في أولى أيام شهر رمضان المبارك، ليس أعظم من أن نخصص هذا الشهر الكريم، لأشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حبيبنا المصطفى، نذكر شمائله، ونقطف أزهاراً من حدائق سيرته العطرة، نتقرب في شهر الرحمة من شفيعنا وحبيبنا، ورسولنا الكريم.
إن عظمة رسول الله ثمرة من ثمار النبّوة، يتمتع بكل صفات السمو والكمال الخلقي والعقلي والنفسي، لأنه نبيٌّ مرسل من الله تبارك وتعالى، لنعرف إسلامنا في حقيقة نبينا الأكرم وفهم شخصيته والظروف التي عاش فيها، الرسول الذي أيده الله بوحيه، ما يضع أمامنا الحياة المثالية والصبر والثبات على بلوغ الهدف الأسمى، فهل أعظم من أن يكون النبي محمد ملهمنا ومثلنا الأعلى، فهو قدوة للإنسانية أجمع، قال تبارك وتعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
في هذا الشهر الكريم سنتذوق من سيرة النبي وشمائله من عذب روحه ومقاصده، من عقيدة وأحكام وأخلاق، فهو معلمنا الأول استلهمنا منه سلوكنا، إن حياته نموذج رائع للخلق والسلوك والأمانة، وللأب والأخ والمربي والقائد، والجامع للحق والعدل، والجميع يعلم إن فهم سيرة النبي وسنته النبوية هما المفتاح الأول في فهم القرآن الكريم، ثم تطبيق أحكامه والعمل بها، السيرة النبوية هي بوابة المسلمين نحو التدوين من علوم حديث ومصطلحاته وعلم الجرح والتعديل وغيرهم، سيرة نبينا هي من حفظت مصادر الإسلام وينابيعها الأولى ولولاها لضاع إرثنا، قال تبارك وتعالى: (لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عنتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
لكن قبل الخوض في أي شيء، لا بد من معرفة تسلسل مصادر السيرة النبوية، وأولها القرآن الكريم الذي بين لنا الملامح العامة لحياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الثاني كتب السنة النبوية التي كتبها أئمة الحديث المشهورون والمعروفون بصدقهم وأمانتهم كالكتب السنة وموطأ الإمام مالك بن أنس، ومسند الإمام أحمد بن حنبل وغيرهم، والثالث، هم الرواة الذين اهتموا بسيرة النبي وحياته وخاصة الصحابة، وعليه إن السيرة النبوية التي نملك جاءت كتثبيت لأحداث السيرة بمقياس علمي يتمثل في قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بالسند والمتن وقواعد الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم وأحوالهم.
إن سيرة نبينا الأكرم ليست قصة نسردها في هذا الشهر الكريم، بل نتعمد ذكرها لنتعلم منها ونتعرف على مسالكها، وجميعنا يعرف هذه المعلومات في مجملها، لكن لماذا نحن مسلمون؟ ولماذا نحب رسول الله ونؤمن به وبالقرآن الكريم؟ هي أسئلة بسيطة لكن الغوص في تفاصيلها، تشرح وتوضح لنا الكثير، خاصة الجانب الروحاني الذي امتاز به نبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لماذا في ذكره تصفى نفوسنا وترتاح قلوبنا؟ هذه الأسئلة على بساطتها إلا أنها تحمل معانٍ كبيرة وثقيلة في ميزان أعمالنا، فكل مسلم لا يعيش الرسول بضميره ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره، مهما قال وعمل فليس له من الإسلام شيء، لنتحلّى بأخلاق نبينا ونكون عند حسن الظن، لنحول في هذا الشهر الفضيل، سيرة النبي إلى قصائد وتواشيح، والقرآن الكريم إلى ألحانٍ عذبة.
النبي محمد بن عبدالله، اسمٌ له وقعٌ كبير في نفوس المسلمين، له رنّة وغنّة، له معزة ومحبة، ولنبيّنا أسماءٌ عدّة:
محمدٌ معَ المُقفّي أحمدا *** الحاشرُ العاقِبُ والماحي الرّدا
وهوَ المسمى بنبي الرحمةِ *** في مسلمٍ وبنبي التوبةِ
محمد أشهر أسمائه وأشرفها لإنبائه عن كمال الحمد المُنبي عن كمال ذاته، سمي به مع كونه لم يؤلف قبل إما لكثرة خصاله الحميدة وإما لأنه تعالى وملائكته حمدوه حمداً كثيراُ بالغاً غاية الكمال، وأحمد، معناه أحمد الحامدين لربه، نبي الرحمة، قال تبارك وتعالى: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، ونبي التوبة، النبي الأمي الذي لا يكتب ولا يقرأ، وذلك في حقه معجزة وفي حق غيره عجزٌ، المبشر لأهل الإيمان بالرضوان في هذه الدار وفي دار القرار، والسراج المنير، به انجلت ظلمات الشرك كما ينجلي ظلام الليل بالسراج واهتدت بنور نبوته البصائر كما يهتدي بنور السراج الأبصار.
وهو ابن عبد الله عبدُ المطلب *** أبوهُ وهو شيبةَ الحمدِ نُسِبْ
أبوة عمرو هاشمٌ والجدُّ *** عبد مناف بنُ قُصي زيدُ
ابن كلابٍ أي حكيمٍ يا أخَيْ *** وهو ابنُ مُرَّةَ بنِ كعب بنِ لؤي
وهو ابنُ غالب أي ابن فِهْر *** وهو ابن مالك أي ابن النضر
وأبُهُ كنانةٌ ما أبركه *** والدُهُ خزيمة بنُ مُدركهْ
وهو ابن الياسَ أي ابن مُضرا *** إبنِ نزار بنِ معدٍّ لا مِرا
خص الله تبارك وتعالى نبينا الأكرم بالإيمان والهداية، ووعي العلم والحكمة، ونشر الرسالة، قال تعالى: (وأطيعوا الله والرسول)، ورمضان شهر خير وبركة، حباه الله تعالى بفضائل كثيرة، منها: أن الله عز وجل أنزل فيه القرآن هدى للناس، ورحمة وشفاء للمؤمنين، قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).
لنغتنم أيام وليالي الشهر المبارك بالاقتداء برسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان