في الوقت الذي تمر فيه البلاد بازمات إقتصادية ومالية وصحية تحتاج معها لإدخار كل بيسة قبل الريال والمائة والألف والمليون ، وإذ الجهات الرسمية تعمل كل ما في وسعها لزيادة الإيرادات من خلال الضرائب وغيرها لسد الثغرات المالية هنا وهناك ، نجد في المقابل هناك جهات تنفق أموالا طائلة على منشآت ليست بتلك الضرورة الملحة التي تستدعي انشاءها في الوقت الحالي ، ولعل إسناد استشارات هندسية فقط لمجمع عُمان الثقافي بمحافظة مسقط ، مثال لما نحن بصدده للعديد من الدلالات سنوردها في هذه العجالة في إطار وأمرهم شورى بينهم وفي إطار مصلحة الوطن العليا ، فنقول أن التريث في إنشاء هكذا مشروعات وفي هذا الوقت بالذات يُعد خيارا مقبولا ، إذ ان التركيز على المشروعات الخدمية هو الخيار المفضل والمقبول والذي يتسق مع الواقع القائم كما أن المشروعات الخدمية تستفيد منها شرائح واسعة من المواطنين كالمدارس والمستشفيات والمشروعات الإنتاجية كالإستثمارات في قطاعات السياحة والصناعة والمشروعات الزراعية ذات القيمة المضافة للبلاد والعباد .
لذلك ولكل ذلك ، فإن هذا المشروع المقترح وبتلك الميزانية الكبيرة يتعارض مع برنامج التوازن الإقتصادي الذي ترعاه الحكومة وتعمل جاهدة على تنزيله لأرض الواقع ، وبإعتبار أن ذات المشروع يخدم فئة بسيطة من المجتمع تُعد على أصابع اليد الواحدة ، مقارنة بمردود مشروعات تنموية عملاقة معطلة تحت شعار عدم وجود موازنات مالية كافية لها ، وهو شعار صحيح بحكم الواقع .
وبالتالي فمن الطبيعي أن يثير تقديم الخدمات الإستشارية للإدارة والإشراف على مشروع مجمع عُمان الثقافي ومبنى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بقيمة (5.271.021) ، 5 ملايين و 271 الفا و21 ريالا عُمانيا يثير تساؤلات منطقية لدى الأوساط المحلية حول تكلفة الإستشارات بهذا المبلغ الكبير ، وكم ستكون ياترى تكلفة المجمع الثقافي في نهاية المطاف إذا كانت الإستشارات فقط بذلك المبلغ الضخم ، (ربما) سيصل المبلغ إلى 200 مليون ريال ، ومن هنا تنبثق الأسئلة الحيرى حول مدى أهمية هذا المشروع والعائد منه لصالح المجتمع في هذه المرحلة الدقيقة ، حيث يعاني الوطن من أعباء الدين العام ، وبما أنه عام فما من شك أن كل المواطنين يحسون بهذا الوزن الثقيل على رؤوسهم وعلى إعتبار أن الدين كما يقول المثل (هما بالليل وذلا بالنهار) ، ومن هنا جاءت الصدمة واللطمة مفاجئة وموجعة ومذهلة ، وهم وفيما بعد ذلك يسألون وفي الوجه حيرة ، وعلى العيون ذبول لماذا لا توجه هذه المبالغ إلى تسديد الدين وسد ثغرات العجز في الموازنات العامة ، وإذا ما تبقى فائض فيما بعد ذلك يوجه للمنشآت الخدمة الملحة والمرتبطة بنحو كلي بحياة الناس كبناء المدارس والعيادات والمستشفيات المؤجل بناؤها في الخطط التنموية السابقة ، ورفد الإنفاق المتدن من ناحية عامة على القطاع الصحي والذي يعد هو الأهم للوطن والمواطن معا .
فاليوم وبمقاييس متطلبات التنمية التي توضع على ضوءها الخطط الخمسية في البلاد كما هو معروف كل خمس سنوات لتحديد الأولويات حسب أهميتها وجدواها ، هنا يتعين علينا عقد مقارنة سطحية فقط بين أهمية مجمع ثقافي في مسقط في ظل ضعف الحاجة إليه وعدد المستفيدين منه مقترنة بالتكلفة ووضع البلاد المالي والإقتصادي ، وفي ظل وجود بدائل ثقافية عديدة كالمسارح والقاعات والمكتبات ، هنا ينطبق علينا المثل القائل (عندك تأكل قال لا ، عندك تعزم قال نعم) ، نقولها بآسف بالطبع .
فالدولة لديها تجارب غير مجدية في إنشاء مجمعات ثقافية في نزوى وصلالة ، وبالتالي يجب تقييم هذه التجارب والمجمعات أولا والتيقن من مدى فاعليتها ورصد عدد الأشخاص الذين زاروها ومستوى إرتقاء مستواهم الثقافي والفكري والوصول لقناعة راسخة بأن مستواهم الثقافي كان بديلا ناجعا عن حاجتهم للعلاج والدواء والكساء والغذاء ، وكم هو المبلغ الذي تم إنفاقة في تشغيلها وصيانتها ، ليضاف لمبالغ الإنشاء والبناء ، بالقطع فإن النتيجة سلبية وفقا لكل المؤشرات الواضحة لدينا ، لذلك فإن إنشاء مجمع آخر في مسقط لن يكون حالة بأفضل من سابقية ، والأيام سوف تثبت صحة ذلك جليا.
بنظرة فاحصة نجد أن العالم كله تحول للثقافة الإلكترونية ، والكتب كلها أو جلها أضحت كذلك ، والمعرفة باتت في متناول اليد أو في الجيب ، ولم يعد الناس يكترثون بالمكتبات ومبانيها مهما عظم شأنها ، كما أن المحفوظات ليست في عجلة من امرها ولم تطالب ولن بإنشاء مباني فاخرة من فئة خمسة نجوم مع تكييف مركزي فاعل لتنام فيها قريرة العين .
نأمل من الجهات المختصة أن ترجي هذا المشروع أو بالعدم إلغاؤه وتوجيه المبالغ المرصودة له لمشاريع تنموية حقيقية يحتاجها الوطن والمواطن كالتعليم والصحة والإستثمار في كافة القطاعات الخدمية والإنتاجية ..
علي بن راشد المطاعني