كل يوم أكتشف حال الأمة الذي وصل إلى القاع، إلى الحضيض والدرك الأسفل، لا رهبة لحي ولا رهبة لميت، لا رهبة لدين ولا رهبة لشيء، انحطاط مجتمعي مخجل، معيب، وما يحدث لنا، نتاج طبيعي جراء ضحالة هذا البعض الكثير.
سياسياً، يجب أن يوحدنا الموقف، لكن خلافاتنا تعمقت، واجتماعياً كان من المفروض أن نحظى بتضافر جهودنا سوياً، لكن تفرقنا أكثر، الأخ يقاتل أخاه، والخصومات في ازدياد، لماذا كل هذا؟ لكن قلت في نفسي، ربما يجمعنا الموت رغم ألمه، حتى في الموت الذي هو حق على كل إنسان، لم يستطع جمعنا سوياً.
عندما استشهد شهيد المحراب الشيخ الدكتور، محمد سعيد رمضان البوطي، نظروا إليه كمقرب من السلطة، ولم ينظروا إلى علومه ومؤلفاته وإيمانه ووقته الذي سخره كداعية إلى السلام، لم يذكروا أنه كان متألماً على وطنه، ولم يعرفوا سكنه لم يكن يسكن قصراً، بل منزلاً متواضعاً جداً، لم تبدو عليه كحال المقربين من السلطة فعلاً علامات الثراء وما شابه ذلك، وربما دفع ثمن مواقفه من دمه، لأنه اختار البقاء على محرابه الذي علّم فيه الآلاف لأنه رجل وطني بامتياز، لكن بسبب الخصومة انقسمت الآراء، وباتوا وكلاء الله تعالى على الأرض يجيزون ويفتون يحللون ويحرمون.
ذات الأمر تكرر مع الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى، عندما تناسوا عمداً علمه وقضاياه التي هي أكثرمن أن نحصيها، وأدخلوا السياسة في حرمة الموت، فهو أعلم علماء الأرض في العصر الحديث، من الناحية الفقهية، والتأصيل، وهو من أهم علماء مقاصد الشريعة الإسلامية ومؤلفاته خير شاهد، بصرف النظر عن أي مواقف أخرى، فالشيخ القرضاوي رحمه الله، كان رجل أمة، فلو كان منكم عاقلاً واحداً، لرحم الأحياء قبل الأموات، لكن لأنكم ومع شديد الأسف، لا تفقهون ألف باء الدين والإيمان، أصبح التدين مرتبط بمن يدفع أكثر، حتى من الممكن تغيير الدين مقابل المال، الأموال هي الدين للبعض الكثير، الذي يرى في العلماء بحسب مواقف سياسية ما لا يراه بمن دفع له ليخرج ويتكلم هكذا.
وأكرر، كان الراحل الامام الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
أو العلامة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، هما بشر، ليسا معصومين عن الخطأ، فإن حدث خلاف جوهري في السياسة، لا يمكن أن يسقط المكانة العلمية لكليهما أو لأي عالم إسلامي آخر من أي مذهبٍ كان.
في اليمن، لا نجد أولئك الذين يقيّمون درجات الموت، وفي سوريا، آلة القصف تعمل حتى الآن، لكن ما من مهتم وفي فلسطين حقاً لك الله يا فلسطين، يكفي تنظير ويكفي استهتار بحرمات الحياة والموت، في هذه الدولة أنت ضد نظامها تقف مع الطرف الآخر، وفي هذه الدولة ترى في ثورتها أنها خطأ بينما ذاتها في دولةٍ أخرى ثوارها على حق، وهذا مرده الطائفية التي في صدوركم، والتي يبدو لو بنينا منازل على القمر لن تخرج من صدوركم.
لكنكم كشعوب أفهم أن هناك كهنوت للسطلة يسير بعضكم الكثير، لكن من يدعون أنهم رجال دين، عار عليكم استغلال الدين لأجل المال ومصالحكم، لطالما تعلمنا من الإسلام المسامحة والتواضع والإخاء والمحبة، لكن إسلامكم هذا مع كل تبحري في العلوم الدينية لم أجد له مثيلاً.
بالتالي، إن النفس الطائفي لدى البعض الذين هم وبكل أسف محسوبين على الأمة الإسلامسة (زيادة عدد)، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، في تعليقاتهم وتغريداتهم حول أي مناسبة كانت لا تتفق وأهوائهم أو عقيدتهم، تغلب الطائفية في ردودهم حتى في الموت لا رهبة ولا احترام ولا خوف من الخالق عز وجل، وكما تقول هذه الأبيات:
هم يحسدوني على موتي فوا أسفي *** حتى على الموت لا أخلو من الحسد
أخيراً، رحم الله علماء أمتنا وشهدائها، رحمنا الله من أمثالكم وأبعدكم عنا، لأن النصيحة لمثل هذه الشرائح لا يمكن لها أن تكون مفيدة، فالموضوعية والإنصاف خاصة من أدعياء الثقافة، تذكروا قوله تبارك وتعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب إلى التقوى)، فالعادل عو من يعترف بالخطأ والصواب، فلا تدعوا الخلافات تغير حقيقة أننا أمة واحدة، فرحم الله علماء الأمة ورحم الله العالم محمد سعيد رمضان البوطي، شهيد المحراب، والعالم المقاصدي، الإمام يوسف القرضاوي،
عبدالعزيز ببن بدر القطان