ها هي مأذنة جامع بهلا تعانق السماء من جديد ليرتفع منها صوت الحق منادياً الله أكبر، وها هو جامع بهلا يعود أكثر قوة وصلابة ورحابة وجاذبية بعدما تم هدمه في عام ٢٠١٤م وتركته البلد وزر أثراً بعد عين ..
فظل هذا الصرح في غياهب المجهول ردحاً طويلاً من الزمان بسبب ممانعة اليونسكو على ارتفاع المأذنة، وتحججها بأن المأذنة ستسحب المشهد البصري عن قلعة بهلا، فيا للعجب أن تتدخل هذه المنظمة حتى في منظومة شؤوننا الدينية..
وما أن فُرِجَتْ هذه الممانعة بعد مطالبات ملحة ومستميتة.. إلا وأعقبها الإصطدام بصخرة العجز المالي العتيدة ، بعدما ذهب المبلغ المرصود له لمآرب أخرى، ليعود حلم بناء الجامع ثانية إلى النوم العميق..
واستمر أهالي بهلا يذرفون دموع الحزن عندما يمرون على مكان الجامع، وقد تحول إلى أرض مهجورة، حتى أجمعوا أمرهم على إعادة بناءه بالجهود الذاتية، أسوة بالعديد من المشاريع التنموية التي نفذوها كبناء الجوامع والمساجد ومدارس القرآن الكريم والسدود وغيرها من الإنجازات التي أحدثت نقلة نوعية وحققت أهدافها المرجوة..
فشهد عام ٢٠٢١ م بداية مشروع بناء جامع بهلا، في ملحمة رائعة تسابق أهل الخير في مد أيديهم للمساهمة في بناء هذا الصرح الديني الكبير..
وبافتتاحه اليوم وأداء أول صلاة جمعة بعد إعادة بناءه .. يعود الجامع مرة أخرى إلى المشهد البهلاوي متمركزاً في قلب الولاية، يؤدي رسالته الدينية المقدسة، وينثر عبقه الروحاني الماتع، ويعطر الأرجاء بنفحاته الزاكية، ويسامر حصن الطماح المهيب، ويعضد النشاط الاقتصادي في الولاية، ويجدد ذاكرة الزمان والمكان منذ نشأته الأولى، وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مؤكداً بالدليل القاطع على أهمية الاعتناء بهذه المرتكزات الدينية وإعمارها فهي بيوت الله في أرضه، وروح المسلم التي تطمأن فيها نفسه، ويخشع فيها قلبه، وهي مدارس إيمانية تهوي إليها الأفئدة والقلوب..
فحمداً لله على تمام النعمة، وبلوغ الأمنية، وتحقق المقصد والهدف، وشكراً بحجم السماء التي ستعرج إليها صيحات الأذان، وبعدد الصلوات التي ستؤدى في هذا الصرح، وبعدد الركوع والسجود، وقطرات دموع المصلين، لكل من أسهم في بناء جامع بهلا مادياً ومعنويا ومتابعة، ضارعين إلى الله أن يجعلها في موازين حسناتهم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أن أتى الله بقلب سليم،إنه سميع مجيبالدعاء.
(الصورة بعدسة المبدع عبدالله العبري)
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي
الجمعة الغراء ٢٤ شعبان ١٤٤٤
الموافق ١٧ مارس ٢٠٢٣ م