لو تتبعنا نشأة القوانين التي تحكم حياة المجتمع، قديماً وقد يكون حديثاً في بعض البلدان، يتكون لدينا نموذجاً يغلب في التسلط على إحقاق العدل والحق، لوجدناها جميعاً تمثل إرادة الحاكم، وتعبر عن أغراضه ومشيئته في الحياة، بعيدة عن التطابق مع المصلحة الحقيقية التي تعبر عن مبادئ الحقّ والعدل.
على عكس ذلك كان دور التشريع الإسلامي، فقد استهدف دوماً تحرير الإنسان والرأفة به والحفاظ على مصالحه وحياته، عملاً بقوله تعالى: “وما أَرسلْناكَ إِلا رحمَةً للْعالَمينَ”، وهنا أهداف الإسلام وغاياته التي حددها القرآن الكريم هي تحرير الإنسان وإنقاذه من الظلمات إلى النور، والأخذ بيده إلى آفاق الخير والسعادة، وهذه حقيقة راسخة لا يسمح التشكيك فيها.
فللقانون الإسلامي ميزان يوزن به ومقياس يقاس على أساسه لتحديد طبيعته وقيمته، وأثره وغايته، واتساقه مع غاية الوجود الكبرى، هذا القانون يقوم على أساس من معيار “الحقّ والعدل” كقيمتين ثابتتين في الحياة، ويشكل هذان المفهومان “الحقّ والعدل” الأساس والقاعدة التي يجري عليها التشريع الإسلامي بأسره، فما من قانون ولا تشريع إلا وقد قام على أساس هذين المبدأين، شأنه شأن سائر حقائق الكون الأخرى.
إذاً الشريعة الإسلامية هي من صنع الله عز وجل وجاءت التعديلات من روح القانون في إطار الحفاظ على الثوابت التي حددتها الشريعة، على عكس القوانين الوضعية فهي غير ثابتة وتتغير تبعاً للظروف، فالأحكام الشرعية لديها من المرونة والقوة والشمولية الكثير، اما الوضعية فدائماً هي من صنع البشر، وهنا الدين الإسلامي إحترم العقائد الأخرى وقدّر ظروفها، وطبق احكامه دون المساس بها أو حتى جعلها تنفر منه، على عكس ما يروج له أصحاب الشبهات، قال تعالى “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”.
وهنا لابد تبيان أمر ما يطلق عليه “الأقليات” رغم أني ضد هذا المسمى، إذ أعتبر أننا كلنا إخوة، “إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، ومع ذلك إن طبيعة المجتمعات الإسلامية منذ القدم كانت مقراً للجميع، ولم يحدث أن حدثت حوادث من شأنها الجور أو الظلم على منهم من غير المسلمين، لكن كون المشاركة في البلد الواحد تحتاج إلى قوانين لن نقول خاصة بهم لكن بما يتعلق الأنظمة المجتمعية فهي مطبقة على كل من يعيش في هذه الدولة، وهنا قصدنا الشريعة الإسلامية الخالصة التي تدخل في كل مفاصل الحياة، أما الوضعية منها، فهي الحكم بما نسب إلى أي شخص غير مسلم بما يقرره القاضي دون أن يؤثر على القيم الإسلامية، ونلاحظ أن المجتمعات التي تضم غير مسلمين يعاملون معاملة المسلم في كل التفاصيل، على عكس المسلم الذي يعيش خارج بلاده فهل يتمتع بحقوقه كما لو في بلده، وهذا هو الفارق بيننا وبين الغرب، ولعل خطاب الرئيس الفرنسي الأخير خير دليل على عدم تقبل المسلمين والإسلام كما ينظر المسلم والإسلام إليهم.
د. عبد العزيز بدر القطان