقال أن هذا العموم خصص وأنه مولود لبعض الخلق دون بعض ، فهو تبارك وتعالى لا يتصف بالمولودية كما أنه لا يتصف بالوالدية.

    وكذلك قوله سبحانه بعد ذلك ( وَلَمْ يَكُن لّهُ كفُواً أَحَدُ ) فهو على عمومه ولا يمكن أن يقال بأنه خصص وأن أحد من خلقه يمكن أن يكون كفوا له تبارك وتعالى فإن الله عز وجل لا يكافأه شيء من خلقه ـ تعالى الله أن يكون له كفوء ـ .



    ومثل ذلك قول الله سبحانه ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجـن:3) ، هذا العموم يجب أن يبقى كما هو على عمومه ، وبقائه كما هو على عمومه لأن تخصيصه يؤدي إلى بطلان التوحيد ؛ ذلك لأن من قال بأن هذا خُصص وأن الله تبارك وتعالى اتخذ بعض الصواحب فمعنى ذلك أنه تبارك وتعالى صار مفتقرا إلى الصاحبة ـ تعالى الله عن ذلك ـ . فقوله سبحانه وتعالى( مَا اتخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) كذلك هو على عمومه سواء كان من حيث الصاحبة أو من حيث الولد لأنه يستحيل أن تكون لله تبارك وتعالى صاحبه أو أن يكون له ولد ..



    ومثله قوله تعالى (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(الكهف: من الآية49)، فإن بقاء هذا العام على عمومه أمر قطعي ولا يمكن أن يشك فيه أحد ، إلا من أراد أن ينسب إلى الله تبارك وتعالى ما هو بريء منه من الظلم ..



    ومثله قوله تعالى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ )(محمد: من الآية19) ، ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) هو على عمومه أي نفي ألوهية أي أحد غير الله تبارك وتعالى ، والدلالة على ذلك دلالة قطعية إذ لو كانت هذه الدلالة دلالة ظنية لساغ الشك في وجود إله غيره تبارك وتعالى .



    وكذلك قوله سبحانه وتعالى ( لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)(الحاقة: من الآية18) فإن قوله ذلك على عمومه وإلا لكان هنالك مجال للشك في أن بعض الأشياء تخفى على الله سبحانه . ومثل هذا كثير ، وضابط ذلك أن يكون تخصيص هذا العموم يؤدي إلى أمر لا يقره العقل ، لأنه يؤدي إلى نقص في حق الله تبارك وتعالى .

    ومسائل الوعيد تعود إلى هذا النحو لان الله تبارك وتعالى متصف بالعدل فهو لا يحابي أحداً من الناس ، كلهم سواء ، ليست بين أحد من خلقه تبارك وتعالى وبينه عز وجل صلة نسب ولا صلة سبب إلا التقوى . فالصلة التي بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى هي صلة التقوى ، فلذلك كانت محاباة بعض الناس بأن يتهاون في حقهم وأن يشدد على الآخرين أمر يستحيل على الله تبارك وتعالى لأنه ينافي العدل الذي هو متصف به عز وجل فلذلك كانت هذه الأدلة أدلة قطعية . والله تعالى أعلم

    .




    السؤال (3)


    ما حكم الركعتين اللتين قبل صلاة الظهر ؟ هل هما واجبتان ؟ أم في مرتبة المستحبات ؟ وهل تاركهما آثم أم لا ؟



    الجواب :


    هما سنة مرغب فيها ، ولا يصل الأمر بها إلى درجة الوجوب ، فمن تركها لم يقترف إثما ، ولا يترتب على تركها شيء من العقوبة عليه . ولكن مع هذا كله إن كان داخلا في المسجد في ذلك الوقت فإننا نرجح بأن تحية المسجد هي سنة واجبة ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها قبل الجلوس ونهى عن الجلوس قبلها اجتمع فيه أمر ونهي . في رواية عنه صلوات الله وسلامه عليه ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) ، وفي رواية أخرى ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يرجع ركعتين ) ، والله تعالى أعلم .



    السؤال (4)

    ما هو الدليل على أنه لا تقليد في الأصول ؟ وما هي الأصول ؟



    الجواب :


    الأصول هي أصول الدين ، فالقضايا التي الأدلة فيها شاهرة والحق فيها ظاهر لا يجوز لأحد أن يقلد فيها . أي ما كان منصوصا عليه نصاً قطعياً في كتاب الله أو ما كان دلالة العقل عليه واضحة جلية ففي هذه الحالة لا يجوز للإنسان أن يرجع إلى التقليد . وكذلك ما ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عليه الدلالة عليه دلالة نصية .



    السؤال (5)


    ما هي الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ؟ وهل هي متفق عليها ام مختلف فيها ؟



    الجواب :


    الأمور المعلومة من الدين بالضرورة هي كل ما كانت الدلالة عليه دلالة قطعية لا تحوم حولها ريبة قط . ومن ذلك الإيمان بوجود الله ، والإيمان بصفاته سبحانه وتعالى التي هي لا ريب فيها ، والإيمان بالمعاد ـ بيوم القيامة ـ وبمثوبة المطيع وعقوبة العاصي كل ذلك من الأمور التي عرفت من الدين بالضرورة .


    السؤال (6)

    من الأمور المحزنة تم تزويج بنت عمرها عشر سنوات إلى رجل عمره خمس وستون سنة وذلك طمعا من الأب ، ولسيطرة إحدى النساء على الأب رغم أنها ليست من أقاربه حيث أنها حصلت على مبلغ من المال من الزوج ومن الأب.
    ما قول سماحتكم وما نصيحتكم لهم ولوالديهم وإلى مشايخ البلدة ؟



    الجواب :

    بئس ما يفعله هؤلاء . الزواج ليس هو بيعاً للفتاة المتزوجة وإنما هو ربط مصير بمصير ، ويجب أن يكون بعد موافقة الفتاة نفسها إن كانت بالغة . ولذلك إن كانت دون البلوغ فلها الغير وكل ما أنفقه الزوج إن دخل بها فإنه في هذه الحالة لا يمكن أن يسترد منه شيء مع غيارها وذلك بما أصاب منها .

    وعلى الناس أن يتقوا الله تعالى في هذا الأمر ، وأن يدركوا أن الصداق ليس للأب حق فيه ونصيب ، إنما هو حق للفتاة وحدها فإن الله تبارك وتعالى يقول ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)(النساء: من الآية4) ، ولم يقل وآتوا أولياء النساء الصدقات أو آتوهم شيء من الحقوق أو شيء ، فليس له من الحق شيء إنما الحق كله للفتاه .

    فطمع الأب الذي يؤدي به إلى أن يبيع ابنته هذا البيع إنما هو محض طمع فيما لم يأذن الله تبارك وتعالى بالطمع فيه . إنما هو ظلم وعلى الآباء أن يتقوا الله ، وعلى المجتمع أن لا يقر هذه العادات السيئة .



    السؤال (7)

    بعض المسيحيين الذين أسلموا يدعون لآبائهم بالجنة . ويحتجون بآية من القرآن الكريم في سورة البقرة التي يقول الله تعالى فيها ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62) ، فمثل هؤلاء يستدلون أنه يمكن أن يدخلون الجنة استدلالاً بهذه الآية فكيف نرد على هؤلاء ؟



    الجواب :

    أولا علينا أن ندرك معاني القرآن الكريم ، وأن نقف عند حدود الله تبارك وتعالى .

    الله تبارك وتعالى نص في مواضع متعددة أن الذين لم يسلموا ليس لهم نصيب من رحمته تبارك وتعالى فقد قال الله سبحانه وتعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) ، قال عز من قائل ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ )(آل عمران: من الآية19)، وقال سبحانه وتعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي نصت على وعيد هؤلاء فعلى الإنسان أن يكون عارفاً معاني ذلك .



    أما قوله تبارك وتعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62) علينا أن نفهم معنى الآية الكريمة .

    أولا المفسرون اختلفوا في المراد بهذه الآية الكريمة . هل المراد بها الذين كانوا موجودين أثناء نزول الآية الكريمة ، ومعنى ذلك أن الذين آمنوا أي الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم . هذا قول طائفة من المفسرين . والذين هادوا هم اليهود والنصارى هم المعروفين والصابئين أيضا هم المعروفين

    ( من آمن ) أي من تخلى عما كان عليه أول الأمر من الكفر والضلال وآمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ومعنى ذلك اتبع الحق واستمسك بالهدى واعرض عن الباطل .

    أو أن المراد بالذين آمنوا هذه الأمة - أمة النبي صلى الله عليه وسلم - ووصفهم بأنهم الذين آمنوا إنما هو وصف تغليبي ، وإلا فوصف الإيمان يسلك على كل من كان مستمسك بحبل الله والذين هادوا هم أمة موسى والنصارى هم أمة عيسى والصابئين هم على حسب ما اختلف فيهم .

    فيهم كلام كثير ، منهم من قال بأن هؤلاء الحنفيون ، ومنهم من قال هم غيرهم من آمن بالله واليوم والآخر أي من كان مستمسكا بالإيمان بالله واليوم الآخر ومتبعا لشريعته التي جاءت من عند الله تبارك وتعالى من غير تفريط فيها ومن غير أن يكذب رسالة من رسالات الله فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومعنى ذلك أن هؤلاء أن كانوا على ما هم عليه قبل أن تأتي الرسالة الخاتمة التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد مجيء هذه الرسالة الخاتمة لا يسع أحدا إلا اتباعها .


    فهؤلاء ليسوا على شيء من الحقيقة عندما يقولون هذا القول . عليهم أن يدركوا معاني القرآن . والقرآن الكريم لا يؤخذ بعضه ويترك بعضه إنما يؤخذ به جميعا ، ومتشابه القرآن يرد إلى محكمه . والله تبارك وتعالى أعلم .


    السؤال (8)


    شاب أسلم وعمره خمسة عشر سنه والأبناء هنا في هولندا لا يكتسبون حريتهم إلا بعد ثمانية عشر سنه والابن في هذه الحالة ـ أو الشاب ـ يواجه مشكلة مع أهله فعندما يريد أن يسمع القرآن الكريم يرفضون ، وعندما يريد أن يأكل الحلال يرفضون ويأكلونه لحم الخنزير .. كيف يتعامل معهم في هذا العمر ؟


    الجواب:

    عليه أن يتقي الله تعالى حسب استطاعته ، وعلى المسلمين هنالك أن يوجدوا له المأوى والكنف بقدر الاستطاعة لا يكلفون ما لا يطيقون . فعليه أن يخرج في بعض الأحيان ، ولا بد أن يجد فرصة للخروج إلى المراكز الإسلامية أو إلى جماعة المسلمين الموجودين هناك من أجل اللقاء بهم والارتباط بهم وتنفس هواء الحرية في كنفهم ، والله تبارك وتعالى يفتح له ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: من الآية2).

    وإن أكّلوه لحم خنزير عليه أن يتقي ذلك قدر استطاعته ، وان أكلوه فعليه أن يقيه إن تمكن من ذلك ، إن أكّلوه كرها .






    السؤال (9)

    بعض الناس ابتلي بمرض جلدي أو بالبرص أيضا وتقدم لخطبة فتاة ورفض أهلها ورفضت الفتاة أيضا . ما هو الحكم في رفض الولي أو المرأة لهذا الشخص بحجة أنه معوق ؟



    الجواب :

    لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، الإسلام يأمر برفع الضرر ، وبما أنه مصاب فعليه أن يحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى ، وليتزوج التي ترغب فيه لا التي لا ترغب فيه حتى لا يكون سبباً لأذاها ، ولا يكلف الولي بأن يزوج موليته بمن يكون وجودها عنده سببا لضررها .



    السؤال (10)

    إذا قرأ الإنسان الفاتحة ثم أعادها في الصلاة أو أعاد آية منها . هل تبطل الصلاة ؟ وما الدليل ؟



    الجواب :

    نعم لأن الفاتحة ركن . والركن لا يكر في المقام الواحد . فلا يجوز تكرار الفاتحة وإنما يقتصر على قرأتها مرة واحدة فحسب . والله تعالى أعلم .



    السؤال (11)

    في قوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44) ، هل هو كفر ملة ؟ أم هو كفر دون كفر ؟



    الجواب :

    هناك أمران ، إن كان يعتقد رداً لحكم الله بأن يعتقد أن ما أنزله الله تعالى باطل وأن ما كان من شرعة الطاغوت هو الحق ففي هذه الحالة يكون راداً لنص قطعي ويكون كفره كفر ملة ، وبهذا يخرج من ملة الإسلام . أما إن كان يرتكب المخالفة مع إيمانه بأن ما أنزله الله تبارك وتعالى هو الحق وأن ما خالفه هو الباطل ففي هذه الحالة يكون كفره كفر نعمة . والله تعالى أعلم .



    السؤال (12)

    سائلة علمت أن تكبيرة الإحرام واجبة عليها بعد التوجيه قبل خمس سنوات فهل تقبل صلواتها ـ يعني أنها لم تكن تكبر تكبيرة الإحرام ـ ؟



    الجواب :

    إن كانت لا تكبر رأسا فعليها أن تقضي . وأما إن كانت من قبل تكبر قبل الإحرام فليس عليها قضاء .




    السؤال (13)

    ما هي نصيحتكم للشباب الذين يضربون أمهاتهم ؟



    الجواب :

    بئس ما يفعلون وساء ما يرتكبون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

    الأم لها مكانة عظيمة في الإسلام ، فالله تبارك وتعالى قرن حق الأبوين بحقه في أكثر من موضع من كتابه الكريم ومع ذلك ـ أي مع تنبيهه على حق الأبوين كليهما ـ بيّن التضحيات العظيمة التي قدمتها الأم ، فالله سبحانه وتعالى يقول ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(الاحقاف: من الآية15). والله تبارك وتعالى يقول أيضا ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)


    والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء نصاً ليدل على ما أشارت إليه الآيتان الكريمتان . الآيتان تشيران إلى أن حق الأم أعظم بعد حق الله تبارك وتعالى فهو أعظم من حق الأب لأن الله تعالى بعد ما ذكر حق الوالدين جميعا نبّه على التضحيات التي قدمتها الأم

    .

    والحديث الشريف جاء نصا فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ فقال له أمك . قال له: ثم من ؟ قال له : أمك قال له : ثم من ؟ قال له أمك . قال له ثم من قال له أبوك ثم الأقرب فالأقرب . فبين أن حق الأم وذكره ثلاث مرات ثم عطف عليه حق الأب مرة واحدة بثم التي تقتضي المهلة والترتيب .


    فهل من حق الأم أن تُضرب بعد هذه التضحيات العظيمة . إن هذه جرأة ليست بعدها جرأة ووقاحة لا تضاهيها وقاحة وعقوق هو أعظم عقوق .

    فعلى هؤلاء أن يتقوا الله . ولأن كان الوالد ليس من حقه ليس من حقه التأفف أمامه فلا يجوز أف من الولد فكيف بالضرب .. والله تعالى المستعان .



    تمت الحلقة بعون الله تعالى وتوفيقه

    تعليق


    • #17
      محذوووووووووووووووووووووف لإعادة وعذرا
      التعديل الأخير تم بواسطة أهل الحق والإستقامة; الساعة 29-06-2005, 10:28 AM.

      تعليق


      • #18
        سؤال أهل الذكر 9 من جمادى الثانية 1423هـ ، 18/8/2002م



        موضوع الحلقة : آداب السؤال



        السؤال (1)



        في بداية اللقاء سماحة الشيخ نحن بحاجة إلى أن نتعرف على أهمية السؤال ؟



        الجواب:

        بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :


        فإن الإنسان مطالب بأن يكون على بينة من أمره وبصيرة من دينه بحيث لا يتقدم خطوة في شيء جاء فيه شرع الله تبارك وتعالى إلا وهو على بينة من كون تلك الخطوة التي يخطوها صوابا ، ذلك لأن الإنسان لم يخلق هملاً ولم يترك سدى يقول الله سبحانه وتعالى( أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36)، فالإنسان خلق ليضطلع بأمانة كبرى ، هذه الأمانة لا يستطيع أن يقوم بواجباتها ويؤديها حق الأداء إلا إذا كان على معرفة وبصيرة .


        ولئن كان النظام الذي يسلكه مخلوق في هذه الأرض لا بد من دراسته حتى يكون دارسه على بينة من أمره لئلا يقع في خطأ في شيء منه ، فإن النظام الرباني هو أولى بالدراسة وأجدر لئن يعكف عليه الإنسان عليه حياته كلها ، ذلك لأن الحياة تتجدد وأطوارها تتقلب، وهذه الأطوار مع كل تجدد لا تخرج عن إطار حكم الله سبحانه وتعالى ، فحكمه يتناول الكليات والجزئيات والدقائق والجلائل من أعمال الإنسان ، وقد فرض الله سبحانه وتعالى السؤال في قوله ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل: من الآية43) ، والنبي صلى الله عليه وسلّم عندما أقدم قوم على أمر خالفوا فيه الشرع فكان من النبي صلى الله عليه وسلّم التوبيخ لهم ثم أتبع ذلك قوله ( هلا سألوا فإن شفاء العي السؤال ) ، فالإنسان مأمور بأن يسأل وأن لا يتقدم خطوة إلا وهو على بينة من أمره .


        هذا ولا ريب أن الإنسان خلق جاهلاً بطبعه فالله تبارك وتعالى يقول ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً )(النحل: من الآية78) ، ولكن هذا الجهل يتبدد بالسؤال وطلب المعرفة وقد أجاد الشاعر عندما قال :


        إذا أنت لم تدر ولم تك بالذي *** يسآل من يدري فكيف إذن تدري


        فإذن السؤال هو على قدر من الأهمية ، وبقدر اختلاف حكم المسئول عنه يكون الاختلاف في قدر السؤال ، فإن كان واجباً فعله أو واجباً اتقاؤه وقد كان ذلك أمراً حاضراً فهو من الفرائض اللازمة أو الواجبات على حسب اختلاف العلماء هل الفرض هو الواجب أو الواجب أعم من الفرض ، وذلك بأن يكون الفرض ما ثبت بدليل قطعي والواجب أعم منه بحيث يشمل ما ثبت بالدليل الظني ، وإن كان من الأمور التي هي أوسع من كونها واجباً فعلها أو واجباً اتقاؤها فذلك من الأمر المندوب إليه إن كان أيضاً مما يتعلق بجانب الدين . والله تعالى أعلم .





        السؤال (2)



        سماحة الشيخ أنتم الآن بينتم أهمية السؤال وأن الإنسان المسلم مطالب بأن يسأل في أمر دينه ، كيف نوفق بين هذه الأهمية وبين ما ورد في بعض الأحاديث من التحذير من كثرة السؤال فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول في حديث آخر مبيناً أن هلاك بعض الأمم إنما كان بسبب كثرة سؤالهم كيف نوفق بين هذا وذاك ؟



        الجواب:

        أولاً قبل كل شيء علينا أن نعرف معنى السؤال لغة وشرعا ، فإن الشرع كثيراً ما يستخدم الألفاظ في أصولها اللغوية وذلك كالصلاة مثلا ، الصلاة نقلت في الشرع إلى معنى أخص من المعنى اللغوي ، ولكن مع ذلك قد تستعمل شرعاً بالمعنى اللغوي كما في قول الله تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(الأحزاب: من الآية56) ، المقصود بالصلاة هنا الدعاء وهذا الأصل الصلاة كما يدل على ذلك قول الشاعر :


        عليك مثل الذي صليت فاغتبطي ***نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا


        لأن ذلك مترتب على قوله من قبل :


        تقول ابنتي وقد قربت مرتحلاً ***يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا


        ونجد كثيراً في الشرع استعمال الألفاظ التي لها وضع آخر في الشرع غير الوضع اللغوي أو وضع أخص من الوضع اللغوي في المعنى اللغوي كما في قول الله تعالى حكاية عن مريم عليها السلام ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً)(مريم: من الآية26( .



        والسؤال من حيث اللغة هو الطلب ، طلب الشيء يقال سأل بمعنى طلب ، ولذلك نجد في القرآن الكريم الأمر بإعطاء السائلين وجعل ذلك من جملة ما شرعه الله سبحانه وتعالى من البر ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ)(البقرة: من الآية177) ، فإن السؤال هنا بمعنى الطلب .


        وقول النبي صلى الله عليه وسلّم ( إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال ) يحتمل أن يحمل على هذا المعنى كما حمله على ذلك بعض الشراح ، ومن المحتمل أن يكون المراد بذلك السؤال الذي فيه تنطع كما كان من بني إسرائيل عندما أمروا أن يذبحوا بقرة ، قيل لهم اذبحوا بقرة لكنهم أخذوا يتنطعون بالسؤال بحيث يدققون تدقيقاً عجيباً فضُيق عليهم بقدر ما ضيقوا على أنفسهم ، هم لم يكتفوا بهذا فهم عندما قيل اذبحوا بقرة تناولوا أي بقرة كانت لكان ذلك مجزياً وكافياً ولكنهم أخذوا يدققون ويتنطعون فسألوا موسى عليه السلام عندما قال ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً )(البقرة: من الآية67) قالوا ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ)(البقرة: من الآية68) ، لم يكتفوا بها ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (البقرة:69) ، لم يكتفوا بهذا بل ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا)(البقرة: من الآية70) . هكذا ضُيق عليهم بقدر ما ضيقوا على أنفسهم ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلّم يكره مثل هذه الأمور كسؤال بعض الناس عندما سأله : الحج واجب علينا في كل عام ؟ لذلك اشتد النبي صلى الله عليه وسلّم وغضب حتى احمّر وجهه لأنه لو قال نعم لكان ذلك واجباً وهم لا يقدرون على أن يفعلوا ذلك .






        السؤال (3)


        سماحة الشيخ قد يقول البعض الآن معرفة الأحكام أصبح أمراً متاحاً لكل أحد من خلال الرجوع للقرآن والسنة ما داما المصدرين الشرعيين لاستنباط الأحكام . لماذا لا يتاح لأي مسلم إشغال عقله واستثمار هذه المصادر المتاحة أمامه الآن ليستنبط الحكم منه ؟


        الجواب :

        ليس كل أحد قادراً على الاستنباط ، فالاستنباط يتوقف على فنون شتى . من المعلوم أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، واللغة العربية هي أوسع اللغات فلذلك هيأها الله تعالى لتكون وعاء لكلامه فأنزل بها كتابه ، وجاءت السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بلسان عربي مبين أيضا ، ولكن مع هذا كله قبل كل شيء اللغة العربية دخلها الكثير الكثير من العجمة بسبب دخول أمم في دين الله ، فلذلك احتاجت اللغة إلى فنون شتى وقد تسابق الناس إلى خدمتها ، وكان العجم أكثر من العرب عناية بها ، فنحن نجد أن الذين اعتنوا باللغة العربية ودرسوا فنونها وبحثوا اشتقاقاتها وتأملوا اصطلاحاتها معظمهم من العجم ، وهذا راجع إلى رغبتهم في معرفة القرآن الكريم ، ثم بجانب ذلك هناك طرق للاستنباط وهذه الطرق قد تكون صعبة إلا على من يسر الله تبارك وتعالى ذلك له بحيث تمكن من الوسائل التي تُسهّل له هذه المهمة .


        والصحابة رضوان الله تعالى عليهم لسلامة فطرهم ولأنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلّم وعايشوا نزول القرآن الكريم على قلبه عليه أفضل الصلاة والسلام وعرفوا كيف كانت الآيات تتنزل ولأي مناسبة كانت تأتي أحكامها ، وعرفوا كيف السنة النبوية ترد كانوا أقدر الناس على الاستنباط ، وهم وإن تفاوتوا من حيث الفقه إلا أن ثم قدراً مشتركاً بينهم جميعا في الفقه فكلهم فقهاء وكلهم قادرون على استنباط الأحكام من أدلتها .


        ثم جاءت طبقة التابعين وكانوا أقل من الصحابة في ذلك فلذلك كانوا بحاجة إلى أن يرجعوا إلى الصحابة وأن يمارسوا هذا الأمر .


        ثم جاءت طبقة من بعدهم واحتاج الناس إلى وضع المصطلحات ، احتاج الناس إلى أن يفهموا اللغة فهماً دقيقاً فأخذ الناس يدرسون فنون هذه اللغة بعدما وضعها الواضعون ، ثم احتاج الاستنباط أيضاً إلى دراسة الطرق والوسائل ، فإن الأدلة الشرعية منها ما هو مجمل ومنها ما هو مبين ، ومنها ما هو عام ومنها ما هو خاص ، ومنها ما هو مطلق ومنها ما هو مقيد ومنها ما متشابه ومنها ما هو محكم ، ومنها ما هو ناسخ ومنها ما هو منسوخ .


        فلذلك كان دراسة الفن الذي يمكّن من ذلك أمراَ ضروريا ، فنحن نجد أن العلماء بعد تلك الفترة وضعوا فن أصول الفقه ، والصحابة رضوان الله عليهم وإن لم يصطلحوا على تسمية هذا خاصاً وهذا عاماً وتسمية هذا مطلقاً وهذا مقيداً وتسمية هذا مجملاً وهذا مفصلاً ، إلا أنهم كانوا على قدر من الذكاء والفطنة فلذلك كانت الأحكام تجري على ألسنتهم وفق مراد الله تبارك وتعالى من غير وجود هذه المصطلحات .


        ولكن بعدهم أنّى للإنسان الآن وهو يرى الدليل العام أن يأخذ بهذا الدليل العام على أي حال من الأحوال ولو كان ثم مخصصات خصصت هذا الدليل العام ، فكم من مخصص خصص العموم ، حتى أن العلماء قالوا إنه ما من عام إلا وقد خصص ما عدا بعض العمومات التي لا يجوز تخصيصها وهي لا تتعلق إلا بجانب العقيدة لا تتعلق بجانب العمل ، وكذلك نجد أن المطلقات قيدت وأن المجملات بينت وأن هناك منسوخاً وثم ناسخا فلا بد من فهم ذلك ، ولا بد من فهم كيفية التخصيص للعمومات وكيفية التقييد للمطلقات وكيفية البيان للمجملات هذه أمور لا يتمكن منها إلا الحاذقون الفاهمون الذين درسوا هذا الفن وهو فن أصول الفقه .


        فأنى للعامي أن يأتي إلى القرآن الكريم وهو يجد في تضاعيف كتاب الله تبارك وتعالى أحكاماً شتى هذه الأحكام جاءت عاماً ولكنها خصصت بمخصصات متعددة مثال ذلك قول الله تبارك وتعالى ( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)(النور: 1-2) ، جاء هذا الحكم حكم الزاني والزانية في كتاب الله أنه الجلد ولم يفرق القرآن بين محصن وغير محصن ، ولكن السنة النبوية التي أُجمع على صحتها وأخذت بها الأمة جميعا ، هذه السنة خصصت هذا العموم ودلت على أن هذا الحكم إنما هو خاص بالبكر ، وأما المحصن فلا بد من رجمه .


        ذلك نجد أن الله تبارك وتعالى في تعداد المحرمات من النساء قال بعد ذلك ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(النساء: من الآية24) إلا أن السنة النبوية بينت أن ثم محارم لم يذكرها القرآن الكريم فلا بد من تخصيص عموم القرآن عموم قوله ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(النساء: من الآية24) بتلكم المخصصات التي وردت عليه من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال ( لا تنكح المرأة على عمتها ولا المرأة على خالتها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى ) .


        كذلك القرآن الكريم عندما تعرض للمحارم من قبل الرضاع إنما ذكر الأمهات والأخوات فقط ، ولكن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بيّنت على أن المحارم تتعدى ما ذكر القرآن إلى كل ما يحرم من قبل النسب فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) ، وثبت عنه ( يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة ) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلّم ( إنما الرضاع مثل النسب ) إلى غير ذلك فكان في هذا تخصيص .


        كذلك نحن نجد في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)(الأنعام: من الآية145) ، نجد أن الله تبارك وتعالى ذكر هنا أربعة أصناف من المحرمات ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يقول بأنه لا يجد فيما أوحي إليه محرماً إلا ما ذكر هنا ، ولكن جاءت مخصصات بعضها من القرآن نفسه وبعضها من السنة النبوية .


        فمن المخصصات ما جاء في القرآن الكريم وذلك أن الله تبارك وتعالى حرّم الخمر وهي من جملة المطعومات فهذا تخصيص لهذا العموم ، كذلك حرّم الحق سبحانه وتعالى الصيد على المُحرم وهذا من جملة المخصصات ، كذلك جاءت السنة التي خصصت هذا العموم فالنبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن أكل الحمر الأهلية والنبي صلى الله عليه وسلّم قال ( أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام ) فدل ذلك على أن هذه الآية خُصّص عمومها بمخصصات متعددة .


        فلو أخذ الإنسان بالعموم الذي يجده في القرآن لوقع في أمر مريج ، ولقي من الإشكال أمراً لا يكاد يتصور ، ولكن لا بد من النظر في المخصصات ولا بد من النظر أيضاً في المقيدات والمطلقات ولا أيضاً بد من النظر في أسباب النزول أحياناً ، فكل ذلك مما يضطر الإنسان إلى أن يدرس فن أصول الفقه فضلا عن حاجة الإنسان إلى معرفة الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة ، ومعرفة مقاصد الشريعة الإسلامية لينزل كل شيء منزله وليعطي كل شيء حكمه ، فمن هنا كان التقول على الله تبارك وتعالى بغير علم من أكبر المحرمات ، الله تبارك وتعالى قرن ذلك بالإشراك عندما قال ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33) .


        واللغة العربية لا بد من أن يكون الدارس للفقه متمكناً منها حتى ينظر في دلالات الألفاظ من حيث اللغة العربية .


        نجد أن المجتهد هو بحاجة إلى النحو وبحاجة إلى الصرف وبحاجة إلى البلاغة وبحاجة إلى أصول الفقه وبحاجة إلى علوم الحديث ، بحاجة إلى فنون مختلفة ليتمكن من الاجتهاد .


        نجد كثيراً من الاختلاف يبنى على النظر في بعض الحروف في العربية ، كثير من الاختلاف يكون بين الفقهاء وهذا الاختلاف إنما مرجعه إلى النظر في حاجة قد يراها الإنسان أمراً بسيطاً ولكنها في الحقيقة ليست ببسيطة مثال ذلك أن العلماء اختلفوا في التيمم بغير التراب هل التيمم مقيد بالتراب أو يمكن أن يكون بغير التراب ؟ الذين قالوا بأنه يتيمم بأي شيء كان بالتراب وغير التراب قالوا بأن ( منه ) في قوله الله تبارك وتعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(المائدة: من الآية6) ، هي لابتداء الغاية ، والذين قالوا لا بد من أن يكون تيمم بتراب يلتصق بالكفين عند ضربهما عليه قالوا بأن ( منه ) هنا للتبعيض .


        كذلك مثال ذلك الواو في قوله تعالى ( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)(الأنعام: من الآية121) اختلفوا فيها هل هي للحال أو هي للعطف ، وبناء على هذا الاختلاف وقع الاختلاف في حكم أكل ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه . والله تعالى أعلم .



        السؤال (4)

        هناك حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أعظم الناس جرماً من سأل عن شيء ليحرم ) نريد إطلالة مختصرة حول ماهية السؤال ، ومعنى هذا الحديث .


        الجواب :

        هذا يرجع إلى ما ذكرناه من التنطع المذموم شرعا ، وذلك أن يأخذ الإنسان في السؤال عن شيء لم يأت به حكم من الله تبارك وتعالى سواء كان نصاً في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلّم ، يأخذ في السؤال عنه وهو لم يحرم فيترتب على هذا السؤال أن يرد شرع بتحريمه.


        هذا من التنطع ، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلّم إشفاقاً على أمته يأمرهم أن يتركوه ما تركهم بحيث لا يسألون عن أشياء لم يرد فيها حكم بتحريمها . إذ قبل كل شيء الأصل فيما خلقه الله تبارك وتعالى وجعل فيه منافع للعباد أن تلك المنافع مباحة لهم ، إلا إن دل الدليل الشرعي على رفع هذه الإباحة بتحريم ، ثم من ناحية أخرى أن الأمور التي حرمت في الإسلام هي غالباً أمور محدودة أمور مقيدة أمور معدودة بخلاف الحِل ، فإن الحِل هو الأصل ، ولذلك كان الحل لا ينضبط ولا يتقيد بقيد والحرمة هي التي تتقيد .


        الله تبارك وتعالى عندما ذكر المطعمومات استثنى أربعة أنواع من المطعومات ثم جاءت نصوص أخرى في القرآن الكريم كما ذكرنا تدل على تحريم بعضها ، وجاءت أيضاً نصوص قليلة من السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام تدل على تحريم بعضها وإلا فالأصل أن كل مطعوم نافع هو حلال ولا يحرم ، ثم كذلك نأتي إلى المنكوحات من النساء الله تبارك وتعالى بيّن ما يحرم نكاحه من النساء ثم قال ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)(النساء: من الآية24) إلا ما جاءت السنة مبينة أنه يحرم فذلك مخصص بهذا العموم .


        كذلك أيضاً أنواع اللباس أباح الله تبارك وتعالى الانتفاع بما خلقه في هذه الأرض( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً )(البقرة: من الآية29) ، ومن بين ذلك الملبوسات وإنما جاء تحريم الذهب وتحريم الحرير على الرجل وتحريم لبسة الخيلاء وهكذا فإذن المحرمات هي معدودة ، والأصل في الحل الإطلاق بخلاف الحرمة فالأصل فيها أن تكون مقيدة أن تكون غير مطلقة ، فلذلك يمنع أن يأتي الإنسان وهو يرى هذه الأدلة التي تدل على إطلاق الحل وتقييد الحرمة أن يأتي ويأخذ في التنقير والبحث حتى يترتب على سؤاله أن يرد نص شرعي بتحريم ما لم يكن حراماً من قبل فهذا هو الممنوع والله تعالى أعلم .


        السؤال (5)


        إذا كانت فتوى المفتي تحمل عدة أقوال بدون أن يرجح رأياً من الآراء فهل يجوز للمستفتي أن يعمل بأيها شاء ؟


        الجواب :

        أولاً قبل كل شيء علينا أن ندرك التفرقة بين مسائل الرأي ومسائل الدين ، مسائل الرأي المجال للاختلاف فيها واسع ، ذلك لأنه من المعلوم أن كل واحد يتشبث بدليل ولو اختلفوا .


        ومسائل الرأي إنما هي فيما لم يرد فيه نص قطعي الدلالة وقطعي المتن ، قطعية المتن إنما تكون ذلك بأن يكون النص نصاً متوترا ، ومعنى كونه متواترا أن يتلقاه عدد كبير لا يمكن أن يتواطأ مثلهم على الكذب عادة يتلقونه عن مثلهم وعن مثلهم هكذا حتى ينتهي تلقي هذا النص إلى المعصوم فمثل هذا النص هو قطعي المتن . ولكن إن كانت دلالته دلالة ظاهرة وليست دلالة نصية كالعام فإنه يكون ظني الدلالة ولذلك يقولون في العام مثلاً ( العام ظني الدلالة ولو كان قطعي المتن ) فإن كان قطعياً من الدلالة وقطعياً من حيث المتن ففي هذه الحالة لا يجوز أن يخالف هذا النص القطعي من حيث الدلالة ومن حيث المتن ولا يؤخذ بأي دليل آخر يخالفه نظراً إلى أن الأدلة الظنية لا تقاوم الأدلة القطعية وذلك كتحريم الربا مثلا أو تحريم الخمر أو تحريم أي شيء من هذا القبيل ، هذا الأمر أصبح من المعلوم من الدين بالضرورة فلا يجوز الاجتهاد في ذلك ، لا يسوغ أن يقول قائل مقالاً يخالف النص الشرعي القطعي من حيث الدلالة ومن حيث المتن ، وأما ما عدا ذلك فإن المجال واسع للاختلاف ، إذ الأدلة تتعارض أحياناً ، فبعضهم يأخذ بهذا الدليل لأنه يترجح عنده على الدليل الذي يخالفه ، وبعضهم يأخذ بذلك الدليل لأنه يترجح عنده على الدليل الذي يخالفه وهكذا ، فلذلك تتعدد الآراء في النظر إلى مخصصات العمومات وفي النظر إلى تقييد المطلقات وفي النظر إلى كيفية استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلة نظراً إلى أن هذه الأدلة أدلة غير نصية ، فلذلك يقع الاختلاف بين العلماء .


        وفي المسائل التي هي معدودة من مسائل الرأي وهي التي يستدل لها بأدلة ظنية لا يقطع فيها عذر المخالف ، ولكن مع هذا كله فإنه من الواجب على الإنسان إن وجد عالماً مجتهداً قادراً على الترجيح أن يرجع إليه ، ذلك لأن العالم شأنه كشأن الطبيب ، فالطبيب قد يعطي لهذا جرعة ويعطي لآخر جرعة أخرى مع أن علتهما واحدة إلا أنه ينظر في كثير من الأحوال ، ينظر في الطبائع فطبائع الناس تختلف هذا طبعه حار يابس وهذا طبعه حار رطب وهذا طبعه بارد رطب وهذا طبعه بارد يابس فيكون علاج هذا يضر ذلك ، وبجانب ذلك أيضاً ينظر الطبيب أحياناً إلى الفصول وينظر إلى المناخات وذلك أن المناخ الاستوائي غير المناخ البارد وهكذا ، فلذلك يحتاج الطبيب إلى النظر في طبائع الناس وفي طبائع المناخات وفي طبائع الفصول والأزمنة فيكون العلاج بمقدار ذلك ، وهكذا شأن العالم أيضا مثال ذلك أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما جاء إليه رجل وسأله عن تقبيل الرجل لزوجته فأباح له ذلك ، وجاءه رجل آخر فمنعه من ذلك ، وقد لاحظوا أن الرجل الذي أباح له أن يقبل امرأته وهو صائم كان شيخاً أي رجلاً متقدماً في السن ، ومن المعلوم أن الشيخوخة مظنة ضعف الشهوة ، والآخر الذي منعه من ذلك كان شاباً والشاب إنما هو مظنة فوران الشهوة فلذلك منعه لئلا يجره التقبيل إلى ما هو أعظم منه .


        وهكذا . ثم مع ذلك قد تختلف الظروف وتختلف الأحوال فنجد الدليل الشرعي يشرع ومع ذلك هذا الدليل إنما يكون لمصلحة يعلمها الله تبارك وتعالى ولا يستطيع أن يطّلع على تلك المصلحة إلا الربانيون من العلماء ، ولذلك كان عمر رضي الله تعالى عنه ينظر في بعض الأحوال ويحكم بأحكام لم يكن قد حُكم بها في عهد الرسول الله صلى الله وسلّم ولم يكن حُكم بها في عهد أبي بكر رضي الله عنه ، مثال ذلك أنه منع المؤلفة قلوبهم ما كانوا يُعطونه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه ، وسهم المؤلفة قلوبهم منصوص عليه في القرآن الكريم ، فهو رضي الله عنه لم يقصد مخالفة القرآن ، ولم يقصد مخالف الرسول صلى الله عليه وسلّم ، ولم يقصد مخالفة ما أجمع عليه المسلمون في عهد أبي بكر رضي الله عنه ، ولكن رأى أن مجيء ذلك الحكم في القرآن إنما هو لأجل غاية ، هذه الغاية كان لا بد من ملاحظتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ولا بد من ملاحظتها في عهد أبي بكر رضي الله عنه ولكن بعد ذلك هذه الغاية أصبح النظر إليها أمراً لا حاجة إليه لأن الزمن تبدل ، فسهم المؤلفة قلوبهم إنما شرع من أجل كف شر هؤلاء المؤلفة قلوبهم لما لهم من مكانة اجتماعية عند قومهم من اجل استدرار خيرهم ، والإسلام بعدما قوي وأصبح يغزو الروم والفرس لم تكن هناك حاجة إلى أن يعطى هؤلاء مما كانوا يعطونه من قبل فلذلك منعهم ما كانوا يعطونه وقال إن ذلك لما كان الإسلام ابن لبون وأما الآن فقد بزل أي صار قويا ليس هو بحاجة إليهم فهكذا كان تصرفه فأين هؤلاء الذين يستطيعون أن يفرقوا بين هذه الدقائق ، ذلك أمر لا يقدر عليه كل أحد وإنما يقدر عليه العلماء الربانيون المتمكنون من العلوم القادرون على النظر في الأحكام الشرعية وإنزال كل شيء منزله ، ولأجل هذا كانت الضرورة داعية إلى أن يتقيد الإنسان برأي العالم المجتهد في عصره إن وجد هذا العالم المجتهد القادر على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية . والله تعالى أعلم .



        السؤال (6)


        ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال ( دعوني ما تركتم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).


        من المعلوم سماحة الشيخ أن العلماء ورثة الأنبياء ، وأن المسلمين يأخذون منهم أحكام الدين ، فهل ما سكت عنه العالم يسع المسلمين السكوت عنه فلا ينبغي السؤال عنه مثلا . على سبيل المثال إذا نزلنا إلى بعض فتاواكم سماحة الشيخ السؤال عن لبس المرأة الجوارب في الصلاة هذه المسألة لم تكن مثارة من قبل بالشكل الواسع وكنتم سماحة الشيخ لا تذكرونها بالصورة الملفتة لكن عندما وجه إليكم السؤال عن هذا الموضوع أفتيتم بالفتوى المعروفة والتي انتشرت بشكل واسع هل هذه المسألة وغيرها تنطبق على الكلام الذي قلناه من أن ما سكت عنه العالم لا ينبغي السؤال عنه ؟


        الجواب :


        لا . أولاً إنني أنا لست بشارع ، الشارع هو الرسول صلى الله عليه وسلّم أنا فقط أخذت من حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم عندما سئل عن الإسبال وشدّد وقال في إزرة المؤمن أنها إلى نصف ساقيه ، سألته أم سلمة رضي الله عنها عن المرأة فقال : ترخي شبراً . قالت له : إذن ينكشف عن قدميها . فقال : ترخي ذراعاً . لذلك أخذنا من هذا الحديث وجوب ستر المرأة لقدميها إذ لو لم يكن ثم محذور من انكشاف قدمي المرأة لما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم المرأة أن ترخي ذراعاً بعدما أذن لها أولاً أن ترخي شبراً فقط . هذا دليل على هذا . هذا لا يدخل في هذا النوع .


        المسألة مشكلة يُسأل عنها لكن مثال ذلك أن يعطي العالم أو العلماء جواباً عاماً هذا الجواب العام تندرج تحته أنواع الخصوصات المتعددة ومع ذلك يأخذ أحد من الناس ويدقق يسأل عن كل خصوص بعينه هل كذا كذا حكمه ، هل كذا كذا حكمه ... ، مثل هذا هو من باب التكلف ومن باب التنطع الذي لا ينبغي أن يكون .



        السؤال (7)


        أنتم ذكرتم أن العالم الرباني الذي لديه العلم الواسع هو يفتي للناس ، لكن نعود مرة أخرى ، هذا العالم الرباني في بعض الأحيان عندما يُستفتى يسرد في أقواله عدة آراء لا يرجح شيئا منها ، هل يصح للمستفتي أن يأخذ بأيها شاء ؟


        الجواب :


        في هذه الحالة ينبغي له أن يسأله إن كان يعرفه قادراً على الترجيح ما هو القول الراجح من هذه الأقوال ، ينبغي له أن لا يأخذ بأي رأي كان ، وإنما يسأله ما هو القول الراجح .



        السؤال(8)

        بعض الناس لا يراعون أوقات العلماء فيتصلون في وقت متأخر من الليل أو في وقت القيلولة أو في أوقات مزعجة يكون العالم فيها منفرداً بنفسه ، هل هناك ضوابط لهذه المسائل بحيث ينال العلماء راحتهم فيها ؟؟



        الجواب :

        لا ريب أن كل أحد يرتاح ويتعب ، الإنسان كيفما كان معرض للتعب ، بطبعه يحب الراحة في بعض الوقت لا بد مراعاة ذلك ، وإنما هذا يمكن في أن يراعى فيه ترتيب وقت معين يكون للسؤال مع إمكان أن يرتب هؤلاء المشايخ العلماء أوقاتهم لتكون هذه الأوقات منتظمة باستمرار وهذا لا يمكن إلا أن يكون للمتفرغين لأعمال خاصة تتعلق بالعلم ، أولئك الذين يقسمون أوقاتهم بين تدريس وتأليف وإجابة على الأسئلة ، هؤلاء يمكن أن يخصصوا لهم أوقاتاً خاصة ، أما إن كانوا مشغولين بالدهماء بجماهير الناس في قضايا هي بعيدة عن الفقه والدين وغير ذلك فكثيراً ما يكون هؤلاء لا يمكن أن تنتظم أوقاتهم .



        السؤال (9)


        سماحة الشيخ في بعض الأحيان يسأل الإنسان عالماً معيناً في مسألة من المسائل فيفتيه بالرأي الراجح عنده لكنه ربما لا يقتنع بذلك فيذهب ليسأل عالماً آخر ، كالطلاق مثلا ربما أفتاه عالم بأن الطلاق هنا غير واقع وأفتاه آخر بأن الطلاق واقع في هذه الحالة هل يأخذ بسؤال العالم الأول أم له أن يأخذ بسؤال العالم الثاني ؟



        السؤال (10)


        ولكن هل يصح له أساساً أن يسأل مرة هذا ومرة هذا ؟


        الجواب :

        ولماذا هو يفعل ذلك ، إن كان يلتمس الرخصة فلا ينبغي له ذلك ، لأنه يبحث عن الرخصة ولو كانت بزلة لسان .




        تمت الحلقة بعون الله تعالى وتوفيقه

        تعليق


        • #19
          [align=center]موضوع جدا مفيد أخي

          بارك الله فيك

          في ميزان حسناتك إن شاء الله[/align]
          http://www.omanlover.org/up/QobtanAlmajd5.jpg

          Hier, c'est de l'histoire
          Demain, c'est du mystère
          Aujourd'hui est un cadeau

          C'est d'ailleurs pourquoi
          on l'appelle le présent

          تعليق


          • #20
            [align=center]مشكور اخوي على الموضوع

            جعلة الله في ميزان حسناتك[/align]
            http://www.omanlover.org/vb/uploaded...1170503958.jpg

            تعليق


            • #21
              [align=center]شكرا لك اخي جعله الله في ميزان حسناتك[/align]

              تعليق


              • #22
                لي عوده للقراءه ،،

                عندي الكثير من الفتاوي لسماحه الشيخ ..
                ربما سأشارككم بها هنا ..
                http://upload.omanlover.org/out.php/...3018941981.gif

                نحن التجآر كلنـــا أفكـــآآر

                شعآآرنا الاصـــــــــــــــــرار

                ومفتآحنا الإبتكـــــــــــــــآآر

                بقلمـ The Kind

                تعليق

                يعمل...
                X