إن هذا الملف هو الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها اللجان وأصحاب القرارات في تدرج أي موظف أثناء ترقيه السلم الوظيفي وعليه يتم اختيار الكفاءات وانتقائهم وإبرازهم من أجل قيادة دفة المناصب الإدارية في مختلف الوظائف.
هكذا كانت النصيحة الأولى التي تلقاها ذلك الموظف الجامعي عند مباشرته عمله في إحدى المؤسسات الحكومية منذ ٢٠ عاما.
نصيحة حفظها عن ظهر قلب وفتح لها عقله وحرص على تطبيقها والعمل بها، وعاهد نفسه بالمثابرة وتذليل الصعاب والتكيّف مع كل الضغوطات التي قد تحيط به في مجال عمله، حتى أصبح شغفه وحلمه في التدرج الوظيفي لا يفارقه ، حتى وهو خارج العمل يفكر فيما أنجز وماسوف ينجزه غدا، أصبح محط إعجاب الجميع، بدأ المسؤولون يثقون بقدراته وبدأت الأعمال مثل “التقارير ، البيانات، المخاطبات” توكل إليه عكس بقية زملائه، لايعرف التذمر ، ينجز كل الأعمال التي يكلف بها حتى وإن اظطره ذلك للبقاء في مقر عمله لساعات متأخرة !!
كان يشعر بالفخر ويظن أن شغفه وحلمه بات قريبا!
بدأ ملفه الوظيفي يزداد ثقلا بالإنجازات، شهادات الشكر والتقدير شقت طريقها إليه، العلاوة الاستثنائية التي حصل عليها في تلك الدائرة الجديدة التي نقل إليها منذ شهرين فقط والتي تنافس للحصول عليها أكثر من ٨٠ موظفا أقلهم خبرة في الدائره منذ ٢٥ سنة، كانت كالوسام الذي يتقلده الفرسان بعد فوزهم في السباق.
تعود منذ صغره على احترام غيره والإخلاص والتسامح َوعدم رفع الصوت عند الاختلاف كان يؤمن بمبدأ أن المناصب لاتطلب بل تأتي للمجيدين والبارزين!!
لم يكن يعلم أن المبدأ الذي قاتل من أجله وآمن به لاوجود له إلا مع القلة القليله من أمثاله، لم يكن يعلم أنه كان مجرد جسر لصعود الآخرين وعبورهم عليه إلى غاياتهم وخططهم، وأنه بالنسبة لهم تلك الفرشاة التي يجملون بها لوحاتهم القاتمة بألوان أكثر إشراقا.
لم يكن يعلم بكل ذلك إلا عندما تفاجأ بصدور قرار تعيين أحد زملائه رئيسا للقسم وهو الأقل منه خبرة ومؤهلا!!
وعند استفساره عن ذلك أفاده المدير أن هذا القرار جاء لمصلحة العمل ولتجنب الصدام مع هذا الموظف الذي كان كثير الشكوى وكسب رضاه وإبعاد الدائرة عن المشاكل التي قد تصل إلى الإدارة العليا، وكذلك كي لانبخس حقه ولاننسى تلك الولائم التي دعانا لها فقد كان كريما !!
وأن الفرصة ما زالت موجودة لهذا الموظف الجامعي وسيكون له شأن أكبر عما قريب وعليه أن يصبر قليلاً!!
لتمضي السنوات ويضيع الصبر بين سلوك أمثال هؤلاء المسؤولين وبين أصحاب المنافع مع تشكل ألوان معاملتهم!!
وبذلك يكون شغف ذلك الموظف حكم عليه بالموت وهو ما كان واضحا في تفاصيل وجهه أثناء تكريمه من قبل المدير الجديد برسالة شكر جديدة تقديرا لمجهوداته التي قام بها خلال الربع الأخير من العام، والتي تذكر معها تلك النصيحة التي لم تتعدى ذلك الدولاب الذي وضع عليه الملف الأكثر سمنة بين تلك الملفات والذي يبدو أنه سيتمخض عما قريب في ولادة ملف آخر عله يخفف من حمل أبيه “الملف القديم”.
ومن باب المجاملة وتلطيف الأجواء أراد المدير أن يعيده إلى طبيعته المعهودة عندما رآه شاردا بأفكاره ليذكره بقصة طريفة حدثت لهم في أول يوم يباشر فيه هذا المدير عمله عندما كان سائقا!!!
وكيف أن هذا الموظف أرسله وهو بكامل أناقته إلى المخازن القديمة لإحضار بعض الملفات من بين أكوام الأتربة والغبار مضيعا عليه الجهد الكبير الذي قام به في ترتيب أناقته من أجل أول يوم عمل (انتهت).
راشد بن علي الحجري