إن أي مجتمع صحي وطبيعي، سجي أن يكون فيه الرأي ونقده، فكراً سائداً لدى ثقافة المجتمعات، وهنا الإختلاف أمر طبيعي حتى بالفهم، وحتى وإن كان نصّاً دينياً، وكل إنسان لديه علم ومعرفة مكتسبة، لكن السؤال من أين إكتسب هذا العلم؟
لقد إكتسب الإنسان علومه، عن طريق قراءته وأدواته المعرفية، وعن طريق علمه الذي تعلمه في المدارس والجامعات وفي المؤسسات الدينية، وتلقت الأفراد المعارف على تعددها سواء لغوية أو شرعية أو أصولية مما إكتسبوه خلال مسيرة حياتهم، هناك، من يقرأ النص الديني من القرآن الكريم بطريقة معينة أو يقرأ حديث نبوي شريف أيضاً بطريقة معينة عن طريق أدواته المعرفية، التي أوصلته لهذه النتيجة، والتي هي بالتالي أوجدت مشكلة!
تكون هذه المشكلة في بعض الأشخاص سواء كانوا علماء أو معممين، أو ملتزمين دينياً، مع الإشارة إلى أن أهم صفة للإنسان المتدين أن يكون إنساناً منصف وأن يبتعد عن الفجور في الخصومة، لكن مشكلة البعض انهم يحتكرون الحقيقة لأنفسهم ويتسترون بالتدين وبالمذاهب ويتستر بالولاية وبالمحبة وبأن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حكراً عليه، أو هو الناطق بإسم المذهب السني أو المذهب الشيعي أو أي مذهب من المذاهب الإسلامية (الإباضية أو الزيدية أو الإسماعيلية).
الشاهد أن في القرآن الكريم آيات تتحدث حول ألا يفجر الإنسان في الخصومة، لكن الطامة الكبرى أن تخرج تلك الأمور من أشخاص متسلحين بالعلم الذي بدل أن يسخروه لتعليم الآخرين، من خلاله يقمعوهم، هذا ما نراه من خلال ردات الفعل للناس من المتدينين أو البعض منهم من المتسترين خلف الدين لأن الجواب ببساطة هو محاربتهم بإسم الدين وبأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة ويسخرون علمهم لأغراض أخرى كالسياسة أو التسويق لعالم أو مرجع معين أو لأفكارهم فيقمعوا الآخرين بإسم الدين، وبذلك صعوبة كبيرة لأنهم يحاولون إحتكار الدين الذي هو للجميع.
لكن لم تنفعهم خططهم فلقد كشفتهم الآيات القرآنية لذلك أنا دائماً أقول أن مثل هؤلاء لا يصمدون أمام كتاب الله عز وجل، لا بل يرتعبون منه وتراهم يهربون للمتشابهات (النص والحديث) لكن عن القرآن فيبتعدون عنه لأنه كاشف أخطائهم وفاضح زيفهم وهادم أسواقهم ودكاكينهم وبنيانهم الباطل، يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: “وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم”، ولنلاحظ كلمة “البغي” فالإنسان باغي بحجة أنه يمتلك الحقيقة وهذا هو الإستبداد والإفتراء، والبغي اليوم تظلم الآخر وهذا ما نعاني منه، خاصة من دعاة الحرية والسلام، وهم المنفتحون على الآخر والمتدينين ولكن لا يطبقون أياً من ذلك، وهنا لا نعمم يستوجب ذكر كلمة (البعض) لأنه كما هناك منهم هناك نقيضهم، فحتى يرضون عن الشخص، عليه أن يكون مع تيار أو حزب أو توجه معين، وهم لا يقبلون أن تكون إنساناً حر تتمتع بحرية فكرية وأن تتواصل مع الآخرين وتنصحهم.
وهنا أورد مثلاً يضرب ولا يقاس، فمثلاً إن زرت إنساناَ يخالف توجههم لا يعني ذلك أنني أتفق مع هذا العالم الفلاني أو التيار أو المذهب الفلاني فهم لا يفهمون أنك داعية سلام وأنك إنسان تجمع ولا تفرق وأنك إنسان محب للجميع وناصح، وبعمرها لم تكن النصيحة فضيحة، فليس من أخلاقنا التشهير بالآخرين لكن من الممكن توجيه وتقديم نصيحة بكل أدب وود وإحترام وإن إختلفت معه، وإن أخطأ بحق رموزي، وهنا حجتي بأخلاقي وسمو نفسي وبأني إنسان أصل من يقطعني، وأستمر بمحاولة إيصال فكرتي وأعيده إلى طريق الرشد، فهذا هو الإسلام وهذا هو ما جاء في القرآن الكريم، لكن البغي يبدو أنه أصبح ثقافة البعض في أيامنا هذه.
والسؤال المهم، أين هم هؤلاء المتدينون؟
أين التربية الإيمانية التي ترافق كل مؤمن نفسه مهذبة ولديه أخلاق قرآنية، أين هم؟، هؤلاء الذين يدعون أنهم على دين الإسلام المحمدي، الإسلام المحمدي يدعو “إدفع بالتي هي أحسن”، هكذا هو الإسلام المحمدي، أما إسلام اليوم يدعون اليوم أنهم أتباع فلان من إمام أو وصي هذا كله كلام يسقط أمام القرآن.
لذلك الإنسان الحر والعاقل هو الذي ينفتح على الآخر وينفعل مع الآخر، ويحاول الوصل مع كل إنسان مختلف معه أن يقدم وجهة النظر الصحيحة ويصوب تصويبات قرآنية ويكون بإذن الله مسدد وموفق، وشخصياً لا أهتم لأقوال أحد، أنا رجل حر أؤمن أن ربي الله وكتابي القرآن ورسالتي محمدية، وبكل حب أتقرب من كل إنسان أختلف معه عقديا ًومذهبياً وأحاول أن أكون إنسان شجاع وأتكلم بالمنطق القرآني وأحاول أن أعيد هذا الإنسان إلى جادة الصواب بالحجة والبسمة والكلمة اللطيفة، وبالمجادلة الحسنة كما أمرنا الله تبارك وتعالى “وجادلهم بالتي هي أحسن”، ولم يقل سبحانه وتعالى أن نشتم أو نخون أحد على شاشات التلفزة مستغلين قوة أو سلطة، هذا خطأ كبير جداً.
وبالتالي أختلف مع كثيرين، بعقائدهم ولا أجاملهم لكن لم أصطدم مع أحد منهم لأني أحسن الظن ولأني صاحب حجة وحجتي قرآنية محمدية، والإبتسامة هي المفتاح بيني وبين كل إنسان أختلف معه وبإذنه تعالى التوفيق من الله سبحانه وتعالى، طالما حجتي القرآن وليس المتشابهات.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان