تحتفل الكويت بعيدها الوطني في الخامس والعشرين من شهر فبراير/ شباط الجاري (2022) وذلك بمناسبة ذكرى مرور 61 على استقلالها، وتاريخ جلوس الراحل الأمير عبد الله السالم الصباح كأمير لدولة الكويت، والذكرى 31 للتحرير، بمجموعة متنوعة من العروض الفنية والثقافية والتراثية التي تعبر عن تاريخ دولة الكويت.
الشعب الكويتي يحتفل بهذا العرس الوطني كل عام، وحالي حاله، إلا أن للعيد في هذا العام طعمٌ آخر، فكان عيدي، عيدين، عيد وطني لبلدي الكويت، وعروس كويتية زيّنت بيتي في اليوم الوطني، “آية صوفيا عبد العزيز بدر القطان”، ليكون طعم الاحتفال ليس كأي احتفال وليس كأي يومٍ عابر، بل هو نعمة وبركة وهدية ربانية أن تأتي المولودة والاحتفالات عامرة في كل أرجاء البلاد، وفي نفس الوقت يعود بي شريط الذكريات لأن نفس هذا التاريخ هو ذكر استشهاد والدي الشهيد بدر عبدالله القطان رحمه الله.
بعد سقوط الخلافة العثمانية وتفتيت المنطقة إلى دويلات، بات الاستقلال اليوم حلم لهذه المنطقة، فمن الأكاذيب التأريخية التي نعيشها أن نجد دولة من الدول هي مستقلة، رغم أن الاستقلال بالمفهوم العام هو أمر واقع بالشكل العام، لكن كمصير أمة مستقلة واقعاً حقيقياً فاعتقد أن هذا الأمر بعيد كثيراً عنا.
لكن هناك غصة في قلبي من كل عام في أيام عيد الاستقلال، ففي يوم 25 و26 فبراير/ شباط هو أمر يعنيني لأنني عشت أحداثاً مهمة وهي اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت عام 1990، ويوم 26 فبراير يشهد يوم تحرير الكويت، وأنا كنت شاهد عيان وأحد الصامدين على هذه الأرض الطيبة المباركة، وشاهدت تضحيات أهل الكويت وصمود أهل هذا البلد بكل أطيافه ومكوناته، خاصة وأن القبور الجماعية خير دليل على اللحمة الوطنية التي مزجت كل تلك الدماء معاً، فهؤلاء من بنوا سور الكويت بدمائهم العطرة، فالجميع يعلم وقتها في أكثر من مناسبة أن الكويت أرض هجرات، فيها كل الأعراق، لكن الغصة التي تعتريني هي مرور ذكر استشهاد قدوتي ومثلي الأعلى (والدي) خاصة أني ولا مرة خصصت له بعضاً من الأسطر في مقال، لقد استشهد والدي بتاريخ 25 فبراير/ شباط ليلة 26 فبراير/ شباط أي بعد تحرير الكويت الساعة الثالثة و10 دقايق، فاضت روحه إلى بارئها، والله تبارك وتعالى استرد أمانته بوفاة والدي.
والدي بدر عبدالله القطان كان أحد الصامدين، وكان ضد العدوان على الأراضي الكويتية، وكابن عاش مع والده، عايشت لحظات عصيبة في تلك الفترة، عشت معه تفاصيل القصف الجوي وبداية انطلاق التحرير، وكنت أرى اللحمة الوطنية بدم والدي والثورة العارمة التي كانت تعتريه، فكان ينتظر تحرير الكويت بحرقة ومسؤولية، إلى أن تم إطلاق النار عليه ودخل في غيبوبة وبقي 5 أيام في مشفى الفروانية وفاضت روحه في مشفى الأميري، ولم يشهد التحرير لأنه كان في غيبوبة، جراء إطلاق عيار ناري بأسلوب الإعدام في فمه حيث تكسرت أسنانه، وقطع جزء من لسانه، وفي صدره، بالتالي لذة تحرير الكويت شخصياً لم أشعر بها، رغم الأهازيج الكبيرة التي كانت تعم أرض البلاد، لأن خير استشهاد والدي كان الحدث الأكبر بالنسبة لي، فكان منزلنا في فترة حداد وامتد العزاء قرابة العشر أيام، حيث قام بتعزيتنا صاحب السمو، أمير دولة الكويت، الشيخ جابر الأحمد جابر الصباح، فكان أول بيت قام بزيارته هو منزلنا في منطقة النزهة وقدم لنا واجب العزاء في والدي، وكان اسم والدي على رأس قائمة أسماء الشهداء التي تناقلتها وسائل الإعلام مثل “BBC”.
بالنسبة لي، عندما تحل ذكرى 25 – 26 فبراير من كل عام، يعود بي شريط الذكريات الذي عايشته، وكأنه حدث بالأمس، وكأنه حلم، خاصة وأن والدي بالنسبة لي هو مثلي الأعلى، وكان أبي ووطني، هذه المناسبة وهي استشهاد والدي، تدفعني لأن يكون العيد الوطني ليس مجرد استعادة لما حدث، بل استخلاص العبرة مما حدث، من هذه المؤامرة التي تم تنفيذها على البلد الآمن الكويت، فالتاريخ يتطلب منا التأريخ بشكل موضوعي وعقلاني لاستخلاص العبر، فباختصار شديد، كلنا يقع علينا اللوم بما حدث، ومن المفروض أن نستفيد من الكبوات الكبيرة في عالمنا العربي، لأن عام الـ 1990 كان البوابة لتدمير وتفتيت المنطقة كلها، هجمات 11 سبتمبر، الإرهاب، الربيع العربي، على تمزيق بعض الدول العربية، وزيادة التهويد بالأراضي الفلسطينية، مشاريع معروفة الغاية بالنسبة لمنطقتنا العربية، بما في ذلك دول الخليج رغم أن لا احتلال لحق بها، فمثلاً خلال الحرب الروسية – الأوكرانية الآن نجد كيف أثر ذلك على العالم أجمع إن كان بتقلبات السوق العالمي، أو غير ذلك، كذلك عام 1990 غيّر أنظمة ودمرها، وأصبحت القوات الأمريكية الغازية لدول المنطقة أمر واقع بيننا، ما يعني أننا كدول لا نتمتع بالسيادة الكامل.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل استفدنا مما حدث في عام 1990؟
باختصار، لم نستفد من الدرس، فكان العرب يضربون بعضهم البعض في حين ان المفروض التكاتف والالتفاف حول بعضهم البعض، فكان العنوان الأبرز سقوط ضحايا من كل الأطراف، فهل من مؤرخ اليوم يستطيع الكتابة عن الآثار النفسية للجندي العراقي الذي قام بتنفيذ الغزو على الكويت، متى نشهد قراءة موضوعية لتلك الفترة؟ أو الحديث عن الأسرى وعن الشهداء وعن كل شيء، إلى الآن لم نجد من يملك الشجاعة للخوض في ذلك، فإلى الآن تشيع الكويت شهداء تلك الفترة إن كان في بر السماوة، أو في مقبرة النجف، وغيرههما، وإلى الآن هناك أهالي تبحث عن مفقوديها من تلك الفترة، ورحم الله الأبرياء من الطرفين.
لكن متى تم الاحتفال بالعيد الوطني لدولة الكويت أول مرة؟
يرجع تاريخ أول احتفال إلى 19 يونيو/ حزيران عام 1962، حيث كانت المرة الأولى التي أقيم فيها احتفال بمناسبة الاستقلال وبسبب ارتفاع درجات الحرارة خاصة في فصل الصيف ما يعيق إقامة الاحتفالات السنوية فتم دمج عيد الاستقلال مع تاريخ جلوس الراحل عبد الله السالم الصباح على حكم الكويت في 25 فبراير/ شباط 1963 والذي كان الاستقلال في عهده، ومنذ ذلك التاريخ والكويت تحتفل بعيد استقلالها بتاريخ الخامس والعشرين من فبراير/ شباط من كل عام، ويحتل العيد الوطني الكويتي مكانة خاصة في نفوس الشعب الكويتي، لا يخبو بمرور السنين أو تعاقب الأجيال، وهو ما يعكسه عدد المشاركين الكبير في الاحتفال بالكويت وخارجها كل عام، حيث إن الاحتفالات الوطنية يجتمع عليها كل فئات الشعب بمختلف الأديان، وكل شرائح المجتمع الكويتي قاطبة سواء كانوا داخل أو خارج الكويت كما تتزين ميادين وشوارع الكويت بأضواء الزينة والأعلام بكل الميادين العامة، كما تفتح الكويت أبراجها ومعالمها وأبوابها التاريخية والسياحية ترحيباً بالزوار، وتنشط فعاليات الاحتفال في كل محافظات الكويت.
وللجيش الوطني الكويتي مشاركة رائعة تبهرنا في كل عام، حيث تشارك وحدات الجيش في جميع الأصعدة البرية والبحرية والجوية، كما تشارك أيضاً وزارة الداخلية والحرس الوطني وحرس الحدود والشرطة، بعروض مميزة، وأجواء عارمة من البهجة والفرح والترفيه في الكويت للموطنين والمقيمين على حد سواء، الاحتفالات لا تقتصر على يوم واحد، بل تمتد لعشرة أيام متواصلة.
ختاماً، أتمنى أن نحتفل بواقع الحدث مريراً كان أم جميلاً، بعيداً عن العنتريات والبطولات الزائفة، وأن نلتفت للصالح العام في رفعة ونصرة الأمة العربية والإسلامية كلها، الصالح العام مع البيت العربي والخليجي، مهما اختلفنا لا بد من أن نحل مشاكلنا داخل البيت الواحد، وألا نسمح للأطراف الخارجية بأن تتآمر علينا أكثر من ذلك، فما حدث بعام التسعين هو تداعيات سيطرة الاتحاد السوفيتي على المنطقة ودخول الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة، هذا الصراع دفع بالأمريكي بضرب بعض الأنظمة وإسقاط أخرى للتدخل سريعاً والتواجد الدائم في المنطقة تحت ذرائع متعددة.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.