اريد أكون مشهور
في أحد البرامج التدريبية التي أقدمها للناشئة اكرر دائما إستثارتهم بشأن ما ينظرون فيه أنفسهم عندما يكبرون – وتلك عادة مورست علي شخصيا وأحب ممارستها الآن – وطبعا أتوقع الإجابات المفوهة المعتادة فذاك يريد أن يكون مهندسا والثاني طبيبا والثالث مصمما إلا أنني وجدت إجابة تزاحم نظيراتها بشدة وتكاد تكون الغلبة لها في ذهن الناشئة وهي (أريد أكون مشهور ! ).
من السذاجة في وقتنا الحالي تجاهل تأثير من يطلقون على أنفسهم مشاهير ( السويشيل ميديا ) في التكوين الفكري والقيمي عند الناشئة وقبل عشرين سنة كان ينظر إلى الأسرة والمسجد والنادي كمؤثرات يحسب لها ولي الأمر ألف حساب في تنشئة من يليه وبعدها تطور الأمر لتظهر مواقع التواصل الإجتماعي كمنصات أخذت حيزا كبيرا من اهتمام النشء لنصل الآن إلى مرحلة أعمق تظهر فيه قوة ناعمة لها مفعول قطرات منسابه مستمرة تتمثل في أولئك المشاهير الذين يجب أن نعترف لهم بالغلبة ما دام الفضاء الإلكتروني متاحا والخبر المؤسف أنه لا يمكن الأخذ بسياسة المنع والمصادرة لأن ذلك ليس سوى حل مؤقت يرى أنه ناجع وفي حقيقة الأمر هو مجرد تخدير موضعي وعليه فلا مفر من سياسة المهادنة ومداوة الفكر بالفكر.
لأ أريد أن تفهم عزيزي القارئ أنني انظر لأولئك المشاهير كشر محض فهناك الفئة الصالحة التي لها مريدوها وليست المشكلة في رغبة كل شخص بأن يكون مشهورا فذلك من تبعات كل من يقدم جهدا وإضافة في مجتمعة وهي مرحلة تأتي ولا تطلب ولا تكون أمر مباشرا يمنحه مارد المصباح في لحيظات وهنأ تكمن المشكلة بأن النشء ينظر للنتيجة النهائية دون التفكير في ما قبلها فتظهر العبارة (الميكافيلية) المشهورة بقوة وهي أن الغاية تبرر الوسيلة ومع تباينات الوعي الفكري تظهر الانحرافات التي لا يشاد بها لدى العاقلين ولكنها تحقق (ترند) يجذب الإعلانات ذات المردود المالي المجزي الذي يغري ويسيل اللعاب له ويظهر القلق لدى معشر المربين في ملامح وجه واجم ولسان الحال يقول : ما الحل!
ما ينتقد الآن لدى المربين هو اعتماد ما يرونه نصحا وارشادا في إقناع أنفسهم أنهم قاموا بما عليهم وعلى كثرة جرعات النصح والإرشاد تلك تتزايد حدة الانحرافات الناتجة عن التيارات الفكرية الهدامة عبر مواقع التواصل الإجتماعي وما يعيب مرحلتنا هذه إظهار الامتعاض بالكلية لتداول الناشئة عبر الساحات الإلكترونية وبهذا يتحول ذلك إلى خصام وهو فيه الخصم والحكم ولذلك فإن من أبواب المعالجة خوض غمار عالم (السويشيل ميديا) من باب مزامنة الفكر لتوحيد الصفوف انسانيا ومن ثم معالجة مكامن الخطر وذلك مثل ما قام به شجعان الإغريق في حصان (طراوده).
في ذات الصدد يجب إعادة بناء منظومة المدخلات التربوية لتلعب فيها أدوات الواقع الإفتراضي دورا فاعلا يواكب ميول الناشئة واهتمامهم وذلك ليس من الباب الترف و(الخقه) بل من باب تقليل الفجوة الحاصلة لدى الناشئة حاليا واستعدادا لمتغيرات الواقع الافتراضي التي بدأت طلائعه تتجلى من خلال شبكات الجيل الخامس التي ستغزو العالم وما ستقدمه في إطار تطبيقات (انترنت) الأشياء والذكاء الصناعي وغيرها.
وعودا إلى تلك الامنيات التي اريدها مجرد امنيات للناشئة الذين يريدون الشهرة – دون تقديم الإضافة لمجتمعهم – وفي ذات الوقت اريدها أرجاء تكتسب وذلك هو السر ومفتاح اللغز الذي حير الكثير وساعتها سأكون مبتسما عندما أسمع من ناشئ متحفز الهمة وهو ينطق بالحق قائلا : (أريد أكون مشهور).
محمد بن عبدالله سيفان الشحي
٦ سبتمبر ٢٠٢٢ م