عمّان، في 5 أبريل/ العمانية/ تتنوع تجربة الفنان الأردني رائد إبراهيم، لتشمل الرسم
والفيديو الفني (Video art) والتركيب الفني (Installation art)، محاولاً فيها الدمج
بين الجدة والكوميديا أو ما يسمى “السخرية السوداء” في طرح أفكار تتعلق بالراهن
الاجتماعي والسياسي وقضايا الناس وهمومهم.
ففي عمله الذي يحمل عنوان “لكل داء دواء”، صُمّمت مجموعة كبيرة من الأشكال التي
تحاكي عبوات الدواء، وطُبعت ملصقات صُمّمت من وحي الحالة المرضية التي يعالجها
كل دواء، ووُضعت لكل عبوة نشرة تبين مكونات الدواء ودواعي الاستعمال والجرعات
وموانع الاستعمال، وبالقرب منها نشرة دعائية تحثّ الناس على الشراء بصيغ تُراوح بين
الجد والسخرية.
وبناء على هذه التوليفة؛ نقرأ مقولات على شاكلة “الحَبّة السريعة للمرأة المطيعة”،
ونتعرف على علاج “يحفز الانتماء ويعزز الولاء”، يجاوره علاج “مضاد للتخلف”.
وتتنوع أشكال العبوات؛ فبعضها زجاجي يحتوي على مشروب سائل، وبعضها يتضمن
حبوباً ملوّنة أو بيضاء اللون، وثمة عبوات محشوة بالكبسولات، وكلّ منها له اسمٌ ذو
دلالة؛ فهناك دواء اسمه (ميديغري) المشتقة من كلمة إنجليزية تعني (الموافقة)، وفي
داخل العبوة حبوب يمكن للعاملات تناولها ليعملن فترات طويلة بلا تعب أو تذمر،
وبالتالي يحمين أنفسهن من غضب رب العمل. وقد حمل الملصق الدعائي لهذا الدواء
صور فتيات يرتدين زي العمل ويمسكن بأدوات التنظيف.
يقول إبراهيم في حديثه عن الفكرة التي يطرحها من خلال هذه الأعمال بأنه يروم إلى
إحداث صدمة وعي لدى المتلقي، وتسليط الضوء على إشكاليات أصبحت شائعة لدرجة
أنها تبدو طبيعية ومألوفة.
ومن أعمال رائد إبراهيم الإشكالية وذات الصبغة الناقدة والساخرة، عمل بعنوان “دولة
إسماعيل”، وهو مشروع بدأ الفنان العمل عليه خلال إقامته الفنية في سويسرا، حيث أعلن
في 13 أغسطس 2009 تأسيس دولة وهمية أسماها “دولة إسماعيل” على أراضي “
أرغاو”، وأقيم حفل الإعلان في مدينة “آراو” التي أصبحت تُعرَف بـ”مدينة إسماعيل”؛
عاصمة الدولة، وعُرضت فيه قطع تبدو كأنها أثرية تاريخية زُعم أنها من الحفريات التي
جرت في أرض الشعب الإسماعيلي.
بعد ذلك، نقل الفنان عمله إلى عمّان، وتضمّن المعرض وثيقة إعلان التأسيس مطبوعة
ورقياً، وعرضاً لفيلم تسجيلي يوثق لحظةَ قيام الدولة، وتعريفاً بأعلام الدولة وشعارها “
الخنفساء”، إضافة إلى أوراق يمكن لزوار المعرض تسجيل أسمائهم عليها للحصول على
الجنسية أو “لمّ الشمل”.
ومن أعمال رائد إبراهيم المعروضة في دارة الفنون-مؤسسة خالد شومان بعمّان، واحد
بعنوان “جمل في الغرفة” استُلهم عنوانه من عبارة مجازية باللغة الإنجليزية
“Elephant in the room” أو “فيل في الغرفة”، تشير إلى الحقيقة الواضحة التي يتم
تجاهلها، أو الخطر المحدق الذي يتجنب الناس الحديث عنه. غير أن الفنان استبدل الجمل
في معرضه بالفيل؛ والجمل هنا يرمز بحسب الفنان إلى “النظرة الغربية النمطية تجاه
المنطقة العربية، وكيف نتماهى مع هذه الرؤى النمطية التي يتم حصارنا من خلالها عبر
التأكيد عليها والتعامل معها كحقائق أو مسلّمات”.
ويتضمن هذا العمل دمية على شكل جمل ضخم وُضعت داخل صالة العرض، لونها
ورديّ وزُيّنت بشكل يذكّر بالدمى التي تباع للسائحين كتذكارات.
أما العمل المعنون “رعب من؟”، فيُبرز تأثير أحداث 11 سبتمبر 2001 على الراهن، إذ
أدت هذه الأحداث إلى تداعيات كارثية واستقطاب سلبي في السياسة المعاصرة، حتى
أصبح هذا العصر يوصَف بـ”عصر الرعب” كما يؤكد إبراهيم. ويتكون هذا العمل من
أربعة أجزاء، في الأول ينتصب هيكلان عموديان على هيئة لفافتي تبغ من الماركة
الأميركية الشهيرة “مارلبورو”، وتعلوهما سحابة من الدخان الأسود الكثيف، في إشارة
إلى أحداث 11 سبتمبر التي خلّفت نتائج كارثية، ليس على الولايات المتحدة وحدها، بل
على العالم أجمع، وتحديداً على المنطقة العربية.
ويتكون الجزء الثاني من هذا العمل من هيكلين آخرين ملونين بالأسود، يعبّر أحدهما عن
برج التجارة العالمي، أما الجزء الثالث فهو مجسَّم ذو إطار مذهَّب كرمز للمنطقة العربية،
بينما يشبه الجزء الرابع ناطحة سحاب غير مكتملة، ويبدو أن دعامات البناء وعناصره
المستخدمة في التشييد قد تحولت مع الوقت من وسيلة إلى غاية، حتى أصبحت هي البناء
نفسه.
وتعكس هذه المجسمات معاني مختلفة، كفكرة الاستهلاك وسيادة العولمة.
تطرح أعمال رائد إبراهيم الذي تخرج في معهد الفنون الجميلة ببيروت، العديد من
التساؤلات المربكة، وهي أعمال تتسم بالجرأة وتمتلك روح السخرية، وتدعو بحسب
الفنان إلى “إمعان النظر من جديد في ما نؤمن به وما نتعامل معه كمسلّمات أو حقائق..
لعلنا نستطيع رؤية الأفيال أو الجمال اللذين يحتلان غرفنا”.
/العمانية /174