هل يمكن ان تتجرأ السلطة المصرية على بيع قناة السويس؟
هذا هو السؤال المفزع الأكثر تداولا بين المصريين على امتداد الايام القليلة الماضية، بعد الاعلان عن موافقة البرلمانالمصرى على تعديل قانون يخص الهيئة العامة لقناة السويس ويبيح لها القيام ببيع اصولها.
ورغم كل البيانات الرسمية التى حاولت ان تطمئن الرأى العام بانه لا مساس بالقناة، الا انها فشلت فى اقناع غالبيةالناس وطمأنتهم، بسبب غياب مصداقية وشفافية السلطات والحكومات المتعاقبة على امتداد عقود طويلة.
1) ولأن المسألة تتعلق هذه المرة بقناة السويس قدس الأقداس الوطنية وأهم شريان من شرايين مصر الأمنيةوالاستراتيجية والتمويلية، والتى كان تأميمها هو “أم الانتصارات” فى تاريخنا الحديث، وأيقونة استقلالنا الوطنى،وشرارة لانطلاق ثورات التحرر والاستقلال لكل شعوب العالم الثالث.
2) ولأن القانون ينص صراحة على الحق فى بيع اصول صندوق هيئة قناة السويس، بعد ايام قليلة من صدور بيانصندوق النقد الدولى فى 16 ديسمبر الجارى، حول حيثيات الموافقة على القرض الجديد لمصر والذى ورد فيه بالنص((إتاحة تمويل إضافي لصالح مصر .. من شركائها الدوليين والإقليميين .. من خلال عمليات البيع الجارية للأصولالمملوكة للدولة ..))
3) ولأن تأسيس الصناديق الخاصة للمؤسسات والهيئات العامة هى البوابة الخلفية والحيلة المعتادة التى تستخدمهاالسلطات منذ سنوات لابعاد تصرفاتها وصفقاتها وقراراتها عن أعين ورقابة البرلمان والراى العام.
4) ولأن الموضوع كله يحيطه غموض تام، من أول نصوص القانون وعباراته المراوغة مرورا بتوقيته وانتهاء بالاسبابالحقيقية وراء اصداره.
5) ولأن لدينا عقدة تاريخية عميقة من القروض والديون منذ القرن التاسع عشر انتهت بسقوط مصر فى براثن الهيمنة الاقتصادية والاستعباد المالى ثم الاحتلال على امتداد ما يقرب من مائة عام.
6) ولأن جروح التفريط المصرى الرسمى فى جزيرتى تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، لم تندمل بعد، ولنتندمل.
7) كما أن للسلطات المصرية على امتداد الخمسين عاما الماضية تراثا طويلا من التنازل والتفريط فى حقوق مصرواراضيها ومواردها الوطنية ومصالحها العليا وامنها القومى، بدءا بخضوعها للشروط المجحفة التى وردت فى اتفاقيةالسلام المصرية الاسرائيلية من انحياز الى امن (اسرائيل) على حساب الامن القومى المصرى، ومرورا بالامتيازاتالسياحية التى حصلت عليها (اسرائيل) منذ 1989 من حق دخول سيناء والتنقل على شواطئ خليج العقبة لمدةاسبوعين بدون تأشيرة. وكذلك تلبية الطلب الاسرائيلى الذى سبق ان رفضه مبارك وطنطاوى باخلاء المنطقة الحدوديةالشرقية فى سيناء. وصفقات بيع الغاز المصرى لاسرائيل بابخس الاثمان ايام مبارك، ثم العودة لاستيراده منها منذ2018 فى صفقة بلغت ما يزيد عن 15 مليار دولار. وتفكيك الاقتصاد الوطنى وضرب المنتجات المصرية وتصفية الصروحالصناعية الكبرى من شركات القطاع العام، والخضوع لشروط وتعليمات صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه واضعافهوتخفيض والغاء الدعم منذ 1977 الى اليوم، وغيره الكثير.
8) ولأن المصريين يعلمون ما تتعرض له الدولة من الدائنين ومؤسسات الاقراض الدولى وعلى رأسهم الصندوق فىقرضه الاخير، من ضغوط على رأسها تعليماتهم ببيع اصول الدولة كما ورد حرفيا فى بيانه الاخير المذكور عاليه، كمخرجمزعوم وخبيث ومغرض من الازمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد فى الآونة الاخيرة والارتفاع الهائل غيرالمسبوق فى الديون وفوائدها والنقص الكبير فى رصيد الدولة من الدولارات، والارتفاع الكبير فى اسعار السلعوالخدمات، والغليان المكتوم فى صفوف الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
9) ويعلمون أن هؤلاء الدائنين ليسوا سوى الاستعمار الاقتصادى الجديد ورثة وخلفاء الاستعمار القديم، وهم خبراءومتخصصين فى الاستيلاء على موارد وثروات واصول البلدان النامية.
10) كما يعلمون الضعف الشديد منذ السبعينات فى مناعة الدولة المصرية ومؤسساتها أمام الاملاءات الخارجية،خاصة اذا كانت تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الامريكية او الاسرائيلية او الديون الخارجية و رؤوس الأموال الأجنبية.
11) ويعلمون ان البرلمان المصرى والغالبية العظمى من نوابه موالون وخاضعون لمؤسسات السلطة التنفيذية وعلىاستعداد لتمرير اى قانون او تشريع او معاهدة او صفقة او قرار رئاسى بدون رفض او معارضة او تدقيق او تعقيب اوحساب حتى لو كان فيه تخلى عن اراضى مصرية او اضرار بمصالح الدولة وامنها القومى مثلما حدث فى تيرانوصنافير عام 2016 وحدث من قبل فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 وما بينهما وما بعدهما.
12) ويعلمون ان الدولة قد احكمت قبضتها على الحياة السياسية وعلى كل الاحزاب والشخصيات المعارضة وانهاتهدد على الدوام بقدرتها على الزج بالمئات والالاف من المعارضين فى السجون لسنوات طويلة فيما لو تجرأوا ورفضوا اىصفقة من صفقاتها، وتجربتهم مع تيران وصنافير خير شاهد على ذلك.
لكل هذه الأسباب وغيرها، يعيش المصريون هذه الأيام حالة من القلق والفزع غير المسبوق على مصير قناة السويس،ولأول مرة منذ سنوات يتداعى الجميع لمراقبة الموقف والتحقق من خفاياه، والاستعداد لكل السيناريوهات، والتحذير منالسيناريو المحتمل والأسوأ بوجود نوايا او صفقات غير معلنة مع أطراف غير معلومة، للتفريط فى حقوق مصروسيادتها الوطنية على قناة السويس وربنا يستر.
محمد سيف الدولة