الشارقة، في 5 أبريل/ العمانية/ قال الشاعر العماني إبراهيم السالمي: إن مصادره فــي
البواكير تمثلت في القصيدة العمودية الكلاسيكية، فبدا كمن يعيش بين يدي أحمد شوقي
وشيخ البيان محمد بن شيخان السالمي والشيخ عبدالله بن علي الخليلي، ثم انتقل ليشتبك مع
قصائد أبي القاسم الشابي وإيليا أبي ماضي، قبل أن تشهد مرحلة دراسته الجامعية تحولاً
في التجربة اتسعت معها الآفاق والرؤى.
وأضاف السالمي في حوار أجراه معه الشاعر عبدالرزاق الربيعي، والمنشور في العدد
الـ(20) من مجلة القوافي التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة: “ما عساي أن أضيف
للقارئ إن تكلمت عن ثبات القصيدة العمودية أو إن تحدثت عن حداثة لغتها، أو إن اتخذت
المسار المعاكس وتكلمت عن نمو المفاهيم وتطور المعاني والدلالات، واستشهدت
بإشكالية القصيدة العمودية، أو احتفيت بشواهد على حداثتها؛ لشعراء حاضرين بقوة في
الساحة؟ كل ذلك لا يعنيني –كشاعر- في شيء. اليوم بضغطة زر من جهازك سوف تجد
الكثير من الكتابات والآرء والسجالات والنزاعات بين أنصار العمودية وأنصار النثرية
وأنصار التفعيلة”.
وأكد السالمي أن مهنته هي “كتابة الشعر”، وأنه تجاوز كل الإرهاصات والمقدمات
والنتائج المتعلقة بما بعد كتابة النص. موضحاً: “أنا شاعر وأقول النصَّ كما أعرفه، وكما
يستهويني، على قدر إدراكي بمختلف الأبعاد المحيطة بالنص من كلمات وصور وشاعر
ومتلقٍّ، وأدوات تقنية وفنية في تشذيب النص وتأثيثه وبنائه، وما يأتي بعد ذلك هو
للمتلقي وللناقد”.
واستذكر ما حدث في مقتبل حياته الشعرية، قائلاً: “كنت أرى المناوشات بين الأصدقاء
حول ماهية الشعر، لذا اصطففت لفترةٍ مع أنصار العمودية والتفعيلة ضد النثر، وأذكر
أنني في حوار مع أحد الزملاء الإعلاميين في النصف الثاني من التسعينيات قلت ممازحاً
بعض الكلمات بوصفها “قصيدة نثرية”، وكان قصدي الاستهزاء بالنثرية، ولكنه أخذها
بجدية من حيث لا يدري، ونشرها في الحوار الذي كان على مجلة الطلبة بجدار
الجامعة”.
وأوضح أنه مع زيادة مطالعاته وقراءاته ومشاركاته في الفعاليات الثقافية، بدأ يميل شيئاً
فشيئاً إلى أن جمالية الشعر لا تخفى على محبيه، ولو جيء به بلا تسميات، وبلا قوالب،
وتعلّم أن أهم ما يمكن الاحتفاء به هو جمال الصورة وجمال الكلمة، أما التسميات
والتحليلات والمقارنات والمقاربات؛ فـ”لها أهلها، فهم أهل النقد”، أما مهنته فهي “
الشعر”، وليس عليه ما يأتي به النقاد بعد كتابة النص.
وحول مدى مواكبة النقد للمدونة الشعرية في السلطنة، قال السالمي: “من خلال متابعتي
لما يُنشر؛ أرى أن النقد يسير بوتيرة خجولة داخل أروقة المشهد الشعري العماني بشكل
خاص، والثقافي بشكل عام، مع أن هناك مجموعة من الأساتذة الأكاديميين الذين اهتموا
بقراءات وأوراق نقدية في الشعر العماني، لكنني أجزم أن المشهد الثقافي ككل – في
مختلف صنوف الكتابة الإبداعية – يحتاج إلى النقد من أهل النقد، كي يتساوى مع كمية
الإنتاج الغزيرة في ساحة الشعر، وكي يتمكن النقاد من المساهمة في تطور ونمو التجارب
الشعرية الحديثة بالسلطنة”، مشيراً إلى أن القضايا الأكثر تداولاً؛ هي “قضية القالب
الشعري والمضمون، وقضية القديم والجديد والاختراع والمكرور، وقضية مضامين
الشعر والأخلاق والدين، وكذلك قضية المضامين الحسية في اللفظ والصورة الشعرية”.
وأكد السالمي أن حضور الشعر في السلطنة لا يقل عن حضور سواه في المشهد الشعري
العربي، وأنه يتفاءل كثيراً بعدد من الشعراء العُمانيين ويضعهم فنياً في أعلى المراتب
والمصاف ضمن المشهد الشعري العربي، مستشهداً بأمثلة من كل جيل: “كما كان لدينا
أبو مسلم البهلاني ومحمد بن شيخان والخليلي؛ لدينا اليوم سيف الرحبي وسماء عيسى
والمرحوم محمد الحارثي والدكتور هلال الحجري وحمود العيسري والدكتورة سعيدة
خاطر والمهندس سعيد الصقلاوي وحسن المطروشي والدكتور صالح الفهدي وفاطمة
الشيدية وعمر محروس وناصر البدري ومحمد قراطاس وغيرهم من الأسماء التي يمكن
أن يكون لها السبق في الوطن العربي”.
وحملت إطلالة المجلة عنوان “أسرار الفُكاهة ونوادرها في الشّعر العربيّ”، وكتبها د.
مهنا بلال الرشيد. وفي باب “مسارات” كتب د. شربل جرمانوس عن “الشعر العربي بين
الإيقاع والإنشاد”. واستطلعت د. باسلة زعيتر، آراء عدد من الشعراء والنقاد والباحثين
حول طباعة دواوين الشعراء.
وفي باب “مدن القصيدة”، كتبت الباحثة لامعة المحمد عن “قرطاج.. مدينة الفنون والشعر
والأساطير”، وفي باب “أجنحة” نشرت المجلة حوارًا أجراه الشاعر نزار أبوناصر مع
الشاعر علي مي الفائز بالمركز الثاني في جائزة الشارقة للإبداع العربي.
وفي باب “مقال” كتبت الشاعرة سارة الزين عن “الشعرية العربية بين القديم والحديث”،
وفي باب “عصور” كتب حمدي الهادي عن الشاعر لبيد بن ربيعة و”أصدق كلمة قالها
شاعر”. وفي باب “نقد” كتب الشاعر عقبة مزوزي عن “دلالة أسماء النساء في الشعر
العربي”. وفي باب “تأويلات” قرأ الشاعر حسن الراعي قصيدة الشاعر عمر الراجي “
هواجس من كل الجهات”. وفي باب “استراحة الكتب” تناول سمير الشريف ديوان “
أبازير” للشاعر د. راشد عيسى. وفي باب “الجانب الآخر” تطرقت د. حنين عمر إلى “
الأطباء الشعراء”.
واختُتم العدد بـ”حديث الشعر” لمدير التحرير الشاعر محمد البريكي، وجاء فيه: “هكذا
تنبت الكلمات في اللحظات التي يحس الشاعر فيها أنه محاصر بها، فالكلمات وحدها التي
تقول ما خفي من حياة الشعراء، لكن إذا كان للصدق جوهره وجماله في الشعر؛ فإن كذب
الشعراء حين يدَّعون ويقولون غير الحقيقة يفيض جمالاً آخر، هذه الذات الشاعرة الغريبة
التي تتخفى وراء الشجر؛ تجعل حياة الشاعر متقبلة، فهو ابن لحظته وابن المسافات التي
تسرق القلب، فيكتب دون وعي، لكنه يتفاجأ في نهاية الكتابة أنه أفرغ ما بنفسه من
شحنات انفعالية وقال الحقيقة دون أن يهتم”.
/العمانية /174