تقوم السلطنة ممثلة بالمؤسسات ذات الاختصاص والتداخل بتأمين الملاحة في مناطق السيادة والنفوذ العماني وعلى رأسها البحرية السلطانية في مختلف مناطق السيادة الوطنية العمانية بكل مهنية، ومن ضمنها الملاحة في مضيق هرمز، والذي هو جزء لا يتجزأ من المياه الاقليمية العمانية، وقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على هذا الدور بقوله:- أيها المواطنون. (لا شك أنكم سمعتم الكثير عما قيل بشأن أهمية مضيق هرمز الذي هو جزء من مياهنا الإقليمية… لذلك فإن عمان تعهدت بالدفاع عن حق جميع السفن المسالمة بالمرور عبر هذا المضيق، وهذا واجب علينا وفقا للقانون الدولي، فإذا تعرض المضيق للخطر فإننا في عمان لن نتردد في الدفاع عن سيادتنا الوطنية وسلامة الملاحة الدولية)(1)
و(باستثناء حق المرور العابر فإن المضيق يخضع كليا لما تخضع له باقي المجالات البحرية العمانية – نظرا لوقوع الممرات البحرية في المياه الاقليمية العمانية – بحيث تمارس سلطنة عمان سيادتها على المجالات البحرية العائدة لها وعلى القاع وما تحت القاع وعلى الحيز الجوي الواقع فوق هذه المجالات) (2) طبعا دون مساس هذه السيادة بحقوق بقية الدول في المرور العابر، وهو ما قامت به الدولة العمانية طيلة عقود في هذه البقعة الهامة والحساسة جدا من رقعة الشطرنج الدولية، والتي تعتبر بمثابة عنق الزجاجة لمرور نسبة كبيرة من النفط الدولي.
ولله الحمد كان للدور العماني الهام والبارز الفضل الكبير في استقرار الأمن البحري في منطقة تعد الأكثر سخونة وفوضى على المستوى الدولي وهي منطقة الشرق الأوسط، حيث لم يقتصر هذا الدور على الجانب الأمني والعسكري بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وهو الدور السياسي والدبلوماسي الذي كان له سبق التقدم في احلال السلام والامن والاستقرار في هذه المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي، عبر العديد من المبادرات والمقترحات والمشاريع المتعلقة بتأمين الملاحة في عموم المنطقة وفي مضيق هرمز خصوصا.
فأما عن الجانب الامني والعسكري فقد لعبت البحرية السلطانية العمانية والجهات ذات الصلة والاختصاص والتداخل بالأمن البحري ذلك الدور القيادي الايجابي عبر أنشطة ومهام غاية في الأهمية يقع على رأسها (تأمين الأمن والاستقرار في البحر الإقليمي والمياه الاقتصادية الخالصة، فهي تقوم بأدوار رئيسية في مجال الأمن البحري من خلال تنفيذها لدوريات استطلاع على طول الشريط الساحلي وفي البحار الإقليمية العمانية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وكذلك القيام بدوريات مختلفة لرصد أية أنشطة غير مشروعة، وضبط أية أهداف مشبوهة بالمنطقة، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية البحار الاقليمية العمانية والمنطقة الاقتصادية الخالصة والموانئ والمنشآت البحرية. وكذلك تفتيش السفن عند الاشتباه بها وفقا للقواعد المتعارف عليها دوليا، اضف إلى ذاك مكافحة الهجرة غير المشروعة (التسلل)، الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة وأنشطة التهريب، القرصنة البحرية، الإرهاب البحري، الصيد غير القانوني/ الصيد الجائر، تلوث البيئة البحرية، الأزمات والنزاعات العسكرية، التغير المناخي، إعاقة طرق الملاحة الدولية، من أجل تأمين حرية الملاحة في البحار الاقليمية العُمانية)(3)
أما فيما يتعلق بالجانب السياسي والدبلوماسي فلم يكن اقل من الدور الامني والعسكري، بل كان موازيا وداعما له وبكل قيادية ومبادرة، فقد لعبت السياسة الخارجية العمانية دور غاية في الاحتراف والمهنية المعهودة خصوصا فيما يتعلق بالمحافظة على المبادئ الامنية الموجهة للسياسة الخارجية العمانية عبر ترسيخ اسس الرؤية العمانية لأمن الخليج العربي خصوصا والمنطقة بوجه عام، والاهم من ذلك تلك الآراء والمقترحات السياسية والامنية التي طرحتها في وقتها بهدف تحقيق ذلك، اي امن الملاحة في منطقة الخليج، والتي لو تم تنفيذها في حينها، لكان لها الدور الحاسم والمانع للعديد من العقبات والمشاكل التي تعاني منها الملاحة في وقتنا الراهن، خصوصا جانب التدخلات الدولية عبر شماعة حماية الأمن البحري الخليجي من جهة، والمحافظة على خطوط الملاحة والمصالح النفطية للدول الكبرى في المنطقة من خطر الارهاب والقرصنة.
فقد قامت الرؤية العمانية لأمن الخليج العربي على اسس مهنية بحتة تم فيها مراعاة العمومية وترسيخ اسس الأمن القومي العربي وتحقيق القدرة الدفاعية المتقدمة والتفكير الاستشرافي المستقبلي للدول الخليجية، ومن أبرز تلك الأسس: التنسيق والتعاون من جهة وايجاد اكبر مساحة ممكنة من التفاهم والتعاون والاستقلالية بين دول الخليج من جهة اخرى عبر تلك المبادرات والمقترحات العمانية المطروحة لتحقيق ذلك.
ومن أبرز الأدلة والبراهين التاريخية على الدور العماني الايجابي في هذا الاتجاه، اقصد المحافظة على أمن وسلامة واستقرار الملاحة في منطقة الخليج العربي عموما، ومضيق هرمز خصوصا وكذلك تأكيد السلطنة على دورها السيادي ورفضها للتدخلات الدولية في امن المنطقة، وفيما يتعلق بهذه القضية على وجه الخصوص طرحها العديد من المبادرات والمقترحات الامنية والسياسية والتي – للأسف الشديد – لم تجد لأغلبها قبول من دول الخليج العربية في ذلك الوقت، ومن ابرز تلك المواقف والمبادرات العمانية (ان سلطنة عمان وفي العام 1976 طرحت فكرة اقامة قوة عسكرية خليجية تسهم فيها الدول الخليجية مع حرية كل دولة في اختيار نظامها السياسي والاجتماعي والتعاون في ما بينها) (4)
ولا ننسى ما طرحته عمان كذلك في العام 1979م كمشروع فني لتأمين الملاحة في مضيق هرمز، و(الذي أطلق عليه بالمشروع التقني العماني، والذي يقترح الحصول على كاسحات ألغام وقوارب خفر ساحلية وطائرات استطلاع ومعدات اكتشاف الكترونية)(5) كما (تقدمت سلطنة عمان بمشروع لمد خط نفط استراتيجي يربط حقول النفط في شمال الخليج ابتداء من حقول نفط الكويت وصولا إلى خليج عمان عبر الاراضي العماني غير ان هذا المشروع لم ينفذ)(6) يضاف إلى ذلك رفض السلطنة كل مقترحات بريجينيف بشأن أمن الخليج والتي اعتبرتها بمثابة اعتراف رسمي بوجود قواعد سوفيتية في المنطقة ومحاولة للتدخل في الشؤون الخليجية .
وكذلك شكلا من أشكال الاستعمار والاحتلال الغربي للمنطقة.
جانب آخر وهو ان السلطنة لم تكن ولن تساوم حول هذا الدور او تزايد عليه او تعمل وفق مجاملات سياسية لدول كما يدعي بعض الجهلة بالتاريخ السياسي، بل كانت تعمل وفق قيم سياسية ومبادئ امنية وطنية راسخة على رأسها ان سيادتها وامنها الوطني فوق كل الاعتبارات والتحالفات، وان سيادتها ليست مجالا للمساومة مع احد كما سبق الاشارة بل هي أولوية قصوى، وهو ذات النهج حول رؤيتها إلى امن الخليج العربي عبر بوابة مضيق هرمز والتي تقع تحت السيادة العمانية، وقد اكد على ذلك جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في اكثر من محفل ومناسبة وموقف سياسي عربي وقومي، والتاريخ شاهد على تلك المواقف العمانية، وليس أكثر من شواهد التاريخ دليل على ذلك لمن أراد النظر بعين الانصاف لنفسه قبل غيره.
1 – خطاب جلالة السلطان بمناسبة العيد الوطني التاسع بتاريخ 18 / 11 / 1979م
2 – ياسر عبدالله السلامي , الوضع القانوني لمضيق هرمز في ضوء قواعد القانون الدولي الجديد للبحار, اطرحه جامعية في القانون , الجامعة الاردنية , عام 1990م
3 – مهام وأدوار البحرية السلطانية العمانية في عمليات الأمن البحري , موقع مركز الأمن البحري العماني , تاريخ الدخول :10 / 8 / 2019م , رابط الموقع :http://www.mod.gov.om/ar-OM/MSC/Pages/navy.aspx
4 – سجل العالم العربي – وثائق لأحداث واراء دار الابحاث للنشر , بيروت / لبنان , بدون ” / 1975م
5 – لمزيد من التفاصيل انظر :- محمد بن سعيد الفطيسي , التوجهات الكبرى في بنية النظام العالمي وتأثيرها على المبادئ الامنية الموجهة للسياسة الخارجية العمانية , مكتبة الضامري للنشر والتوزيع , السيب / سلطنة عمان , ط1 / 2018, ص 197 , كذاك : خليل الياس مراد , حرب الخليج وانعكاساتها على الأمن القومي العربي , دار الحرية للطباعة والنشر , بغداد/ العراق , بدون ط / 1987
6- د. علي بن احمد العيسائي , ازمة الملاحة والمرور في مضيق هرمز , مكتبة الضامري للنشر والتوزيع , السيب/ سلطنة عمان , ط1 / 2014م
محمد بن سعيد الفطيسي
#عاشق_عمان