من دون ترتيب مسبق لتلك الكلمات التي انقلها من أطراف اصابعي إلى دفتري الذي تتجرد فيه ذاتي من كل تواصل مع العالم الذي يحيطبها وتتعرى كل أبجديات الأحرف لكي تسطّر عبارات ليست مفهومة بالنسبة لي من أول وهلة وحين تستعيد أصابعي حريّتها تتضح لي بعدذلك تلك الجمل التي أعيد قراءتها مرات ومرات حتى أتمكن من فهم طلاسمها.
هناك صوت خافت من بين حنايا الروح يهمس في وجداني لكي انظر بعقلي وأسمع بقلبي فالعين كاذبة والسمع خوّان، شعور بداخلييحدثني بوجود الله الدافئ في نبضات قلبي وفي جريان دمي وأنفاسي … اليقين بداخلي يتسلل في كل وجداني فكلما انتابني شعوربتبعثر أوراقي أشعر بأمان يزيل بقايا الخوف من كل شيء بداخلي، لأن الله معي ويسمعني، فتترتب على ضوء ذلك أوراق أيامي الباقية،وينتهي ما ظننته شتات قد لامس أقداري.
حديثنا، صمتنا، تمتمات شفاهنا ونظرات أعيننا، وتلك الأنفاس بحشرجتها تتمثل في جسد أحدنا لتبلغ من وقفوا لأخذ المواساة فيمن رحلوا،وأخرى تجسد ذلك المشهد في مسرحية الأيام العابرة بأقدارها لواجب عزاء لواحد منا كان بالأمس واقفاً ها هنا ليُحمل اليوم في موكب عزاءمهيب آخر.
نغمض أعيننا عن الحقيقة، ونمني أنفسنا بطول العمر، ونتجاهل بأننا بإرادتنا تجاهلنا حقيقة ذلك الرحيل الواجب علينا، فكل شيء راحلحتى الألم والفرح كليهما راحلان بعد رحيلنا، فليس لهما مكوث في أرواح فارقت معابدها، ولا حتى لهما حق البقاء الدائم في هذا الوجود.
لقد لوحت بيدي مودعاً لكل آلامي وآهاتي، وتركت خلفي لوحات حزن رسمتها أيادي الزمن العابث، وبدأت أتحسس طريقي للسمو بروحيالعاشقة لوهج ذلك الخلود، وفي ذلك المكان الذي أتردد إليه كلما اشتقت لمن يؤنس وحدتي ويسامرني.
هناك تعودت أن أخيط جروحي من الداخل، لأنه لا يوجد أحد يعرف حقيقة وجعي وشدته مثلي أنا، فأي يد أخرى تحاول أن تمتد لمجردالمحاولة لتلمس جروحي سوف تؤلمني ولن يحتمل صبري الألم.
هي كذلك آهاتي مكتوب لها أن تعدوا في سباق مع زمن اللحظات، فالنوم لا يؤجل سفرها، ولا تسارع الخطوات يجعلها تتخطى مراحلها،نظن بأننا نصارح أنفسنا بحديثنا معها، وهي تدرك بأن الصراحة ليس لها وجود في قواميسنا سوى قهقهت نمارسها من تحت خيوط الجرحمن الداخل، إنما هو من يختار كل واحد فينا ليعبث في كل أنفاسه ويشق طريقه ويحركنا كيفما يشاء ومتى ما يشاء ويأخذنا معه دون عناءالسؤال منا.
بين الوجود والخلود مسافات لا يدركها المرء إن لم تغادر روحه الجسد لتعود إليه فيما بعد لتخبره بسر ذلك الخلود، أنا تقبلت فكرة الموتببساطة، ولا يهمني اليوم والتاريخ والتوقيت ولا حتى المكان من ضمن اهتماماتي، كل ذلك لا يغير من مشهد خروج الروح شيء، فهيبالنسبة لي مجرد مسميات لمراحل أدوات قدر محتوم عابث بمفاهيم لحظات الوجود لينتقل بعدها إلى ذلك الخلود المنشود.
ذلك اليوم لن تتغير فيه مسميات جمعاته التي يلتقي فيها الجمع يحتشدون ليوم لربما يكون فيه قيامتهم وهم لا يشعرون بصفحات أيامه، ولاحتى لهم في فهم معنى تلك اللحظات التي أشعر بها وأنا معهم أو بدونهم، فكل ما فيني يترقبها بعد كل شروق وانتصاف وغروب، لعلهاتكون اللحظة التي أكون في انتظارها مغمض عيني في ذلك المكان وتلك الزاوية التي لا يعرفها أحد غيري.
حبر مسكوب على صفحات الأيام، سرعان ما يجف وتتجلى كلماته على أسطر دفتري القديم الذي ما زال ممتلئ بالصفحات البيضاءالفارغة، كلما حاولت أن أملئه بالأحداث تقفز الذكريات لتمحو ما تمت كتابته … هكذا أنا “عندما أكون مع نفسي”.
حمدان العدوي