من المعروف أن العقوبات التبعية هي التي تصيب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية ودون حاجة للحكم بالعقوبة التبعية، ومثلها حرمان القاتل من الميراث، فالحرمان يترتب على الحكم على القاتل بعقوبة القتل ولا يشترط فيه صدور حكم بالحرمان، والعقوبات التبعية للقتل عقوبتان: الأولى: الحرمان من الميراث، الثانية: الحرمان من الوصية.
الحرمان من الميراث
اختلف الفقهاء في تطبيق النص اختلافاً كبيراً بحيث لا يتفق مذهبان في هذه المسألة، الإمام مالك يرى أن القتل المانع من الميراث هو القتل العمد، سواء كان القتل مباشرة أو تسبباً وسواء اقتص من القاتل أو درئ عنه القصاص بسبب ما، ويلاحظ أن القتل العمد عند مالك يشمل شبه العمد أيضاً لأنه يقسم القتل إلى عمد وخطأ. أما القتل الخطأ عند مالك فلا يحرم القاتل من ميراث المقتول وإنما يحرمه فقط من الدية التي وجبت بالقتل. واختلف في مذهب مالك في الصغير والمجنون إذا قتلا عمداً هل يمنعان من الميراث أم لا؟ فرأى البعض أن لا يمنعا من الميراث لأن عمدهما كخطئهما، ولرأي البعض حرمانهما من الميراث، وهو الراجح في المذهب، وإذا كان القتل عمداً ولكنه غير عدوان فلا يحرم من الميراث كالقتل دفاعاً عن النفس، فمن قتل ولده دفاعاً عن نفسه يرث ولده، والحاكم الذي ينفذ القصاص أو الحد على ولده يرثه.
ويرى أبو حنيفة أن القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ وما جرى مجرى الخطأ، كل هذه الأنواع من القتل تحرم القاتل من الميراث بشروط: أولها، أن يكون القتل مباشراً فإن كان القتل بالتسبب فلا حرمان من الميراث ولو كان القتل عمداً، وثانيها، أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً، فإن كان صغيراً أو مجنوناً فلا حرمان، وثالثها، أن يكون القتل فى العمد وشبه العمد عدواناً فإن كان بحق كالقتل دفاعاً عن النفس فلا يكون القتل مانعاً من الميراث، أما أصحاب الشافعي، فقد اختلفوا في ذلك، منهم من فرق بين القتل المضمون وبين القتل غير المضمون ورأى الحرمان من الميراث إذا كان القتل مضموناً لأنه قتل بغير حق، أما القتل غير المضمون فلا يمنع من الميراث لأنه قتل بحق، ومنهم من قال إن كان متهماً باستعجال الميراث حرم من الميراث كما في القتل الخطأ وكما لو حكم حاكم فى الزنا على أساس البينة على مورثه فإنه يحرم لأنه متهم فى قتله لاستعجال الميراث، وإن لم يكن متهماً باستعجال الميراث فلا حرمان لو حكم عليه في الزنا بإقراره، والرأي الراجح في المذهب غير هذين، وهو أن القاتل يحرم من الإرث في كل حال سواء كان القتل عمداً أو شبه عمد أو خطأ وسواء كان مباشرة أو تسبباً، وسواء كان القتل بحق أو بغير حق، وسواء كان القاتل بالغاً عاقلاً أو صغيراً مجنوناً، وأصحاب هذا الرأي يرون أن الحرمان من الميراث قصد به سد الذرائع ومنع المورث من استعجال الميراث.
ويرى أحمد أن القتل المضمون هو القتل المانع من الإرث، سواء كان عمداً أو شبه عمد أو خطأ وسواء كان مباشرة أو تسبباً، وسواء كان من صغير أو مجنون أو من بالغ عاقل، أما القتل غير المضمون فلا يمنع من الميراث كالقتل دفاعاً عن النفس والقتل قصاصاً. ويعللون حرمان الصبي والمجنون من الميراث مع أن كليهما ليس أهلاً بأن ما فعله أحدهما هو فعل محرم لكنه لم يعاقب عليه عقوبة الحد لقصور أهليته، وامتناع القصاص لقصور الأهلية لا يمنع من حرمان الميراث، بل إن الاحتياط يقتضي المنع من الميراث صوناً للدماء.
الحرمان من الوصية
في مذهب مالك يفرقون بين القتل العمد والخطأ كما فرقوا فى الميراث، ويتفقون على أن القتل الخطأ لا يصلح سبباً للحرمان من الوصية، فالقاتل خطأ تصح الوصية له فى المال ولو لم يكن المقتول عالماً بأنه هو قاتله، فإن علم بأنه قاتله وأوصى له صحت الوصية في المال وفي الدية، ولكنهم اختلفوا في القتل العمد. فرأى بعضهم أن الوصية لا تصح إذا كان المقتول لا يعلم أن الموصى له قاتله، فإن علم بأنه قاتله وأوصى له بعد الجناية فالوصية تصح في المال ولا تصح في الدية، لأن الدية مال لم يجب إلا بالموت. وعلى هذا إذا كانت الوصية قبل الجريمة فإنها تبطل بارتكاب جريمة العمد إلا رأى المقتول البقاء على الوصية، ويرى البعض الآخر أن الوصية تصح للقاتل عمداً سواء علم الوصي بأنه قاتله أو لم يعلم، ويستوي عند أصحاب هذا الرأي أن تكون الوصية قبل القتل أو بعده فهي صحيحة في الحالين.
ويرى أبو حنيفة حرمان القاتل من الوصية في القتل العمد العدواني وشبه العمد العدواني والخطأ وما جرى مجرى الخطأ بشرط أن يكون القتل مباشراً لا قتلاً بالتسبب وأن يكون القاتل بالغاً عاقلاً، فإن كان القتل بالتسبب أو كان الإبل صغيراً أو مجنوناً أو كان القتل ليس عدواناً فلا يحرم من الوصية، ويرى أبو حنيفة ومحمد أن الوصية تصح إذا أجازها الورثة، ويرى أبو يوسف أنها لا تصح للقاتل ولو أجازها الورثة؛ لأن المانع من الوصية هو القتل لا مصلحة الورثة والقتل لا ينعدم بإجازة الورثة، وفي مذهب الشافعي وأحمد نظريتان، الأولى، يرى أصحابها أن الوصية لا تصح لقاتل، وأصحاب هذه النظرية ينقسمون بعد ذلك إلى فريقين: فريق يرى أن الوصية لا تصح ولو أجازها الورثة لأن المانع من الوصية هو القتل لا مصلحة الورثة فإجازة الورثة تكون هبة مبتدئة ينبغي أن تتوفر فيها شروط الهبة، وفريق آخر يرى أن الوصية تصح بإجازة الورثة، النظرية الثانية، يرى أصحابها أن الوصية صحيحة في كل حال للقاتل دون حاجة لإجازة الورثة.
ومن الناحية القانونية، وضع المشرع القانوني في القوانين الوضعية قواعد تحمي نظام المواريث من عدة نواحٍ أهمها منع استغلال الموصي لنظام الوصية من أجل التحايل على الضوابط المقررة ضمن أحكام الميراث المتفق عليها. هذا التحايل يأخذ عدة أشكال؛ فقد يكون في شكل تحيز لأحد الورثة دون البقية؛ أو يصل إلى حد السعي إلى حرمان جميع الورثة. كما يمكن أن يكون ذلك نتيجة لرغبة الموصي في الإحسان حين يمرض ويشعر بأن موته قد اقترب.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان – كاتب ومفكر/ الكويت.