منذ القرن التاسع عشر أخذت النظريات الإشتراكية على تنوعها، توجه سهام نقدها إلى مفاهيم الحقوق التي عرضها فقهاء البرجوازية ومنظّروها، وكان أشد من هاجم هذه الحقوق، كارل ماركس ومدرسته التي عرفت بـ “الإشتراكية العلمية”.
وجهة النظر الماركسية
إن النظرية الماركسية وآراء من تولوا إيضاحها والدفاع عنها زهاء ما يزيد عن قرن من الزمن، نجد أن هناك شكلان من النقد الموجه للقانون البرجوازي والحقوق البرجوازية ، الأول، نقد سطحي يتجه لوضع حدود تنسبها البرجوازية نفسها إلى القانون، الثاني، نقد معمق يتناول أساس الحقوق، وفي هذا الشأن قال ماركس: “إن الحريات الأساسية التي كانت أركاناً ملازمة لعام (1848)، أي حرية الصحافة والكلام وتنظيم الجمعيات وعقد الإجتماعات والتعليم والدين وغير ذلك، ارتدت رداءً دستورياً جعلها غير قابلة للطعن”.
كذلك أشار “أرنست بلوش” في كتابه “القانون الطبيعي وكرامة الإنسان”، إلى حدود دولة القانون، حيث قال: “في كل مرة يرتسم جانبياً ظل على الرخاء الرأسمالي، وتبدو توترات داخلية على جوانب هذا الرخاء، ينبغي أن تقوى بإنتاج حرب وتتميز بتهديد بحرب دائمة، وتتكشف دولة القانون عن طبيعة أخرى وهي أنها في كل لحظة قابلة لأن تنزع إلى الفاشية.
في نطاق النقد المعمق، تقابل الماركسية، الخاصية الشكلية للحريات العامة المعلنة بحقيقة قائمة هي الإستغلال، فالحرية لا توجد بشكل ملموس إلا بالنسبة للمسالك، وفي الواقع إن الحرية الحقيقية هي حرية التاجر والصانع، (في الشروط الحالية للإنتاج البرجوازي، يفهم من الحرية، حرية التجارة وحرية البيع والشراء).
وفي كتابه “المسألة اليهودية” يتعرض ماركس إلى نقد إعلان حقوق الإنسان معتبراً أن هذا الإعلان هو نتيجة ثورة سياسية محضة تمثل تقدماً، ولكنها تحرر المواطن فقط وليس الإنسان الحقيقي، وأنه لا بد لتحرير الإنسان الحقيقي من ثورة إجتماعية وإقتصادية تهدف إلى تخطي الثنائية بين الإنسان والمواطن وبين المجتمع المدني والمجتمع السياسي”.
فعندما يتم التوفيق في هذه الثنائية، سوف ينال كل واحد حسب حاجاته، ولن يعود يوجد تقسيم للعمل، ولا الدولة والقانون، فطالما الدولة موجودة فإن الحرية لن توجد، وعندما ستوجد الحرية لن يكون هنالك دولة. فعندما استلمت الدولة الإشتراكية السلطة إبان الإتحاد السوفيتي (السابق)، حاولت من أجل التغلب على التعارض بين الحرية الشكلية والحرية الملموسة أن تعلن بأنها لا تكتفي بالإعلان عن حقوق وحريات المواطنين، بل أن تنص كذلك على وسائل ممارسة هذه الحقوق، مع التشديد على الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وبخاصة الحق بالعمل.
وبالتالي، هذا التأكيد على الحريات الحقيقية كان من نتائجه إنماء المطاليب القائمة على الحريات الشكلية، لكن في الواقع إن وضع الإشتراكية موضع التنفيذ أدى إلى العديد من حالات انتهاك هذه الحريات بموجب النظرية التي طبقتها الدولة الإشتراكية تحت شعار “دكتاتورية البروليتاريا” التي عرضها لينين ودافع عنها كثر من بعده، وأسماها “ماوتسي تونغ” في الصين “ديكتاتورية البروليتاريا الديمقراطية”.
من هنا، إن الوصول إلى الحرية، يحتاج إلى كثير من المقدمات، ففي المراحل الأولى تمارس “ديكتاتورية البروليتاريا” على كل الخصوم أو الإشتباه بأنهم خصوم، وبالتالي كان حبس المعارضين وفقدان حرية الطباعة ومبدأ المشروعية في الإتحاد السوفيتي آنذاك، كما في الصين والدول الإشتراكية الأخرى التي قامت في القرن العشرين أو الدول التي رفعت شعار الإشتراكية بأنواعها.
فهذا الرفض للحقوق والحريات الشكلية وإن استمر فترة طويلة من الزمن في البلدان الإشتراكية، كان يوجد من يدافع عنها في تلك البلدان، الأمر الذي ولّد معارضة، وإن لم تظهر قوية على السطح وتأخذ أبعادها بسبب ما يتعرض له المعارضون من قسر وكبت، لكن بدأت تطل تلك الحقوق علناً في موطن الإشتراكية الأول والأكبر آنذاك أي الإتحاد السوفيتي –
الكويت.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان