مع حلول عيد الميلاد في كل عام، يبدأ الجدل حول الطقوس المُقامة في الاحتفالات المبالغ بها، من جانب الإخوة المسيحيين، هذا شأنهم بطبيعة الحال، لكن المستغرب، مشاركة المسلمين لهم في الجوانب المُبالغ بها، فميلاد سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى أمه مريم أزكى السلام ميلاد نور ورحمة وهداية وسعادة للبشرية جمعاء، هو واجب علينا جميعاً، لأن عيسى عليه السلام نبي من أنبياء الله ونجله ونحترمه ونحبه جميعنا، لكن ضمن ما أجاز لنا الإسلام والقرآن الكريم.
قال تبارك وتعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله)، نحن مسلمون ونعتقد بأننا أتباع نبي الله عيسى وموسى عليهما السلام، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنبياء ورسل من أولي العزم، ولكن البيّنة على من ادّعى.
من تربّى تربية قرآنية، وتربية إيمانية وصاحب عقيدة قلبية، لا يتأثر اليوم بالصور أو بالمظاهر والشعارات أو الشعائر لبعض الديانات السماوية، ولا يتأثر بأعيادهم أو مناسباتهم إن كانت ستهز العقيدة، يُفترض بالمؤمن صاحب العقيدة القلبية وصاحب العقيدة القرآنية هو الذي من المفروض أن يكون مؤثراً في هذه المجتمعات، إن كان بكلماته أو ابتسامته وحجته ومنطقه وأخلاقه القرآنية ودعواه، لأن المؤمن يُفترض أيضاً أن يكون داعياً وهادياً ومبشّراً بالعقيدة الصحيحة، بعقيدة عيسى وموسى عليهما السلام، مبشّراً بعقيدة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لسبب واضح، أن كل الأنبياء والرسل هم معتقدنا نحن المسلمون، وكل هدف في الرسالات السماوية هي توحيد الله تبارك وتعالى، ليكون دورنا كإسلام دُعاة خير وندعو إلى القرآن، وأن نذّكر كل المؤمنين بصورة عامة، بقول الله تبارك وتعالى: (وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون)، كل من في السماء والأرض قانتون لله تبارك وتعالى، وعابدون له، فالمؤمن يجب أن يكون دائم التذكير لإخوانه المؤمنين، بان الله تعالى منزّه من كل ذلك، من الرغبات وغيرها.
هل يجوز القول إن الله تبارك وتعالى (تزوج) كما الإنسان والعياذ بالله؟ وأن الله تعالى له (غريزة)، هذا بهتان عظيم وأمر جلل، وهذه ليست عقيدة عيسى عليه السلام، عقيدته وعقيدة موسى ونوح وإدريس عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم هي توحيد وتنزيه الله تبارك وتعالى، عقيدته، (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد)، فالدخول بنقاش عقيم خارج هذا السياق لا جدوى منه، خاصة فيما يتعلق بشجرة الميلاد التي هي لا تجوز في الإسلام، من باب الاعتزاز بالعقيدة، فالأجدر القول إنها عادة محببة، ولطيفة، لا أن يتم ربطها بالأديان، وهنا يكمن دور المسلمين في تأثيرهم بالمجتمعات غير الإسلامية قبل الإسلامية، وأن نعلمهم العقيدة الصحيحة عن طريق الأخلاق الحميدة، عن طرريق الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، والابتسامة، ونشر صحيح العقيدة، ونشر هذه الآيات والتعاليم وهذه المفاهيم لعيسى عليه السلام، نحن أتباع عيسى أيضاً، وأتباع التوحيد والأنبياء كلهم، لأن كل دعواهم وكل عقائدهم لم تخرج من العقيدة القرآنية التي نسخت الشرائع السماوية السابقة.
بالتالي، الإنسان المؤمن هو الذي يؤثّر ولا يتأثر، لكن وبالمقابل، كل إنسان حر بعقيدته، (لكم دينكم ولي ديني)، وطالما هناك قانون ودستور يحمي كل إنسان في أن يعتقد ما يريد، ويحمي دينه وممارسة شعائره، لكن عند المجادلة بـ (التي هي أحسن) تنشر قناعتك بكل حب وسماحة ومودة وتكون داعية إلى الله بكل حب كما كان عيسى وموسى عليهما السلام، كما كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن المهم لكل المؤمنين بالعودة إلى كتاب الله، وألا تأخذكم اليوم (العزة بالإثم) أن هناك حضارة وتقدم وتمدن نكاية بالإسلام، تحت مسميات (حضاري وليبرالي وعلماني)، بالتالي حسم الجدل واضح أن العقيدة واحدة لا تتغير، فالتطاول على الله تبارك وتعالى تحت أي ذريعة او احتفال أو طقس أو شعيرة ما، أمر مرفوض جُملةً وتفصيلاً، المفروض اليوم أن تكون عموم البشرية موحدة لله تعالى من أي ديانة سماوية كنا والتي أصلها جميعاً توحيد الله تبارك وتعالى، ما عدا تلك التي انحرفت بفهمها وحرّفت وزوّرت بالكتب السماوية وانحرفت عن العقيدة الصحيحة.
اليوم يجب علينا الاعتزاز بعقيدتنا الإسلامية، وألا تأخذنا العزة بالإثم بأن نحتفل ونكسب الآثام تحت ذرائع (الحضارة والتمدن) وغير ذلك، الإيمان الحقيقي أن يعتز الإنسان بقرآنه ويعتز بعقيدته القرآنية ويعتز بانتماءه إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى عيسى عليه الصلاة والسلام، وإلى كل سادتنا الأنبياء والرسل، بأن نرجع إلى العقيدة القرآنية وإلى توحيد الله تبارك وتعالى، ولنتذكر بأن عيسى عليه السلام كان إماماً من أئمة التوحيد، فالعقيدة القرآنية الحقيقية ونعود لنتذكر قوله تعالى: (وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون)، بديع السموات والأرض، (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون).
بالتالي، إن كلامي هو اعتزاز بالعقيدة الفطرية، مع التقدير لكل الديانات الأخرى، واحترام عقائدها، وما أتكلم حوله هو عقيدة الإنسان بصورة عامة، ونحن مسلمون نتعبد الله بقول (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد)، وذلك قمة التوحيد، وعقيدتنا تقول (لم يكن لله ولد)، وهذه العقيدة ليس لكوننا مسلمين، بل هي عقيدة تتماشى مع العقل، ومن المعروف عني عدم المجاملة في ديني ومعتقدي، لأن ديني دين الفطرة، لكن من باب الإيضاح ومن خلال تربيتي وثقافتي القرآنية أننا أتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، وأنا مؤمن إيمان مطلق بأن النبي عيسى لا يقبل أن يكون (ابن الله) بل هو عبد الله وكلمة الله، والله سبحانه وتعالى قالها لمريم عليها السلام عن طريق جبريل عليه السلام، فقناعتي أن عيسى هو نبي ورسول وعبدالله، وهو سيد الموحدين، قال تبارك وتعالى: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون).
من هنا، إن مشاركة المسلمين في احتفالات الإخوة المسيحيين في أعيادهم، لفتني في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وأشدد هنا على أن بعض هذه الدول (حرّة) لأنها أساساً دول استثمارية وتجارية وتضم جاليات أجنبية كثيرة، ومن الممكن القول إنها (دول علمانية) لكن في البعض الآخر، يتم (إطلاق العنان للعلماء يبدّعون ويفسقّون كل من يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين، ويصمتون فيما يتعلق بميلاد السيد المسيح عليه السلام)، وهذا يُعتبر تمييعاً للدين الإسلامي العقدي، من أجل قضية الدين الإبراهيمي الجديد، فلا بد أن تذوب عقائد المسلمين مع عقائد الغير، وخصوصية المسلمين واعتزازهم بدينهم ما يعني بمخطط هؤلاء، ان هذه القلعة لا بد أن تُهدم، من أجل تفريق الناس ودخول الرأسمالية الجديدة عبر هذه النافذة، ما يعني ذلك أنه ليس حبّاً بالسيد المسيح، بل حبّاً برأس المال والركوب على كل الموجات بما فيها الموجة الدينية، من أجل مآرب سياسية ورأسمالية بحتة، بعيدة كل البعد عن أصل العقيدة.
وفي الختام، يجب عدم التفريق بين الأنبياء والرسل، بالتالي لا عنصرية لدينا ولا حقد ولا كره والعياذ بالله، ونؤمن بالأخوة في الوطن والمواطنة، والعيش المشترك، وهذه أخلاقنا بطبيعة الحال، والجميع إخواننا في الإنسانية، ومودتهم وبرّهم أمر من أوامر ديننا تجاههم، شرط ألا يُستثمر ذلك لمآرب سياسية من بوابة الدين، فالاعتزاز الحقيقي هو أن يكون المؤمن معتزاً بهويته أياً كانت، خاصة الهوية الإسلامية والمعتقد القرآني والديني، قال تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله) هذه الآية تعطي رسالة حب وسماحة وسلام لكل البشرية، ونحن المسلمون، من أصل عقيدتنا، الإيمان بعيسى والإنجيل، وموسى والتوراة، وبإبراهيم وصحف إبراهيم، نحن لا نفرق بين أحد لا بل ننبذ التفرقة، ولكن إيماننا وإسلامنا لا يكون كاملاً إلا عندما نؤمن بجميع الكتب السماوية، وكل الأنبياء والرسل، عملاً بقوله تبارك وتعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)، وأتمنى السلام لكل الناس وكل البشرية، وأتمنى أيضاً أن يعم السلام والأمان على العالم أجمع.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.