تختلف المصطلحات من بلدٍ إلى آخر، تصب في ذات المعنى، لكن يغلفها مفهوم خاطئ، يتوقف المرء عنده لحاجته إلى التوضيح وردّه إلى شكله الصحيح، في نقاشٍ ما أو ربما في تحليل وأحياناً يتطلب الأمر إشراك مختص في مجالٍ ما يكون رأيه علامة دامغة توضح المعنى وتزيل اللبس واللغط الحاصل لتعم الفائدة المرجوّة.
ومن نقاشاتي الكثيرة مع الأصدقاء حول العالم، في كل يوم نصل إلى نقاشات يكون هدفي من ذكرها أن تعم الفائدة، للمعنيين في الموضوع ولغيرهم ممن يحبون المعرفة ويتزودون بها، ومن بين تلك الأمور أن هناك من يقول عن المسلمين بأنهم “محمديّون” فلا بد هنا من توضيح هذا المفهوم الخاطئ وتصحيحه من وجهة نظر أهل الاختصاص.
وكل من يريد معرفة أو فهم قضية من القضايا، لها مفتاحها ولها أهلها ولها التحقيق الخاص بها، والذي يصل إلى النتيجة المرجوة، خاصة وإن كانت قضية ذات اهتمام مشترك، بالتالي، إن مصطلح تسمية المسلمين بالمحمديين لا يمكن تعميمه، وذلك لأن الدين الإسلامي الحنيف لم يرضَ لنا أن نشخصن معالم الدين وحقائق الشريعة بشخصية رجل واحد، والذي هو من نزلت عليه الرسالة أي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فتسمى بالرسالة المحمدية عند التكلم بالمواعظ والخُطب، فإضافة الرسالة هنا وارتباطها بشخص النبي الأكرم، لأنها نزلت عليه، لكن لا يُضاف في الدين الإسلامي، المسلمون إلى شخص محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الدين الذي جاء به محمد هو دين الله تبارك وتعالى، والله عز وجل ذكر أن دين محمد هو دين إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب وكل الأنبياء عليهم السلام.
وشركاؤنا في الإنسانية والأوطان من المسيحيين، نحن المسلمون لا نقول عنهم عيسويون، نسبةً إلى عيسى عليه السلام أو يسوعيون، لأنه لا توجد شخصنة في الدين الذي نزل من رب العالمين، فعندنا أن المسيح عليه السلام قال لبني إسرائيل (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)، بالتالي، وعندما لم ينسب كل المسيحيين إليه، لذلك نحن نسميهم النصارى، لكن (المسيحيون) تعد عند المسلمين من الألفاظ الدارجة ، نقول مسيحيون، نسبناهم إلى صفة اختارها الله تعالى، لأن أصل مسمّى المسيح هو النبي عيسى عليه السلام، بالتالي تتم التسمية نسبةً إلى ما اصطفاه الله من الصفات وإلى الدين الذي هو دين الله لذلك لا نُسمى نحن كمسلمين بـ “المحمديين”، فهذا خطأ، القرآن الكريم يوجهنا التوجيه الصحيح كما جاء في قوله تبارك وتعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)، فهو لا شيخ قبائلنا ولا والد أحدٍ منا، وإنما أرسله الله إلى الناس كافة، فكل مسلم أينما كان، يُسمّى مسلماً ولا يُسمّى محمدياً، بالتالي، لا شخصنة عند المسلمين في الشرائع والأحكام، التي أنزلها الله تعالى في الدين الإسلامي الحنيف، فلم يُسمِّ الله تعالى المِلل من قبلنا (الإبراهيميون) بل قال اتبعوا ملّة إبراهيم أي ما كان عليه إبراهيم عليه السلام، فلا شخصنة في دين الله من آدم عليه السلام إلى محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وآله وسلم، فلا يُنسب الأتباع إلى شخص المتبوع، وإنما يُنسبون إلى دينهم.
وبالعودة إلى تسمية (النصارى) لدى المسلمين وهي التسمية الأصلية الأكاديمية الصحيحة بموجب القرآن والسنة النبوية، أي هم الشركاء في الإنسانية والأوطان من الإخوة المسيحيين، بالتالي هناك اعتقاد لدى البعض أنه يجوز أن تكون التسمية مشتقة من المدينة التي يظهر بها النبي، وهذا أيضاً خطأ، فالنصارى غير مأخوذة من مدينة الناصرة التي ولد فيها المسيح عليه السلام، بالتالي، تسمية النصارى نسبةً إلى أنصار عيسى عليه السلام، من الحواريين، فلما أحس عيسى منهم الكفر قال: (من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله)، بالتالي، النصارى لدى المسلمين هي تزكية للإخوة المسيحيين، فهو لفظ من ألفاظ التفضيل المستحبة، أي أنصار الله.
أخيراً، إن الدين عند الله تبارك وتعالى، الإسلام، كما في قوله تعالى: (هو سماكم المسلمين)، فالإسلام هو السلام، لغوياً تعني كلمة إسلام، الاستسلام لأمر الله ونهيه بلا اعتراض، واصطلاحاً، هو الدين الذي جاء به “محمد بن عبد الله” صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يؤمن المسلمون بأنه الشريعة التي ختم الله بها الرسالات السماوية، وأما السلام، فهو حالة تتميّز بعدم وجود عنف ونزاعات وبالتحرر من الخوف من العنف، وما بين السلام والإسلام صلة وثيقة خاصة دينياً، فكل الأنبياء كانوا دُعاة سلام ومحبة، وبعثوا لنشرها، بالتالي، رب العالمين اختار للرسالة الأخيرة اسمها واسم أتباعها أي المسلمين، فالدين عند الله الإسلام، يعني أن دين إبراهيم وعيسى وموسى وكل الأنبياء، أي كل من آمن بالله ووحّد الله تبارك وتعالى ولم يشرك به أحداً، هو مسلم لله تبارك وتعالى.
من هنا، هناك الكثير من المفردات الشائعة تناقلها الناس تيمناً بأشخاص على اختلافهم إن كان من زوايا دينية أو اجتماعية، وأصبحت صفات لصيقة لكنها خاطئة، فكلنا فخر أننا على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه إنسان والخالق عز وجل (لم يلد ولم يولد).
عبدالعزيز بن بدر القطان – كاتب ومفكر / الكويت.